25 فبراير، 2025 1:40 ص

الهوس بالكاتب/ة (16): دليل سلامة عاطفة العاشق أم حلم فتى الأحلام الخالي من العيوب أم سوء فهم الكاتب للعلاقة بينه وبين القارئ

الهوس بالكاتب/ة (16): دليل سلامة عاطفة العاشق أم حلم فتى الأحلام الخالي من العيوب أم سوء فهم الكاتب للعلاقة بينه وبين القارئ

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك رأي يقول أن الهوس بالكاتب شعور طبيعي، وأن اختيار الكتاب والمبدعين ليكونوا موضوعا للعشق هو أمر محبب، لأن القارئ حين يوجه حبه أو عشقه إلى شخصية مبدعة خلاقة هو دليل على ارتفاع قيمة الإبداع لدى نفوس القراء.

ورأي آخر يعتبره هوسا ينتاب قارئة تتصور وجود فتى الأحلام الخالي من العيوب، وتسقط ذلك التصور على الكاتب، في حين أن الهوس إذا أتى من قارئ رجل فإنه يعني البحث عن قدوة أو نموذج يحتذي به. بينما رأي ثالث يعتبره سوء فهم من قبل الكاتب للعلاقة المفترضة بينه وبين القارئ.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

 

ناتج عن سلامة عاطفة العاشق..

يقول الروائي التونسي “الأمين السعيدي”: “المتلقي هو من يعطي المنجز الأدبي قيمته الحقيقية، والكاتب في نظر المجتمع هو رمز التقدم والتحضر، يعيش القارئ تفاصيل النص فيعجب بصاحبه إذا يتخيل كيف استطاع هذا الأديب أن ينتج مثل هذا الإبداع، فيتحول في ذهنه إلى نموذج. القارئ عندما يلتقي صدفة بالكاتب يلتقط معه صورا ليفتخر بها أمام أصدقاءه وأقاربه وليحتفظ بلحظة جميلة قد لا تتكرر.

نعم تعشق المرأة الكاتب والمبدع بصفة عامة خاصة إذا كان إنتاجه معروف ومستحسن عند النقاد، وهذه حالة طبيعية لأن المرأة تعشق المثقف والمبدع، وقد حدث معي هذا. عدة نساء أردن الاقتراب مني وفيهن من عشقتني، ومن تحاول الاتصال بي وتسأل أصدقائي والمقربين مني حين تلتقي بهم، هذا أمر عادي وجميل ورائع، فالمبدع محبوب من أغلب أفراد المجتمع”.

ويضيف: “هوس القارئ بالكاتب ناتج عن عشقه للنص لعمقه ورمزية شخصياته، وقدرة الأديب على الإبداع حتى أصبح مختلفا عن المجتمع في رؤيته للكون والحياة، وهذا طبعا سيجعل القارئ يرى أن هذا الكاتب مختلف عن المجتمع فهو كائن غريب يستحق العشق والمحبة والهوس به، فهذا الأديب في نظر القارئ العاشق هو قطعة من عالم المثل.

وأحيانا يؤثر جمال الكاتب، إضافة إلى إبداعه في الأدب، في عاطفة القارئ فيعشقه ويصبح نموذج الجمال والإبداع في ذهنه، وهذا أمر طبيعي ومحبذ”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “نعم حدث معي وأنا صغير وهذا مهم لأن الكاتب لا يمكن أن يكون كاتبا إلا إذا عشق الأدب وبعض الآثار بالتحديد. أذكر أنني كنت وأنا في سنوات الدراسة الابتدائية والثانوية مغرم بكاتبة عربية معروفة وأتمنى أن التقي بها في أحد المناسبات، عشقتها انطلاقا من أعمالها الأدبية التي اشتهرت بها وهذه الكاتبة مازالت إلى الآن على قيد الحياة.

وقد عشقت الكاتب الفرنسي العملاق “فغتوريغو” انطلاقا من أعماله الأدبية وتمنيت أن نعيش في نفس العصر أو نفس الفترة الزمنية لأراه والتقى به، فالهوس بكاتب أو كاتبة هو شيء إيجابي ورائع وهو ناتج عن سلامة عاطفة العاشق لأنه أحسن الاختيار في الحب حين أختار مبدعا”.

وعن عرض الكاتب لذاته في نصوصه يقول: “نعم النص هو روح الأديب في جميع تفاصيله، فالشخصيات فيها من صاحب النص الكثير والأحداث هي من إبداع الكاتب طبعا، والأمكنة والأزمنة يختارها الكاتب فتبرز عشقه المختلف للطبيعة والمدينة.

ثم أن الأديب يخرج تلك العناصر في صورة رائعة لا يراها غيره من الناس، الأثر الأدبي هو عرض لشخصية الكاتب وحياته، هو اعتراف… وهذه الجرأة تدفع القارئ إلى عشق الأديب، صاحب الأثر، خاصة إذا كان القارئ امرأة والأديب رجل، أو القارئ رجل والأديب أو صاحب النص امرأة، وهذه الظاهرة هي دالة على تقدم المجتمع وتحضره خاصة هذه الفئة  التي تعشق الأدب والأديب فتغرم به وبجميع تفاصيله. هذا هو المجتمع الراقي لأن العشق كان للفن والإبداع”.

تصور وجود فتى الأحلام الخالي من العيوب..

ويقول الكاتب المصري “كمال المصري”: “نعم. حدث ذلك أكثر من مرة، وللتخلص من ذلك الموقف المحرج (غير المريح أحياناً) قد أضطر لإشارات صريحة متكررة عن علاقة خاصة شبه رسمية قائمة بالفعل في حياتي. أحياناً تكون التلميحات فقط غير كافية أو ربما يرفض الطرف الآخر (القارئ) تصديقها صراحةً وهو ما يصبح مأزق حقيقي إذا أراد الكاتب الاحتفاظ بعلاقة سوية مع القارئة”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “في حالة هوس القارئة، رأيي أنه بالأساس استمرار لفترة فتى الأحلام الخالي من العيوب. تصورات البنات عن الرجل المثالي هو رجل يتحدث بلباقة ويكسب عيشه بهدوء من كتاباته ويفهم المرأة مثلما يكتب عنها. وعادة ما تتوافر هذه الصفات في صورة أي كاتب تبنيها القارئة من خلف أغلفة كتبه. وهي ليست الواقع بأي حال. أما في حالة هوس القارئ بكاتب، فعادة لا يتعدى الأمر مجرد اتخاذ الكاتب مثلاً أعلى أو قدوة أو مرشد، وهو ما قد لا يروق للكاتب أيضاً إذا وصل إلى الملاحقات في التواصل”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “ليس بالضبط. لكني في المرحلة الثانوية ارتبطت جداً برواية «سنة أولى حب» ل”مصطفى أمين” وهي رواية سياسية في إطار عاطفي قرأتها مرات عديدة، مما جعلني مهتماً ومقتنعاً لفترة طويلة بكتابات “مصطفى أمين” الأخرى”.

وعن كون هذا الهوس يعنى أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس يقول: “بعيداً عن الهوس ذاته، لا يمكن لكاتب أن يعزل حياته بصورة مطلقة عن كتاباته، فحياته وتجاربه وتجارب من يعرفهم أو حتى حكاياتهم تمثل جميعها المنبع الذي يستمد منه على الأقل أصول حكاياته الروائية. الخيال الروائي يلزمه تفاصيل من الواقع، وتلك التفاصيل تُكسب العمل الروائي مصداقيته، أو بالأحرى صدقه في ذهن القارئ. وربما تكون هنا الثغرة التي يدخل منها القارئ المهووس للربط بين الواقع والخيال ومن ثم يبدأ في تركيب شخصيات أو كلام الأبطال على شخص الكاتب”.

سوء فهم الكاتب للعلاقة بينه وبين القارئ..

ويقول القاص “خالد شاطي” من العراق: “بدءاً، أفهم من (الهوس بالكاتب/ة)، الذي تدور حوله أسئلة هذا التحقيق الشيق، أنه اضطراب نفسي، ترافقه انفعالات عنيفة، وقد يؤدي إلى انتهاج سلوك مؤذي أو غير سوي، وليس محض إعجاب كبير بالكاتب/ة يستهدف الاطلاع (المعرفي) على كوامن شخصيته/ ـا لإضاءة جوانب العمل الإبداعي والإحاطة بدلالاته المختلفة.

أظن أن سعي بعض الكتاب والكاتبات للفت انتباه القراء لذواتهم الشخصية بأساليب نصية وغير نصية؛ خلل كبير في جوهر عملية الكتابة لديهم. فما يهم، في الحقيقة، هو نتاج الكاتب/ة لا شخصيته/ ـا، إلا بالقدر الطفيف الذي يلقي الأضواء الكاشفة على النتاج الأدبي نفسه. وبالتالي فالكاتب/ة يتحمل إلى حد كبير حالة الهوس التي تنتاب بعض القراء وتحملهم على الاقتراب من الكاتب/ة والتطفل على حياته/ ـا. لذا، فالهوس بالكاتب/ة قد يكون في المحصلة النهائية  سوء فهم الكاتب/ة للعلاقة بينه/ ـا وبين القارئ”.

ويضيف: “هوس القارئ بالكاتب/ة  أحد إفرازات عالم الخيال الذي يخلقه الأدب عامة وأعمال الكاتب/ة خاصة، وهو عالم يتسم بالجمال والسحر واللامعقول.

إن طبيعة نتاج المبدع/ة يسهم إلى حد كبير في تشكيل نوع المتلقي. وحالة الهوس بشخص الكاتب/ة أو بعمله/ ـا حالة غير صحية؛ تؤشر لخلل في الشخصية كالضعف والاحتياج واللاتوافق مع المحيط الاجتماعي. وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. ويحضرني ـ كمثال ـ حالة القارئ المهووس لرواية (الحارس في حقل الشوفان) الذي استحوذت عليه أفكار وشخصية الرواية الأساسية لدرجة أنه أقدم على اغتيال المغني الشهير (جون لينون) لأنه تصرف بزيف حسب رأيه.

إن الأغلبية العظمى من المهووسين بالكاتب/ة هم من المراهقين الذين لم تتكون شخصياتهم بعد، أو أنهم أفراد تنطوي شخصياتهم على اضطراب كامن، وكلاهما يبحثون عن مثال؛ يتبعونه ويسعون لأن يكونونه، وهم في مجال الأدب نسبة ضئيلة جداً مقارنة بنجوم السينما والموسيقى والرياضة”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “ومنذ يفاعتي، تنتابني رغبة في معرفة كل شيء يتعلق بحياة الكاتب/ة الذي أعجب بكتابته/ ـا. وهذه الرغبة طبيعية في نظري، لأنها تنطلق من أساس معرفي؛ يرى تواشجاً وتعالقاً بين نتاج الكاتب/ة وشخصيته/ ـا، مما يلقي ضوءً كاشفاً على النتاج الأدبي ويسهم في تلقيه بصورة أفضل وأدق وأكثر إمتاعا”.

ويؤكد: “تخلق الحياة المعروضة في الكتب؛ الحميمية لدى القارئ، وتقدم له واقعاً آخراً بديلاً ومختلفاً عن واقعه الرتيب والعادي، لذا يجتذبه هذا الواقع؛ فيتمثله في داخله ويسعى للتقرب من صاحبه ومحاولة عيشه. وقد يأخذ هذا الإعجاب المبالغ به منحى يسبب الإزعاج أو الأذى للكاتب/ة.

لذا، ينبغي على الكاتب/ة أن يتعامل مع أمثال هؤلاء المعجبين بحذر شديد، وأن يبين لهم أن ما يهم ليس شخصه، بل عمله، وأن عمله محض خيال، ينبغي له أن يلهمنا ما فيه الخير والسعادة، ويشيع في نفوسنا معاني الجمال والحق”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة