24 فبراير، 2025 9:10 م

الهوس بالكاتب/ة (20): استباحة للكاتب من خلال نصوصه أم امتلاك حياة باهتة أم إعجاب بالكتابة

الهوس بالكاتب/ة (20): استباحة للكاتب من خلال نصوصه أم امتلاك حياة باهتة أم إعجاب بالكتابة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

مع الكاتبات يستمر البحث عن تفسير لهوس القارئ تجاه كاتب ما، هل هو استباحة للكاتب من خلال نصوصه، بمعنى تفسير النصوص على أنها حياة الكاتب وتفاصيله الشخصية وبالتالي استخدام ذلك كمحاولة لتقرب رخيصة من الكاتب والطمع في بعض اللهو. أم امتلاك حياة باهتة لقارئ يشعر بفراغ شديد فيوجه اهتمامه نحو نصوص متاحة له، ويتشبث بكاتبها كملجأ له ومهرب من فراغ حياته. أم إعجاب بالكتابة ورغبة شديدة من القارئ أن يكون هو كاتب مثل تلك النصوص البارعة.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتبة هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئ ما.. مثل أن يسعى للتعرف عليك أو يتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتبة ما وما تفسيره؟
  3. كقارئة هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتب.. أو حتى كاتبة وأحببت أن تعرفي تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

استباحة للكاتب من خلال نصوصه..

تقول الكاتبة الليبية “نيفين الهوني”: “نعم في اعتقادي لا وجود لكاتب أو كاتبة لم يتعرض لهذا الأمر، ولكن بدرجات متفاوتة ومستويات مختلفة حتى أنني ذات يوم قمت بعمل تحقيق صحافي عن الأمر، تحت عنوان (حين تعشق المرأة البوح والرجل القصيدة) وتساءلنا هل من الممكن أن نحب قلما ونعشق بوحا؟ ومن ثم نميل لصاحبه وهل يصل الأمر من الإعجاب بفكر وطرح وأسلوب إلى الافتتان بشخص وكيان وإنسان؟ ومتى تخرج هذه المشاعر عن السيطرة؟ وكيف يمكن أن نقننها؟ وهل الأمر في نظرنا ونظر مبدعينا خطأ؟ وإن كان كذلك من المسئول عن هذا الخطأ؟.

والحقيقة أن الإجابات كانت كارثة لأن هناك حالات وصلت لحد الهوس وتسببت في مشاكل ودمرت بيوتا. أيضا فيما يخصني نعم حدث عدة مرات ولكن والحمد لله أن الأمور تحت السيطرة فلا مجال لتطورها ولا إمكانية لتفاقمها فردود أفعالي عنيفة وحادة تجاه هكذا تصرفات”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتبة ما تقول: “هذه حالات مرضية تحتاج إلى علاج نفسي ولا إمكانية لتقبلها أو التغاضي عنها وتجاهل نتائجها”.

وعن هوسها كقارئة تقول: “أبدا ربما لأنني ولدت في عائلة أدبية صحافية ولديها تاريخها المعروف في ليبيا، وحتى على مستوى القبيلة معروف تاريخها الأدبي والصحافي وبالتالي لم يحدث أن انتابني هوس تجاه أي كاتب أو كاتبة وإن أعجبتني كتاباتهم”.

وعن كونه هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس تقول: “نعم يعتقد القراء بأن حياتنا ككتاب، مستباحة نتيجة ما نكتبه من بوح يظنون أنه يعبر عن تفاصيل حياتنا وما نمر به فيها من مواقف وما يعترينا من أحاسيس، وبالتالي يصدرون أحكامهم علينا من خلال هذه الكتابات وبناء على هذه الأحكام يرغبون في التقرب لنا والوصول إلينا”.

 

المهووس لديه فراغ وحياة باهتة..

وتقول الكاتبة المصرية “شيرين شحاتة”: “نعم يحدث أن يلتقي الكاتب داخلي بأشخاص لا يصيبهم الفتور من متابعة ما يكتبه بل أن الأمر يتعدى ذلك في بعض الأوقات.

فقد يضّخم أحدهم من حالة جملة هزيلة الصنع، يُحيطها بهالة من نور وإن كانت لا تستحق غير أن يُكبس أعلاها زر الإضاءة وهو الذي يكون بالطبع مُرضي لقلم تتزاحم الكلمات بعنقه. نتيجة لذلك وكلما دارت الأمور داخل إطار مقبول، كلما تنفس الكاتب داخلي الصعداء بأريحية ولكن وإن تخطت رغبة القارئ في الكشف عن أكثر مما ادخرته الأوراق،  كان مصدر قلق يقام كنتيجة له العديد من التساؤلات عن ماهية الخطوط الحمراء للقارئ المعجب؟!

والذي قد يؤرق شغفي بالكتابة، بل ويدفعني لأن أحجم من أمر كلماتي مُطوقة أحرفها كوسيلة دفاع وحيدة بأن لا تُبتز الكاتبة داخلي فتُفصح عن حياة خاصة لا ترغب في الكشف عن تفاصيلها”.

وعن رأيها في هذا النوع من الهوس تقول: “تفسيري الشخصي لمشاعر الهوس المصاحبة لقارئ وحيد بأنه التباس غير مبرر بين الكاتب وشخوصه الورقية، يُلبس الكاتب معطف بطله المفضل وقد يذهب  الأمر بالقارئ بأنه وعلى الرغم من تباين المقاس بين كُل من الكاتب وبطله إلا أنه قام بتفصيله ووضعه على الكاتب. وإن امتد كَرِشه خارج أزراره  أو لعله وضع فوق عينين الكاتب عوينات رغم حدة نظره ال ٦/٦ غير أن بطله الوسيم  قد وضعها على عينه  بالفصل السادس،  وأنا أرى لا شيء غير وقت الفراغ الطويل هو ما يدفع القارئ للقيام بذلك، فلا شيء يشغله غير أبطال الكاتب المنوط بالهوس والذين حملوا فرشاة ملونين جدران حياته الباهتة بل وسدوا شقوقها بخيال طازج مأهول بقصصهم”.

وعن هوسها كقارئة تقول: “السن يلعب به دور فعندما كنت أصغر عمرًا كانت الإجابة ما بين “نعم” و”لا” أي هو ذاك اللون الرمادي بما نصيبه من شبهة كنتيجة لترددنا في الوقوف على نتيجة صحيحة “نعم” إن كان المقصود هو التعلق بالتحفة الأدبية،  ببراعة النص المكتوب، بحرفية رسم الشخوص داخل العمل، إن كان المقصود الاحتفاظ بأجزاء من الروايات المفضلة داخل ألبوم خصص لها وهذا ما عشته مع أغلب أعمال الأديب “نجيب محفوظ ” و “يوسف السباعي” ومشاعر متشابهة وإن كانت أكثر نضجًا كلما تقدمت بالعمر والتي عايشتها مع الأديب “محمد المنسي قنديل” و الأديب “عبده خال” و إن كانت تحفظ حاليا على هيئة “screen shot” داخل جوالي”.

وعن عرض الكاتب لذاته داخل النصوص تقول: “بالنسبة لي ما أن ينتهي الكاتب داخلي من صنع نص ووضعه باختياره أمام جمهور من القراء فهو قد ترك طواعية حياته أمام فرضيات القارئ المتباينة، حول نسج قصص تربطها به وبسماته الشخصية. وبالتالي يجب أن يكون الكاتب على دراية كاملة ببحث القارئ المتواصل، ولو على خيط رفيع يربط شخصية أبطاله المفضلة بحياته الشخصية”.

حالة نفسية معقدة..

وتقول الكاتب التونسية “كلثوم عياشية”: “يعد الهوس حالة نفسية معقّدة تضاعف أثرها مع التّطور الذي شهده العالم في مجال التّواصل والصورة، إذ تقلصت الفجوة بين العوالم الخاصّة والعامة وأصبح من اليسير الاطلاع على ملامح الحياة الشّخصيّة، إذ تعرض عفوا وتفتح الصور أبواب البيوت والمراسم والمكاتب، وتصبح تفاصيل الحياة شأنا عاما. وقد صنعت الوسائط الحديثة نجوما في مجال الإبداع  وسلطت الضوء على المبدعين..

غير أني لست من هؤلاء الذين تلاحق أخبارهم وإن منحتني وسائل التواصل الاجتماعي و”الفايسبوك” خاصة بعض المتابعين الذين يروق لهم ما أكتبه، ويصرّ بعضهم على التعليق في الخاص على بعضه بدعوى النّقاش، رغم تصدير صفحتي بإشارة واضحة أني لا أتلقى الرسائل، لكن يلذ لطائفة من المتابعين الإمعان في الأسئلة الشخصيّة وعلاقة ما كتبت بسيرتي.

أما بالنسبة إلى ردة الفعل فالمسألة شائكة فعلا، لأني أشعر أحيانا أني أتحرك في أرض شائكة خاصة مع أولائك الذين لا يعرفون حدود اللّياقة، وإن بلغوا في المعارف مراتب متقدّمة، لأنهم لا يكتفون بالرّدود الموجزة وإرجاء الرّد. قال أحدهم لقد أصبحت شخصيّة اجتماعية ومن حقّ القرّاء أن يتفاعلوا معك فلتتواضعي قليلا. وأصرت أخرى أن تسهب في سرد تفاصيل قصتها لتطلب مني بعدها أن أكتب عنها.فهل يمكن اعتبار هذا هوسا أم فضولا؟”.

وعن تفسير هذا الهوس تقول: “يمكن أن نعتبر الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتبه إيجابيا لو أنّه يقف عند الأثر وأبعاده، لأن كلّ كاتب يسعد بوجود قرّاء متابعين، ففي ذلك دفع لعملية الإبداع وضمان لاستمرارها فما معنى إن نكتب إذا لم تجد الحروف سبيلها إلى المطالعة إلى القلوب والأذهان؟.

سعادة الكاتب فيما تجده كلماته من صدى لا توصف، تلك شهادة أنّه وفّق في التّعبير في رصد العبارات المناسبة لبناء عوالمه التي يمنحها القارئ  حياة جديدة. لكني لا اعتقد أن هذه العناية يمكن أن تصل حدّ الهوس مهما بلغ الكاتب من شهرة في عالمنا العربي. خاصّة لأننا سنجد جمهورا حول كاتب ما معجبين يتقفون أخباره لكنهم لن يتدافعوا من أجل رؤيته صارخين كما يحصل مع مشاهير الغناء والسينما مثلا” .

وعن هوسها كقارئة تقول: “وشخصيّا لم ينتبني هذا النوّع من الهوس أبدا، حدث أن أعجبت إعجابا لافتا ببعض النّصوص وعدت إليها مرّات، ووددت لو كنت أبدعتها عوضا عن كاتبها، لكني كقارئة انبهرت بعوالم الكتابة في صغري، ورأيت كلّ مؤلف شخصا خارقا وقرأت بشغف لاقترب أكثر من أصحاب الآثار خاصّة ما تعلّق بالسّير الذاتيّة.

ويبقى كلّ ذلك في حدود النّصّ وإن كانت شخصّيّة الكاتب تتسرب  بين أصابعه وهو يرسم تجارب مختلفة، ويمعن في التّخفي، لكن بعض الملامح تبقى ثابتة وقد تستهوي القارئ ويبنى من خلالها علاقة نفسيّة قد تبلغ مراحل متقدمة من المشاعر، وإن لم يعرف عن المبدع إلا ما استنتجه وما تنشره الصّحف من أخبار أو ما كتبه هو عن نفسه”.

وعن عرض الكاتب لجزء من ذاته يقول: “اعتقد أن الكتابة أمانة يؤديها المبدع، وحالما ترفع إلى رفوف المكتبات تغدو ملكا مشاعا يؤول بما يتوفر للمطلع من قدرات، في التفسير والتأويل وحتى في القراءة السطحيّة المتعجلة. فبعد عمليّة النّشر تتسع دائرة الفكرة واللفظ معا تغدو بعض العبارات مضرب أمثال حجة يستشهد بها. وعن تضمّن الكتابات لجزء من ذات المبدع فالأمر محسوم مهما ادّعى أنّه محايد في رسم شخصياته ومواقفها فإن ملامح ذاته تتسرب إلى النّصّ ولا تفوت المتأمل من القرّاء.

لأنّه يرسم عوالم إبداعية وفق تمثّله للعالم وموقفه من بعض المسائل، قد يوزّع هذه المواقف نتفا على شخصياته فينتصرّ لها ويدافع عنها، فالكتابة بنات أفكار الكاتب في النّهاية، مهما ازدادت عدّا تحتفر في نفس صاحبها وتسلّط الضوء على عوالمه القصيّة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة