26 فبراير، 2025 2:10 ص

النساء والكتابة (35): لا أتصور أن هناك كاتبة لم يطرح عليها هذا السؤال : “من الشخص المقصود بهذه الكتابة؟”

النساء والكتابة (35): لا أتصور أن هناك كاتبة لم يطرح عليها هذا السؤال : “من الشخص المقصود بهذه الكتابة؟”

 

خاص: إعداد- سماح عادل

حلقة أخرى ترصد رأي الكاتبات في الصعوبات التي تواجههن حين يقررن أن يدخلن مجال الكتابة الأدبية.

هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

كتابة المرأة مادة دسمة للتلصص والنميمة..

تقول الكاتبة العراقية “نجد عيال”: “بلا شك أي من هذه المهام له تأثير مباشر على موضوع التفرغ للكتابة، كل مهمة تتطلب وقت وجهد أكثر من غيرها وبالتالي يكون المتبقي لها من يومها الطويل عبارة عن فتات وقت وبقايا جهد.

الكتابة إبداع والإبداع مرتبط بالخيال والخيال يطلب العزلة والعزلة تعشق الطقوس والطقوس تموت في ضيق الوقت.

وهذا ما يأخذنا لاستذكار رأي الكاتبة الإنجليزية التي غيرت تاريخ النساء “فيرجينيا وولف”، حين طالبت أن تكون للنساء غرفة مستقلة ينعزلن فيها للكتابة، أما الكاتبة والروائية “أحلام مستغانمي” فضلت أن تخلق طقسها الخاص عبر تغيير رقم هاتفها والسفر إلى بلد يجهله الجميع.

هل بإمكان الجميع فعل ذلك؟ بالتأكيد لا.

البعض يرفض هذه الأفكار، متحججين بالتركيبة الدماغية للمرأة التي تمكنها من أداء مهام متعددة في الوقت ذاته، معتبرين أن كل ما ذكر مجرد مبررات وأعذار واهية  تختبئ خلفها الكاتبة، ويغضون الطرف عن الاضطرابات الهرمونية والتغييرات النفسية المؤثرة على سير الحياة عند المرأة”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم والكيف يقول: “هذه العوائق لها تأثير سلبي على الكاتبات وتصعب عليهن مهمة الإبداع والتطور وبالتالي ستظهر نصف إمكانيتهن الحقيقية”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إإتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ تقول: “هذه المقارنة غير عادلة، الأمر أشبه حين يتم المقارنة بين الأرقام العالمية للرجال والسيدات في رياضة الجري”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم تقول: “يتعامل المجتمع مع المرأة المبدعة كأنها ظاهرة هامشية غريبة يجب اعتراض طريقها لأنها شذت عن قواعد المجتمع وتقاليده القبلية المحافظة، لا يقبل منها مايقبل من الرجل، ولا تقول ما تريده كما يفعل الرجل خوفاً من انقلاب المجتمع عليها، لأن كتابة المرأة مادة دسمة للتلصص والنميمة من خلال شخصنة كتاباتها، لا أتصور أن هناك كاتبة لم يطرح عليها هذا السؤال :”من الشخص المقصود بهذه الكتابة؟”.

بينما الرجل لا تطرح عليه مثل هذه الأسئلة المحملة بالكثير من الأوهام والاتهامات”.

وعن ظلم كتابات النساء من قبل النقاد والمهتمين تقول: “كعادة أي شيء مرتبط بكلمة “النساء” بشكل عام، اعتدنا أن يكون معرض للاضطهاد والظلم”.

فالإبداع يسقط فوق صاحبه كتفاحة نيوتن بفعل الجاذبية..

وتقول الكاتبة المصرية “شيرين فتحي”: “بالنسبة للسؤال الأول عن حقيقة الصعوبات التي تواجهها المرأة أثناء الكتابة، فلا يمكن التغاضي عن المهام الكثيرة الملقاة على عاتق الأم خاصة في مجتمعنا الشرقي الذي يُحمل الزوجة والأم العبء الأكبر في واجبات البيت والأطفال، ربما لا تشكل هذه الأعباء عائقا للمرأة من ناحية الإبداع. فالإبداع أو الفن يسقط فوق صاحبه كتفاحة نيوتن بفعل الجاذبية، لاشيء يمنعه عن السقوط. لكن المشكلة التي تواجهنا بعد ذلك هي مشكلة الوقت، الوقت الكافي للتعامل مع هذه التفاحة المتساقطة للتو، إيجاد الوقت الكافي وصفاء البال لتطويع هذا الإلهام المتساقط فوق رأسك كسبيكة من الذهب الخام والتي في حاجة من الوقت والجهد لصهرها وتطويعها وإعادة تشكيلها حتى نحولها لقطع وحلى قيمة ملفتة للناظرين.

أذكر أنني كنت أضع طفلتي الرضيعة إلى جواري في مرة بينما فكرة ملحة تطرق رأسي، لدرجة أن عجزت عن سماع صراخ الطفلة لبعض الوقت، بعد الانتباه، قمت لتجهيز زجاجة الإرضاع. وضعت الطفلة في حجري وثبتت زجاجة الإرضاع بيد وباليد الأخرى كنت أحاول الكتابة على الحاسوب لإفراغ شحنة الأفكار التي كانت تتصارع في رأسي. انتهت الطفلة من حليبها وابتدأت تتسلى بشد شعر رأسي وتمزيقه. ولأني كنت في حاجة ملحة للكتابة فلم أشعر بآلام شد الشعر ولا تمزيقه.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “نعم, تؤثر تلك العقبات أحيانا على الكتابة خاصة على الكيف، خاصة في  أمور التدقيق والمراجعة النهائية للأعمال والتي تحتاج للمزيد من التركيز والتفرغ، ربما أكثر من مرحلة التأليف نفسها. ففي المرحلة الأولى تنساب فيها دفقات الكتابة باندفاع, يمكن خلالها تدوين عشرات الصفحات في ساعات معدودة.

بينما مرحلة المراجعة هي الأصعب على الإطلاق, هي الشكل النهائي الذي سيصدر عليه عملك ليتلقاه النقاد والقراء. ببساطة سيكون بإمكان أي رجل أن يغلق عليه بابه مخبرا أفراد أسرته أنه بصدد إنجاز عمل مهم وفي حاجة للهدوء التام, بينما المرأة وإن كانت أمًّا بالذات فلن يمكنها الحصول أبدا على هذا الوقت.

نعم لقد اعتدت التأليف والكتابة تحت ضغوط كثيرة، كتبت في أوقات غريبة وفي أماكن أغرب، اعتدت مثلا الكتابة في الظلام بعد أن ينام الجميع كي أتأكد أن أحدا لن يقاطعني. الهواتف المحمولة حلت جزء من الأزمة، أسجل أفكاري طوال الوقت عليها، أسجل أية أفكار تأتيني أينما كنت سواء في المطبخ أو في عملي الخاص أو حتى في وقت متابعة الصغار سواء في المذاكرة أو حتى في مكان للتنزه. أذكر أنني كتبتُ أثناء سفري في السيارة وكذلك في صالات الانتظار في عيادات الأطباء. كنت أشعر بالذنب تجاه أي وقت يمر أمامي دون أن أتمكن من استغلال ولو القليل منه.

فالأفكار غالبا لا تستأذن قبل اقتحام رأسك، اعتدت تدوين رؤوس وعناوين قصيرة للأفكار كي لا أنساها. ثم أعيد كتابتها قبيل الفجر بعد تأكدي من خلود الجميع للنوم، أذكر أنني لإنهاء مرحلة المراجعة الأخيرة والخاصة بروايتي الأخيرة “خيوط ليلى” كنت أصطحب الحاسوب إلى مكان عملي الحكومي . أنتظر حتى الساعات الأخيرة من دوام العمل بعدما تهدأ الأمور وأبدأ في المراجعة،. أستغرق ساعة أو أقل لكنها على كل حال أفضل من ساعات المنزل المليئة بالصراخ والطلبات التي لا تنتهي.

لهذا نحاول قدر الإمكان استغلال أي فرصة أو وقت فائض للعمل والتركيز بصورة أكبر، خاصة أن يوم الأم غالبا ما يزدحم بالتفاصيل الكثيرة من اهتمام بالمذاكرة وتمرينات للصغار وزيارات للأطباء ومجاملات الأهل والاهتمام بشؤون الزوج. لنجد أن الحصول على أي وقت إضافي يقتطع غالبا من وقت راحة المرأة نفسها. وأحيانا تقوم الأم باقتطاعه من وقت الصغار لتدخل بعدها في دائرة من اللوم الذاتي وتأنيب الضمير على تمسكها بهذا الوقت. فالأمر ليس سهلا أبدا وربما تعرضي لتلك الأمور لأكثر من عشر سنوات هي عمر اهتمامي بالكتابة هو ما جعلني أعكف الآن على كتابة متتالية قصصية تحكي معاناة المرأة الكاتبة وتحاول تقريب الصورة للجميع في قالب واقعي ممزوج ببعض الفانتازيا”.

وعن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص تقول: “أنا لا أشعر بالظلم لمقارنتي أو لمقارنة أي كتابة نسائية بأخرى ذكورية. على العكس بل يجب أن تتم مقارنات كهذه لكن على النطاق الأدبي فقط دون التطرق لجنس الكاتب ونوعه. فطالما وافقتُ على نشر إنتاجي وطباعته فهذا يعني تقبلي لأي نقد أدبي يخص كتابتي ذاتها.

أي أقبل عقد مقارنات أدبية عملا بعمل لا رجلا بامرأة. لا دخل للنوع في هذا الشأن، أقول هذا رغم ما نعانيه من ضيق العوالم حولنا مقارنة بعوالم الرجل المتسعة واحتكاكه المستمر بالشارع والناس وبطريقة أكثر انفتاحية عن المرأة، مما يساعده على صقل تجربته ولكن كما قلت طالما قبلنا التحدي وطباعة الأعمال فالفيصل الوحيد هو مدى جودة العمل فقط”.

وعن انتقاد البعض لجرأة بعض كتابات النساء يقول: “هذا الأمر ينزاح من رأسي غصبا عني أثناء الكتابة، أطاوع الكتابة وأمضي خلفها كيفما تريد، لا يتسلل إليّ هذا القلق إلا بعد الانتهاء من العمل أو كما يقولون “تروح السكرة وتأتي الفكرة”. لا أنكر أنني يصيبني مثل هذا القلق أحيانا، لكن الجيد أنه لا يأتي إلا بعد الانتهاء من كتابة العمل فأنا أترك لأفكاري ولغتي مطلق الحرية أثناء الكتابة، ثم تأتيني بعض هواجس بشأن هذا الأمر وأبدأ في محاكمة بعض الجمل والفقرات وغالبا ما تنتهي تلك المحاكمة لصالح الكتابة..

أنتصر في النهاية لصالح الإبداع الكتابي بعيدا عن نظرة المجتمع وضيق أفق الكثيرين ممن يحيطون بنا. وإن كنت أرى أن بعض الكاتبات يلجأن لحيلة الجرأة كإعلان صارخ عن تحدي المجتمع ونظرته الذكورية للمرأة، غاضين البصر عما يقدمنه حقا من إبداع له قيمة وحضور حقيقي. وهذا ما لا أتمكن فعلا من تقبله. بالضبط كبعض الكتاب الذين يقيمون عمل نسائي بمدى جرأته من عدمها، فكما هناك تيار المحافظين هناك التيار المعاكس تماما، وبين هذا وذاك تضيع الكثير من الكتابة الحقيقة والصادقة”.

وعن ظلم كتابات النساء من قبل النقاد تقول: “غالبا لا. ليست كتابات المرأة مظلومة، ليس لأنها امرأة ولكن لأن الأمر في هذا المجال خاضع للأسف لمعايير واعتبارات أخرى. الاعتماد الأساسي في الكتابة أصبح على العلاقات التي ينشئها الكاتب سواء كان ذكرا أو أنثى مع زملائه من الكتاب أو الصحفيين. كقاعدة بسيطة متبعة وغير معلنة “تجاملني أجاملك” هذه هي الحكاية باختصار بعيدا عن نوع الكاتب أو المبدع. المهم قدرته على التواجد ومجاملة الآخرين كي يتم رد المجاملة ومن بعدها لا عزاء للكاتب الجيد”.

المرأة  تعاني في مجتمع ذكوري يعدها كائن غير مكتمل..

وتقول الشاعرة “نعمة الحميري”: “نعم.. تواجهني صعوبات تعيقني وتشتت أفكاري، أهمها رعاية الأسرة ، فواجبي نحو زوجي وأولادي يستلزم جهدا ووقتا بما يأتي على حساب الكتابة، هذا بالإضافة إلى عملي   كمديرة مدرسة وهو واجب مقدس وفرض علي القيام به دون تقصير, مما يؤثر بالسلب على الكتابة التي تتطلب جهدا ذهنيا وبدنيا وتستلزم تفرغا تاما”.

وعن تأثير العوائق على الإنتاج الإبداعي كما وكيفا: “نعم تؤثر تلك العوائق  على مسار تفكيرنا وتعيق الإبداع, وقد تحول دون الاستمرار في الكتابة”.

وعن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص يقول: “المرأة مظلومة في كل شيء، وما زالت تعاني في مجتمع ذكوري يعدها كائن غير مكتمل، مكانه البيت، لا تصلح إلا للطهي والغسيل ورعاية الأسرة، على الرغم من تفوقها على الرجال في جميع المجالات، رأيناها طبيبة ومهندسة وعالمة ورئيسة دولة، وكذلك في مجال الأدب رأيناها تحصل على أرفع الجوائز الأدبية”.

وعن انتقاد الجرأة في بعض كتابات النساء يقول: “أنا معهم في انتقادهم لتلك الجرأة، فطبيعتها الأنثوية والتزامها بتعاليم الشرع ونظرة المجتمع إليها.. ناهيك عن حشمتها بعباءة الحياء كسمة جوهرية كل ذلك لابد أن يمنعها من الجرأة، فهناك مواضع جريئة تتاح للرجال الخوض فيها دون أن يصطدموا بعادات وتقاليد مجتمعاتهم ولن يكونوا محل انتقاد المجتمع كالمرأة”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد يقول: “لا بالعكس، أشعر أن أغلب النقاد والمهتمين يشجعون كتابات النساء ويلتفون حولها بل وينثرونها أنغام تعزيزيه وحوافز تشجيعية. خاصة كتابات النساء في المجالات التي توائم طبيعتها الأنثوية، مجالات الأدب بشتى فنونه، نثرية أو شعرية،أو مواضيع حياتية من تكنولوجيا وتطورات علمية تواكب العصر، ناهيك عن السياسة التي تجعلها محل النقد وتحيد المرأة عن الخوض فيها كالرجل. ولن تلقى ذلك التشجيع الكبير والحفاوة التعزيزية، التي نالتها في جوانب أدبية أو علمية بعيدا عن السياسة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة