خاص: إعداد- سماح عادل
للأسف قد تتعرض بعض الكاتبات لنوع من أنواع التحرش، والمعاكسات والغزل، اعتمادا على نصوصهن، وربما بوحهن داخل تلك النصوص، وهنا نتساءل هل يمكن اعتبار ذلك التحرش، والغزل الذي ربما يتخذ صورة اعتداء على خصوصية الكاتبة، هوسا؟ أم يعد دليلا على حدوث خلل داخل المجتمع أو خللا لدى فئة من الذكور، الذين يبيحون لأنفسهم تخطي حدودهم والتعدي على حدود الآخرين. كما قد يكون هذا الهوس مؤشرا على معاناة ذلك المهووس من فراغ عاطفي ومن خواء داخلي وانعدام الثبات النفسي.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكاتبات من مختلف البلدان:
- ككاتبة هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئ ما.. مثل أن يسعى للتعرف عليك أو يتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
- ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتبة ما وما تفسيره؟
- كقارئة هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتب.. أو حتى كاتبة وأحببت أن تعرفي تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
دليل على الفراغ العاطفي وانعدام الثبات النفسي..
تقول الكاتبة المغربية “سامية الصيباري”: “الكتابة مقرونة عند الجميع تقريبا بعملية سردية لواقع شخصي قد تجعل القارئ المتلقي لهذه السرود في دهشة وانجذاب للمتن الحكائي الوصفي، الذي يشكل منها الكاتب شخوصه التي قد تكون وليدة التراكم المعرفي والخبرة الحياتية، التي تجعله يصور الأحداث بمهارة، بتوليفة من طابعه الفردي أو نتيجة واقع معاش على أرض الحقيقة. الإعجاب بنصوص الشاعرة مثلا يجعل بعض القراء يتماهون مع ذاتها الحقيقية، خصوصا أن الشعر بوح ذاتي أكثر منه تخييلي وليس متعدد الشخوص كالأجناس الأدبية الأخرى، لكن صنف القراء متعدد الهوية والانتماءات ولهذا فإن بعضهم يكون إعجابهم واعيا عن طريق خلق دينامية تفاعل مع جودة النص عن طريق التأويل.
في المقابل أحترم كل من يقرا لي، ولكنني أضع حدا حين يتجاوز الإعجاب بالنص إلى الإعجاب بصاحبة النص”.
وتواصل: “قد يتحول الإعجاب المفرط لحالة مرضية تدعى الهوس وهي مستقاة أساسا من الاضطراب والفراغ العاطفي وانعدام الثبات النفسي، الذي يستدعي الاحاطة بكل سبل المعرفة كدرع واق أمام الانهيارات النفسية التي يعاني منها المهووس، الذي غالبا يعاني من الخواء والفقد لبوصلته الداخلية. والجانب العادل من فكرة الهوس أن القارئ يضع إسقاطات على نفسه حين يقرأ عملا إبداعيا فيأخده النص متماهيا معه، مفككا لبناته وشفراته ومقاصده بعيدا عن حياة صاحب النص وملابساته الإبداعية”.
وعن هوسها ككاتبة تقول: “في أوقات كثيرة تماهيت مع نصوص أدبية غاية في الروعة من الجنسين معا، وهذا التماهي تشكل لدي كنوع من الفضول المعرفي تجاه كاتب النص والظروف التي كتب فيها نصه، محاولة بعض التحري عن عوالمه التي لا تتعدى معلومات عامة يوفرها الأنترنيت بنقرة زر واحدة، كنوع من الإعجاب بذات وبجودة النص ومدى لمسه شغاف القلب، وليس هوسا أو تعلقا بذاته كشخص خارج الإطار النصي”.
وعن عرض الكاتب لجزء من ذاته داخل نصوصه تقول: “كما أشرت سابقا فإن القراء ينقسمون لأنواع كثيرة، ولهذا يجب الأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والنفسي والفكري، من أجل التعامل مع النص بحكمة وتعقل وذكاء والفصل بين هذا وذاك، حتى وإن كان النص سيرة أدبية بوحية بكل أشكال الحقيقة والواقع، فحياة المؤلف لا يمكن فصلها عن الهواجس التي تنتابه كتابيا فهما متداخلان بشكل يصعب الفكاك منه، ولكنها كذلك لا يمكن أن تكون مشرعة على العامة”.
فضول لمعرفة مواقف الكاتب الإنسانية والسياسية..
وتقول الكاتبة الجزائرية “أسماء أبو زيد”: “بعد أشهر من صدور مجموعتي القصصية، تلقّيت رسائل غزل من قارئ لا أعرفه، يزعم أنه وقع في غرامي بعد أن قرأ نصوصي، ثم عرض علي الزواج بعدها في رسالة أخرى. في بداية الأمر ظننت أنها نكتة طريفة، لكن الأمر تحوّل بعدها إلى إزعاج لأنه بدأ بمحاول الاتصال بي في كل وقت عندما لم أرد على رسائله. كان الأمر مربكا، لأنني قررت تجاهله وعدم الرد ظنا مني أنه سيتوقف من تلقاء نفسه. لكنه واصل مضايقتي إلى أن حظرته. لم أجد لهوسه هذا تبريرا سوى كوني امرأة، وأنه كذكر أعطى لنفسه الحق في تجاوز حدوده معي لهذا السبب. لا أعتقد بأنه كان ليفعل نفس الشيء لو كان الكاتب رجلا. لو كان الأمر كذلك لاهتم بالنصوص أكثر من اهتمامه بلون عيني الكاتب أو طول شعره كما ذكر في رسائله لي”.
وتواصل: “أما أنا كقارئة فاهتم بمعظم الكتاب الذين أقرأ لهم كأشخاص خارج النص لمعرفة مواقفهم السياسية مثلا والإنسانية، من باب الفضول أحيانا ولكي أتأكدّ من أنني لا أروّج لأعمال كاتب/ة لا يحترم الآخرين في تعامله ومواقفه مثلا. الكاتب الوحيد الذي اهتممت بتفاصيل حياته أكثر من غيره هو “لورانس داريل” صاحب رباعية الإسكندرية، لأن مذكرة تخرجي تدور حول أعماله. لكنني لم أصل بعد إلى مرحلة الهوس على ما أظن. هوسي يكون في الأغلب بالنصوص وأسلوب الكتابة أكثر من الكاتب/ة”.
وعن عرض الكاتب لجزء من ذاته تقول: “يظن البعض أن الكاتب ملكية عامة للقراء، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الكاتب/ة إنسان له الحق في الحفاظ على حياته الخاصة بعيدا عن كل هذا. في اعتقادي أن النص في معظم الأحيان أهم من كاتبه، لأن النص يبقى، يسافر ويدخل مساكن الناس ليصبح شخصا مستقلا بذاته بعيدا عن كاتبه. إذا أخذنا على سبيل المثال، الكاتبة الإنجليزية الشهيرة “جاين أوستن” التي حققت نجاحا غير مسبوق، فهي قد نشرت كتابها الأول تحت اسم مستعار، وأرادت فقط أن يعرف الناس بأن الكاتبة امرأة بغض النظر عن هويتها. أجد في هذا الغموض نوعا من المتعة التي تضاف إلى النص وتغلفه بهالة من الحماس و تحفيز المخيلة، لكي لا نبقى مقيدين بصورة واحدة عن كاتبه”.