25 فبراير، 2025 1:17 ص

الهوس بالكاتب/ة (18): الافتتان بشخص الكاتب وتجربته أم توسل الونس أم علاقة متورمة بالوهم

الهوس بالكاتب/ة (18): الافتتان بشخص الكاتب وتجربته أم توسل الونس أم علاقة متورمة بالوهم

 

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يحدث الهوس بالكاتب نتيجة الافتتان بشخص الكاتب وتجربته، افتتان ناتج عن انبهار وإعجاب شديد، وقد يكون القارئ يسعى لان يكون كاتبا فينبهر ببراعة الكاتب في خط نصوصه، أو يكون غير قادر على التعبير عن نفسه. وهناك رأي آخر يرجع الهوس إلى توسل الونس، نتيجة للشعور بالوحدة، التي لا يعاني منها القراء فقط وإنما الكتاب أيضا، فتنشأ علاقة اندماج بين القارئ والكاتب وعلاقة تواصل لطيفة غلب عليها طابع الاكتشاف. ورأي ثالث يصف الهوس بعلاقة متورمة بالوهم، تنشأ عن صناعة صورة فخمة للنجم، صورة استهلاكية لكي تباع كتبه ونصوصه، والقارئ يقع ضحية وهم هذه الصورة المصطنعة، أو قد يقع في شرك كاتب يهيئ بيئة في نصوصه، يكتب فيها عن تفاصيل قد تجذب القارئ إلى عالمه الشخصي.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

الافتتان بشخص الكاتب والتجربة..

يقول “محمد الخير حامد” روائي وقاص وشاعر سوداني: “نعم، تعرضت إلى حالات من الهوس بأشكال مختلفة، وتعاملت مع كل حالة بما يتناسب معها، وبهدوء ولُطف وتقدير للحالة. أي لم أتضايق أو أعنّف صاحبة ذلك الهوس”.

وعن هذا النوع من الهوس يقول: “ليس لدي تفسيرات محددة، أو أحكام ذات وجهةٍ واحدة وقاطعة لأسباب هذا الهوس، لكن قطعًا هناك أسباب نفسية – ليست كلها مرضية بطبيعة الحال- لأن كثيرًا من الحالات تكون كنوعٍ من الشغف بالكتابة، أو رغبات داخلية لم تجد التنفيس وطريقها نحو الانطلاق في فضاء الكتابة، وبعضها قد تكون طموحات مستقبلية وتمنيات بالوصول إلى مكانة مبتغاة”.

 

وعن هوسه كقارئ: “نعم تنتابني حالات مشابهة من الاندماج مع بعض الحالات النادرة لكتاب وكاتبات أحبهم، لكن لا أتعلق بذواتهم الشخصية أو أسعى إلى التقرّب منهم. تعلَّقي يكون بمنتجهم وكتاباتهم وتفاصيل إبداعاتهم، وربما يمتد ألا تعلّق إلى معرفة تفاصيل حياتهم وسيرهم التي تسببت في خلقهم للإبداع، وقد أذهب أكثر في افتتاني بالشخص والتجربة، لكن كما قلت لك؛ الأمر عندي لا يصل إلى مرحلة الارتباط الحياتي أو التعلّق الشخصي مهما كان”.

وعن عرض الكاتب لذاته في نصوصه يقول: “هو كذلك تمامًا، شئنا أم أبينا؛ فالكتابة – في بعض أشكالها- تعد تعريةً للذات وتبرّجًا روحيًّا يراه الآخرون. ومن يكتب يتعرى ويعرض أفكاره ومعاناته النفسية والاجتماعية أمام الجميع، وما الهوس بالكاتب إلّا شيئًا يسيرًا من ضريبة الكتابة”.

توسل الونس..

ويقول الشاعر والناقد المصري “طارق سعيد أحمد”: “لم يكن الأغرب ما سمعته عبر هاتفي من شابة تسكن الدار البيضاء في منزل وصفته لي أنه ينقصه الشعر، كانت رقيقة وهشة حينما حاولت إقناعي بأن ألقي علي مسامعها ليلا الشعر بشكل منتظم وفق موعد محدد يناسبني.

سيدة أخرى كانت توبخني عبر رسائل كلما نشرت شعرا كانت تبرر فعلها هذا بأنه يخترقها، ومن ثم تعتذر لي اعتذارا مرضيا أو هكذا اعتبرته.

أما الأخيرة كانت تنظر لي فقط بعيون عميقة، هي المرأة الأكثر حديثا معي لفترة من الزمن، كنت أتردد فيها على هذا المكان لأحتسي القهوة.

ولم تنقطع تلك المغامرات الصغيرة ولن تنقطع كلما كان الإبداع ملتقى إنساني.

كنت أتقرب بنفس إيقاع خطوات من أرادت أن تسعى في اتجاهي، لكن الآن أتعامل بلطف وبلطف فقط حتى لا تفتح “سارة” علينا بوابات الجحيم”.

ويواصل عن هذا النوع من الهوس: “كتبت في إحدى نصوصي الشعرية:ـ

“ملعونة لحظات الهوس

وحنينة جدا”

هذا رأي في فكرة الهوس بأي شئ حتى هذه اللحظة، أما بالنسبة للتفسير في هذا السياق يتعدد ويمتد لحدود كثيرة أذكر منها توسل الونس كلنا نتوسله بشكل أو بآخر الآن!

لكن العلاقة المحققة بين الكاتب والقارئ تكسر هذا الحاجز النفسي السميك، تشعر كلاهما بحميمة الصداقة وربما أكثر وبالتالي تدار علاقات غاية في الروعة بين الكاتب وبين القارئ، وهي حالة فريدة لا يتذوقها أحد سوى الكاتب”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “مؤكد، كان حظي كبيرا حينما قرأت في البدايات ـ ومازلت أقرأـ للدكتور “محمد المخزنجي” وما دار بيننا في مكتبه كان أكثر دهشة لأنه قال لي بعد حديثنا الذي طال الكثير من الجوانب أنني أذكره بنفسه حينما جلس مع الكاتب الكبير “يوسف إدريس” أول مرة”.

وعن عرض الكاتب لذاته في نصوصه: “ربما، إحدى النظريات الإعلامية تسمى نظرية “البلياردو” مفادها أن الضربة الأولى لا يمكن توقع فعلها حينما يضرب اللاعب الكرة والكتابة عموما والإبداعية خصوصا تنبش في أماكن لا يمكن الوصول إليها عن طريق الفنون الأخرى، أو هكذا ادعي”.

علاقة متورمة بالوهم..

ويقول “وديع شامخ” شاعر وإعلامي عراقي مقيم في سيدني: “لا شك أن هذا الموضوع يحمل من التشويق والإثارة والغموض الكثير من  الناحيتين  الشخصية والنصيّة معاً، ويمثل  نمط العلاقة السرية بين المنتج والمتلقي.

وإذا ما استعرنا مصطلح “تعدّد مستويات القراءة”  من مدارس النقد اللساني، والقراءة  الحديثة، فأننا سوف نحصل بالمقابل على مستويات القرّاء أيضا، وقد صنفت نظريات القراءة جنس القراء إلى عدة أصناف، حيث يمكن الحديث عن” القارئ النموذج عند أمبرتو إيكو، والقارئ الجامع عند ميكائيل ريفاتير، والقارئ الخبير عند فيش، والقارئ المرتقب عند وولف (Wolf)، والقارئ القصدي عند إيفيس شفيل (Yves Chevel)، والقارئ المثالي عند آيزر، والقارئ الخيالي عند آيزر أيضا، والقارئ الضمني عند آيزر كذلك، والقارئ الملتزم، والقارئ المستهدف، والقارئ المورط، والقارىء المسقط، والقارىء التاريخي،”… وأبلغهما القارئ المنتج والذي يماثل الناقد، الذي يكتب نصاً محايثا للنص الأصلي وتكون الكتابة بشكلها التفاعلي الأخير “نصٌ على نص”.

لكن موضوع الهوس بالكاتب يتضمن بعداً نفسياً يتعلق بطبيعة القارئ ومستواه الفكري وميوله العاطفية .

أصل العلاقة بين القارئ والكاتب المفترض تكون نصّية أكثر منها شخصية، ولكن سوق الإنتاج والتلقي وُدور النشر، تعرض إلى مسحة تجارية أسهمت في رسم شخصية جماهيرية للكاتب ووضعته في مقام النجومية، وهذا الفعل “خارج الإبداعي” ساهم  في حدوث ظاهرة الهوس بالكاتب بالإضافة إلى نوع المادة المكتوبة، وقد شجع  كل من التلفزيون  والسينما بشكل خاص على تسويق الكاتب النجم.

ولعل الموضوعات المثيرة للجدل “الجنس، الدين، السياسة” هي الأكثر رواجا، التي تشكل ظاهرة الهوس بالكاتب، لأنها مواضيع إشكالية  ومحرمة في مجتمعنا الشرقي إلى حد كبير،  ومنها تنتج ظاهرة الفضول والعطش إلى معرفة خفايا وأسرار هؤلاء الكتّاب.

وقد يكون الحرمان والممنوعات السلطوية هي العامل المشجع للقارئ  المتطفل على سبر أغوار عوالم الكتّاب الشخصية والهوس بها.

ويكون عامل ضعف الشخصية للقارئ وعدم تحصّنه بعدّة ثقافية رصينة  تدعوه للفصل بين النص كمنتج جمالي وبين الكاتب كإنسان  له حياته  الخاصة وأسراره وخفاياه.

إن هذا الهوس يكون مرضياً حقاً لأنه يجعل العلاقة متورمة بالوهم أكثر منها بالواقع، وكذلك يَخلق نجومية غير مُستحقة أحيانا  لبعض الكتّاب،  الذين لم يتماسكوا أمام أضواء ووهم القارئ.

وهناك بيئة نصيّة يخلقها الكاتب من أجل حث القارئ على التقصيّ  الشخصي عن عوالم الكاتب والهوس به أخيراً، وهذه حيلّة لا تتطابق مع أهداف الرسالة الجمالية والإنسانية للكتابة.

وأعتقد أن هذه الظاهرة هي سلبية تماما لأنها تخلق نمطاً من القارئ   المصاب بداء مرضى بالكاتب وشخصيته، وإهمال العلاقة  الصحيّة بالنص  كمنتج جمالي قابل للتأويل”.

ويؤكد: “بشكل شخصي كقارئ، لم أتعرض إلى هذا النوع من الهوس المرضي بقدر ما كانت علاقتي بالنصوص أكثر منها بالكتّاب، ولكن هذا لا يمنع من التلصّص أحيانا إلى حيوات وأسرار وفضائح الكتّاب النجوم، ولكني تعرضت ككاتب إلى علاقة إعجاب كبيرة من قبل قرّاء  كثيرين ولكنها  لم تصل إلى مرحلة الهوس”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة