9 أبريل، 2024 8:33 ص
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (4): الكاتبة تنخرط في الإبداع وهي ندّ لكينونتها ومشروعها وليس للرّجل

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجه الكاتبات حين يخترن طريق الكتابة، إلا أن بعض الكاتبات يعتقدن أن تحدى الصعاب، وبذل مجهود مضاعف هو أمر لابد منه، فلكي تستطيع الكاتبة أن تثبت وجودها وتثبت جدارتها عليها أن تقاوم تلك الصعاب، وأن ترسم لنفسها طريقا خاصا بها يتميز بها وبموهبتها ورؤيتها وأحلامها
لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

الكتابة تجاوز للمحنة..
تقول الكاتبة التونسيّة “نورة عبيد”: “الكتابة تضحيّة وفعل مقاومة وجهد إضافيّ بدأ صدفة وبات حتميّا. المرأة الكاتبة تضحّي بصحّتها فلا وقت لها للكتابة إلاّ إذا أتمّت مهامها إتماما ترضى عليه. طبعا تواجه الكاتبة صعوبات في التفرّغ للكتابة، فهي تقاوم أتعابا يوميّة لا خلاص منها إلاّ بإنجازها. فكأنّ فعل الكتابة، وهو الفعل الأرقى، بات فعلا ثانويّا لا ينجز إلاّ في أوقات الفراغ! ولا أظنّ أن المرأة التونسيّة والعربيّة تحصل على وقت فراغ، عليها أن تعمل لتشارك مع قرينها في تأمين حياة كريمة للعائلة، وعليها في المنزل أن تعتني بالجميع لتعتني بنفسها، وعليها لتكتب أن تبتدع وقت فراغ.
لذلك فوقت الكتابة لن يكون إلاّ وقتا من ساعات نومها الأساسيّة، هي بصراحة تقتطع الوقت وتسرقه وتوفّره متحمّلة مشاقا صحيّة ونفسيّة وأحيانا يكون سببا في خصومات وخلافات”. وعن تأثير العوائق على الإنتاج تقول: “لا يمكن للعوائق أن لا تؤثّر كما وكيفا على إنتاج الكاتبات. فالكتابة ليست فسحة ولا متعة ولا ترفيه. الكتابة سواء كانت شعرا أو نثرا أو مقالة أو دراسة يجب أن تستجيب لفنون الشعر والسرد قصّة ورواية ومسرحا ونوفيلا. لذلك لا تستقيم كتابة تحترم شروطها الفنيّة إلاّ بقراءات متنوّعة في فنون الأدب وسائر العلوم في أكثر من لغة.
وليس فعل القراءة بهيّن. بل هو أيضا فعل مقاومة وسرقة للوقت الذي تتصيّده المرأة الكاتبة تصيّدا. وكلّما خفّ زاد القراءة وسعة الوقت خفّت جودة المنجز الأدبيّ. وإذا شعرت الكاتبة أنّ كتاباتها دون المرجوّ فنيّا آليّا تتعطّل الكتابة وينحسر “المنتوج”. وعليه فالكاتبات يقاومن العوائق الماديّة والنفسيّة. ويمنين النفس بكتابة تستجيب لطموحاتهن مع سنّ الإحالة على شرف المهنة حتّى يتفرّغن تفرّغا تاما للكتابة.
وهي إذ بلغت ذلك العمر استقام حال العائلة وتخفّفت من المسؤوليات المنوطة بعهدتها. ولنا في تونس أمثلة كثيرة. ومع ذلك لا يمكن أن نعمّم ففي الساحة الثقافيّة من تميّزن مع كلّ هذه العوائق المذكورة سلفا. بل هناك من تشرّك الأسرة في دفعها نحو التفرّغ للكتابة بتقسيم المسؤوليات. فكان لهن رصيدا محترما في الكتابة كما وكيفا”.
وعن الشعور بالظلم بسبب المقارنة تقول: “لا يمكن أن أشعر بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات بنصوص الكتّاب على اعتبار هذا الظلم مأتاه مبدأ تكافؤ الفرص وتوافر إمكانيّة التّفرّغ. ولا يمكن لهذا المؤشّر أن يكون “بندا من بنود” مقارنة الأدب النسائيّ والأدب “الرّجالي” لو صحّت العبارة. فليس الاشتغال بالأدب وظيفة “حكوميّة” وليست الكتابة “امتحانا وطنيّا إجباريّا”. الكتابة عمل إبداعيّ انخرطت فيه المرأة طواعيّة، وعليها أن تتحمّل المشقّة المرتبطة بكل حيثيات العمليّة الإبداعيّة. لأنّ الكتابة فعل وجود مقاوم للعدم وللزمن وللوقت. وهي إن انخرطت في هذا الوجود الأكبر، عليها أن تكون كائنا أرقى تطوّع الظروف للتجاوز والتجاور والكتابة بنديّة الحرف ونديّة مشروعها الأدبيّ الذي يتربّى كما يتربّى الجنين. وإكبارا لمجهودات الكاتبات استحدثت جوائز أدبيّة خاصّة بالأدب النّسائيّ، ذلك الأدب الذي تكتبه المرأة كجائزة “زبيدة بشير” بتونس وجائزة “الطاهر الحدّاد” لأدب المرأة. وتقديرا لخصوصيّة ما تكتب المرأة أو ما يكتب عنها ظهرت مصطلحات نقديّة تميّز بين الأدب النسائيّ والأدب النسويّ. وهما مصطلحان يميّزان بين مشاغل المرأة بقلم المرأة ومشاغل المرأة بقلم الرّجل. وفي تقديري كلّها اجتهادات لفهم عوالم المرأة عموما التي تتمايز عن عوالم الرّجل. والأبقى عندي أنّ للكاتبة المتجذّرة في كينونتها قدرة على اختراق المستحيل لبلوغ الأقصى فيما تطمح إليه من تميّز وتمايز، يجعلها تخوض غمار الكتابة الإبداعيّة وهي ندّ لكينونتها ومشروعها وليس للرّجل. فنتاج الكاتبات مكمّل لنتاج الكتّاب لفهم الحياة والخوض في الوجود متحديّة زمانها ومكانها وما حفّ بهما من عوائق ماديّة وفكريّة وحضاريّة وهي الأهمّ عندي”.
وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “أنا لا أفهم ما معنى “جرأة” في الأدب؟ هل الأدب جريء والحياة ليست جريئة؟ وأيهما أكثر جرأة الحياة أم الكتابة عن الحياة؟ إنّ الكتابة العابرة للسياقات هي التي تنتج جوهرها من صميم معارك الحياة، فليس الأدب تصويرا للظاهر والسائد والمنتظر، بقدر ما هو تصوير للمستتر المتحكّم في إرباك الحياة. الكتابة ممارسة ثوريّة تنهل من تفكيك ما يسطو على جوهر الوجود وجوهر الإنسان. ولتحقيق ذلك يجب ابتداع شخوص تمتلك زمانها ومكانها كموسيقى أذهان تنشد المعاني الكبرى للحياة بكلّ دقائقها المتحكمّة في دورة الحياة وتناسلها وتوالدها وتداولها.
الكتابة دورة حياة بكلّ تفاصيلها الجريئة، وتلك التفاصيل الجريئة للأسف ارتبطت في ذهن المتقبّل بالنظرة للدين والجنس. فكانّ نقد الدين من خلال عوالم تخييليّة جرأة على “الله”.عوالم تخبر عن الواقع ولا تمثّل الواقع بعينه. وكانّ تصوير العلاقات الجنسيّة خروج عن الأخلاق وعن القيم المسطورة. وشخصيّا واجهت انتقادا حادّا حين نشرت أقصوصة “مزرعة الذرة” التي ترجمت إلى الاسبانيّة. فبعضهم قال لي صراحة سأوصي ابنتي بأن لا تقرأ “لنورة عبيد” وآخر كتب “هذا أدب يقرأ فرديّا وفي الليل” وكتب ناقد راجيا حذف جملة. وفي نفس الوقت لاقت استحسانا تونسيّا وعربيّا إذ نزّلوا الأقصوصة التنزيل المرجوّ تقبّلا وتأويلا. إنّ انتقاد الجرأة في كتابات النساء دون نقدها في كتابات الرّجال، ينمّ عن عقد ذكوريّة متوارثة تنتج بدورها سلاسل تشلّ الخطاب الإبداعيّ. وتكسر وظائفه التواصليّة والتأثيريّة. وتلجم الطاقة التعبيريّة للكاتبة. فتخلّ بوظيفة الأدب الجماليّة والحجاجيّة. هذا الانتقاد لم يدفع الكاتبات الحرائر إلاّ لمزيد من الجرأة نداء لواجب الحريّة والتطوّر، والتزاما بماهيّة الأدب باعتباره ابتداعا ثوريّا وتجاوزا للنسق وكسرا للماكنة التي تنتج الملل والقرف”.
وعن النقاد تقول: “أشعر بظلم مضاعف، ظُلِمَ الأدب عموما. فالمؤسّسة النقديّة باعتبارها الحلقة الضامنة لسيرورة الأدب وجماهيريّة النّصّ الأدبيّ لم تواكب الأدب المواكبة التي يطمح إليها الكاتب عموما. ذلك أنّ النقد يحتاج إلى ثورة حقيقيّة يجدّد من خلالها نظرته لمفهوم الأدبيّة عموما والشعريّة خصوصا. وبما أنّ النقد سلطة تقنين وتأويل يتحدّد بشروط معرفيّة “علميّة”، فكثيرا ما يعزف عن التجديد والتجاوز لتلك السلطة المعرفيّة. فيظلم المنجز الإبداعيّ ظلما انطباعيّا ودغمائيّا، إنّ الناقد وسيط والنقد وساطة مرتبطة بقوّة بمفهوم الأدب، وفي المفاهيم منها الثابت ومنها المتحوّل، ولكن أغلب النقاد كلاسكيين، تسيطّر على رؤاهم النظريات وليس فرادة النصوص.
وإذا ظلمت الفنون القائمة على الكتابة في مجملها، فطبيعيّ أن تظلم الكتابات النسائيّة. فليس الأدب المتوفّر على خصائصه، والنقد المتوفّر على مناهجه بمعزل عن التبعيّة الإيديولوجيّة الرافضة للتعدّد والاختلاف. ومع ذلك نجد الكتّاب يشكون من ظلم النّقاد في اهتمامهم المتزايد بالأدب النسائيّ. فوسائل الاتصال الحديثة والرقمنة أنتجت طفرة إبداعيّة نسائيّة. وحقّقت جماهيريّة لم تكن لتتحقّق لولا هذه البدائل الاتصاليّة المباشرة بين الكاتبات والنقاد شرقا وغربا. وعلينا ككاتبات وكتّاب أن نتجاوز”نظرية” الظلم لنحقّق أدبا ناطقا بالحياة قادرا على فهمها وتقديمها فنيّا تقديما شائقا يذكي جذوة القراءة ويلهم ويلهب المعنى، حتّى تكون الكتابة تجسيرا للمتعة وطلبا للإفادة وتجاوزا للمحنة”.

مجهود مضاعف..

وتقول الكاتبة المصرية “ميرفت البلتاجي”: “من أكبر التحديات التي تواجه أي كاتبة خاصة العربية هو التوفيق بين كتابتها ومهام بيتها، خاصة لو كانت موظفة. فهي ملزمة بأداء عملها على الوجه الأكمل، ورعاية أسرتها بدون تقصير، بالإضافة لأعمال المنزل، وبعد كل هذه المهام إيجاد وقت كاف للتفكير والإطلاع والكتابة”.
3وعن العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ وتأثيرها تقول: “بالتأكيد، بالرغم من احتلال الكاتبات مساحة لا بأس بها على الساحة الأدبية، ولكن بكل تأكيد مهامها كأم وموظفة تشكل عائقًا كبيرًا أمامها، فهي لا تجد الوقت الكافي للكتابة والاطلاع لتغذية كتاباتها المحصورة في نطاق ضيق جدًا، فلا تستطيع المغامرة في الكتابة في مجالات جديدة، ولا تستطيع المشاركة في كل معرض بعمل جديد”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال تقول: “هذا الشعور موجود بالطبع، والمقارنة جائرة، ولكن التفكير في حل يصل بنا لحائط مسدود، لذلك غالبية الكاتبات يبذلن مجهود مضاعف لتقليل الفجوة، رغم الصعوبات بعض الكتابات النسوية خرجت من حصارها”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “لست من مناصري الجرأة الوقحة في الكتابة للنساء أو الرجال، الكاتب، أو الكاتبة، الموهوب يمكنهم بكل سهولة الالتفاف حول الجرأة الوقحة لتقديم أدب نظيف، من رأيي أن اللجوء للجرأة في الوصف هو قلة موهبة”.
وعن النقاد: “ليس في هذا العصر، لا تواجه الكتابة النسوية أي ظلم، الكتابة النسوية هي المظلومة فهي تأتي بالمرتبة الأخيرة بعد كل مهام الكاتبة، هذا هو الظلم”.

رحلة تفرد..
وتقول الكاتبة الأردنية “بديعة النعيمي”: “الكتابة رحلة تفرد خاصة يحلق الكاتب من خلالها على أجنحة الكلمات لينفصل عن واقعه الحقيقي إلى آخر يصنعه بنفسه من خلال مخياله الخاص. لكن هنا يأتي الارتباط بوظيفة وأسرة بالنسبة للمرأة الكاتبة ليضعف مسيرة هذه الرحلة ويعرقل معظم الخطوط المتجهة إليها. لكن لا بد لنا من سرقة بعض الوقت نعود فيه إلى مدارنا حول المركز الذي دائما ما يجذبنا نحوه”.
وتضيف: “من المؤكد بأن تلك العوائق التي عقبنا عليها هي من الأمور التي تؤثر على إنتاج المرأة الكاتبة على مستوى الكم أي عدد ما يصدر لها من إبداعات، أما على مستوى الكيف فلا بد من الانتباه لما تختار وتكتب، لذلك يجب أن تبذل الجهود المكثفة لتخرج بعمل ذا مستوى عال”.
وعن الشعور بالظلم من المقارنة تقول: “حقيقة لم أفكر بهذا الأمر إطلاقا ولم أقارن ما أكتب من نصوص بما يكتبه غيري من الرجال، ربما لأن هدفي من الكتابة هو انتصاري لقضيتي التي أسعى إلى إبرازها من خلال أعمالي”.
وعن انتقاد الجرأة تقول: “الجرأة في الكتابة تختلف عن الابتذال في الكتابة، فقد تدخل بعض الكاتبات مناطق محرمة في المجتمع لم يتجرأ الآخرون على دخولها، وبالتالي فهي تفتح أبوابا يخشى الكثيرون اقتحامها أو حتى دقها فتكشف ما هو خلفها، وبذلك تكون قد واجهت المجتمع بعيوبه، والمواجهة لا تعني التمرد”.
وعن موقف النقد: “من المؤكد بأن موقف النقد تجاه إبداع المرأة له تأثير واضح في المسيرة الأدبية لها. ونرى للأسف بعض النقاد من الرجال قد تحاملوا على إبداعات بعض الكاتبات فقط لأن الكاتبة امرأة بغض النظر عن شمولية العمل والهدف تقزيم هذا العمل واستهداف شخصها كامرأة وكونها في العقلية الذكورية لا تغدو أكثر من جسد وهذا بحد ذاته فيه الكثير من الظلم لإبداع المرأة”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب