23 ديسمبر، 2024 2:33 ص

النساء والكتابة (29): عليها الاختيار بين مستقبلها ككاتبة لامعة وبين انطفائها لو كونت أسرة

النساء والكتابة (29): عليها الاختيار بين مستقبلها ككاتبة لامعة وبين انطفائها لو كونت أسرة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

الصعوبات التي تواجه المرأة حين تقرر أن تدخل مجال الكتابة لا تقتصر على المجتمعات الشرقية، فالمرأة تعاني أيضا في المجتمعات الأخرى، وحتى المجتمعات الغربية التي يطلقون عليها صفة مجتمعات عالم أول أو مجتمعات متحضرة، فهي أيضا هناك تعاني من أعباء مضاعفة تقع على كاهلها،  ويقع عليها بالأساس عبء رعاية الأسرة والأطفال، لكن يمكن القول أن معاناتها تخف كثيرا عن معاناة المرأة في المجتمعات الشرقية، لأنها تجد مؤسسات تساعدها في رعاية الأطفال كالمدارس والنوادي الخ، كما أن الثقافة المجتمعية هناك تسمح بمساعدة الرجل لها، ومعاونتها.

لكن يبقى توافر دخل جيد للمرأة أحد العوامل العامة في تخفيف معاناتها، لأن الأموال قد تشتري لها خدمات أناس يرعون أسرتها، وتتيح لها التفرغ ووقت أكبر، لذا طرحت بعض الكاتبات منح التفرغ كحل هام لمشاكل الكاتبة التي تتعلق بتوفير وقت للكتابة.

هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

منح التفرغ حل يسعف الكاتبة..

تقول الكاتبة الليبية “محبوبة خليفة”: “‎نعم أعتقد ذلك، ومن خلال تجربتي ‎كنت أتحايل على الوقت بل أنتزعه انتزاعاً لأتفرغ لساعة أو ساعتين في اليوم ليس أكثر، ‎فأنا لا أعمل لكن المشاغل اليومية في البيت وخارجه تأخذ من وقتي الكثير، وقد تحدث لي بعض الظروف من جانب أهل بيتي كلوم أصغر أبنائي أنني لم أعد أنتبه لأحاديثه وأنني أميل إلى السرحان أحياناً.

ووجهت ملاحظات مماثلة من بقية أفراد أسرتي وكنت أبتسم معتذرةً، وأوقف عملي وأجلس معهم مجاملة وواجب بالطبع”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “نعم من حيث الكم إذ أن الوقت المتاح يؤثر تأثيراً كبيراً، فكلما كان في الوقت متسعاً كان الإنتاج أكثر بالتأكيد. أما من ناحية الكيف فلا أعتقد، فالكاتب الحقيقي رجلاً أم امرأة لن يسمح لأي عائق أن يؤثر على مستوى إبداعه، وإن حدث هذا فهناك خلل كبير عليه الانتباه له”.

وأكتفي هنا  بما أورَدَتْهُ الأديبة التركية “أليف شافاق” وأوافقها إلى حدٍ ما، في روايتها (حليب أسود) حيث أفردتْ فصلاً تبادلت فيه الرأي مع كاتبات وأديبات تركيات حول قرارها بتكوين أسرة وإنجاب طفل، ونصح أغلبهن الكاتبة أو بطلة روايتها بأن عليها الاختيار بين مستقبلها ككاتبة لامعة وبين انطفائها إن اختارت الطريق الثاني.

كما أوردت في نفس الرواية أمثلة عن كتاب كبار طمسوا زوجاتهم خلفهم رغم إمكانياتهن الكبيرة التي تفوق، في بعض ما نُقِل عنهم، إمكانياتهم بل قيل أنهن ربما ساعدن أزواجهن في الكتابة، وساقت أمثلة مروعة عنهنَّ ومُحزِنَةً لنا نحن النساء.

وفي مثلٍ آخر ناجح ومُفرِح تقدم “إيزابيل الليندي” أروع الروايات غير أن “الليندي” لم تكن ربة بيت في أغلب الأحيان، بل كانت متفرغة بالكامل للكتابة وحدث هذا، كما صرَّحتْ، بعد صدور أول رواياتها ونجاحها الكبير فساعدها هذا على ترك عملها والتفرغ  للكتابة، حتى أنها تقول بأنها تعمل ما بين عشر إلى أثنى عشرة ساعة في اليوم.

كما أن سيرة حياتها تخبرنا عن تعدد الزيجات والطلاق وغير ذلك وأرجح أن رغبتها في التفرغ لعملها هو ما أعاق حياتها الزوجية. وهنا يبرز السؤال أين المشكلة؟ وما هو الحل. والحقيقة بالنسبة للكاتبات العربيات فلا حلَّ في الأفق إلا بالاستمرار والمضي قدماً بالمتاح لهن حتى تَحَقُق هذا المطلب المهم وهو التفرغ للكتابة سواء بتضافر جهود أفراد الأسرة لتوفير وقت مستقطع لهن أو بمِنَح التفرغ التي توفرها الحكومات أو دور النشر”.

المشتتات تؤثر على خيال الكاتبة..

وتقول الكاتبة العراقية “منى شكر” عن صعوبات التفرغ: “بالتأكيد، صعوبات العمل الوظيفي والأسري تحطم الكثير من وقت الكاتبة وتمتصه سلبا فكيف تبدع المرأة الكاتبة وهي مشغولة بشؤون العمل والبيت ومحاولة التوفيق بين الاثنين، بل إن أولوية العائلة والعمل الذي هو مصدر رزقها ومعيشتها تتفوق على رغبتها وحبها لشغف القلم والأدب.

القلم ينادي والعمل والبيت ينتظر حتى إنهما يرهقان فكر الأديبة فتتشتت المخيلة الأدبية وتتوه حبكة القصة، التي ما أن تلتقطها راغبة حتى ترحل محلقة حيث الإرهاق الجسدي والفكري يحاصران خلوة الكاتبة لتقف في زاوية ضيقة بين الواجب وبين ثقافة العقل والروح”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما ونوعا تقول: “الكم والنوع مترابطان متآخيان كمسبحة لا تكر حباتها في غنى عن سابقاتها وما يليها رغم أهمية النوع إلا إنه لا غنى عن التفرغ بذهن صافي للحالتين.

هذه العوائق التي تضع الحدود والعراقيل أمام قلم الكاتبة تمنع التفرغ باسترخاء وفكر حاضر لالتقاط الفكرة لتتمحور حولها حبكة القصة والرواية، فكيف بخيال الكاتبة فكيف تصدر أفكارها وسط هذه الضجة وأن تنشأ عالمها الأدبي الخيالي الواقعي وهو محاط بكل هذه الأنواع من المشتتات”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة ما بين نصوص الكاتبات والكتاب تقول: “مثلما ذكرت، التفاوت الكبير في إتاحة الفرص، لا تجوز المقارنة بتاتا بين نصوص الكاتبات مع إنتاج الكتاب من الرجال، فكل له صيغته وحسه الأدبي والروحي في الكتابة.

إن قورنت كتاباتي مع الكتاب الرجال سأشعر بالغبن والرفض فأنا لي حسي الخاص في الكتابة وهو له طريقته وأسلوبه كما أنا. هناك عبارة مغلوطة تقال: “إن المرأة كلها عاطفة وهي تكتب بشكل أجمل وأعمق عن هذا النوع من الكتابة!” كلا لكل طريق يستطيع الوصول من خلاله إلى قلب القارئ إن كان كاتبا أم كاتبة.

براعته وحسه لما يكتب، بصدقه مع أبطاله وإحساسه بهم قبل أن يولد ولتتفاوت النسب بين الكتاب الرجال أنفسهم والكاتبات النساء من جانب آخر، لكن بلا مقارنة بين الطرفين لأنها ستكون جائرة لعنصر على آخر”.

وعن انتقاد الجرأة تقول: “حين تكتب المرأة بشكل عاطفي يسميه النقاد بالجرأة رغم إنها تصف إحساس إنساني طبيعي دون ابتذال كما يفعل بعض الكتاب حين يصف مشهدا وجدانيا بإسفاف واضح، كأنه يريد من خلاله أن يقول أن نجاح الكتاب سيعتمد على هكذا طرح أو أن الكتاب سيجد طريقه في (سوق) الكتابة إن احتوى هذه المشاهد التي تبدو محشورة عنوة في الكتاب الأدبي بلا طعم وسبب ملح.

إلا إن كان موضوع الكتاب حصرا يحتاج هذا النوع من التوضيح، المرأة تكتب كما التواصل عن بعد دون الغوص بعيدا لدرجة غير محببة في طرح ما تريد، بل إنها تحوم حول الموضوع تزينه وتجمله حتى تدخل إليه بما يناسب ما حاكته من سرد. بيد إن الاستثناء موجود في كل حيز”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “مظلومة أولا وقبل كل شيء حين تطرح كتابها الأول، فالكثير يشحذ سكينه للنقد السلبي الهدام كما ينفرد ذئب عتيد بظبي تطأ قدماه الغابة حديثا. وحتى الكتاب الثاني يبقى النقد مركز على النقاط السلبية إن وجدت دون الأخذ بنظر الاعتبار الجوانب المشرقة الأخرى لدى الكاتبة فيما تكتب.

ينتظر النقاد (المحترفين) النقاد (من القراء والناس) أن ينجح كتاب أحد من الأدباء حتى يركز عليه وعلى كتاباته التالية، وقبل أن يقرأ كتابه ينظر إليه بعين الناجح ويتناسى بعده ما كان سلفا من كتب ليظل الكاتب في حالة ترقب، متى يرتقي كتابه عالميا ودوليا ليتنفس الصعداء بعد ارتقاء سلم طويل من المشقات والعراقيل كأنه جاء بشيء سيء أو غير حضاري ومفيد للإنسانية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة