6 مارس، 2024 12:04 ص
Search
Close this search box.

النظام السياسي الإسلامي الحديث

Facebook
Twitter
LinkedIn

قراءة في كتاب النظام السياسي الإسلامي الحديث
وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى
تأليف: د. علي المؤمن
قراءة: د. أحمد الحسيني
الكتاب الذي بين يدينا هو أقرب إلى الدراسات المنهجية الفكرية منه إلى دراسات علم الاجتماع السياسي، برغم أن المؤلف حاول في معظم الفصول أن تكون المقاربات المنهجية الفكرية مداخل لقضايا ذات صلة وثيقة بالاجتماع السياسي، عدا عن الفصلين الأول والثاني، اللذين اقتصرا على المقاربات المنهجية التي تعبر عن الاستنتاجات الفكرية التي تبناه الكاتب، وأسقطها على النماذج الاجتماعية السياسية التي عرضها في الفصول الأربعة التالية.
وتأتي أهمية الكتاب والموضوع الذي يطرحه، كونه دراسة علمية تناولت إشكاليات قديمة ـ جديدة في الفكر السياسي الإسلامي، ولكن بخطاب جديد. والأهم من ذلك أنها أخضعت تجربة الإجتماع السياسي الإيراني الحالية للنقد والتقويم، باعتبارها النموذج الذي طرحه الكاتب للمقارنة مع ما يطرحه الفكر السياسي الوضعي، وتحديداً الفكر الديمقراطي والفكر الثيوقراطي والفكر التوتاليتاري.
والحقيقة أن الإشكاليات التي يقدمها الباحث علي المؤمن تمثل ـ بالأصل ـ محاور الخلاف الفكري بين التيارات الإسلامية المتنافسة، وهو الخلاف النظري ذاته الذي ظل قائماً منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن. ولكن هذا الخلاف أخذ طابعاً مختلفاً على الصعيدين النظري والعملي بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على اعتبار أن هذه التجربة هي أول تجربة حكم إسلامي حديث مبني على نظرية فقهية. أي أن هذه التجربة وضعت الإسلاميين على المحك الحقيقي حيال التحديات النظرية والعملية الكبيرة التي فرضها واقع التطبيق. وفي مقدمة هذه التحديات آليات ممارسة السلطة في النظام السياسي الإسلامي وما يترشح عنها من أداء.
ومن هنا حاول البحث الذي نقدمه للقراء تحليل إشكالية التشابه بين جذور الفكر السياسي الإسلامي والفكر الثيوقراطي وأنظمته، وكذلك إشكالية التشابه بين آليات ممارسة السلطة في النظام الإسلامي والأنظمة الديمقراطية التقليدية، والتوقف عن مساحات الإشتراك والإفتراق بين الأنظمة الثلاثة المذكورة، وصولاً إلى قياس مستوى مشاركة الشعب في القرار السياسي للدولة بمقياس الثيوقراطية والديمقراطية والشورى الإسلامية.
كما حلل علي المؤمن نوعية الواقعية والعملانية التي اضطرت النظام الإسلامي الحديث لاقتباس بعض القواعد والآليات من المذاهب والأنظمة السياسية الوضعية، في إطار ما أسماه بـ «التأصيل» و«الأسلمة»، على صعيد الفقه السياسي والنظام السياسي والقانون الدستوري.
موضوعات البحث
أكد الباحث علي المؤمن في المقدمة أن جهة البحث في المجالات التطبيقية تنحصر في المعالجة العملية لتجربة النظام السياسي في إيران كشفاً وتقويماً ومقارنة، مع عدم التطرق إلى الممارسة السياسية اليومية للنظام، أي التركيز فقط على ما يمكن اعتباره ظواهر سياسية.
وإضافة إلى المقدمة، هناك ستة فصول ونتائج تشكل بمجموعها هيكل البحث. يمثل الفصل الأول مدخلا منهجياً للبحث، حيث يتناول الخصوصيات المنهجية ذات العلاقة بالنظام السياسي الإسلامي الحديث، ومنها ما يرتبط بالفقه السياسي القديم وإشكالية وضعه مرجعية للواقع، وإمكانية التحول في الفقه السياسي في إطار عملية تأصيل جديدة، ليكون التجاذب بين الواقع والتنظير سبباً في ملء الفراغات التنظيمية والقانونية في النظام الإسلامي الحديث كما يقول الباحث. ويطرح الفصل الأول أيضا قضية مهمة ترتبط بالإشكاليات المنهجية التي تواجهها بحوث الاجتماع السياسي الإسلامي، نظير النموذجين اللذين يفرضان التجربة الغربية (التاريخية والمعصارة) في الحكم أو التجربة الإسلامية التاريخية في الحكم كمعايير لتقويم التجربة الإسلامية الجديدة في الحكم، إذ يرفض السيد المؤمن هذه المنهجية المعيارية، لأن التقويم سيكون مفصلاً على مقاسات العقل الغربي أو موروث المسلمين.
ويشكل الفصل الثاني الإطار النظري للبحث، ويعالج موضوعات أساسية في الفكر السياسي الإسلامي، على جانب كبير من الأهمية، كالمعايير الفكرية الإسلامية في التعامل مع التجارب البشرية، وما يمكن أن يترشح عن هذا التعامل من قطيعة أو اقتباس بالمطلق أو تعامل متوازن يتسم بالأصالة والانفتاح الشرعي. ويؤكد الباحث في هذا الفصل على أن أنظمة البلدان الإسلامية هي أنظمة انتقائية، فهي أنظمة إسلامية معلمنة أو علمانية متدينة. ثم يفرد الباحث حيزاً لدراسة جدلية العلاقة بين الفكر والواقع، وخصوصية البيئة الإجتماعية، وما يترشح عنها من مشروع حضاري؛ الأمر الذي يؤكد ـ كما يقول الأستاذ المؤمن ـ أن كل نظام اجتماعي هو ولادة بيئة تنتجه عبر مخاضات تاريخية وتراكم للفكرة وللخبرة.
الفصل الثالث يختص بموضوع النظام الثيوقراطي. وبعد التوقف عند مفهوم الثيوقراطية، يستعرض الباحث محاور تعارض الثيوقراطية مع النظام الإسلامي، كالمبنى النظري وآليات التطبيق وموقع المؤسسة الدينية ورجال الدين، ثم يطرح نقطة اللقاء بين النظامين الإسلامي والثيوقراطي، والتي ترتبط بجذور السيادة والمشروعية، وهي شبهة لقاء أكثر من كونها مساحة اشتراك حقيقية كما يقول الباحث.
ويخصص الباحث فصلين لموضوع تعارض النظامين الإسلامي والديمقراطي وتشابههما، بالنظر لسعة الموضوع وعمقه. ففي الفصل الرابع بحث السيد المؤمن محاور تعارض الديمقراطية مع النظام الإسلامي، كالسيادة والحاكمية، التشريع والتقنين، وهيكل النظام السياسي. فيما ركّز الفصل الخامس على محاور لقاء الديمقراطية بالنظام السياسي الإسلامي، وأهمها: المفهوم العام للجمهورية، الفصل بين السلطات، سيادة القانون، الحقوق والحريات العامة، الحقوق والحريات السياسية.
طرح الفصل السادس خيار الشورى، وبحثه من خلال جملة من الموضوعات، أبرزها: دور الأمة في النظام الإسلامي، موقع الشورى في النظام الإسلامي، مجالس الشورى في النظام الإسلامي، الاستبداد على وفق الأنظمة الثلاثة: الثيوقراطية والديمقراطية والإسلامية، ومعالجة دستور الجمهورية الإسلامية لظاهرة الإستبداد.
النتائج التي خرج بها البحث
تتلخص النتائج التي خرج بها البحث في مجموعة من الأفكار التي عبر عنها الباحث علي المؤمن بالحقائق، وأبرزها:
إن البشرية تمتلك العديد من الخيارات على مستوى النظام الاجتماعي ـ السياسي، فرفض خيار الديمقراطية لا يعني قبول خيار الدكتاتورية، وأن نقد الديمقراطية لا يعني القبول بالاستبداد، فهناك خيارات أخرى تتلاءم مع البنية الفكرية والعقيدية والثقافية لكل مجتمع، ومنها المجتمعات المسلمة.
ليس صحيحاً مصادرة الديمقراطية بحسناتها وسيئاتها، وليس صحيحاً قبولها بكل ما فيها، بل لابد من تفكيك عملية التقويم وفقاً للمجتمع الذي يراد تطبيقها فيه، فهناك مجتمعات تصلح الديمقراطية التقليدية فيها بنسبة 90 بالمائة، ومجتمعات أخرى بنسبة 10 بالمائة.
يجب أن لا ينطلق البحث عن الخيارات أمام المجتمعات المسلمة من المقاييس البشرية، بل من منطلق التكليف الشرعي للإنسان المسلم، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات، وفي مقدمتها تطبيق الشريعة الإسلامية.
إن النظام السياسي الإسلامي لا يمكن أن يكون ديمقراطياً أو دكتاتورياً أو شمولياً أو ثيوقراطياً أو اشتراكياً، ليس من منطلق التنكر لأي نظام أو مذهب سياسي، بل لأن النظام الإسلامي نظام مستقل ومن نوع آخر، ولا يحمل غير اسم «النظام الإسلامي»، وإن اشترك مع بعض الأنظمة الوضعية، كالديمقراطية مثلاً، في مساحات معينة.
إذا لم يكن النظام الإسلامي ديمقراطياً فذلك لا يشكل منقصة في النظام الإسلامي، وإذا لم يكن النظام الديمقراطي إسلامياً فلا يعد ذلك منقصة في النظام الديمقراطي، لأنهما ينتميان إلى فلسفتين وقاعدتين فكريتين مختلفتين، ونتاجا بيئتين مختلفتين فكرياً وثقافياً واجتماعياً، وإن اشتركا في كثير من الآليات.
إن النظام السياسي للجمهورية الإسلامية لا يشبه الأنظمة الرئاسية أو البرلمانية وغيرها، وإن اشترك معها في كثير من المساحات، بل هو مترشح عن «نظام الإمامة» في عصر غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، ويسمى بـ «النظام القيادي»، لأن القائد (الولي الفقيه) هو رئيس الدولة ومحور السلطة فيها.
إن التوفيق القسري بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى، يعني منهجياً إجبار عقيدة سماوية ونظام ديني ليتواءم مع تجارب تاريخية ومذاهب اجتماعية بشرية.
إن المعيار في قياس سلامة النظام الإسلامي وأدائه؛ ليس ديمقراطيته أو عصريته )بالمعنى الوضعي)، بل المعيار هو مستوى انطباق أحكام الشريعة الإسلامية على غاياته وأهدافه وأدائه وممارساته.
يجمع النظام السياسي الإسلامي الحديث بين أصالة النظرية والتشريع، وعصرية الآليات وأساليب ممارسة السلطة، وهو تعبير عملي عن إمكانية الشريعة الإسلامية على استيعاب متطلبات العصر، وعلى الاستجابة لحاجات الإنسان الجديد.
إن النظام الإسلامي السياسي الحديث من خلال النموذج الإيراني، عمل عبر فقهه السياسي وقانونه الدستوري وآلياته، على معالجة إشكاليتين أساسيتين في الفكر السياسي الإسلامي، الأولى تتمثل بثنائية الشورى وولاية الفقيه؛ فكان هذا النظام هو نظام ولاية الفقيه القائم على الشورى. والإشكالية الثانية تتثمل بثنائية الفقه السياسي لمدرسة الخلافة (السنة) والفقه السياسي لمدرسة الإمامة (الشيعة)، فقد تمكن النظام الإسلامي من خلال دستوره، التقريب عملياً بين المدرستين، بصرف النظر عن الخلافات بين النظامين في المجالات الكلامية والفقهية.

موضوعية.. وانحياز
برغم ما بذلـه الباحث علي المؤمن من جهد علمي لتأكيد أفكاره والاستدلال عليها بخطاب جديد يستبطن مقولات كلامية وفقهية وقانونية، وأخرى من علم الاجتماع السياسي، ولكن يبدو أنه كان يسير في سياقات البحث وهو يحمل تلك الأفكار، وهي التي سبق أن قرأنا بعضاً منها أو إشارات عنها في دراساته وكتبه السابقة.
وفي إطار ذلك نرى أن رأيه في الديمقراطية لافت للنظر، بل انه يعترف بأن نقده للديمقراطية قد لا يكون مستساغاً في الوسط الذي ينتمي إليه، أي وسط المسلمين المتنورين، فيقول: (( قد لا يكون مستساغاً في الوسط الذي يرى نسفه (مسلماً متنوراً) أن يقوم باحث عرف بانفتاحه الفكري بنقد الديمقراطية فكراً وتجربة)). ويقول: ))إن سبب ذلك يعود إلى أن الديمقراطية فكرا وتجربة قد أصبحت آيديولوجية مقدسة في أذهان بعض المثقفين المسلمين، والوصفة السحرية للقضاء على الاستبداد والدكتاتورية، والآلهة التي تقود حركة الدولة)).
ويعتقد علي المؤمن بأن (( المجتمعات المسلمة التي تعيش تكويناً تاريخاً خاصاً، وإٍرثاً ثقافياً، وبنية فكرية واعتقاديه مختلفة عن مجتمعات الديمقراطيات التقليدية، من الصعب فرض الديمقراطية عليها قسراً، فالديمقراطية الحقيقية لا يمكن تطبيق فلسفتها وآلياتها إلّا في ظل أنظمة ليبرالية رأسمالية علمانية. وبالتالي ففرض الديمقراطية بروحها وفلسفتها ستكون ممارسة استبدادية مركبة، تحقق رغبة الأقلية السياسية الحاكمة باسم الأكثرية الشعبية المحكومة)).
ويمكن القول أن السيد المؤمن يبالغ هنا بشأن خصوصيات المجتمعات، وبكون الأنظمة السياسية تعبر عن مشروعات حضارية، وكذلك بشأن جدلية العلاقة بين الفكر والواقع، لأن هناك مشتركات عامة، أو لنقل مستقلات عقلية يؤمن بها جميع البشر في كل زمان ومكان، ولا علاقة لذلك في تراكم الخبرات الإنسانية والتطور الاجتماعي التاريخي، وهو ما يستند إليه الباحث علي المؤمن في كثير من فصول الكتاب، ولاسيما في المقاربات المنهجية التي نجدها في معظم الفصول.
ونجد الباحث المؤمن أيضاً يستنكر على بعض المفكرين والباحثين الإسلاميين عدم استقلاليتهم في استخدام المصطلحات والأدبيات السياسية، واستخدامهم مصطلحات وأدبيات في غير موضعها. ويعتقد أن هذا الأمر يؤدي إلى إرهاق الفكر والمفكر في الوقت نفسه ويعبر عن معاناتهم.
ولعل الباحث في نسفه لكل المحاولات التي جرت لوصف النظام الإسلامي بالثيوقراطية، قد أسّس لمقولات جديدة، لأن تلك المحاولات لم تقتصر على المستشرقين أو الباحثين العلمانيين، بل تشمل حتى بعض الباحثين والمفكرين الإسلاميين. بينما رفض علي المؤمن وجود أي مساحة مشتركة بين النظم الثيوقراطية والنظام الإسلامي، عدا عن شبهة اشتراك واحدة، وهي شبهة نظرية ـ كما يقول ـ ترتبط بمصدر السيادة والحاكمية في كلا النظامين، ولكنه يفند هذه الشبهة أيضاً، ويعتقد أن هذه الشبهة مبنية على مشترك لفظي فقط، في حين أن المضمون مختلف تماماً.
ربما يؤخذ على الباحث أيضاً أنه طرح موضوعات أساسية وواسعة ولكن في صفحات قليلة لا تتجاوز الـ (230) صفحة، في حين أن هذه الموضوعات بحاجة إلى بحوث مطولة وشاملة.
من هنا يمكن القول إن ما قدمه الباحث المؤمن في هذا الكتاب يمثل مداخل بحثية، برغم ما بذله من جهد مميز، حاول من خلاله الإجابة على أسئلة ملحة تتداولها الأوساط السياسية والفكرية والثقافية، الإسلامية وغير الإسلامية، ولاسيما تلك المهتمة بما يمكن تسميته بالإسلام السياسي والإسلام الحضاري والدولة الإسلامية العصرية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب