خاص: إعداد- سماح عادل
في هذه الحلقة هناك طرح هام وهو أن الكاتب يستطيع أن يعبر في نصوصه عن الشخصيات النسائية،وعن هموم المرأة وقضياها وأحلامها وطموحاتها، لذا ففكرة التصنيف بين كتابات للنساء وأخرى للرجال لا معنى لها.
وطرح آخر هام وهو أن النقد في مجتمعاتنا أصبح أشبه بالمافيا، حيث تقتصر معظم الكتابات النقدية على تناول الأصدقاء والمعارف والأصحاب للناقد، أو تعتمد على علاقات وشبكة من المصالح، مما يعني أن النقد لا ينصف الكاتب ولا الكاتبة.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
كتابة المرأة في الآيروس تمثل حريتها المنتهكة في التعبير..
يقول “د.خالد علي ياس” ناقد وأكاديمي عراقي: “من دون شك أنّ أي ارتباط اجتماعي أو مهني أو غير ذلك، له تأثير سلبي على قضية التّفرغ للكتابة من باب أنّ الإبداع عالم يحتاج لتحقيق قوانينه ومفاهيمه شيئا من العزلة والتّفكر لإثارة المشاعر وغيرها من الميكانزمات والمحفزات لدى أي مبدع، وهذا أمر يشمل المبدعين عموما بقطع النظر عن اختلاف الجنس، لكنّ الأمر مع الكاتبة/ المرأة في المجتمعات الشرقية مختلف طبعا بسبب ما يلقيه عليهن المجتمع وطبيعة العلاقات بين الأفراد والأسر من ثقل ومسؤولية إضافية، تصعب مهامهن بالكتابة لكنّها لا تمنعهن من ممارسة مواهبهن فيها، وإلاّ لما كان لدينا مبدعات في عالمنا العربي مثلا من كاتبات وصحفيات وفنانات”.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “هذا السؤال مرتبط بالسؤال السابق، لذا سأكرر فقط أنّ الفرق بطبيعة الاختلاف الثقافي والسوسيولوجي الذي يحكم المرأة بقوانين خاصة، لربما أكثر صعوبة مما يحكم الرجل لكنّه لا يمنعها من الكتابة وهذا الأهم، أما قضية (التفاوت الكبير) فلا أجدها تصلح للتعبير عن تجربة الكاتبات جميعا كون الأمر في مجتمعاتنا المعاصرة تغير كثيرا وما يمكن أنْ يوصف بـ (إتاحة الفرص) يمكن أنْ يشمل الآن النساء والرجال على حدٍ سواء لتعقد الحياة عموما بسبب التّحولات المعرفية المعاصرة في المجتمع”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “لعل هذه من أهم القضايا التي يمكن رصدها في إثبات هوية خاصة لكتابة المرأة بمقابل كتابة الرجل، مع أنّ هذه الثيمة ليستْ حكرا على أحدهما كونها إنسانية تتحقق لدى الأشخاص جميعا مع اختلاف الأسلوب والمبررات، والمبررات تحديدا هي ما يمنح كتابة المرأة في الآيروس نكهة خاصة كونها تمثل حريتها المنتهكة في التعبير بسبب التابو في مجتمعنا. وأعتقد أنّ عالم “نوال السعداوي” خير مثال على ما ذهبت إليه، أما بخصوص الكتابة الآيروسية فأنا معها طبعا لكن في ضمن شروط عدم الخروج عن القوانين الدرامية للكتابة إلى ما هو تجاري فاضح”.
وعن استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “طبعا وبقوة وإلاّ لما استطاعتْ كاتبات مثل “نوال السعداوي وفاطمة مرنيسي ولطفية الدليمي وأحلام مستغانمي” وغيرهن كثيرات إثبات ذواتهن والانتشار بهذه القوة والرسوخ. وقد كتبت الكثير من الدراسات النقدية عن عوالمهن والتطرق من خلال هذه العوالم لقضايا المرأة ومفاهيمها وقدرتها على خرق التابو عموما، وهو أمر تمّ على مستوى النقد الذي يكتبه الرجال والنساء معا وفي ضمن المؤسستين النقابية الثقافية والأكاديمية وهذا بحد ذاته إنصاف لا بأس به ثقافيا؛ لأن الإجحاف الذي تعاني منه المرأة العربية متحقق على المستوى الاجتماعي الشخصي وليس الثقافي إلاّ في حالات معينة يمكن وصفها بالخاصة”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “مبدئيا أنا ضد فكرة جنوسة الأدب وربطه بالاختلاف الجنسي بين الكتاب نساء ورجالا، لأنّ هذا يفرض أقانيم معرفية لا أجدها ذات وضوح في الخطاب الأدبي، بمعنى أننا حينها سنكون ملزمين أنْ نتحدث عن نقد نسائي بمقابل نقد الرجال وهكذا فيما يخص الأدب عموما والسرد والشعر واللغة وغيرها.
والحقيقة أنّ الثيمات المرتبطة بعالم المرأة يمكن أنْ تعالج من قبل رجل أيضا وهي ليستْ حصرا على النساء، تبقى ضمن ذلك الخصوصية وتفرد الأسلوب وهما مرتبطان برؤية كاتب/ كاتبة النص للعالم، وهو ما يمنح ويوضح تلك الاختلافات بين الكتاب عموما سواء كانوا نساء أم رجالا.
لكن مع ذلك تبقى فكرة معالجة قضايا المرأة عموما من قبل امرأة يضيف طابعا ونكهة خاصة ثقافيا ومعرفيا وليس إجناسيا، وإلاّ لكانت رواية “مدام بوفاري” المفروض من نتاجات امرأة وليس رجل، وكانت الحرية التي تتطلع إليها “حميدة” في رواية (زقاق المدق) ل”نجيب محفوظ” أو “مديحة” في رواية (الرجع البعيد) ل”فؤاد التكرلي” من طموحات كتابة المرأة حصرا، لهذا أنا أتحفظ كثيرا على المسميات الإجناسية للكتابة والاختلافات بين كتابة المرأة وكتابة الرجل”.
الكتابة النسائية تؤسس إطار خيالي يحوي داخله العالم الواقعي..
ويقول “محمود الغول” صحفي وكاتب مصري: “دون شك كل هذه المسئوليات والمهام من شأنها الاستحواذ على الجانب الأكبر من وقت وجهد الكاتبة، وهو ما يقلل من فرصها في تقديم منتوج أدبي يعكس موهبتها الحقيقية كما وكيفا، وربما ذلك يفسر قلة عدد الكاتبات وإنتاجهن الأدبي على الساحة المصرية والعربية مقارنة بالكتاب الرجال، ومع ذلك تبقى قدرة المرأة المدهشة على إدارة وتنظيم الوقت والجهد بمثابة العصا السحرية التي تستطيع بها خلق مساحة للكتابة، لتترجم مشاعرها وأفكارها على الورق، فالمرأة بشكل عام تتميز بتلك القدرة الفريدة على «الاقتصاد» و«الاستثمار» في كل الأشياء والمجالات لتؤدي أكثر من مهمة في أضيق وقت متاح”.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “المقارنة هنا تبدو غير عادلة بالمرة، فالرجل قد يكون متفرغا تماما لمهمة الكتابة، إذا كانت «حرفته» التي يكسب من خلالها رزقه، وقد تكون هواية وشغف أو عمل جانبي، ومع ذلك فإنه – في الغالب – لا يقوم بأدوار اجتماعية وأسرية تساوي تلك التي تقوم بها المرأة كأم وزوجة وعاملة أو موظفة – في كثير من الأحيان – ولهذا فكما قلت المقارنة غير عادلة خصوصا في ما يتعلق بالتفرغ.
لكن بشأن «إتاحة الفرصة» فلا أعتقد أن هناك من سيرفض منح الكاتبة فرصة الكتابة أو النشر طالما تتمتع بموهبة حقيقية، خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان ازدياد عدد دور النشر المتوسطة والصغيرة، التي تفتح الباب أمام كل الكتاب، حتى هؤلاء الذين لا يتمتعون بموهبة كبيرة”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، يقول: “ليست لدي أية تحفظات على الكتابة بشكل عام، فكل مسئول عما يكتب أمام نفسه وأمام القارئ، والكتابة حتى في ما يعتبره البعض «تابوهات» ربما اعتبره أنا أمر واجب، فلا يمكننا أن نغمض أعيننا لننكر حقيقة وجود الأشياء. لكنني أتحفظ فقط – كقاريء – على الفجاجة والاستسهال ومغازلة الغرائز بشكل «رخيص» من أجل «التريند» وإثارة الجدل، فما يهمني في المقام الأول هو الكتابة أو «الصنعة» كما نقول، بأن يكون لدي عمل مكتوب بشكل جيد محبوك وفيه ما يجعلني أطلق عليه أنه صنف أدبي، وليس مجرد عبارات وجمل وفقرات مهلهلة لا يجمعها سوى أنها بين دفتي كتاب واحد”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “رغم وجود منتوج أدبي جيد وممتاز أحيانا لكاتبات مصريات وعربيات، إلا أنه غير كاف ولو حتى على مستوى الكم، فأعتقد أننا في حاجة لأعمال أكثر وأكثر، تكتب بأيدي النساء لتعبر عن مشاعر وأحوال وعوالم لا يمكن للرجل أن ينقلها – إلا في ما ندر –.
أما بشأن النقد الأدبي، فنحن أمام أزمة حقيقية على مستوى النقد بشكل عام وليس فقط ما يتعلق بنقد الأعمال النسائية، فالسمة الغالبة منذ سنوات أننا أمام «مافيا»- إذا جاز التعبير- فمعظم النقاد والمطبوعات والنوافذ الأدبية لا تكتب إلا عن فئات بعينها، وغالبا ما يكتب الناقد عن عمل لصديق له أو كاتب تجمعه به «مصلحة» ما، أما السواد الأعظم من الكتاب فلا أحد يهتم بهم، وإن حدث فلن تجدي مثلا مراجعة نقدية أو تقريرا شافيا وافيا، فقط خبر عن صدور العمل”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “بشكل عام لا أحب تلك التصنيفات، لكنني مؤمن تماما بأن المرأة ككاتبة يغلب عليها الطابع الشعري، لذا فكتابتهن تعتمد أكثر على المشاعر واللغة السلسة المختزلة، لذا فهي أكثر رشاقة مقارنة بكتابات الرجل، ومع ذلك لا يمكنني وضع حد فاصل بين هذه وتلك، فالفارق حد وهمي يعبره الرجل والمرأة بكل سهولة.
ويمكن فقط ملاحظة أن النساء أقل إقداما على الولوج لعوالم «المحظورات» لأسباب اجتماعية بحتة، مقارنة بالرجل الذي لا يجد حرجا في الكتابة عن أي محظور، كما أن الكتابة النسائية تميل – في كثير من الأحيان – لتأسيس إطار خيالي يحوي داخله العالم الواقعي الذي يعيشنه لسببين، الأول هو التخوف من استقبال المجتمع لما تكتبه المرأة ووصمها بـ «قلة الحياء»، والثاني لاعتمادها على ترجمة التجارب الذاتية أو تلك التجارب المحيطة بها في مجتمعها الصغير”.