28 نوفمبر، 2024 7:34 م
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-7): الكاتبة لم تتحرر من الوصاية الذكورية على نصوصها، تكتب مايستسيغه العقل الجمعي الذكوري وما يدغدغ حواسه

(النساء والكتابة 2-7): الكاتبة لم تتحرر من الوصاية الذكورية على نصوصها، تكتب مايستسيغه العقل الجمعي الذكوري وما يدغدغ حواسه

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك طرح مختلف، وهو أن الكتابات النسائية لم تخرج من إطار السلطة الذكورية، وإنما تحاول استرضاءها، والتماهي معها، والسير وفق قواعدها واشتراطاتها، بحثا عن الرضا والقبول من المجتمع الذي تحكمه تلك السلطة الذكورية، وأن كتابات النساء إما كتابات ترسخ للرجعية والقواعد الذكورية وتبررها، وإما تدعي التمرد في حين أنها لم تبلغه بشكل حقيقي، وإنما تقارب التابوهات مقاربة تستهدف الرواج التجاري، لا التمرد وتقديم رؤية مغايرة. لكن التساؤل هنا هل خلت الساحة الثقافية في مجتمعاتنا من كاتبة تملك رؤية حقيقية ومغايرة، ومن نصوص على قدر من الجودة والتميز تطرح من خلالها موقفا لا يهادن السلطة الذكورية ولا يسعى إلى فرقعة الشهرة؟.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

الموهبة تفرض نفسها رغم كل العقبات..

قول الكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: “المرأة بشكلٍ عام إذا أرادت النجاح في أي مجال يمكنها ذلك، مهما كانت الضغوط المسلطة عليها ومتطلبات الأسرة وواجبها كزوجة وأم، هناك نساء كثيرات، وقبل عقود من الآن، استطعن الوصول إلى أهدافهن، الأمر يعتمد بالدرجة الأساس على الإرادة والقدرة على تنظيم الوقت. فالكاتب أيضًا غير متفرغ للكتابة كل الوقت على الأكثر، هو ملزم بتدبير متطلبات المعيشة التي لا توفرها الكتابة عادةً، مسئول عن عائلته وكل ما يتعلق بشؤون البيت.

وحتى إن لم تستطع الكاتبة حضور الفعاليات الثقافية لأسبابٍ مختلفة، فالكاتب (امرأة أو رجل) يكون حاضرًا من خلال نصوصه المتميزة، فهناك الكثير من الكتّاب الرجال ولظروفٍ خاصة ليس لديهم أي حضور شخصي ولا حتى في معارض الكتاب المقامة في بلدانهم، مع ذلك استطاعت إصداراتهم أن تحقق نجاحًا أكثر بكثير من الكتّاب الذين يداومون على حضور كل نشاط أدبي.

وذات الأمر بالنسبة للكاتبات، لعل منهنَّ من يعشنَّ في مجتمعات مهمشة إلى حدٍ ما وبعيدًا عن أضواء العاصمة وتجمعاتها الإبداعية، مع ذلك هناك أسماء لكاتبات برزت في الساحة الأدبية، وعلى مستوى الوطن العربي، رغم كل القيود الاجتماعية التي قد تنظر للإبداع نظرة متخلفة تجنح إلى السخرية تارةً والوعظ المنغلق تارة أخرى. في النهاية الأمر مرهون بالموهبة والإرادة بالدرجة الأساس لتحقيق كل ما يطمح إليه الإنسان وإن طال الوقت، المهم الاستمرار في المحاولة”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “بالنسبة لي هناك أقيِّم النصوص على أساس الجودة فقط، سواء كان لكاتبة أو لكاتب، ذات مرة شاهدت لقاءً تلفزيونيًا مع الأستاذ عباس محمود العقاد، فأجاب على سؤال مقدمة البرنامج عن الكتابة النسائية: “هناك أدب جيد فقط” وهو ذات رأيي الذي كتبته أكثر من مرة لأني ضد مصطلح “الأدب النسوي” وكأنه منحة من الرجل للمرأة ليحصرها في مواضيع محددة تظل تكتب فيها دون غيرها حتى يستلب التكرار موهبتها شيئًا فشيئا.

والكاتب مطالب دومًا بالتجديد وولوج مناطق لم يطأها من قبل، وإلا انتهى وهجه الأدبي، بالتأكيد المرأة تعاني بصورة عامة أكثر من الرجل في مجتمعاتنا، خاصة مع هجمات الردة الفكرية، باسم الدين بصورة خاصة، لكن أيضًا أجد أن المرأة لديها مساحة من الخصوصية ربما أكثر من الرجل، وفرتها طبيعة الحياة التي تعطي الأولوية للجو الأسري، فالفتاة منذ أول مرحلة المراهقة تبدأ تحاصرها الضغوط لتقلل من خروجها من المنزل.

هذا الأمر يمكن أن يكون مصدر إبداعٍ لا محط خيبة وشعور بالانكسار فحسب، من هنا صار للمرأة عالم من الأسرار والحكايات التي قد تخجل أن تقولها لأي شخص مهما كان قريبًا منها فيتفتح لديها ينبوع من الإبداع الذي يمكن أن يحقق لها الحرية التي تريد، ليس عنها كامرأة فحسب، بل عن الرجل الذي تبدأ بالتواصل معه من خلال الأب والعم والخال.

ومن ثم الشقيق والزميل والقريب، وبالتالي حتى المرأة ربة البيت هي ليست معزولة عن المجتمع تمامًا، والكاتب الحقيقي هو الذي يعتمد على الخيال المستوحى من أبسط الأمور الحياتية ليكتب نصوصًا موازية للحقيقة، ويمكن أن يتأتى هذا ولو من خلال جملة جاءت في سياق حديث عابر، أو مصادفة شخص لا نعرفه لكنه يثير لدينا نوعًا من الفضول لرسم شخصيته في الخيال، فأعود وأقول أن الموهبة هي التي تفرض نفسها رغم كل العقبات المفروضة، وقد تكون تلك العقبات أداة لاستفزاز الملَكات الإبداعية أكثر”.

وعن تحطيم التابوهات والأدب الأيروتيكي يقول: “الأدب الأيروتيكي يقوم عادة على فكرة بسيطة جدًا، يكون الهدف منها إيجاد فرصة للكاتب لتجسيد المشاهد والمواقف المتخيلة لديه بكل التفاصيل الدقيقة، فيكون تكثيف التصوير الجنسي بحد ذاته هو الهدف منها، وهناك كتّاب يدافعون عن هذا النوع من الكتابة بمختلف الوسائل والحجج.

لكني لا أستطيع أن أقول إنه من ضمن النصوص الإبداعية، لأن الكاتب عليه أن يهتم بالفكرة في المقام الأول، بحيث يكون الهدف من اللقاء الجنسي إبراز دلالة من الدلالات التي يوظفها الكاتب من أجل إيصال مضمون العمل للقارئ، وقد يكون التوغل في الكتابة الأيروتيكية بمثابة رد فعل عنيف على الكبت الذي يفرض طوقه على المجتمع، والنساء بصورة خاصة، لكن الموهبة الصادقة يمكن أن تكتب في أي موضوع تريد برؤى مختلفة ومتجددة، وإن كان البعض يرفض مجرد الإشارة إلى مواضيع مسكوت عنها حتى لو أن الكاتب اختار طريقة بعيدة عن الوصف المباشر، مثل الشذوذ الجنسي، معاشرة المحارم، والكثير من الأمور الممنوعة عن البوح.

رغم الازدواجية التي توجد في حياتنا يشكلٍ عام، المشكلة أن بعض القرّاء لحد الآن عندما يقرؤون نصًا ويتفاعلون معه يعتقدون أن ما جاء في العمل هو الحقيقة التي عاشها الكاتب بكل تفاصيلها، وبالتأكيد بالنسبة للمرأة الأمر يكون أكثر صعوبة وقد يؤدي إلى الطعن في السمعة، لكن الموهبة الواثقة من نفسها ستظل تعاند الأفكار الرجعية، وهذا من ضمن مهام الكتابة الجادة”.

عن تواجد الكاتبات على الساحة الثقافية يقول: “هناك الكثير من أسماء الكاتبات المتميزات، لكن عليهنَّ أن يحاولن الخروج من طوق المواضيع المكررة، نعم ألاحظ إن عددهنَّ أقل من عدد الكتّاب الرجال، لكن مع ذلك يحققنَّ نجاحًا ملفتًا للأنظار.

والقراءات النقدية بشكلٍ عام لا تستوفي كل النتاج الأدبي الغزير، فالصدفة هنا تلعب دورها إلى حدٍ كبير، ناقد قد يقرأ نصَا لكاتبة، أو كاتب، فيثير حماسته للكتابة عنه، وهناك ونصوص كثيرة ومتميزة جدًا لم تنل الاهتمام الذي تستحق، خاصة وأن أغلب دور النشر تنتهي مهمتها بمجرد إصدار الكتاب ومن ثم عرضه في المعارض، وعلى الكاتب مواصلة المتابعة عبر النشاطات الأدبية هنا وهناك.

الآن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت كثيرًا في هذا المجال، فكل كاتب لديه حرية للتعبير عن آرائه دون مزاحمة، ودون التفريق بين امرأة ورجل، فصارت بمثابة تعويض عن فرصة الحضور في مختلف الأنشطة هنا وهناك، أنا شخصيًا أفرح جدًا عندما يبرز اسم كاتبة وأتطلع لقراءة كتاباتها لأنها تأتي كرد على حملات التطرف التي تواجهها مجتمعاتنا، في الوقت الحاضر بصورة خاصة، ولكني أيضًا أتعامل مع النص على أساس جودته، أما عن كثافة حضور الفعاليات الثقافية فهذا أمر مرهون بعوامل كثيرة أشد أهمية من الأنثى والذكر، وأي تعصب أو نظرة فوقية من جانب الرجل ستتبدد مع تشبث المرأة بحقها في المشاركة الفعالة، وعندما أتابع أخبار صديقاتي المبدعات أجد ما يثير البهجة لما يحققنَّ من إنجازات مرموقة”.

وعن وجود اختلافات بين كتابات الرجال وكتابات النساء يقول: “باختصار أجد أن المرأة ولجت كل المجالات تقريبًا، لكن تبقى لديها خشية من التطرق إلى مواضع خص المجتمع الرجل بها، هنا تبرز أهمية التمرد المطلوب لدى الكاتب، حسب ما تمليه عليه ثقافته ورؤيته.

على سبيل المثال ألاحظ أن المجال السياسي قصي إلى حدٍ ما عن اهتمام المرأة الكاتبة، وكأن هذا الجانب من اختصاص الرجل فحسب، مع أن تأثير السياسة في حياتنا كبير جدًا، للمرأة والرجل على حدٍ سواء، والنساء في بلادنا يتحملنَّ الكثير إزاء كل ما يحدث، والتركيز على جانب الكبت الجنسي بصورة مبالغ فيها لا يعطي للمرأة صورتها الحقيقية من كافة الجوانب، لذا أرجو أن تتوغل أكثر في التطرق إلى مواضيعٍ مغايرة، أي توجد لها مساحة جديدة لم يسبقها إليها أحد من أجل الخروج من القوقعة المفروضة بحكم أفكار تقليدية تود تحجيمها في إطار محدود مهما بدا رحبًا”.

مداعبة التابوهات والتحرش بها لهدف تجاري..

ويقول الكاتب السوري “نافذ سمان”: “بداية لا أريد التحدث عن مهام المرأة والتي من المفترض أن تكون موزعة بشكل أكثر عدلا، بل النقطة الهامة أو السؤال الهام هنا هو:

ماذا نريد ونترقب من الأدب؟  أو ما الهدف من الكتابة بشكل عام؟  لأن ما يمنع من التفرغ للكتابة سواء بالنسبة للرجال أو للنساء، هو المردود المادي والذي هو صفرا إن لم يكن أقل من الصفر، فلا وجود للكاتب المحترف في وطننا العربي إلا ما ندر أو إن كان تابعا لجهة سيادية ما،  وهذا ما يمنع أغلب الأقلام الموهوبة من التواجد وإثبات الذات”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “في رأيي أن العملية الإبداعية هي وجهة نظر، لذا لا مجال لمقارنة نصوص أي شخص بنصوص شخص آخر، هذا من حيث المبدأ، أما إذا قصدنا الحديث عن النضج في المشاريع الأدبية، فطبعا ينقص المشاريع النسائية النضج الأدبي وذلك لعوامل كثيرة ومتشعبة بل ومتناقضة أحيانا، وأسوق مثالا على ذلك أن تلك المشاريع قد توأد في مهدها في أماكن وأزمنة محددة، أو أنها تلاقي في أماكن وأزمنة أخرى احتفاء غير مبرر واهتماما يصل إلى حد النفاق، لذا، تظهر باهتة لأنها لم تجد الوقت الكافي لسكبها في قوالبها، أو النقد المحفز على التأني في إنتاجها وإظهارها”.

وعن تحطيم التابوهات يقول: “المشكلة في حالتنا أنه وللحقيقة لا توجد نية حقيقية في تحطيم تلك الثوابت والتابوهات، وجل ما يفعله كاتبنا العربي، سواء كان ذكرا أو أنثى،  هو مداعبة تلك التابوهات والتحرش بها والهدف يكون تجاريا بحتا بالطبع.

وهنا دعيني أقول أنه وللأسف فإن كاتبتنا العربية لم تستطع أن تخرج من الوصاية الذكورية على نصوصها، فتراها تكتب مايستسيغه ذلك العقل الجمعي الذكوري وما يدغدغ حواسه ولنا في موجة الكاتبات الدينيات (إن صحت التسمية) خير مثال على ترسيخ قيم الذكورية البطرياركية في مجتمعاتنا وتقديم النساء على أنه أفضلهن من يركن لتلك السيطرة.

وعلى المقلب الآخر نجد فريقا آخر يصدح باستعمال الجسد (أيروتيكيا) ليس من منطلق تمرد أو تململ على تلك القيود، بل من منطلق إغرائي بحت، مما يجعل من السهل تسويق تلك الأعمال لمداعبتها الحواس الذكورية ويستدعي موجات التصفيق والتطبيل المنافق المؤذي للمشروع الأدبي الأنثوي بشكل عام”.

وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “للأسف مازال التواجد الثقافي النسائي في مجتمعاتنا تواجدا بروتوكوليا شكلي لا أكثر ولا أقل، ولا يرتبط أبدا بجودة القلم أو متانة النص أو حتى بالتأثير المجتمعي.

إنما هو حالة تجميلية يقتضيها البريستيج وتفرضها الديكورات اللازمة لأي حدث ثقافي أدبي.

وهذا مرده كما سبق وأسلفنا، لاستسلام القلم النسائي للتأثير البطريركي الضاغط للقلم الذكوري وما يفرضه من قيم جمالية. وهذا ما يفسر تغزل نقادنا بالكاتبة أو لعن شخصها أكثر من تغزلهم بالنص أو انتقاده بحق”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “طبعا يجب، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف جمالي إبداعي تفرضه الاختلافات الجمة بين الشخصية النسائية والشخصية الذكورية للمبدع، الأمر الذي يعكسه النص وزاوية تناوله للحدث الذي تفرضها الرؤى المختلفة الزواية للمبدع.

أما عني، فأنا ما زلت أرى امتدادا ذكوريا في الكتابات النسوية وتقليدا بل وتماهيا في بعض الحالات مع الكتابات الذكورية، ومازلنا في مرحلة التحرش الأدبي ودغدغة الحواس وللأسف أصبح النص النسائي الناجح هو النص الذي يرضي ذكورية المجتمع وينافقه، وذلك مرده لعدم وجود الاستقلالية المادية والمعنوية والأدبية للقلم النسائي في مجتمع ضاغط لا تكاد الثقافة تعنيه”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة