7 أبريل، 2024 12:26 م
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (3): يجب أن تكون الكاتبات أكثر وعيا بصعوبة الطريق وأكثر صبرا

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

الصعوبات التي تواجه الكاتبة كثيرة، لكن تتسلح الكاتبة دوما بروح التحدي لكي تشق طريقها رغم الصعاب، تحاول أن تتطور مهاراتها وتثقل موهبتها لكي تستطيع أن تحفر لنفسها مكانا، وسط ضغوطات ومراقبة ووصم وتفتيش داخل نصوصها وبين كلماتها.
لذا لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟


اختلاف وتنوع الكتابة النسائية..
تقول الناقدة والشاعرة المغربية “مليكة بنضهر”: “الكتابة النسائية تشكل اختلافا وتنوعا في حد ذاتها بالرغم من قلتها، مقارنة بالكتابة الذكورية لارتباطها بالمناخ الثقافي المشبع بالذكورية وكذا في تناول بعض القضايا المحرمة اجتماعيا. ومع نضوج الحركات النسائية، وبفضل دينامية المجتمع المدني انتعشت حركة التأليف ومعها الكتابة النسائية، واستلهمت كل الأدوات التحليلية الحديثة لتتناول هموم وشجون المجتمع.
التوقف والانقطاع قد نعوزه للمشاغل الكثيرة للمرأة بحكم مسؤولياتها الأسرية والعملية، وحيث أن هذا أمر الكتابة هو مشترك بين الرجل والمرأة معا، يبقى منحنى الكتابة الإبداعية رهين بكونيتها وبالتأثير العام للمحيط والأحداث عليها بصفة عامة، حيث التفرغ يعد هاجسا لدى المرأة والرجل معا، وقد لا نصل لذلك إلا بعد اعتزال الحياة المهنية للشخص ومن الممكن ألا يشكل شرطا أو حافزا أيضا”.
وعن تأثير العوائق على الإنتاج تقول: “إن الحضور النسائي في المشهد الثقافي عموما امتد لقرون، ويجب الاعتراف بأن الكتابة النسوية أضافت الشيء الكثير على مستوى الكتابة الأدبية، شكلا ومضمونا. إن التحول النوعي لوعي المرأة نخلص به إلى القول بأن البوح بالهموم يمثل مكونًا مهمًا في المتخيل الإبداعي النسائي، وركنًا أساسيًا في رؤية المبدعة للكون.
وتبقى الكتابات النسائية مشحونة بالدلالات الاجتماعية والنفسية والسؤال ألا يجب الارتكاز على جودة النص في تصنيف الكتابة الإبداعية بدل مساءلة جنس الكاتب أو الكاتبة؟، ولتأسيس ممارسة ثقافية جادة تنفتح على قضايا فكرية وأدبية متعددة وجب الاهتمام بالكتابة النسائية والمتن الإبداعي لديها وكفى”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة: “هذا جواب بعض النقاد على ذلك: إن أية كتابة ليست إلا تعبيرا عن وعي بالأنا، الأنا في بعده الفردي أو الجماعي. أي الوعي بالاختلاف. والاختلاف الذي نعنيه قيمة من قيم الحداثة وضرب للمركزية الثقافية، العرقية أو السياسية أو الجنسية (ذكور/إناث)”.
وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “تعاني الكتابة النسائية من الفهم الخاطئ للمجتمع، ولإجحاف أدبي ونقدي على حد السواء في كتاباتها وأيضا على مستوى نضالاتها الحقوقية عموما، وعلى اعتبار طغيان الصورة النمطية لدى المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه. إلا أن الوعي بهموم المجتمع جعل المرأة أكثر تحليلا وتناولا. فالمرأة عندما تكتب، وتُنتج الكتابة إذن هناك تغيير لموقعها داخل أشكال التعبير وبالتالي تدفع إلى الفكر والفكر الفاعل والمؤثر.

وقد نسرد تجارب إبداعية بالمغرب لكل من “خناثة بنونة، ومليكة العاصمي، وليلى أبو زيد وأيضا فاطمة المرنيسي” وغيرهن كثير. حيث نجد فيهن تأسيسا فعليا للإبداع بشتى أنواعه، اعتبارا لتوظيفهن للكتابة الإبداعية كمجال للتعبير عن قضايا وطنية ومجتمعية هامة”.
وعن النقاد تقول: “إن الكاتبة النسائية لم تأخذ حقها من الدرس والتحليل رغم أنها تكتب بلغات أجنبية عدة وفي مواضيع شكلت إلى عهد قريب طابوهات لا يتحدث فيها. إن المشهد النسائي الإبداعي من خلال التطور التاريخي، يجعلنا متفائلين بالإمكانيات المعرفية والجمالية والفنية التي ينفتح عليها النص الإبداعي الخاص بنون النسوة، والتي ولاشك سوف تُغني المشهد الإبداعي، وتدخل بالتالي لعالم أسئلة النقد الأدبي بقوة”.


الانتقاص من قيمة الكتابة..
وتقول الكاتبة المصرية “شيرين شحاتة”: “الوقت في حياة المرأة العربية غير وفير، بل يتسم بالندرة حين يتطلب أن تشغله بشيء من اهتماماتها فدائما وأبدأ الأربع وعشرون ساعة باليوم تنقضي بين إنجاز مهام عملها أو أسرتها أوكليهما معا، وإن كانت هناك معوقات مجتمعية أيضا قد يكون من شأنها إعاقة إبداع المرأة، فالخوف من نظرة المجتمع إحدى هذه العوامل وامتعاضه من كل مفرده قد لا يستقبلها بصدر رحب مما يؤثر بالسلب على ثقتها بنفسها.
والمرأة شخص غير أناني فهي تضع كل فرد من أسرتها هو واحتياجاته بالمقام الأول، وبالطبع هذه العوائق تشترك جميعها في التقليل من إنتاج الكثير من الكاتبات، غير أن الرغبة الحقيقية في كتابة نص ستجعلها تحمل دفتر أوراقها وأقلامها وإن كانت تعد وجبة دسمة أو تراجع الواجبات المدرسية مع أبنائها، بل أنها تتفرد في اختيار مفرداتها وتراكيبها اللغوية.
وتواصل: “أشعر بالكثير من الظلم حينما نضع كتابات المرأة بين قوسي الأدب النسوي، وهو الذي يحصر أفكارها داخل عالم واحد وهي الأجدر بالتعبير عن كافة العوالم، وإن كان مصباح كهربائي تلفت أجزائه بفعل جهد كهربائي زائد.
وما أن توصد المرأة الكاتبة باب ظلم حتى ينفتح باب آخر، فدائما وأبدأ نوافذ الاهتمام تُشرع من أجل الأعمال الذكورية، وإظهار نقاط القوة داخل ما يكتبوه دون الالتفات لما تتكبده الكاتبات من ضغط، بل يتم الانتقاص من قيمة أعمالهم سواء من المجتمع الصغير الملتف حولهم أو المؤسسات الثقافية الكبيرة.
ولا تبتعد معاناة المرأة الكاتبة كثيرا عن معاناة الكثير من النساء اللواتي كافحن من أجل الخروج للعمل بهدف الحصول على حياة كريمة، وإن كانت المرأة الكاتبة معاناتها أكبر وأشمل فهي بالإضافة لواجباتها الأسرية وما يتطلبه العمل الأساسي، فهناك حاجتها الماسة لخلق وقت غير موجود لإكمال مسيرتها الأدبية، وتفريغ احتياجات قلمها داخل ورق يظل منتظر لأوقات طويلة”.
وتؤكد: “ومن وجهة نظري لا يجب أن تكون مادة نقد العمل ذكورية أو نسائية الصانع، بل ما يسطر داخله من أفكار وأساليب لغوية وإن كان هذا ما لا نجده داخل الحقل الكتابي، فورود التفتح والتصالح تُستنشق فقط أمام الأعمال الذكورية رغم تكدسها بألفاظ وحوارات تخدش طبيعة المجتمع، بل على العكس يتم الاحتفاء بها داخل المؤسسات الثقافية المهيمن عليها الواقع الذكوري وهذا ما لا نجده إن كان التوقيع لكاتبة.
وكم أتمنى أن لا أرى في المستقبل غير البعيد تصنيف لأعمال وكتابات المرأة، ووضع أكثرها إن لم يكن جميعها تحت عنوان الأدب النسوي، وكم أطمح بل وأطمع أن تزول كافة العوائق والعقبات التي تقف أمام إنتاجها الأدبي والذي يُثري المجتمع إن تم الاختفاء به، فالمرأة عندما تُمنح الوقت لتبدع، تُخلص للحياة وهذا الإخلاص يُزهر واقع أفضل من أجل المجتمع إن كان داخل دائرتها الأسرية الصغيرة أو يمتد خارجًا إلى ما لا نهاية”.


غرفة تخص المرء وحده..
وتقول الكاتبة العراقية “إشراق سامي”: “غرفة تخص المرء وحده. هذا ما يخطُر في بالي عندما تُطرح ثنائية المرأة والكتابة، ولعل الكاتبة “فرجينيا وولف” اختصرتْ بهذه الصرخة واحدة من أكثر مشاكل الكتابةِ عند المرأة وأبعدها تعقيداً، (غرفة تخص المرء وحده). هذا معناه أن المرء عندما يكون في كامل حقوق سيطرته على وقته وتنظيم حياته، سيكون قادراً تماماً على وضع باب بينه وبين العالم، والإنصات فقط لدواخله كتابة وقراءة وتأملا.
وهو ما تتوقف عنده أغلب هواجس الأنثى الكاتبة، بالطبع هناك من نفذت من هذه المعادلة، لأسباب تتعلق بخياراتها أو باتساع تلك الخيارات عندها؛ كأن تكون قادرة على توظيف من يساعدها في أداء مهمات أوكلت تاريخيا ً للسيدات على وجه الخصوص. ومع ذلك سيبقى وخز الضمير يرتبط بعلاقاتنا مع الأولاد ومع العائلة التي تنتظم ضمن سياق يلتف على المرأة، جاعلا منها المحور الأساسي لكل التفاصيل في المنزل.
وتضيف: “من المنطقي أن تكون تلك صعوبة معيقة للتقدم والانجاز، لكن ربما جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت العالم في السنة الماضية أثبتت نظرية غريبة، وهي أن الإبداع الأدبي ربما لا يرتبط بوفرة الوقت؛ فقد أشار معظم الكتاب أن ثمة توقفا أو عطلا أصاب قدرتهم على الكتابة الإبداعية والانجاز هذه السنة، لذا قد تكون المسألة رهينة أكثر بنوع من التنظيم أو الانضباط يختلف من شخصية لأخرى مع اختلاف الجنس أو العمر أو الثقافة.
ولأن الكتابة نشاط مثل أي نشاط إنساني آخر يحتاج إلى عوامل تساعد في نموه وتطوره بالاتجاه الصحيح، فيما عدا القراءة والكتابة باستمرار، فإن التواصل المستمر مع عوالم ثقافية متخصصة، عبر مجالات ربما بقيت حكرا على الرجال مثل المؤسسات الثقافية المرموقة أو سوق الكتب والمكتبات ودور النشر.
ناهيك عن الوضع المرتبك في مجتمعاتنا العربية في طرائق تعاملها مع المرأة والمرأة الأديبة على وجه الخصوص، جعلها في الغالب واقعة تحت أثر فكرتين شائعتين: الأولى في وجود نوع من الوصايا المعنوية والفكرية التي يفرضها الرجال، تحت مسميات عديدة، مثل الحماية، أو الإرشاد والتعليم، أو حتى الاكتشاف والتشجيع، وتكون هذه الوصايا في الغالب من الرجال الذي يمارسون الثقافة سواء أكانوا كتابا أم أصحاب مؤسسات معنية.
الثانية هي طريقة استقبال المجتمع لما تكتب المرأة، إذ ينقل المتلقي عيونه بين الأحرف رابطا بينها وبين حياتها الخاصة، مفسرا كل مشهد وعاطفة وكلمة على أنها واقع عاشته وخبرته، فيما يتعامل مع الأدب الذي يكتبه الرجل على أنه خيال وتخييل وعين على الحياة”.
وتواصل: “أما مقارنة النصوص فأمر بالغ التعقيد أيضا، إذ لا تبدو عملية النظر إلى ماهو نسوي داخل النص سوى طريقة لتجويف الكتابة الأدبية والبحث عن نقاط تتناغم وطريقة تفكير السلطة النقدية الذكورية، فالبحث عن مواضع الظلم، أو وسائل الدفاع عن الهوية في المجتمع، أو الإحساس بالجسد والتعبير عن الحب، إلى ما إلى ذلك من مواضيع، مهما كانت مهمة وجذرية في مسألة تحرير المرأة، لكنها في النهاية ليست الصيغة الحقيقة للأدب.
إن أي أدب لابد أن يكون عابرا لمعنى الجنس والجغرافية وأن يبحث عما هو إنساني ومشترك. هذا لا يعني أبدا إلغاء التفاصيل المحلية أو الهوياتية أو الجندرية للأدب، ولكنها حين تصبح الأساس الأهم والأول لفهمه، سيفقد النص قيمته الحقيقية. ولعل هذه النظرة ذاتها هي من تدفع إلى تشكيل رأي عام حاد ومتطرف تجاه استعمال الكاتبة المرأة للجرأة في الطرح وعبور الخطوط الحمر أو التابوهات المحرمة، ستكون الكاتبة محاطة بالكثير من التهم الجاهزة التي لا تحتاج حتى إلى عناء قراءة ما تكتب.
يكفي أن تلتصق باسمها مثل التهمة الثابتة أو كما أشرت في سؤالك: (الوصم). ركوب الجرأة واتخاذها وسيلة أدبية للطرح يجعل الكاتبة في مواجهة غير مأمونة العواقب مع تيارات فكرية متصلبة، واستسهال شعبوي وروح ذكورية عامة متعالية على المرأة”.
وتؤكد: “ربما يكون النقد المتخصص المبني على رؤية أدبية حقيقية أقل قسوة تجاه الكتابة النسوية، وهذا قد يدفع إلى القول إن المنجز الجيد والموهبة المصقولة بالمران وسعة الأفق، ستنال ما تستحق بالنهاية من مكانة أدبية أو انتشار رغم كل تلك العوائق، وهذا بحاجة طبعا لأن تكون الكاتبات أكثر وعيا بصعوبة الطريق وأكثر صبرا ومطاولة. وربما هن بحاجة إلى صفقة الباب الشهيرة تشبه التي أطلقتها مسرحية “أبسن” المكتوبة عام 1870 بعنوان “بيت الدمية”، وفيها تشبيه للمرأة بالدمية التي تنتقل من بيت الأب إلى بيت الزوج، لكن هذه الدمية في لحظة فارقة غادرت البيت وصفقت الباب وراءها.
صفقة الباب التي أسمعت أوروبا كلها معنى الاعتراض والإفاقة، لابد أن تكون مرافقة للكاتبات أيضا لمغادرة أي وضع يحدد لها إمكاناتها ويقتل شغفها ويجعل لها أدوارا مرسومة من قبل ومسموح لها أن تتمثلها”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب