النساء والكتابة (21):  الدعم المبالغ فيه من بعض الرجال للكاتبات المبتدئات يحمل بين طياته نوعا من تدمير قواهن الإبداعية

النساء والكتابة (21):  الدعم المبالغ فيه من بعض الرجال للكاتبات المبتدئات يحمل بين طياته نوعا من تدمير قواهن الإبداعية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

من الصعوبات التي تواجه الكاتبات ليس فقط النقد السلبي، أو الانحياز لكتابات الرجل، أو مقارنة نصوص النساء بنصوص الرجال، وإنما المدح المبالغ فيه، وتضخيم ما تنجزه الكاتبة، أو مدح دخولها مجال الكتابة على اعتبار أن دخولها هذا صعبا في حد ذاته، مما يؤثر سلبا على الكاتبات المبتدئات اللاتي يأخذهن الكبر، أو يضعن أنفسهن في مكان لم يبلغنه بعد، أو يعتقدن أن نصوصهن قد وصلت إلى حد مرضي من الجودة والاكتمال، في حين أن الحقيقة ليست كذلك. لذا تفضل بعض الكاتبات أن يتخلى البعض عن المبالغة في المدح ويوجهون الكاتبات المبتدئات إلى وسائل ومواد يستطعن من خلالها تطوير موهبتهن وزيادة معرفتهن بمجال الكتابة الأدبية.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

هشاشة في بنية الوسط الأدبي النسوي..

تقول الكاتبة العراقية “سمية علي رهيف”: “الكتابة عمل ذهني شاق، أكثر منه عمل جسدي، ومن المعلوم إن المرأة أكثر قدرة من الرجل على تحمّل الضغط والمعاناة والآلام الجسدية، ولكن ماذا عن مواجهة العوائق التي تعترض ميدان الكتابة. إن المرأة سواء كانت كاتبة أم مسئولة في دولة، لابد أن تمر عليها أدوار الحياة الاجتماعية من زواج أو أمومة ورعاية أسرة.

وهذه الأمور بحد ذاتها تعتبر عوائق لعمل المرأة خصوصاً في المجتمع العربي، فما زال الناس في مجتمعنا ينظرون لعمل المرأة في ميدان الكتابة باعتباره نوعاً من أنواع الترف، وربما العبث ومضيعة للوقت، ويعتبرون أن اهتمام المرأة بحياتها الأسرية لهو أهم وأنفع لها من الخوض في ميدان كهذا.

وهذا يُعد عائقاً نفسياً لها، يتراوح في حدة تأثيره على نفسية المرأة، بحسب قدرتها على تجاوز كلام المحيطين. لكن أن حصل ووقع الزوج ضحية التأثر بكلام المحيطين، هنا سيكون الاعتراض شديد الوطأة على حياة المرأة الأسرية، ودورها الفاعل ككاتبة. وفي هذه الحالة سترزح المرأة أمام عدة خيارات، تتراوح في صعوبتها، إما أن تترك ميدان الكتابة نهائياً، أو تتأخر في سيرها فيه عن قريناتها من الأديبات، فتقل مطالعتها وكتابتها وحتى اختلاطها مع الوسط الأدبي”.

وتضيف عن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص: “من جانب آخر تتعرض المرأة الكاتبة إلى نوعٍ من أنواع النقد غير البنّاء من قبل بعض الأدباء، يتمثل في المقارنة بين ما تُنتجه المرأة وما ينتجه الرجل، فأنا عن نفسي لا أقبل أن يُقارن عمل أدبي لرجل بعملٍ لي، فمن ناحية أنا ما زلت أواجه صعوبة في وصف الأماكن الحقيقية، واقتباس مشهد حقيقي من مكان ما ووضعه في قصة أو رواية، ومرد ذلك إلى قلة انخراطي في المجتمع، وقلة خروجي لأغراض المتعة أو الترفيه، ما عدا أماكن العمل التي يُفترض بي الذهاب إليها.

في حين أن الرجل يستطيع أن يمارس حريته المطلقة في الذهاب إلى الأماكن التي يرغب باقتباس مشاهدٍ منها، والتبحّر بالنظر لها وكتابة تفاصيلها وتصويرها بطريقة أكثر واقعية. هذا جانب واحد فقط يمكن أن أبين به الفرق بين الرجل والمرأة في ميدان الكتابة. المقارنة الفعلية تبقى نسبية، أن لم تكن مظلمة حقيقية للمرأة”.

وتواصل عن انتقاد الجرأة في كتابات النساء: “برأيي القاصر يعود ذلك إلى عدد من الأسباب، أولها يعود إلى الاعتبارات والقيود التي تُكبل بها المرأة، العادات والتقاليد والعيب والحرام، فالكثير من النساء لا يقدرن على البوح بمشاعرهن الحقيقية في الكتابة ويكتفين بالتلميح، والكثير منهن يتجنبن عبارات معينة يراها المجتمع لا تليق أن تقولها المرأة، بينما يقولها الرجل في شِعره ونثره بكل صراحة وطلاقة.

والكثير منهن يتجنبن الخوض في مضامير معينة من الكتابات، كالكتابات السياسية أو الفلسفية المؤثرة، فكتابات النساء، إن لم يكن أغلبهن، تدور حول محور واحد وهو الرجل، إما تنتقده وتحارب رجولته وتسلطه عليها، أو تمدحه وتتودد له فهو الأب والحبيب ووو. في حين نجد أن الرجال فتحوا لأنفسهم طُرقاً أوسع في الكتابة، وهذا ليس من باب المقارنة، وإنما من باب طرح أنواع القيود التي فرضتها الكاتبة على نفسها أو فرضها عليها المجتمع الذكوري، وتحرر منها الرجل.

وبالرغم من بوادر الانفكاك لبعض القيود، التي حدثت في الآونة الأخيرة في بعض المجتمعات المحافظة، فتح المجال للعديد من الشابات اليافعات للانخراط في ميدان الأدب، إلا إن هذا الانخراط جاء من النوع الخجول أو لنقل غير الواثق من نفسهِ أحياناً، لأن بعض النسوة ما زلن يجدن أصابع الاتهام والوصم بالشرف والانحلال تطال هذه الكاتبة وتلك. فنجدهن يُصارعن الرغبة في الانخراط في الوسط الثقافي، مع الدعوة إلى تجنبه والابتعاد عنه، كي لا يصيبهن ما أصاب تلكم الكاتبات”.

وتؤكد بخصوص رأي النقاد: “ولكن السؤال الذي يُطرح الآن في معرض حديثنا، ما السبب في الاتهامات التي تُكال على الكاتبات من النقاد، أو بعض المهتمين بالأدب؟ هل هي نوعية الكتابة؟ أم الأسلوب الذي تتبعه المرأة للحصول على لقب الكاتبة؟ في الحقيقة أن كلا الأمرين يمارسان دورهما في هذا المجال، فلو نظرنا لجانب الدعم الذي يقدمه بعض الرجال للكاتبات المبتدئات، نجد بين طياتهِ نوعاً من تدمير قواهن الإبداعية، التي تحتاج إلى تهذيب وتطوير، أكثر من المديح الذي لا تجني منه المبتدئة غير الغرور الأدبي، الذي يجعلها تنساق خلف خرافة الإبداع الذي لم تصل إلى عتبته بعد. كما يخلق منها كائناً يهدف إلى النشر والشُهرة أكثر من الاهتمام بنوعية الأدب المكتوب، أو الاهتمام بتطوير مهاراتها الكتابية.

فالمشكلة التي تظهر جلية اليوم في الوسط الثقافي، أن هناك مجانية في منح الألقاب الأدبية جزافاً، حيث نجد أي بنت سمحت لها ظروف عائلتها المتحررة، وتمكنت من كتابة بضعة أسطر من خوالجها، أسمت نفسها كاتبة، حتى قبل أن تعرف الأجناس الأدبية وقوالبها وضوابطها”.

وتوضح: “نحن اليوم لسنا بحاجة إلى أيدٍ تُكبّل المرأة وتمنعها من إطلاق إبداعها المدفون تحت جبالٍ من العادات والتقاليد، ولسنا بحاجة إلى أيدِ تصفق لكل بنت تمدُّ رأسها من سياج الأدب وتعلن نفسها أديبة، بل نحتاج إلى أيدٍ تعلّم وتوجه وتُقوّم وتساعد البنت الراغبة في الخوض في ميدان الأدب، على عبور هذا السياج بجدارة.

نحتاج إلى توعية الكاتبات حول نوعية القراءات المفترض بهن الاطلاع عليها، نحتاج إلى توجيهات صارمة حول نوعية الكتابة التي يطرحنها، ويتناولنها في كتاباتهن القصيرة والطويلة، لأن كثرة مدعيات الأدب والراغبات بالظهور والشهرة يسببن هشاشة في بنية الوسط الأدبي النسوي، الذي يحاول اليوم الظهور واثبات الذات، ويجعل الألسن تتطاول والأصابع تشير إلى الكاتبات بالخمول وعدم القدرة على مجاراة أدب الرجال”.

التحول النوعي لوعي المرأة..

وتقول الكاتبة العراقية “فائدة حنون مجيد”: “الكتابة النسائية  لها لونها المتفرد بالرغم من  قلتها، مقارنة بالكتابة الذكورية والوسط الثقافي المشبع بالأدباء، في تناول بعض القضايا المحرمة اجتماعيا.

ومع نضوج الحركات النسائية، وأنشطة المجتمع المدني انتعشت حركة التأليف ومعها الكتابة النسائية، وقيام الورشات والدورات بإعطاء دروس في كتابة القصة والمقال والقصائد الشعرية، والتي تناولت كل الأدوات التحليلية الحديثة.

لا ننكر  المشاغل الكثيرة للمرأة بحكم مسؤولياتها الأسرية والعملية، إلا أن  أمر الكتابة هو مشترك بين الرجل والمرأة معا، يبقى منحنى الكتابة الإبداعية رهين بكونيتها وبالتأثير العام للمحيط والأحداث عليها بصفة عامة، حيث التفرغ يعد هاجسا لدى المرأة والرجل معا، وقد لا نصل لذلك إلا بعد اعتزال الحياة المهنية للشخص ومن الممكن ألا يشكل شرطا أو حافزا أيضا”.

وعن العوائق  وتأثيرها على الإنتاج تقول: “إن الحضور النسائي في المشهد الثقافي بصورة عامة يمتد لقرون، ولا يمكن تجاهل أن الكتابة النسوية أضافت الشيء الكثير على مستوى الكتابة الأدبية إبداعاً، وإن التحول النوعي لوعي المرأة هو البوح بالظروف الحياتية والاجتماعية التي تمر بها، مما يمثل ذلك مكونًا مهمًا في المتخيل الإبداعي النسائي، وركنًا أساسيًا في رؤية المبدعة.

وتؤكد على: “تبقى الكتابات النسائية مرتبطة بالدلالات الاجتماعية والنفسية، وهنا يجب الارتكاز على أهمية النص، وقبولهِ عند المتلقي في تصنيف الكتابة الإبداعية بدل مسألة جنس الكاتب أو الكاتبة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة