خاص: إعداد- سماح عادل
القراء على اختلافهم يتفاعلون مع النصوص الأدبية، وتتفاوت درجات تفاعلهم ما بين التعلق بالأحداث التي تجري داخل النصوص، أو بمعايشتها واستخدام الخيال في رسم صور للمشاهد التي تحكيها النصوص، أو التشبع معرفيا ونفسيا منها، أو الشعور أن تلك النصوص قد لامست عمق قارئ مما يدفعه إلى البحث النهم عن كاتب هذا النص وكأنه يعرفه منذ زمن أو بود في التعرف عليه بشكل أعمق.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا أسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان ثم طرحنا أسئلة في نفس السياق على القراء وهي:
- كقارئ هل انتابك نوع من الهوس تجاه كاتبة ما.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياتها أو حياته، أو اهتميت بها- به خارج حدود نصها- ه؟
- هل سعيت للتعرف على الكاتب- ة والتواصل معها-ه والتعبير عن هذا الهوس؟
- كيف تشعر حين قراءة نص ما، هل تتماهي معه وتعايش حالة النص وربما تضع نفسك مكان الشخصيات أو الأبطال أم ماذا؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
ترجمة حرفية لأحاسيسي ومشاعري..
يقول “فيصل العبسي” من السودان: “من الطبيعي كمتلقي ومتذوق أن ينتابني الهوس تجاه كاتبة النص أو كاتبه. بلاشك من خلال متابعة نتاجاتها لابد أن ينشأ لديا هوس للتعرف علي تفاصيل حياتها لتتكون عندي فكرة متكاملة عنها أو عنه”.
ويضيف عن الكاتبة: “الاهتمام بها خارج حدود النص ينشأ مثل الهوس عندما أجد أن النص المنشور يلامس أحاسيسي ومشاعري إلي حد كبير ويعبر عنها”.
ويواصل: “لم أتعرف علي كاتبة النص والتواصل معها بشكل مباشر. بمعني وجها لوجه لأن الكاتبة التي أكون مهووسا بها قد لا تتواجد في محيطي الاجتماعي والجغرافي ولكن يتم التواصل والتعبير عن ذلك الهوس من خلال من خلال التعليق علي النص المنشور من خلال الوسائل المتاحة والممكنة كوسائل التواصل الاجتماعي.
من الصعب أن أضع كل النصوص التي أقرأها في مستوي واحد حتى وإن كانت لكاتبة أو كاتب واحد. فهناك نصوص تتسم بقدر عالي من الإبداع والتميز شكلا ومضمونا وهي التي أتماهي معها وأعيشها لأنني أجد فيه ترجمة حرفية لأحاسيسي ومشاعري ويعبر عنها فأشعر أنني في حالة توحد معها أو معه .
وعن عرض الكاتب لذاته داخل النصوص يقول: “كل النصوص المنشورة تعكس رؤية كاتبته جزئيا لذاتها إلي حد ما والذي تستمده من واقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والتعبير عنه من خلال النص.
وكل نص بعد نشره وتداوله من قبل القراء علي مختلف مستوياتهم وطرائق فهمهم للنص يصبح هذا النص ملكا للجميع سواء كان النص في قمة الجمال والروعة أو كان نصا رديئا”.
أعيش مع النص وأتخيل المشاهد بذهني..
ومن العراق يقول “محمد حاذور”: “كقارئ، ومن سنوات طويلة، لم يصاحبني الشعور بالهوس تجاه الكتّاب، إذ من عادتي الفصل بين الكاتب ونصه فيما إذا كان النص إبداعياً. ولم أسع لمعرفة الحياة الشخصية والداخلية للمبدعين على حد سواء.
صادف، وبحكم العمل بمكتبة لبيع الكتب، أن تكون لي صداقات مع أساتذة ونقاد وأدباء.
لكن، النص، الذي نحبه ونتعلق به، يختلف عن كاتبه. ولا أنصح بالسعي وراء الأدباء ومرافقتهم، إنما بحدود معينة. وقراءتي للنصوص متفاوتة بحسب طبيعة النص وشخصياته. أقرأ النص كحكاية لأناس لم ألتق بهم ولن أصادفهم. أعيش مع النص وأبني معمار المشاهد بذهني”.
ويواصل: “الهوس بالكتاب، لا أحسبه إلا نتيجة للفراغ الداخلي، يأتي الهوس بوصفه تعويضاً عن نقص ما داخل القارئ. يبدأ الهوس بعدوى غير مباشرة، يتلقفه القارئ ثم يبني هوسه بنفسه فتبدأ هذه التجربة التي أراها سلبية”.
التشبع معرفيا وإنسانيا من النصوص..
ويقول “حسين منصور” من مصر: “أنا كقارئ لم ينتبني أي نوع من الهوس تجاه أي كاتب قرأت له، أو أعجبتنى كتابته، ولم أسع يوما لمعرفة تفاصيل حياة الكاتب خارج حدود نصه، لأني أرى أن ذلك يفسد على متعة التلقي وتصور مسار حتمي على الكاتب أن يسير فيه دون مخالفة.
تواصلى مع كاتب أو كاتبة يكون في حدود التعبير عن الإعجاب بنصه ولا أصل أبدا إلى حالة الهوس”.
ويؤكد:”لم أقرأ نصا شعريا أو روائيا _ والروائي على وجه الخصوص_ وتماهيت معه أو فكرت في وضع نفسي مكان أبطاله ولكن أترك نفسي للتشبع معرفيا وإنسانيا من الأحداث وطبائع الشخوص وسير الأحداث، وأعتقد أن هذا أقصى ما يتحصل عليه قاريء بعد قراءة نص قراءة محايدة.
في رأيي الشخصي أن النص بعد نشره يصبح ملكا للجميع وهذه أمنية أي كاتب، أما حياته الخاصة فستبقى ملكا خاصا له، وأرى أن قصدية المقارنة بين الكاتب ونصه، وإقحام حياة الكاتب الخاصة عند تفسير أو محاولة فك شفرات النص إنما هو أسلوب متطرف غرضه إدانة الكاتب بأفعال أبطاله داخل النص، وهذا مغاير تماما ومخالف لغرض الكتابة التي تهدف لحكمة ما قصدها الكاتب وأجراها بشكل طبيعي على يد أبطاله الذين يملكون طباعا ومكونة شخصية وإنسانية خاصة بهم”.
نص معتدل لا ينتهك الخصوصية..
ومن السودان يقول “الوسيلة مصطفى”: “لم أسعى للتعرف على الكاتب لأن الذي يهمني أن أعرفه هو ما يكتب. عند قراءة النص، يجذبني النص المعتدل في الطرح الخالي من الخوض في انتهاك الخصوصية أياً كان نوعها، هذا النص أجد نفسي فيه.
ويؤكد: “النصوص التي ينشرها الكاتب ليست وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس، إنما النصوص هي أداة تعريف لنمط الكاتب الفكري ومرآة تعكس توجهه”.
التعلق بأحداث رواية ما..
وتقول “تيسير كوايد” من مصر: “في رأيي أن كل نصوص الكاتب تحمل جزء من تجربته سواء بوعي منه أو بدون، وكلما كانت تجربته عميقة واستطاع طرحها في النص أدخل القارئ رغما عنه في عمق النص وتفاعل معه حتى يصبح القارئ والكاتب أصدقاء أو مقربين، مما يجعل القارئ مهووسا بالتفاصيل ويسعى لمعرفة المزيد عن حياة كاتبه وربطها بأحداث كتاباته”.
وتضيف: “تفاعلت تقريبا مع معظم ما قرأت وفي بعض الأحيان أدمن على قراءة كاتب معين وأسعى بالفعل للتواصل معه.
ذات مرة اندمجت مع إحدى الروايات وودت لو لم تنته لشدة اندماجي معها وحزنت جدا عند نهايتها، وامتنعت عن القراءة لفترة طويلة بسبب حالة الحزن التي انتابتني وقتها، وعندما عدت للقراءة قررت ألا أتعلق مرة أخرى بأحداث الرواية”.