خاص: إعداد- سماح عادل
قد تأتي العراقيل التي تقف في وجه المرأة حين تقرر أن تصبح كاتبة في صورة زوج يمنعها من الكتابة، ويرفض تواجدها في المحافل والفاعليات الثقافية، على اعتبار أنه يمتلكها، ويمتلك حياتها وتفاصيلها، وله وحده الحق في أن يحدد لها ما تفعله وما لا تفعله. وهناك كاتبات ضحين بالأسرة والاستقرار العائلي لأجل التمسك بالكتابة كحلم، وأخريات كتبن في سرية تامة، وكأن نصوصهن خطيئة يخفينها عن الجميع، ومنهن من تركت الكتابة واختارت الشعور بالأمان في مجتمع لا يعطيها فضاء لتعيش فيه أحلامها.
هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
- هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
- هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
- هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
- هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟
كل الكتابات رسائل موجهة إلى شخص آخر..
تقول الشاعرة والكاتبة العراقية “رسمية محيبس”: “نعم لا شك أن العمل المنزلي وتربية الأطفال يمنع المرأة من التفرغ للكتابة، ليس هذا فقط بل أن الزوج يمنعها أحيانا من الكتابة والظهور لأنه يعتبر ظهورها في المحافل الأدبية عملا معيبا وفيه إحراج للأسرة. وقد تخضع الزوجة لرغبة الزوج وتكف عن الكتابة أو تتمرد وتضحي بالعائلة والزوج وتهب نفسها كليا للعمل الأدبي والظهور الإعلامي، أعرف كثير من هذه الحالات وقد تحطمت كثير من الزيجات نتيجة ضغط الزوج، إلا في حالات نادرة كأن يكون الزوج نفسه أديبا أو مشتغلا في المجال الأدبي، وحتى في هذه الحالة هناك ضغط على الزوجة وقد نسفت الكثير من الزيجات الأدبية ولم تصمد للزمن إلا القليل منها. وهناك من تكتب وتخفي ما تكتبه عن الأهل وعن وسائل الإعلام حيث أنها تعبر عن مكنوناتها كأنثى ومن ثم قد تمزقه أو يجد طريقه للنشر ولكن بصعوبة بالغة.
قد تكون الكتابة ضرورة لبعض النساء كالحياة ذاتها وقد تكون رغبة لا تصمد للزمن، ومع كل هذه العراقيل ظهرت مواهب لنساء كثيرات رغم المعوقات واندثرت في الوقت نفسه مواهب قد تكون حقيقية.
يقول “امبرتو ايكو”: (لا انتمي إلى زمرة الأدباء الرديئين الذين يكتبون لأنفسهم، لا يكتب المؤلف لنفسه إلا قائمة المشتريات، كل الكتابات عداها هي رسائل موجهة إلى شخص آخر). فكيف بإمكان الكاتبة أن تكتب بمعزل عن الحياة، الموهبة الحقيقية يجب أن تقتحم وتقاتل في سبيل إيصال رسالتها وإلا فلا.
وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “طبعا يوثر ذلك على إنتاج الكاتبة وقد يشتتها وربما ضاعت تلك الموهبة في غمار العمل البيتي أو الوظيفي، وفي حالات نادرة وعندما تكون الكتابة خيار حياتي نجد المرأة تكتب في كل الأحوال، تستطيع أن تجد الفرصة رغم كل شيء، لو كانت الموهبة حقيقية وليست حبا في الظهور ورغبة في الشهرة، أي أن ثباتها على قدر مخزونها الأدبي واعتبارها الكتابة حالة ملحة لا يمكن الحياة بدونها.
يقول هيرتسون: (ما من واقع أكثر رعبا من أن نحمل في وجداننا قصة لم نروها بعد) طبعا ليست القصة بالذات، وإنما كل أنواع الأدب، إذن مهمة المرأة عسيرة جدا إن لم تجد بيئة صالحة للتعبير عن مشاعرها كإنسانة أولا وأديبة تمتلك حس المغامرة ثانيا”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات تقول: “نعم هناك حيف كبير يلحق بالمرأة الكاتبة والنيل منها ومن كتاباتها، حتى من قبل أدباء كبار ممن ينظرون إلى المرأة كآلة للجنس والولادة، والبعض يعتبرها شيئا مكملا. إنهم لا يصغون لما تقوله من شعر أو سرد بل حسبهم أن تكون جسدا جميلا يتنقل بينهم ويثير فيهم رغبات وأحاسيس بعيدا عن الجانب الأدبي الإبداعي.
وحين تحظى المرأة الكاتبة ببعض الاهتمام فتكون عرضة للنيل منها والسخرية المرة، بأن هناك غرضا آخر وراء هذا الاهتمام. وقد شاعت في الفترة الأخيرة مفردات كثيرة في هذا المجال واعتبار ما يكتب في حق المرأة زحفا، والزحف مصطلح جديد انبثق بعد انتشار وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “في مجتمعنا تعتبر كتابة النص الأيروتيكي شعرا أو نثرا عارا، وقد تخضع المرأة صاحبة النص الأيروتيكي لانتقادات لاذعة تنال من شخصيتها وأخلاقها، ويحكم على تصرفاتها من خلال النص، ولذلك شحت النصوص الأيروتيكية عندنا وصار يتجنب كتابتها حتى الرجال. فقط الأديب المغترب الذي نال حريته في مجتمعات منفتحة يجد الفرصة أمامه كبيرة ويكتب نصا أيروتيكيا يضج بالجنس والشهوة وليس بالموهبة، وكأنه كان متعطشا للانفتاح أما المرأة فيبقى معها رقيب سري يراقب سكناتها وحركاتها.
البعض يفهمون النص الأيروتيكي فهما خاطئا، وهو التحرر تماما من الالتزام ووصف ما يقع بين المرأة والرجل وهذا ليس شعرا. لقد قرأنا نصوص أيروتيكية رغم صراحتها لكنها مكتنزة بالشعر ولعل فيما تكتبه “جوزيه الحلو” أو “جومانا حداد” شيئا من ذلك. لا بأس أن نقرأ ل”جوزيه الحلو”:
ولِدتْ قصائدي قلقة كحواء
عتيقة كالثلج والنار
كلمات عشق تزحف
في أوراق التوت
هو جسدكَ سرق الوقت لحظة
واستراح
حين أتى آدم إلي بهذيان عاشق
وأنعدم الصمت برحيل الأرواح.
وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “أحيانا تحظى كتابات النساء بالاهتمام والدراسة الموضوعية الجادة، وهذا يدفع المرأة لتكثيف قدراتها الإبداعية للاستمرار والإنتاج، وأحيانا يكون صوتها منخفضا وتكون ذاتها مقموعة من قبل المجتمع ومن قبل الرجل على وجه الخصوص، لهذا نجد المقارنة بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة ظالمة من ناحية الكم والكيف. وفي كل الأحوال الموهبة الحقيقية تستمر وتنضج رغم قسوة الظروف، أما تلك المواهب الشحيحة فتضيع غالبا سواء وجدت من يسندها أم لا، ولكن على العموم هناك مواهب حقيقية لم تنل فرصتها سواء للرجل أو المرأة”.
نحن لا نولد نساء وإنما نصبح كذلك..
وتقول الشاعرة والناقدة التونسية “مليكة العمراني”: “إن المرأة هي نصف المجتمع ومن دون صلاحها لا يصلح المجتمع ولا تصلح الأسرة والمرأة الحقيقية هي التي تواجه كل هذه الصعوبات وتوفق بينها، فما بالك بالمرأة الكاتبة والشاعرة والمثقفة التي يثقل عليها الحمل خصوصا إذا كانت تشتغل وربة بيت وأسرة، وهذه الصعوبات متأتية خاصة من الحمل الثقيل الذي يوضع على عاتق المرأة الكاتبة، فالكتابة هي المعادل الموضوعي للحياة ولكن أية حياة هي التي تتوزع بين العمل والإدارة ووسائل النقل والمطبخ والأمومة؟
شخصيا رتبت نمط حياتي من زمن بعيد وجعلته متكيفا مع رغبتي في الكتابة وحبي لهوايتي، ولكن تحدثني صديقاتي الكاتبات والشاعرات والمثقفات وربات البيوت عن المعاناة الحقيقية والضريبة التي تدفعها الكاتبة والشاعرة والصحفية والموظفة وأستاذة الجامعة حتى تكون وفية لعالم الكتابة الذي يستنزف الوقت والعقل”.
وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “هذا سؤال لا يخلو من الصعوبة، المسألة في نظري تعود إلى طبيعة الكاتبة والشاعرة النفسية والثقافية والاجتماعية، فكم من امرأة كاتبة لها التزامات أسرية ومهنية كبرى ولكنها رغم ذلك مكثرة على مستوى الكم، أي عدد الكتب التي تصدرها ومستوى النصوص أيضا. والعكس بالعكس حيث أن بعض الكاتبات رغم تفرغهن الأسري والمهني نجدهن مقلات في عدد الكتب التي يصدرنها، وقد يضيق هذا المجال عن تحديد الأسباب الاجتماعية والنفسية التي يعود إليها هذا الأمر”.
وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات تقول: “الشعور بالظلم في نظري لا يتأتى من علاقتي أنا بما يكتبه الرجال أو لأن التفرغ متوفر للرجال على حساب النساء، القضية في نظري أعمق من هذا بكثير وتتمثل في الظروف العامة التي تمر بها المرأة الشاعرة والكاتبة في الحياة، فالمرأة الكاتبة قابلة للعطب والهشاشة أكثر من الرجل وهذا ما تبينه بعمق الدراسات الجندرية. حيث أن الوظيفة التي تتقلدها المرأة في البيت وفي المجتمع تختلف عن تلك التي يتقلدها الرجل لذلك تقول الكاتبة الشهيرة “سيمون دو بوفوار”: “نحن لا نولد نساء وإنما نصبح كذلك”.
ولا يمكننا بأية حال من الأحوال أن نلوم الطبيعة والفيزيولوجيا التي جعلت المرأة غير مهيأة نفسانيا ولا طبيعيا للتواجد الإنساني والثقافي مثل نظيرها الرجل، ولكن يمكن أن نلوم المنظومة الاجتماعية والأخلاقية الظالمة للمرأة، ولكن لا بأس فالمرأة المثقفة بينت جدارتها منذ العصور القديمة وأثبتت كفاءتها في كل المجالات”.
وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “في نظري الشخصي المرأة الكاتبة لا تثبت جدارتها الأدبية والعلمية إلا إذا كانت جريئة وذهبت في الجرأة أشواطا كبيرة، فمن حقها القانوني والمعرفي أن تفضح الواقع وتكشف عن المحرمات الأدبية وتكسر الحدود في إطار ما تسمح به أخلاقيات الأدب والفكر. أي دون التعدي على المشرع الثقافي والمباح والدليل والمثال على ما أقوله هو كتابات المرحومة الدكتورة “نوال السعداوي” التي دفعت ثمن جرأتها ولكنها في المقابل تركت بصمتها ورسخت تاريخا أدبيا حافلا بالنجاح، رغم ما يفوح من تجربتها من ألم وحزن والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخ البشرية وتاريخ الأدب والشعر عموما”.
وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “نوعا ما من دون أن نسقط في الذاتية والتعميم، هذا الموضوع تتحكم فيه أبعاد ذاتية وأخرى موضوعية، فالفضاء العربي العام ما زال ينظر إلى المرأة نظرة دونية ويتهمها أخلاقيا، وما زالت عقلية القطيع الذكوري تتحكم في المشهد الثقافي والإعلامي العام ولكن علينا ألا نفقد الأمل في المحاولة والعمل الجاد والاجتهاد والله ولي التوفيق”.