29 نوفمبر، 2024 1:29 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-4): لا يمكن لنصّ الرجل أن يعي معنى الألم، مهما كان حسّاساً وخصب الخيال، بالمعنى الذي تعيه الكاتبة

(النساء والكتابة 2-4): لا يمكن لنصّ الرجل أن يعي معنى الألم، مهما كان حسّاساً وخصب الخيال، بالمعنى الذي تعيه الكاتبة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك كتاب يطرحون بجرأة وجود تمييز مجحف ضد النساء في مجال الأدب والثقافة، وهذا يحسب لهم أنهم واعون بوجود هذا التمييز أولا، وأنهم يصرحون بوجوده ويرفضونه ويفضحونه ثانيا،  فكشف التحرشات التي تحدث، والإغواء الذي يمارسه بعض الرجال العاملين في مجال الثقافة كوسيلة للضغط والتفاوض لكي يتيح للكاتبة فرصة للتواجد والظهور، أمر واجب. وكشف مدى التضييق الذي تعاني منه الكاتبة لكي يسمح لها أن تنشر نصا أو كتابا له دلالة هامة حين الحديث عن صعوبات قد تؤثر على مسار الكتابة لدى المرأة.

فكون الكاتب رجلا ولا يعاني معاناة المرأة الكاتبة لا يعني أن يمنعه ذلك من فضح وكشف الانتهاكات، باعتبار أنه أمر لا يخصه ولا يمسه بشكل مباشر، بل يمكن القول أنه من الشجاعة والنبل إن هو فعل ذلك.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

فخ محاكاة كتابة الرجل واسترضاء الثقافة الذكورية القبيحة..

يقول الكاتب والناقد الفلسطيني “سمير اليوسف” عن صعوبات التفرغ بالنسبة للكاتبة بسبب تزاحم المهام: “هذا أحد الأسباب طبعاً ولكن ليس السبب الأهم ولا الوحيد. المرأة أساساً محظورة من دخول ميدان الكتابة إلا بترخيص وشروط ومقايضات بعضها مُهين إلى حد يقتضي رضوخها لأن تكون فريسة للتحرش والاستغلال الجنسيين. نشر مقالة أو نص في صفحة ثقافية أو مجلة أدبية قد يعرضها للتحرش الجنسي.

الكثير من محرري الصفحات الأدبية والمجلات معروفون بكونهم متحرشين جنسيين. الناشر “سهيل إدريس” صاحب دار الآداب البيروتية كان معروفاً بأنه يُقايض الكاتبات، يطالبهن بالجنس مقابل نشر كتبهن، وبعضهن وافقن. الوسط الثقافي فاسد وأبلغ ما يدل على فساده هو كيفية تعامله مع المرأة”.

ويقول عن مقارنة النصوص: “ما يجري ليس بمقارنة بمعنى دراسة الأدب المقارن. ما يجري غالباً هو الحطّ من قيمة أعمال المرأة من منطلق مقاييس ذكورية وتخدم النص الذكوري فقط. والغاية هي أن ترضخ المرأة وتقلد الرجل في كتابته بدلاً من أن تكتب نصّها هي. وللأسف بعض الكاتبات يفعلن ويهدرن حياتهن في تقليد الرجل ومن ثم لا ينتجن نصّاً صادقاً واحداً”.

ويقول عن تحطيم التابوهات في نصوص النساء: “الكتابة عن الجنس ما زال خاضعاً لمعايير المخيلة الذكورية عند الرجال والنساء على السواء. القضيب هو النجم والبطل حتى وإن لم يُذكر صراحة ولكن كل تصوير لعلاقة جنسية تدور حول ما يريده ويحصل عليه القضيب. كتابة الجنس عموماً وفي اللغة العربية خاصة فاشلة ومثيرة للسخرية لهذا السبب ليس هناك كتابة أيروتيكية. هناك “بورن” ناعم أو رمزي والغاية كما في “البورن” العادي هو الاستمناء لأجل القذف والقذف السريع.

بعض الكاتبات تناولن موضوع الجنس بطريقة غير مسبوقة ولكن غالباً من منطلق خيال ذكوري. هناك مثلاً كاتبة ظهرت حديثاً وهي تكتب دائما عن النهد، حتى أن كتابها عنوانه “نهديات”- بأي معنى هذا الاهتمام بالنهد، على طريقة نزار قباني مثلا؟ قباني استهلك كل النهود والحلمات في كوكب الأرض ولم يترك نهداً أو حلمة لأحدٍ من بعده؟

أم أنها مُثلية جنسية، سحاقية، ولكنها ليست جريئة بما يكفي لكي تبوح بذلك؟ وهناك العديد من الشاعرات والكاتبات المُثليات ولكن التعبير الواضح عن ذلك ما زال غائباً عن النص.

سيكون انتصاراً كبيراً للحرية يوم نقرأ قصيدة تعبّر فيه شاعرة عن حبها لامرأة أو تكتب روائية قصة حب ما بين امرأتين. فقط الأمل بقصة حيث الرجل مجرد شخصية هامشية يدل على أن الخسارة ليست تامة حتى الآن”.

وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “استطاعت طبعاً وبجدارة رغم كل الصعوبات والشروط المُهينة. الكثير من الكاتبات خضن معارك مشرّفة وفرضن وجودهن من خلال أعمال تستحق التقدير. كتابات الكبيرة الراحلة “نوال السعداوي”، مثلاً، و”لطيفة الزيات وكوليت خوري وسميرة عزام وسلوى بكر وعالية ممدوح وليانة بدر وبدرية البشر وهيفاء زنكنة وحزامة حبايب وإيمان حميدان وأميمة الخميس وليلى العثمان”  وغيرهن الكثيرات.

وأنا أتحدث عن السرد القصصي هنا فقط. طبعاً الكثير من الأعمال الأدبية لم يحظ من الاهتمام النقدي بما يستحقه، إما بفعل شروط تعجيزية مماثلة لشروط النشر أو لأن النقد ما زال عاجزاً عن الإحاطة بجمالية النص النسوي. وطبعاً أنا لا اقصد بالنص النسوي هو أي نصّ تكتبه المرأة أو لمجرد أن الكاتبة امرأة. هناك الكثير من النصوص التي كتبتها وتكتبها بعض النساء هي نصوص ذكورية تماما.

وحتى الآن لم تحظ الأعمال الأدبية ل”نوال السعداوي” بقراءة نقدية توازي أهمية انتاجها رغم أن أول أعمالها الريادية تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي. الكل يعرف أهمية دور “يوسف إدريس” في الكتابة القصصية ولكن لا أحد يشير الى حقيقة أن ريادة “نوال السعداوي” في كتابة القصة لا تقلّ أهمية عن دور “إدريس”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “هناك تباين، ولا مناص من وجود تباين، ما بين النص الذي ينتجه الرجل والذي تنتجه المرأة. النص الأدبي له هويته الجنسية بمعنى “الجندر” والتي تعكس الحقيقة الجسمانية وإملاءات هذه الحقيقة فضلاً عن التربية والثقافة والموقع الاجتماعي والخيال وكيفية التعبير. ولا في مليون سنة يمكن لنصّ الرجل أن يعي معنى الألم، مهما كان المؤلف حسّاساً وخصب الخيال، بالمعنى الذي تعيه المرأة وبالتالي الكاتبة.

الألم مكوّن طبيعي داخلي في جسد المرأة وليس دخيلاً كما عند الرجل ومن الطبيعي أن يكون وعيها له والتعبير عنه تلقائياً وليس متكلفاً. ومثل هذه الحقيقة، وهناك حقائق أخرى مهمة هي التي يعجز الناقد الرجل عن الإحاطة بها ومن ثم القدرة على تبيّن دلالاتها في النص النسوي خاصة من جانب استخدام اللغة والتعبير. مثلاً، لا أظن أن أحدا استطاع أن يفهم مصدر الحزن والكآبة في قصص الكاتبة “سميرة عزام”، أظن أن هناك ما هو جسماني ونفسي وهذا لغز ما انفك مُنغلقاً على النُقاد الرجال والنساء على السواء.

“نوال السعداوي” رائدة الكتابة النسوية الإبداعية والنقدية كتبت بصراحة صادمة عن أمور كثيرة ولكن حتى هي حينما كانت تتكلم عن الجسد والجنس كان يغلب على كلامها أسلوب الطبيبة والناقدة الاجتماعية. طبعاً ما كنا لنتوقع منها أن تقوم بكل شيء وهي حاولت والحق يُقال حتى اللحظة الأخيرة من حياتها، ولكن هناك دورا الآن للأجيال الجديدة من الكاتبات بدلاً من محاكاة كتابة الرجل ومحاولة استرضاء الثقافة الذكورية القبيحة”.

المقارنة ما بين نصوص الكاتبات والكتاب تمييز وعنصرية..

ويقول الكاتب العراقي “أحمد إبراهيم السعد”: “طبعا هموم الأم والزوجة الأديبة تتشابه في كل العالم، مع فارق التنظيم، وهناك أديبات لم يتزوجن وكن أقل إبداعا من المتزوجات”.

وعن مقارنة نصوص الكاتبات من النساء رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “المقارنة بين كتابات الجنسين بحد ذاتها تمييز وعنصرية المقارنة يجب أن تكون من وجهة نظري بين الأعمال الأدبية من حيث الجودة والرداءة”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “الكاتب له مطلق الحرية في اختيار الفكرة والثيمة موضوع كتاباته وليس هناك ما يمسى تابوهات”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “نعم. المرأة تتصدر الساحة وأثبتت النساء مقدرتهن الإبداعية وحصدن الكثير من الجوائز وعناوين كتبهن مقصد وبغية القراء لما فيها من ثراء إبداعي، ويختلف الرأي في النقد. بعض النقاد أنصفوهن والبعض سلكوا مسلك المحاباة والبعض التسقيط”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لا يختلف عن جواب السؤال الثاني، يجب أن نتخلص من العنصرية في المقارنة، أن نضع شريط لاصق على الاسم المذكر أو المؤنث ثم نقرأ ونقيم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة