27 نوفمبر، 2024 8:28 م
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-26): من المضحك وجود بعض المفردات والتراكيب الذكورية في نص لكاتبة وهي تعبر عن حالة إنسانية لشخصية المرأة

(النساء والكتابة 2-26): من المضحك وجود بعض المفردات والتراكيب الذكورية في نص لكاتبة وهي تعبر عن حالة إنسانية لشخصية المرأة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

في هذه الحلقة طرح هام عن محاصرة الكاتبة المرأة من قبل التراكم المعرفي الذكوري، هذا الطرح يشير إلى اللغة الذكورية التي تتربي عليها المرأة ولا تستطيع الفكاك من أسرها لدرجة أنها تعبر من خلالها في نصوصها الأدبية، وأيضا السلطة المعرفية للمجتمع الذكوري التي تتوجل داخل وعي ولا وعي الكاتبة، فيما يؤكد الطرح أن هناك كاتبات يستطعن التخلص من ذلك التأثير ويكتبن بصوت المرأة وروحها.

وهناك طرح آخر هام وهو أن كل ما يثار عن الكتابة النسوية هو دوامات إعلامية لإثارة الغبار، ويؤكد الطرح على أن الكتابة النسوية تصنيف عنصري مجحف، لأن الإبداع لا يحتمل مثل ذلك التصنيف.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

المرأة محاصرة حتى في بنائها المعرفي..

يقول الكاتب والناقد العراقي “مؤيد عليوي”: “هذه الأعمال المنزلية وعظمة الأم في رعاية وليدها حتما تؤثر على انجازها في الكتابة، إلا أن الظروف المنزلية التي تسوّر الكاتبة هي مَن تحدد كيفية ترتيب وقتها، فتواصل عظيم أمومتها وإدارتها لمنزلها وانجازها الإبداعي في حضورها المائز على الساحة الثقافية”.

وعن مقارنة النصوص رغم تفاوت الفرص يقول: “لا بأس من المقارنة الإبداعية بين نصين من جنس أدبي واحد وفي ذات الموضوع، على أن ينتمي النصين الأدبيين إلى مدرسة أدبية واحدة من مثل الواقعية أو غيرها، فيما يشترط في مثل هذه المقارنة أن تكون هي ويكون هو منتجا النص من زمان واحد أو جيل أدبي واحد. هنا لا تكون المقارنة بين نصها ونصه، مقارنة بين امرأة ورجل، فهي وهو يمثلان بعدا إنسانيا في النص الأدبي الذي ينتجه المخلوق البشري سواء كانت امرأة أو كان رجلا.

هكذا يُفترض أن تكون الأمور إلا أنه مع الأسف الفرصة تتاح للأديب أكثر من الأديبة والسبب ذكورية المجتمع التي تحدث عنها الكثيرون، وكتب عنها أكثر، ولا أريد أن أصدع رأس القارئ بمقولات مكررة هنا، أما قضية التفرغ فهي تتعلق أيضا بذكورية المجتمع وتقاليده”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “جميع هذه المفردات (التابوهات، الجرأة، الأيروتيكية)  تقودنا من جديد إلى الذكورية التي أنتجت هذه المفردات وجميع المعاني فيها تتعلق بذكورية المنتج قديما وحديثا، فمثلا عندما تنتج الشاعرة نصا فيه من واقعها فهل هناك جرأة؟ مثلا عندما تكتب الشاعرة التونسية “يسرى البجاوي” عن واقع النساء في عمليات تجميل النهد وتجميل الأرداف والتكاليف المالية لتلك العمليات.

لا أظن أن في الموضوع جرأة لأنه الواقع المعاش مع أرقام مالية و(فواتير)، بينما نجد في المجتمع ناس تحتاج إلى تلك المبالغ من أجل رغيف الخبز أو علاج لمرضاهم او مبلغ من اجل مواصلة تعليم بناتهم، أو حين تكتب الشاعرة “يسرى البجاوي” عن رغبات الرجال في تلك الأرداف والنهود غير الطبيعية، فهل هناك جرأة في الموضوع؟، لا توجد جرأة بل توجد كتابة عن الواقع سواء كان النص شعري أو نثري.

وثم نعود إلى أول السطر في قصة أمّنا وأبونا “حواء وآدم”، لو كان الراوي لهذه القصة “حواء” بقصدية المجتمع النسوي فهل ستكون هكذا كما وصلت لنا؟”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية يقول: “هناك نقاد قلة في الدول العربية يكتبون حيث الإبداع سواء كان منتج النص هو أو هي، أما الساحة الثقافية فهي بيد السلطة أو المقربين من السلطة وهذه السلطات ذكورية. فالكثير من الفضائيات والمهرجانات تُقدم فيها الدعوات إلى أدبيات على أساس مصلحة ما. وهذا لا يعني غيابا تاما للأديبة المبدعة لكن المبدعات حقا حضورهن قليل جدا في تلك الفضائيات المهرجانات التي تقدم الإبداع للجمهور، فالساحات الثقافية لا تصنع مبدعة أو مبدعا لكنها تقدمه فقط. وبين النقد الأدبي المنحاز والمجامل وبين سلطة القنوات والفضائيات والمهرجانات يضيع الكثير من إبداعهن”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “أن اللغة المستعملة في إنتاج النص الأدبي هي لغة ذكورية لأن المجتمع الذكوري أنتجها منذ مئات وآلاف السنين، وصارت قوانين وقوالب جاهزة في لغة المرأة وهي محاصرة حتى في بنائها المعرفي، فمن المضحك جدا أن نجد بعض المفردات والتراكيب الذكورية في نص أدبي لأدبية عربية وهي تعبر عن حالة إنسانية لشخصية المرأة في قصيدة ما أو رواية أو قصة، وقد صار هذا بسبب التراكم المعرفي للغة الذكورية عبر دهور  طويلة.

ومثل اللغة وذكوريتها نجد بناء النص الشعري فقد أنتجه الرجل والرواية الحديثة وبنائها السردي أنتجه الرجل، وكهذا.. ربما تجد المرأة الفكاك من هذه القيود المعرفية في “ما بعد الحداثة” خاصة فيما تترجمه الكاتبة الفلسطينية “أماني أبو رحمة” وما كتبته في هذا الموضوع، فما بعد الحداثة هي عملية تفكيك وسخرية من التاريخ الذي أغلبه ذكوري وهذا يحقق الانعتاق المعرفي من المنظومة الذكورية، إذ “ما بعد الحداثة “تفكيك للمنظومة البنيوية التي أنتجت الحداثة على يد الرجل، وهو تفكيك للواقع اليومي المعاش بطريقة ما.

أما من حيث الخيال الأدبي فيختلف إذ نلحظ هذا الخيال الجامح بأسطورة المرأة عند القاصة التونسية “هيام الفرشيشي” في قصة “عرس الذيب” وهي من أدب “ما بعد الحداثة” أو “الميتاقص”، وكذلك ينبلج الخيال جليا في قصة “أرملة العنكبوت ” لـ”لهيام الفرشيشي”، وهي قصص مترجمة إلى لغات أخرى غير العربية.

أما في الشعر فنجد الشاعرة السورية “نجاح إبراهيم” حيث أغلب شعرها يزخر بأسطورة المرأة وإحساسها ولغتها في بناء معرفي بعيد عن الذكورية، فاغلب شعرها ونثرها مترجم إلى لغات أخرى غير العربية، وفي سردها النثري نجد فيه الأسطورة ولغة المرأة وإحساسها في الرواية الحديثة من مثل رواية “عطش الاسفيدار” ورواية “ايمار” للروائية السورية  “نجاح ابرهيم”.

وكما نجد في الرواية الحديثة لغة المرأة وإحساسها في رواية  “وشم الروح” للروائية المصرية “سماح عادل” وهي تصور واقع المرأة مع الرجل في عصر السرعة (الانترنت) وما فيه من مشاكل وعواطف ورغبة صادقة. واعتذر لمَن لم أذكر إبداعهن في هذه السطور القليلة بسبب ضيق مساحة الكتابة، أو بسبب النسيان دون قصد مني” .

ما يثار عن الكتابة النسوية دوامات إعلامية لإثارة الغبار..

ويقول الشاعر والناقد “طارق سعيد أحمد”: “التفرغ للكتابة مفهوم غير محدد تتباين معاييره من مبدع إلى آخر، والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها عالميا، لكن ما يمكن الاتفاق عليه ضمنيا هو اللحظة الحاسمة التي تفصل الكاتب عن عالم الواقع بنسبية تمنحه قصيدة أو جزء من سردية أو ضربة فرشاة وكذا ضربة إزميل على كتلة صخر أو جملة موسيقية تائهة.

كل ما نسعى إليه نحن المبدعون الولوج إلى هذه اللحظة الحاسمة ولو حاربنا من أجلها الواقع، رجالا ونساء الكل يحارب على جبهته، فإن اعترفنا بأن النساء تقهر تحت وطأة مسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل فالرجال تُقهر على الجانب الآخر، وبالتالي لا يمكن أن نعتمد فكرة “قلة فرص التواجد” على الساحة الثقافية بالنسبة للكاتبات أراها بالعكس أحيانا حين أرصد مثلا مناقشة كتاب سخيف لكاتبة يتجاوز عدد الحضور العدد المتوقع في مقابل ثلاث شخوص في مناقشة أخرى لكتاب يقول شيء مهم.

وكذا أرصد أحيانا على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كسر حاجز الألف لايك على صورة خربوش تراه العين بالكاد على أصبع يد إحدى الكاتبات وفي نفس الوقت أصادف فقرة أو جزء من كتاب قرأها ثلاثون شخص فقط، هذه هي طبيعة عالمنا الآن كلما اتسع زادت المفارقات الجوهرية”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “المقارنة بهدف ماذا؟ الفنون انبثقت ليختبئ فيها الإنسان أو يشتبك معها إنسانيا وهذا أضيق فضاء لتفسير هذا التفاعل بين الفن عموما ومتلقيه، الجائز الوحيد لفكرة المقارنات الأدبية بين نص وآخر هو الفضاء البحثي المتخصص جدا وتفصله مسافة بتخصصه هذا بينه وبين المبدع نفسه “نساء/ رجال” فما بالنا بالمتلقي السلبي، اللا جدوى هي الناتج الطبيعي لهذه المقارنات”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “الكتابة تحطيم للتابوهات ويلزمها بطبيعة الحال جرأة كأحد الأدوات المتعارف عليها وأهمها أيضا، وبالتنازل عن مبدأ أن الإبداع لا يمكن أن يصنف عن طريق الجنس أو النوع لرصد فكرة جرأة الكاتبات في الآونة الأخيرة لاحظت أن مفهوم الجرأة انكمش رغم شموليته على تناول الجسد بما لا يليق مع الجسد الإنساني، بل بالأحرى هناك كاتبات أهانت جسد المرأة بذريعة الكتابة الجريئة، وفي مقابل ذلك نجد مثلا الشاعر الكبير “نزار قباني” وهو رجل أعاد ترتيب قاموس جسد النساء وفجر أنوثتها كلما نطق لم تتجاوزه إحداهن!

الكتابة الإيروسية يمارسها الإنسان قبل اختراع اللغة نفسها حينما نقش على الكهوف جسده وهو يمارس الحياة بكل طقوسها بما في ذلك الجنس بطبيعة الحال، ولا مبالغة في أن فكرة الإيروتيك انبثق منها عبادة الأعضاء الجنسية قديما وحديثا، وفي الأدب العربي الكثير من الأعمال الإيروتيكية مثل ألف ليلة وليلة مرورا بزمن الجاحظ والتيجاني وابن حزم والإمام السيوطي وغيرهم، المثير للدهشة أن هذا النوع من الأدب يطفو على السطح ويغمر مرة أخرى دون أسباب واضحة لعله الكبت- بتنوعه- الذي يهاجم الإنسان من وقت إلى الآخر، عموما لا تنفصل الكتابة الإيروتيكية عن السياق الأدبي أو الفني، لكنها تحتاج لأدوات نقدية تتعامل معها كلما طفت”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “لا يسع هذا السياق أن يحتمل فقط أسماء الكاتبات اللاتي أثرن في الساحة الثقافية حديثا وقديما ومحليا وإقليميا ودوليا، لا شك في أن المرأة نالت نصيبها من العنصرية والتجاهل في فترات تاريخية لكنها رغم ذلك كانت تصنع مجتمعها الخاص وتفرضه فرضا، كما تفعله الآن وستفعله في المستقبل بفرض كتابة جادة تقتحم كل العوالم وتشتبك معها.

أما بالنسبة لفكرة إنصافها نقديا أو عدم إنصافها لا يمكن الجزم فيه لأن النقد في حد ذاته مأزوم وتحيطه إشكاليات تعتم الرؤية لملاحظة دقيقة كتلك، لكن ما يمكن رصده في الصحف الأدبية وما تنقله وسائل التواصل أن هناك كاتبات حين يصدر لها عملا أدبيا ما يتشبث في ذيل خبر الإصدار عشرات المقالات النقدية”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لا يمكن الرد على هذا السؤال الذي يتسع كلما يقرأ إلا بتحديد خصائص الكتابة التي يكتبها الرجال والأخرى التي تكتبها النساء، حتى تتجلى الفروق والاختلافات، وأنا لم اجتهد في هذا السياق، ولعلي لن اجتهد لأنني أؤمن أن الإبداع لا نوع له، وكل ما يثار عن الكتابة النسوية– إن جاز هذا التصنيف وهو تصنيف عنصري مجحف- هي دوامات إعلامية لإثارة الغبار”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة