خاص : عرض – سماح عادل :
كثيراً ما نسمع عن “النسوية”.. رغم أنه مصطلح شائع إلا أن قليل من الناس الذين يعرفون معناه وبداية ظهوره، داخل مجتمعاتنا العربية غالباً ما تهاجم “النسوية” رغم عدم المعرفة الدقيقة بها، وتتهم بأنها تحرض النساء على الرجال، وأنها طريقة تفكير النساء المتشبهات بالرجال، أو في أسوأ تقدير المتمردات على المجتمع واللواتي يعتبرهم البعض منحرفات، وخارجات عن تقاليد المجتمع وأعرافه.
لقد ظهر الدفاع عن حقوق المرأة بالتزامن مع نشأة المجتمعات في العصر الحديث.. حين أصبح للرجل حق في التصويت وفي المشاركة السياسية والمجتمعية إبان الإنتفاضات والثورات التي شهدها العصر الحديث، مثل “الثورة الفرنسية”.. ظهرت النساء اللاتي شاركن في تلك الثورات وطالبن بحقوقهن هن أيضاً، ورغم أنهن كافحن كثيراً للحصول على أبسط هذه الحقوق إلا أن نجاحاتهن تعتبر انجازات إنسانية عظيمة، لأن الرجال، حتى من نفس توجهاتهن الثورية، كانوا سرعان ما ينقلبوا على النساء، ويصرون على التمسك باللامساواة وبحقهم في مرتبة أعلى من النساء في المجتمع.
سوف نعرض لدراسة قصيرة عن النظريات النسوية.. فقد اختلفت تلك النظريات في تحليلاتها لأسباب قهر المرأة، وتراتب الدرجات بينها وبين الرجل، لكنها اتفقت جميعاً على ضرورة تحرير المرأة من قهرها وإقرار المساواة بينها وبين الرجل.
تبين دراسة: (النظرية النسوية ودارسة التفاوت الاجتماعي)، لـ”صالح سليمان عبد العظيم” أن هناك العديد من النظريات النسوية التي رصدت عدم المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمعات البشرية، وبشكل خاص أوضاع المرأة في الغرب. معظم هذه النظريات ظهرت في العالم الغربي منذ الثورة الصناعية وحتى الآن، أي أنها ارتبطت بالغرب ودرجة التطور الذي وصلته مجتمعاتها. منذ الستينيات وحتى الآن راكمت النظرية النسوية منتجاً أدبياً هائلاً فيما يتعلق بنظريات المرأة، كان الهدف واحداً وهو إنهاء أي استغلال تواجهه المرأة مجتمعياً.
وتصنف الدراسة النظريات النسوية إلى:
أولاً: النظريات النسوية الإصلاحية..
هناك اتجاهين ينتميان إليها هما: النسوية الليبرالية والنسوية الماركسية:
1 – النسوية الليبرالية:
تنتقد عدم المساواة القائمة على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة، وترى أن الاختلافات بينهما ليست كبيرة وتدعو للتخلص من كافة أشكال التمييز الاجتماعي بين الرجل والمرأة، وخاصة في مجالي التعليم والعمل، وتركز مباشرة على الفروق الواقعية التي تواجه المرأة في مسألة العمل والمساواة في الأجر، والنظرية الليبرالية النسوية لم تنفصل عن حركة المجتمع المدني في أميركا، التي بدأت في ستينيات القرن الماضي، واعتمدت على رفض التمييز العنصري ضد السود، وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها النظرية الليبرالية في دعم المرأة على الدخول لسوق العمل، فإنها كانت أقل نجاحاً في القضاء على أشكال التمييز الأخرى غير المعلنة في مؤسسات العمل، فهناك سقف زجاجي غير مرئي يمنع المرأة من الحصول على مناصب أعلى في مؤسسات العمل.. إن النسوية الليبرالية دافعت عن حقوق المرأة من داخل النظام ذاته، سعت إلى تغيير البنية القانونية للمجتمع مع الحرص على مؤسساته.
2 – النسوية الماركسية:
ركزت على أشكال الظلم التي تواجهها النساء من خلال اعتمادهن على الرجال، واستغلالهن كمصدر رخيص ضمن قوة العمل الرأسمالية، وحاولت أن تغير الظروف التي تواجه المرأة من خلال تغيير أسس الاستغلال التي تتعرض لها، سعت إلى التخلص من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تكرس أسباب استغلالها، والتخلص من النظام الرأسمالي ذاته.
وتؤكد النسوية الماركسية على الارتباط بين النوع والطبقة، حيث تواجه المرأة الاستغلال مضاعفاً وفقاً للنسوية الماركسية: مرة بسبب انتمائها الطبقي ومرة أخرى بسبب انتمائها الجنسي، فالاستغلال المزدوج المرأة ضمن العائلة وفي سوق العمل يعني أنها تنتج فائض قيمة كبير بالنسبة للرأسمالية أكثر بكثير مما يقوم الرجال بإنتاجه، إن عمل المرأة في كل من المنزل والأسواق يخدم بشكل مزدوج الهدف الساعي إلى تأبيد كل من الهيمنة الذكورية والرأسمالية.
ثانياً: النظريات النسوية المقاومة..
تؤكد النسوية المقاومة على تأثير البنية الأبوية على العلاقة بين الرجل والمرأة، وتشمل هذه المجموعة من النظريات “النسوية الراديكالية” و”نسوية التحليل النفسي” و”نسوية وجهة النظر”، تكشف نظريات النسوية المقاومة أن قهر المرأة والحط من وضعيتها يمثل جانباً مهماً من الأيديولوجيات والقيم الخاصة بالحضارة الغربية، وتمثل هذه الأيديولوجيات والقيم قاسماً مشتركاً في العديد من مجالات الحياة اليومية، في الدين، والإعلام الجماهيري، والرياضة، والمنتجات الثقافية، وتعطي النسوية المقاومة اهتماماً أكبر للاستغلال الجنسي والعنف المرتبط به، وبشكل خاص الاغتصاب والمواد الإباحية بوصفها وسيلة من وسائل السيطرة على النساء.
– النسوية الراديكالية:
ترى قهر المرأة بوصفه واحداً من أهم أشكال القهر المجتمعي، التي لا تقف فقط عند المرأة، لكنها تتقاطع مع الحدود العرقية، والثقافية، والطبقات الاقتصادية.. هدفها تغيير المجتمع من أجل تغيير بنية الاستغلال الذي تتعرض له المرأة، والاشتباك في صراع القوة ضد الرجال والمؤسسات التي تم تشييدها من قبلهم. ومن هذا المنطلق فإن الخلاصة تكمن في أن سيطرة الذكور وقهر النساء هو ما ينتج الصراع الحادث بين الجنسين، وهناك توجه بالغ التطرف للمدخل الراديكالي قد تم الإعلان عنه من خلال الصيحة الشهيرة للنسوية السحاقية: “توقفوا عن الممارسة الجنسية مع عدونا، وتحولوا إلى النساء بحثاً عن الشغف الجنسي والصحبة الفكرية والدعم”.
ثالثاً: النظريات النسوية المتمردة..
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أصبحت النسوية المتمردة أكثر التيارات النظرية تأثيراً في العلوم الاجتماعية والسياسية، حيث بلغت الذروة فيما أصبح يُعرف باسم “الموجة الثالثة” من النسوية. ولقد كانت هذه الحركة جزءاً من المنظور “ما بعد الحداثي”، الذي شكك في المقدمات الراسخة والمتعارف عليها للمجتمع والعلوم الاجتماعية. حيث اتسم بالرؤية الواسعة والمرنة التي قاربت أشكال الجماعات النسوية كافة بغض النظر عن خلفياتها وأوضاعها المجتمعية. كما أن هذا الاتجاه قد ساعد في النظر لأنواع جديدة من النساء اللاتي لم تتناولهن الاتجاهات النظرية السابقة، وعلى رأسهن “الفقراء، والملونون، والمنتمون للعالم الثالث”.
وتشتمل النسوية المتمردة على العديد من المداخل النظرية مثل “النسوية المتعددة الأعراق”، و”النسوية التي تتعلق بالرجال”، و”نسوية ما بعد الحداثة”، و”النظرية الغرائبية”.
1 – النسوية متعددة الأعراق:
يُطلق عليها أيضاً اسم: “النسوية متعددة الثقافات”، وهي تؤكد على أهمية الجمع بين النوع وغيره من العناصر الأخرى مثل: “الأعراق، والجماعات الإثنية والطبقات الاجتماعية”، وترى أن الهيمنة في المجتمع لا تنبع من عنصر وحيد بقدر ما تنبع من عناصر متعددة مثل: “العرق، والطبقة، وعلاقات النوع”. فالوضع الخاص لنساء العالم العربي مثلاً يعتمد على التصورات الدينية الخاطئة، والبنية الثقافية الذكورية الحاكمة، إضافة إلى طبيعة الاختلافات المادية القائمة على استغلال السواد الأعظم من الشعوب لصالح شرائح اجتماعية محدودة.
2 – نسوية ما بعد الحداثة والنظرية الغرائبية..
هذا الاتجاه يجمع ما بين النوع وغيره من العناصر الاجتماعية مثل: “العرق والطبقة”. وينتقد كل المنتجات الاجتماعية والثقافية، ليس فقط في الحاضر لكن أيضاً في الماضي، مؤكداً على أن النوع والجنسانية كانا دائماً في حالة صيرورة ولم يصلا أبداً لحالة من التبلور، فلم تكن هناك أية هويات دائمة، وهو أمر جعل من سياسات الهوية محل تساؤل دائم، ويعني ذلك أن من حقنا كجماعات وأفراد أن نرفض الهويات المحددة لنا سلفاً، وأن نروج لهوياتنا التي نراها ونعيد صياغتها وفقاً لأهوائنا وتطلعاتنا ورؤانا.
فكل شيء قابل للاختلاف والتحول بما في ذلك “الجنس والنوع”، الذي فرضته ضوابط اجتماعية معينة. من هذا المنطلق، فإن هذا المدخل يضرب أفكار المجتمع الراسخة بخصوص المحددات المسبقة المرتبطة بالتحديد البيولوجي الصارم (رجل/امرأة) عرض الحائط، ويرى، بسبب وجود فئات جنسية جديدة مثل: “المثليين، وذوي الجنس المتعدد، والنساء المسترجلات”، أن هذه التصنيفات المفروضة مجتمعياً تحتاج إلى مراجعات واسعة في ضوء الهيئات الجنسية الجديدة المتشكلة.
وتخلص الدراسة إلى أن كل نظرية نسوية أضافت على غيرها من النظريات، بما ساعد في التطور العام للمدخل النسوي في التعامل مع وضعية النساء عبر العالم. فلم تنشأ النظرية النسوية مرة واحدة كاملة التشكل والقدرة على التعامل مع واقع النساء، بل يمكن القول إنها تطورت وفقاً للسياقات الاجتماعية والزمنية المختلفة، وبما يساعد بدرجة أو بأخرى في توسيع الرؤية والقدرة على ضم فئات جديدة ومتنوعة من النساء المستلبات الحقوق اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
المصدر:
دراسة (النظرية النسوية ودارسة التفاوت الاجتماعي) – صالح سليمان عبد العظيم – جامعة عين شمس – مصر.