26 فبراير، 2025 1:06 م

(النساء والكتابة 2-43):  من يدعي مساواة المرأة مع الرجل في عالمنا العربي الهش، أنعته بالكذب الفاحش، إلا بعض الأمثلة الخجولة

(النساء والكتابة 2-43):  من يدعي مساواة المرأة مع الرجل في عالمنا العربي الهش، أنعته بالكذب الفاحش، إلا بعض الأمثلة الخجولة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك طرح متكرر في هذه الحلقة حول استلاب نظرة المرأة الكاتبة من قبل المجتمع الذكوري، فهي تفكر كرجل وتكتب كرجل وربما تشعر كرجل، كونها تتمثل نظرة المجتمع الذكورية، وتتماهى معها.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

على المرأة أن تعبّر بحس حقيقي عما يختلج في صدرها..

يقول الكاتب والشاعر العراقي “ولاء الصواف”: “في البلدان التي تحترم المرأة كعنصر فاعل في المجتمع والمؤمنة بإمكانياتها وبقدرتها، تجاوزت طرح هذه الأسئلة، بوصفها – أي الأسئلة – غير فاعلة في بنيتها الاجتماعية، بينما تكون فاعلة ومؤثرة وعلى قدر كبير من الأهمية في بلداننا، لأن المرأة في العالم العربي، كيان مختلف تماماً عن نظيراتها في العالم، فهي واقعة تحت تابوتات متعددة، مختلفة المناهج، جعلت منها كائناً لا يصلح إلا لمهام محددة وهي، سيدة منزل، أم، مربية، تجيد فنون الطبخ، ورعاية الأسرة، وتلبية مطالب الرجل، وما دون ذلك فلها محاولات خجولة في تنمية القدرات الذاتية والعقلية والإبداعية. وإذا ما تجاوزتها فسيكون على حساب شيء آخر، وهذا الآخر يجب أن لا يمسّه ضرر بأي نوع ومن أي شكل.

لذا المرأة العربية، ونتيجة لهذا الضغط، نراها تمارس دورها الإبداعي لكن بتخوّف من فقد بعض الاشتراطات الأخرى، التي تراها في المقام الأول، وبالتأكيد يرجع سبب ذلك، إلى كون الواقع المعاش يفرض عليها ذلك، ومما ساعد على فرض هذه التابوهات، بالإضافة لما ذكر، هو المرأة نفسها، التي ترى محدودية إمكاناتها، وغير مؤمنة بقدراتها، وتراجعها الوظيفي، والخوف مسبقا من استلاب الأمر المهم في حياتها، ألا وهو العائلة، وما دونها يأتي تباعاً، فهو في مراحل متأخرة من سلم أولوياتها.

وما نلمسه عياناً في العالم العربي، هو قلة تواجد المرأة في الساحات الثقافية، لكن هذا لا يعني خلو الثقافة من السيدة حواء، أسماء كبيرة بلغن مكانات متقدمة في عالم الأدب والصحافة والسينما والمسرح، بالتأكيد جاء على حساب بعض أولوياتها السابقة”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “مَنْ أوجد هذه المعادلة؟..، حقيقة أنا لا أرى أي فارق في الكتابة النسوية عن أختها الكتابة الذكورية في عالمنا العربي، النص واحد لرجل كان أو امرأة ولو حذفنا الأسماء سنجد صعوبة في معرفة جنس الكاتب. لأن المرأة استمرأت الكتابة بلغة المذكر، تفكر كرجل، وتعلن حبها كرجل، تغازل الإناث كرجل، ترى بعين الرجل لا بعين الأنثى، هذا نوع من ذوبان الشخصية الحقيقية للمرأة في وعاء الرجل، المؤشر عليه في حياتنا الثقافية العربية يمكننا من قول ذلك، في عدم التمايز بين النمطين.

فعلى المرأة أن تكتب كأنثى، كامرأة، أن تعبّر بحس حقيقي عما يختلج في صدرها، ما تؤمن به كإنسان ولد بجنس أنثى بعيداً عن الخطوط الحمر التي تميز حياتها، إنها مستلبة في كل شيء، ومن يدعي مساواة المرأة مع الرجل في عالمنا العربي الهش، أنعته بالكذب الفاحش، إلا بعض الأمثلة البسيطة الخجولة، والأمور بصورة عامة نسبية، ولا مطلق فيها، لكن القلة من يفعل ذلك وهؤلاء هم فقط قادة التنوير في العالم العربي، المناداة بتحرير المرأة من ربقة العملية القهرية التي تمارس ضدها في كل آن، هي بمنحها الاستقلالية الكاملة، غير منقوص منها، بمنحها الفرص المتكافئة، والأهم الإيمان بقدرتها على الإبداع.

وما نراه مخالف تماما، هذا هو الواقع الحقيقي للعقل العربي الذي يعاني من مشاكل حقيقية فرضتها سنن وأعراف بالية ترتبط بالمحرم من كل قول أو فعل. فلا فرصة حقيقية للمرأة إلا تلك التي يمنحها الرجل لها، أي بمعنى هي غير قادرة على منح نفسها الفرصة الحقيقية كي تكون إنسانا كامل المواصفات، يمتاز بكل الحقوق التي تعطى للجنس الآخر- الرجل -. ما آلت إليه حقيقة المرأة في عالمنا، ليس بسبب الرجل فقط، فهي ضحية مشاركة بقوة في جعل نفسها ضحية مستلبة الإرادة، بل تشارك بقوة في جريمة الاضطهاد ضد نفسها، إنها تصدق الكذبة ذاتها في كل الأوقات، إيمانا منها بعدم الدخول في مماحكات مع قوة الرجل الذكورية، وعلينا أن نفهم إن إعطاء الحرية للمرأة ليس بمعنى الحرية المنفلتة التي مآلها الفوضى، بل الوقوف بالند ضد ما ينتهك حرية المرأة، ويسلبها الفرص المتاحة لأن تكون فاعلة معرفيا في تعزيز بنية المجتمع”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “أنا مع ذلك وأذهب بعيدا فيما يكتب في هذا النوع، هي حاجة إنسانية يطلقها الرجل أو المرأة على حدٍ سواء، فما هو محلل للرجل يجب أن يكون محلالا للمرأة وإلا دخلنا في عملية الفصل الجندري. لها كامل الحق فيما تكتب، هذه هي حياتها تعبر عنها بما تشاء وبأي أسلوب. لا تعتبر الكتابة في هذا النمط شيئا يثيرُ الدهشة في كتابات الرجل، وتعتبر جرأة في كتابات المرأة، هذا تعزيز لدونية المكانة الممنوحة للمرأة الكاتبة، هذا الممنوع القسري المفروض علينا من قرون عدة هو من أعطى هذا التمايز.

ما هو محرم عندنا يكون شيئا طبيعيا عاديا عند الآخر الغربي، وكنتيجة للألفة والتعايش السلمي بين الجنسين جعل الجليد المتراكم بين الأنثى والذكر يذوب، خاصة فيما لو عرف كل كائن حدوده المعرفية والعاطفية والجنسية فلا يبقى هناك مفهوم للجرأة لأنه معاش ومفعّل حقيقيا في الواقع.

ولا يأخذ كلامي هذا بمعنى الانفلات الأخلاقي، ولا الممارسات الشاذة، ولكننا لم نفهم بعضنا، لم نقرأ الآخر القراءة الصحيحة، لم نتعايش ضمن المفهوم الإنساني، اغتربنا عن الطبيعة، قيدتنا الأيديولوجيات المحتكرة للحقيقة، فرضت علينا سلطات قسرية تعادي مفهوم الحرية، لأن ببساطة أنا أعتبر الحرية هي الوجه الآخر للحقيقة، والحقيقة هي ما نسعى لها جميعا في إدراكنا للمعنى الحقيقي للوجود على هذا الكوكب، وكيف نتعايش مع الموجودات، بعيدا عن نظرية الاستلاب، الحياة للأقوى في عالم الحيوان غير المدرك لضروريات الحياة المثلى، هي ليست يوتوبيا أطلقها جزافا أو من بنات أفكار شاعر فقط، بقدر ما هي تجلي للروح الإنسانية المثلى”.

وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة الفرصة الكاملة للمرأة، في نشر نصوصها الإبداعية المختلفة، بعدما كانت محدودية النشر الورقي قد حددت من تواجد المرأة، لصعوبة النشر فيها والهيمنة الذكورية على كل مفاصل العمل الثقافي، استطيع القول إن النقد قد أعطى للمرأة حيزاً جيدا من مساحة النقود، ولأسباب تتعلق بكونها امرأة، فهناك من يرى أن المرأة مستلبة الحقوق ويجب منحها حقها الطبيعي، وهناك من يرى في المرأة المبدعة أنثى جميلة تستحق الكتابة عنها، وهذا له مساحة كبيرة في الساحة الثقافية العربية خصوصا.

وفي كلا الأمرين لا أرى وجها للصحة في ذلك، فأنا أرى أن تُعطى المرأة حقها في النقد لا لكونها مستلبة، ولا لكونها أنثى، بل لكونها مبدعة استطاعت الإتيان بكتابة إبداعية متقنة تستحق الكتابة عنها، فلا هي مسألة عطف عليها، ولا هي مسألة تزلف إليها، إنها مبدعة وكفى لها ما لها وعليها ما عليها، هي إنسان كامل المواصفات حالها حال الرجل بدون أي تمايز أو تفريق”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “الاختلاف موجود حتى في الجنس الواحد هناك اختلاف في كتابات الرجال واختلاف في كتابات النساء مع بعض، فلا أرى أي مسوغ لعميلة خلق اختلاف، إلا بحدود رؤية المرأة للكون والحياة والعلاقات الإنسانية عن رؤية شخص آخر، لكل منا رؤيته الخاصة وفلسفته وتمايزه في النظر إلى الاشياء، فلا أعتقد من الصحة بمكان أن نقول إن الكتابة الأنثوية تختلف عن الكتابة الذكورية، إلا بمفاصل معينة تمليها بعض الضرورات وزوايا النظر والحاجات الإنسانية.

متى ما تخلصنا من مفهوم الفصل الجنسي في الكائن المسمى إنسان نستطيع أن نرى الأشياء برؤية أخرى مختلفة، عقلنا المصاب بكل فنون التأخر عن الحضارة وعن الإدراك والإحساس الحقيقي بالموجودات، هو من يعطي لنا هذا الهاجس في التفريق. الأمر برمته غير صحيح ومقلق الحديث عنه بهذه الكيفية، إننا نؤمن بوجود هذا الفرق لأننا أصلا نؤمن بوجود فرق كبير بين الأنثى والذكر، الفروق البيولوجية ليست حاكمة على القدرة العقلية والإبداعية، الفروق البيولوجية غير مؤهلة لإعطاء هذا الحكم القاسي الذي سيّر الحياة البشرية آلاف السنين، ولو بقينا مؤمنين ومتشبثين بهذه الفكرة العقيمة، فنحن نستحق وبحق المراتب الدنيا في سلسلة التطور.

لم يخطئ الأولون حين اعتبروا المرأة إلهة وهي سيدة الخلق تأتي بالخلق الجديد إلى العالم فكانت الأم الكبرى (تيامات) سيدة الآلهة، وحدث الانقلاب الأعظم في تاريخ البشرية حين سلبت الإلوهية من المرأة وأُعطيت للرجل، لندخل في صراع الأنثى والذكر واستلاب الحقوق، حين خلق الله آدم علمه كل الأسماء وأعطاه من القدرة العقلية والمعرفية، ما يفوق بها كل الموجودات، وحين خلق له حواء، كانت هي سرر الأسرار والمفتاح لمغاليق الكون، الذي لم ولن يتمكن من أن يدرك كنهها. هي المستعصية على الفهم غير القابلة لمنح الأسرار، إلا لمن تحب وتعشق. هنا حدد الله قدرة آدم، المرأة كما أراها هي الحقيقة والحرية والمعنى”.

الحركة النقدية إجمالا حركة بائسة ومنحازة للشلل الثقافية..

ويقول الكاتب الفلسطيني “إياد شماسنة”: “هناك جدل حول أهمية التفرغ للكتابة ودوره في الإبداع، فالكتابة بنت الحاجة والضغط، أما التواجد على الساحة بمعنى المشاركة والسفر فبالتأكيد أن مسؤوليات أي كاتب أو كاتبة مهما كان، تحد من تواجده ومشاركاته، وبالضرورة فإن مسؤوليات الأمومة ملحة بصفة أكبر”.

‎وعن مقارنة النصوص يقول: “المقارنة بقصد إظهار الفروق ظالمة دوما، هناك تفاوت في كمية الإنتاج الأدبي بين الجنسين، لكن الجودة لا ترتبط بالجنس، بل بالتجربة والمغامرة التي لا تتاح للنساء في مجتمعنا، لذلك فإن النقد الجيد هو الذي يدرس النص وحين يعقد مقارنات فإنه يعقدها لضرورات فنية لا لغرض المفاضلة”.

وعن تحطيم التابوهات في ‎بعض كتابات النساء يقول: “التابوهات لا تتحطم بالكتابة، ويمكن أن تتعزز بكتابة غير جيدة هناك كتابة للتابوهات توغل فيها، وهناك كتابة عن التابوهات تحرض عليها، مثل الجنس أو الأيروتيك، فالكتابة عن الجنس شأن أدبي قديم في الأدب والفن، أما الكتابة الجنسية فهي إعلان شهواني للغرائز وهذا بعيد عن الأدب”.

‎وعن استطاعة الكتابات التواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “الحركة النقدية إجمالا حركة بائسة ومنحازة للشلل الثقافية، أقول هذا دوما، والإنصاف نسبي فقط ولا يوجد شمولية في الطرح، لم تنصف النساء المبدعات ولم ينصف عشرات الرجال أيضا، الأخطر من عدم الإنصاف هو الانحياز الجائر. والترويج لنص ضعيف لأن صاحبته جميلة أو متحررة أو غير ذلك”.

‎وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لا بالتأكيد، لكني مقتنع تماما أن للنساء أسلوب وطرق في السرد واهتماما قد لا يتقنها الرجال، وقدرة على التعبير عن مشاعر وشخصيات بشكل مختلف، أما السرد والكتابة فلا يوجد مفاصل واضحة خاصة بأحد الجنسين دون الآخر”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة