23 ديسمبر، 2024 3:46 م

النساء والكتابة (25): تحاط كتابة المرأة بريبة إما بالاستخفاف من تفوقها أو التغاضي عنه، أو البحث عن ذَكَر تُلصق له تهمة الكتابة لها

النساء والكتابة (25): تحاط كتابة المرأة بريبة إما بالاستخفاف من تفوقها أو التغاضي عنه، أو البحث عن ذَكَر تُلصق له تهمة الكتابة لها

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تم استئناف تحقيق (النساء والكتابة) لتلقينا مشاركات أخرى من الكاتبات، كما تحمسنا لأن نوسع دائرة المشاركة أكثر ما بين الكاتبات ليصبح أشبه باستبيان، يجمع أكبر عدد ممكن من الفئة المستهدفة بموضوع الاستبيان، على أن نقوم فيما بعد بتحليل النتائج، من آراء الكاتبات وتجاربهن، علنا نصل إلى بعض الأفكار والحقائق حول معاناة الكاتبات حين يخترن طريق الكتابة في مجتمعات الشرق.

هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

المثقف العربي لم يبرأ بعد من “نزلة الذكورة”..

تقول الكاتبة والشاعرة والأكاديمية الجزائرية “ربيعة جلطي”:  أعتقد أن الكتابة مسؤولية بمواصفات خاصة، الكتابة بمفهومي ليس لها منطق الحسابات الخارجية، إنها تناغم جواني مع الذات إنها قدر. مخَلصنا من “الفناء” السريع. أنا أؤمن بأن الكتابة طلسم ذاتي وجماعي، لو لم تكن الكتابة جزءً مني مثل فصيلة الدم، لكنت توقفت عن ممارستها منذ زمن، إنها قدر المرأة الموهوبة والرجل الموهوب أيضا، على حد سواء.

العالم يتغير بين أيدينا ومفهوم الأمومة أيضا، وأشغال البيت ورعاية الأسرة، أصبحت هي الأخرى تعاش على إيقاع عصري جديد، والكاتبة اليوم تغرف من هذا التحول وتمارس في تكريسه كي تحقق للكتابة زمنها ومكانها وطقسها.

ومع ذلك قد تأخذ مهام الأمومة وأمور الحياة الخاصة واليومية للمرأة وقتا وجهدا وذلك حين يكون الأطفال صغارا جدا ثم تصبح محدودة إذا ما ترسخت بين جميع أفراد الأسرة تقاسم المسؤولية بطريقة حضارية. في كل الحالات فالكتابة مشقة فيزيقية، كما هي مشقة فكرية أيضًا. والكتابة طقس تستطيع المسكونة به أن تجد له فضاء زمانيا ومكانيا لممارسته على الرغم من المحيط المعادي، وإذا لم تتمكن الكاتبة من توفيره فربما بذلك تبرر فشلها بمحيط هو بالأساس معاد للكتابة لدى رجل والمرأة على السواء.

حين تصل الكتابة مرتبة المسؤولية الجمالية والأيديولوجية والأخلاقية بالنسبة للكاتبة، فستكون قادرة على أن تخلق لها وقتها ومساحتها على الرغم من كل شيء.

بالنسبة لي فقد كبرت مع الكتابة والقراءة، نحن صديقات طفولة، وليستا من فائض الوقت. الحياة بدونهما لا معنى لها. لم أتوقف عن القراءة منذ السادسة من العمر وعن الكتابة منذ أن احتفى المعلم ومديرة المدرسة بنص كتبته وعلق في ساحة المدرسة وأنا في السابعة.. القراءة والكتابة وأنا، صديقات طفولة لم ولن تفرق بيننا الظروف مهما صعبت”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “انطلاقا من تجربتي الشخصية فالكاتبة المجتهدة الذكية والمؤمنة بالكتابة المسكونة بها لا يمكنها أن تتحجج بما هو خارجي عنها كي تبرر فشلها أو سقوطها أو انسحابها. بل يتطلب الأمر بذل مجهودات مضاعفة.  أنا أم لثلاثة أطفال، وأستاذة جامعية وناشطة ثقافية ومنتجة ومقدمة لبرامج إذاعية وتلفزيونية وقد توليت مسؤوليات هامة كمديرة مركزية للآداب والفنون بوزارة الثقافة ومستشارة في هذه الوزارة أيضا، وترأستُ اتحاد الكتاب الجزائريين بالغرب الجزائري في زمن الإرهاب.

واستجبت لدعوات عديدة من مهرجانات أدبية عالمية وملتقيات فكرية في شتى مدن العالم، لم يثنني يوما تعارض بين هذه المهام والكتابة والقراءة، لأن القراءة والكتابة صديقتاي منذ الطفولة كما أسلفت. لم أشعر يوما بأن مثل هذه الوظائف تعيق الكتابة بل على العكس من ذلك فقد منحتني فرصة معرفة العالم وإدراكه، وفهم المجتمعات والأشخاص، والاقتراب من شرائح مجتمعية مختلفة، والتأمل في الوجود. ذلك ما يؤدي حتما إلى عمق الكتابة وتوسع رؤيتها. ولعله ما جعل من كل عمل يصدر لي حدثا جميلا وجليلا يستقبله القرّاء والمهتمون والباحثون باهتمام كبير، منذ صدور كتابي الأول “تضاريس لوجه غير باريسي” في بداية الثمانينات إلى آخر رواية لي “جلجامش والراقصة” الصادرة حديثا”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال تقول: “الظلم الأكبر هو غياب حرية التعبير في مجتمعاتنا، الظلم الأكبر هو غياب سلطة الكتاب والقراءة بها.  أعتقد ومن خلال تجربتي الخاصة أيضا، بأن ما يمكن أن يحصل عليه الكاتب الرجل في مجتمعاتنا الذكورية من بعض المزايا لا يزيد في جودة ما يكتبه، لأن “العلف” الكثير لا ينتج حصانا جيدا. بل إن الذكاء والفطنة في استعمال وقتنا وفضائنا هو ما يجعل من كتابة جيدة وأخرى غير جيدة. فكم من الرجال سمح المجتمع لهم بأمور مادية ومعنوية كثيرة ولم ينتجوا نصوصا مهمة، وكم من النساء اللواتي ربما حرمن من مثل ذلك إلا أنهن أبدعن نصوصا خالدة.

المثقف العربي لم يبرأ بعد من “نزلة الذكورة” التي تصيبه بوهم الهيمنة. إنه فريسة حمى أيديولوجيا الذكورة.  يتخيل غالبا، وبعجرفة، أن علاقاته المتشابكة تجعله متفوقا وقادرا على الحكم “بالإعدام الأدبي” على نصوص كاتبة ما، قد تكون خجولة، تتعثر في خجلها، إلا أنها تفوقه علما وإطلاعا وثقافة وذوقا، وأعرف منه باللغات والتكنولوجيا وتاريخ الأقوام والموسيقى وأسرار الألوان وأقرب منه إلى الحياة في بساطتها وتعقيدها، من تصفيف الورد إلى تحليل النفس.

الذكوريون من بعض المثقفين العرب مازالوا لا يتجرؤون بل يتحرجون من القول إنهم قرؤوا لامرأة كاتبة عملا متميزا.  من العاديات أن نقرأ ونسمع الضجيج حول كاتب ما، والإدعاء بأنه “عالمي زمانه”، لكن الاعتراف بتميز كاتبة يقترن حتما في العقل الذكوري المستبد بشبهة أخلاقية ما.  قلت في مكان آخر إن المثقفين الذكوريين العرب ما فتئوا يستقبلون ما تنتجه النساء مثلما كان يستقبل الجاهلي خبر ولادة أنثى.  القليل منهم لا يأدونهن ويكتبون عنهن بصدق وشجاعة والكثير منهم يغضون البصر عن جمال ما يكتبنه، ويمضون في الأسواق الإلكترونية والافتراضية مادحين كل “ذكر” سرق أفكارهن وكتب على منوالهن. ولله في خلقه شؤون.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات تقول: “أيدولوجيا الذكورة تخاف من لسان المرأة وقلمها، خاصة حين يُنسج في نص جميل وجريء. ضريبة جرأة الكاتبة مضاعفة فهي إذ تعاني من عين الرقيب السلطوي السياسي والديني وفي الوقت نفسه تحاول أن تدرأ عنها عيون “عرابي أيديولوجيا الذكورة” المتواجدين في مراكز القرار.

تفاؤلي الحذر يجعلني أعتقد بأن كتابات النساء في العشرية الأخيرة من خلال نصوص روائية كثيرة في البلدان العربية والمغاربية أثبتت فعلا بأنها تدخل أقاليم ظلت محرمة أو مستبعدة لمدة طويلة. وهي حالة إيجابية.  فالمرأة التي تعاني من الأيديولوجيا الذكورية قادرة، إذا ما توفرت الموهبة، أن تكشف أمورا وحالات لا يمكن للكاتب الرجل أن يصل إليها، فالضحية تكتب بصدق عن تجربتها وهذا ما نلمسه في كثير من الكتابات. على الكاتبة فقط عدم التردد أو التراجع عن أفكارها أمام مثل هذه الحملات التي تشن ضدها من قبل الفكر السلفي والإسلاموي العنصري الذي يريد حصر قدرات المرأة في الثرثرة والطبل والوطء والطبخ”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “لعل الجميع يعلم أن أغلب النقد الأدبي سواء الصحفي منه أو الأكاديمي في العالم العربي تحركه للأسف مليشيات المقاهي والسهرات بكل أشكالها الحقيقية والافتراضية، فترفع هذا الاسم أو ذلك وتلقي بذاك في سلة النسيان. وتبقى الكاتبة ضحية ثقافة المليشيات الإعلامية، يظهر ذلك فيما ينشر في الصحف وفي حضور الملتقيات والمهرجانات ومعارض الكتاب، فهذا يدعو هذا كي يستجيب هذا الأخير لهذا الأول في المرة القادمة. أليس من بد لتحرير الكتابة من ميليشيات الإعلام والملتقيات والمهرجانات!

ثم لا يخفى على نبيه ما يحيط بالعمل الإبداعي للمرأة من شك وريبة، وكأن قدر الإبداع أن يمسي ذكوريا محضا. فيكون إما بالاستخفاف من تفوقها فيه أو التغاضي عنه، أو سيُبحث عن ذَكَر ما بقربها فيُبعَث.. أبا كان أو صديقا أو زوجا أو عشيقا أو أخا أو زميلا أو.. كي تُلصق له التهمة اللذيذة: تهمة الكتابة لها.

التاريخ يزخر بأمثلة من هذا القبيل وتحضرني أكثر حكاية الشاعرة الأندلسية الجميلة ولادة بنت المستكفي عندما ذاعت قصيدة جميلة لها وسالت على ألسنة الناس في قرطبة فلم يُرض ذلك الذكوريين القدامى أجداد الذكوريين الجدد، فاستكثروها عليها ونسبوها لشعر ابن زيدون. فمازالت العقلية ودار لقمان على حاليهما”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة