26 نوفمبر، 2024 7:19 م
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-20): المتلقي يشعر بالفرق إذا استخدمت “الأديبة” صوتها الأنثوي، لا صوت الذكر الذي تعودت أن تقرأ وتكتب به

(النساء والكتابة 2-20): المتلقي يشعر بالفرق إذا استخدمت “الأديبة” صوتها الأنثوي، لا صوت الذكر الذي تعودت أن تقرأ وتكتب به

 

خاص: إعداد- سماح عادل

في هذه الحلقة من التحقيق تطرح فكرة هامة وهي أن بعض الكاتبات لا يعرفن كيف يستخدمن  صوتهن الأنثوي، بمعنى أنهن متأثرات بصوت الذكر، الذي تربين على قراءته، وعلى وجوده في حياتهن بشكل يومي، من قواعد وقيود تحدد تفاصيل حياتهن، من تفاصيل ذكورية تعيشها وتتنفسها وتراها في الأفلام والمسلسلات والروايات، لذا فالكاتبة تتمثل ذلك الصوت وربما يمتلئ لا وعيها به.

وفكرة هامة أخرى هي أن جينات التميز والإبداع عند الكثير من النساء لا يستطيع أي حاجز أن يقف أمامها، فهي أقوى من العوائق، وأن الكاتبة تهتم بتفاصيل الكتابة أكثر من الكاتب الرجل فهي أكثر جدية وأعمق في نظرتها العاطفية، وقادرة على تفهم خلجات الأنثى النفسية والفكرية وتبرع في وصفها لأنها تعايش مثل تلك التفاصيل وتعيها جيدا.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

أغلب الأديبات يكتبن أدبهن بقلم ذكوري..

يقول الروائي والباحث العراقي “داود سلمان الشويلي”: “لا يؤثر العمل، والوظيفة، وتربية الأطفال، والعمل في البيت، على كتابات المرأة الأدبية، وأنا هنا أتحدث عن هذا الجانب. الرجل كذلك له وظيفة، وعمل، وعلاقات خارج البيت، وأعمال البيت الخارجية، وفي بعض الأحيان الداخلية، فكفتي الرجل والمرأة متساويتان أو أنهما شبه متساوية. إذن ساعات اليوم فيها فسحة للتأمل، والتفكر، وتقليب الذاكرة، ومن ثم مسك القلم “الأنثوي” والكتابة على الورق. أو الضرب على لوحة مفاتيح الحاسوب بأنامل أنثوية لنقل ما في الذهن من أفكار، وذكريات، وقول آخر، أنثوي”.

وعن مقارنة النصوص رغم تفاوت إتاحة الفرص يقول: “المقارنة الحقيقية يجب أن تكون بين كتابات النساء لنعرف من منهن قد مسكت قلم “الأنثى” لا قلم “الذكر” وكتبت به، أو من منهن ضربت بأنامل أنثى على لوحة مفاتيح الحاسوب”.

وعن تحطيم التابوهات في كتابات النساء يقول: “الكتابة الأيروتيكية ليست بمعنى الكتابات الفاحشة، أو الكتابات الفاضحة، كتابات البورنو، وإنما هي كتابات يجب أن تكتب بطريقة غير  ذلك، وغير تجارية، وغير إعلانية، أي لا تكتب للرواج التجاري، الكتابات الأيروتيكية من جانب المرأة/ الأنثى تعطي لكتابتها خصوصية أنثوية، وهي مطالبة بالكتابة عنها، وفيها، كما أن الرجل مطالب بكتاباته الأيروتيكية الخاصة بالرجل/ الذكر”.

ويواصل عن النقد: “النقد هو قول على قول كما يقول أبو حيان التوحيدي، وعندما تقول المرأة، أو المرأة/ الأنثى قولا، فبالتأكيد ستجد من يقول قولته عن قولها ذاك، وأقصد النقاد الجادين وليس مقدمي الكتب، أو نقاد الصحافة السريعة”.

وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “لا توجد عندنا كتابات يمكن أن نطلق عليها تسمية، أو مصطلح، “كتابات نسائية”، أي كتابات المرأة/الأنثى، إذ كل الكتابات، إلّا القليل النادر، لا يختلف عن كتابات الرجل. إنها تكتب بقلم الرجل/ الذكر، أي تكتب كالمرأة/ الذكر، ولا تكتب بقلم المرأة/ الأنثى.

هناك تباين واختلاف بين أحاسيس، ومشاعر، ومكنونات الأنثى، وبين أحاسيس، ومشاعر، ومكنونات الذكر، والنوازع النفسية أيضا، وينتج عن هذا الاختلاف والتباين بصورة واضحة وكبيرة اختلاف بين في الأدب الذي تكتبه المرأة بصفتها الأنثوية، والأدب الذي يكتبه الرجل بصفته الذكورية، والمتلقي يشعر بهذا الفرق إذا كانت “الأديبة” تعرف كيف تستخدم صوتها الأنثوي، لا الصوت الذي تعودت أن تقرأ وتكتب به، وهو صوت الذكر.

حيث أن جل ما كانت تقرأه، إلّا النادر، هو من تأليف رجل/ ذكر. إضافة لما للذكورة من دور كبير وفعال في مجتمعاتنا الشرقية والعربية المسلمة خاصة. هذا الصوت الذي تثقفت عليه طيلة حياتها الاجتماعية والأدبية، فضلاً عن ذلك أخذت تستعمل أدوات الرجل/ الذكر في الثقافة والكتابة، مما عزّز هيمنة صوت الرجل على صوتها الأنثوي، ومعانيها الأنثوية.

و لو قرأنا بعض نماذج من الشعر العربي الذي كتبته شاعرة أنثى، لا شاعرة تكتب بقلم ذكوري، لعرفنا مدى الفرق بين الذي تقوله شاعرة بلسانها الأنثوي وتكتبه بقلم أنثوي، وبين أن تقوله بلسان ذكوري، وتكتبه بقلم ذكوري. فمثلا تقول الشاعرة “ولادة بنت المستكفي”:

أنـــــــــــا والله أصلح للمعالي … وأمشي مشيتي وأتيه تيـهاً

أمكن عاشقي من صحن خدي … وأعطي قبلتي من يشتهيها

وكذلك قول الشاعرة البغدادية سلمى بنت القراطيسي، تصف جمال جسدها وهي تقف أمام المرآة:

عيون مـها الصريم فداء عيني …‏ وأجياد الظباء فداء جيدي‏

إنني أزيّن بالعقود وإن نحري…‏ لأزين للعقود مــن العقود

‏ولا أشكو من الأوصـــاب ثقلاً‏… وتشكــو قامتي ثقل النهود

‏ولو جاورت في بلد ثمـــــــوداً‏… لما نزل العذاب على ثمود.

بيت الشاعرة الأندلسية هو من الشعر الذي كتبته أنثى، بقلم أنثوي، وبيت الشاعرة العراقية واضح للمتلقي من خلال كلمة النهود الخاصة بالأنثى، وخصوصية البيت الرابع عن ثمود. إنه شعر لا يكتبه الرجل/ الذكر. وهذا ما يفتقد إليه كثيراً أدبنا المعاصر والقديم، شعراً كان أو رواية، أو قصة قصيرة، من صوت أنثوي لا تعرفه إلّا الأنثى ويجسده قلم أنثوي.

إننا لم نشعر أو نحس بأنثوية الكاتبة في جل الكتابات النسوية، بل أن ما تنضح به القصيدة من ذكورية واضحة بين كلماتها وأبياتها الشعرية، هي الواضحة للعيان والسمع. وكذلك يمكن القول على الكتابات السردية.

إن أغلب الأديبات يكتبن أدبهن بقلم ذكوري، لا بقلم أنثوي، فيبقى صوتها صوتاً ذكورياً، فتنتهي من قراءة القصيدة أو القصة، أو الرواية، لتخرج بنتيجة تؤكد أن كاتبها أديب ذكر.

التفكير تفكير ذكوري، واللغة هي لغة ذكورية، والأوصاف ذكورية، والأفكار كذلك، كل شيء ذكوري نجده في الأدب المكتوب من قبل أديبة سوى الموضوع، فهو موضوع نسائي، وأيضاّ ليس أنثوي”.

الأدب والفن والثقافة حالة إنسانية عامة..

ويقول الروائي والقاص العراقي “عادل رافع الهاشمي”: “تأخذ الأمومة ورعاية الأسرة والأعمال المنزلية حيزا مهما من وقت وجهد وتفكير المرأة غير أن الوقت يهرب من المرأة إذا لم تحسن استغلاله، فإدارة الوقت مهم جدا للكاتبة لأنها تستطيع إذا أتقنته أن تنجز أعمالها البيتية وتجد وقتاً كافياً للكتابة والإبداع، لكن عليها التخلص من مضيعات الوقت الكثيرة التي تسرق يومها، كوسائل التواصل الاجتماعي والتحدث مع الصديقات أو مشاهدة التلفزيون وتضييع الوقت في أمور ليست مهمة.

وفي جميع الأحوال فإن الكاتبة المبدعة بإمكانها أن تجد الوقت الكافي للكتابة والقراءة رغم الظروف الاجتماعية والتقاليد الذكورية المتفشية في المجتمع، وأنا أعرف زميلات كاتبات شبه متفرغات للكتابة وليس لديهن أي التزامات منزلية، لكن هناك كاتبات أكثر نشاطا وإبداعا وهن صغيرات بالعمر ولسن متفرغات والأمثلة كثيرة في هذا المجال”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “رغم الظلم الاجتماعي والعادات الذكورية المتأصلة في المجتمعات العربية والحيف الكبير الذي لحق ويلحق بالمرأة، والصعوبات التي تواجهها الكاتبة ما يجعلها أمام خيارين إما الإحباط والاعتزال أو المقاومة والمواجهة، إلا أن جينات التميز والإبداع عند الكثير من النساء لا يستطيع أي حاجز أن يقف أمامها”.

ويواصل: “والكاتبات العربيات المبدعات كثيرات وإنتاجهن يلقى رواجا جيدا. فالإبداع لا يختص به طرف دون آخر ف”نازك الملائكة وإنعام كاجة جي وأثير عبد الله النشمي وهدى بركات وأحلام مستغانمي ونجوى بن شتوان”، وغيرهن الكثيرات ممن وضعن بصمات مميزة في الأدب العربي، وتميزن في الكثير من إنتاجهن على الرجال بالرغم من أن الكاتبة في معظم كتاباتها كانت تلجأ إلى الاستعارة والرمزية والاختباء خلف الشخصيات خوفا من المحظور.  ثم أن تقسيم الأدب إلى أدب ذكوري وأدب أنثوي فكرة غير مجدية وبها الكثير من التجني على المرأة، ومحاولة وضعها في درجة أدني من الرجل وهو عمل غير صحيح”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “لم يعد الجنس أو الكلام عنه نادرا أو صعب الوصول إليه فالثورة المعلوماتية والتطور الكبير والمتواصل في مجال تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي جعل الحديث عن الجنس متداول بسهولة، فلم يعد الكلام عنه يثير المجتمع ويقعده، ولأن الإنسان جسد وأحاسيس يبقى الجنس مؤثرا على التفكير البشري ويلفت انتباهه.

لذا فإن الولوج إلى هذا النوع من الكتابة أصبح مهما رغم أن المجتمع العربي يميل للمحافظة، وحيث أن الاختلاف والعمل بأساليب وأفكار جديدة من العوامل المهمة للإبداع لذا فإن تحطيم تابو الجنس عند قسم من الكاتبات يعتبر تميزا وجرأة مهمة في الكتابة، ولا بد منها لتغطية كافة المجالات التي يسعى الأدب إلى توضيحها. أما الكتابة الأيروتيكية، فإن الكاتبة إذا استطاعت التغلب على الأدب الماجن والإثارة الجنسية المفتعلة فإنها ستكون منفذا إلى ثقافة مهمة لتوعية المجتمع وحمايته من تضاريس مظلمة عديدة تتربص به”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “بالتأكيد! فإن المرأة الكاتبة أخذت لها حيزا مميزا ومتقدما على الساحة الثقافية ولم تعد ذلك الكائن المجرد الملهم للرجال في كتاباتهم وشعرهم فقط، فقد حصد العديد منهن جوائز مميزة ولهن جمهور واسع يتابع وينتظر نتاجهن باستمرار. ورغم أن عدد الكاتبات أقل من الكتاب الرجال على الساحة الثقافية إلا أنهن أخذن موقعهن المميز، وقسم كبير منهن في المقدمة ف”نازك الملائكة وأحلام مستغانمي وإنعام كاجه جي وغادة السمان وهدى بركات” وأخريات كثيرات أخذن موقعهن بجدارة.

لكن لابد لنا من أن نشير إلى أن المرأة المبدعة ما زالت تتعرض للضغوط الاجتماعية التي تمنعها من حضور الملتقيات والأندية الأدبية واللقاءات الثقافية، ناهيك عن معاناتها من النظرة المتعالية من العالم الآخر المتطور الذي ما زال ينظر إلى الإبداع العربي وخاصة النسوي نظرة فوقية ضيقة.

أما في مجال النقد فاعتقد أن النقاد العرب على سبيل المثال يقفون عاجزين أمام العدد الكبير من الكتاب على الساحة الثقافية من الجنسين، وأن النقد بشكل عام لم يصل إلى المستوى العالي المطلوب، لتطوير وتشخيص مكامن الجودة والتراجع في النتاجات الأدبية، لذلك تجده مضطربا في نقده للمرأة الكاتبة وينظر في أغلبه إلى النتاج الأدبي النسوي من جانب هش مجامل حينا ومستهزئ من جانب آخر.

ولعل مثال ذلك الجدل الواسع الذي حدث بعد وصول الروائية العراقية الشابة “شهد الراوي” إلى القائمة القصيرة من جائزة البوكر للرواية العربية عن روايتها “ساعة بغداد”، وفوزها بجائزة الكتاب الأول في مهرجان ادنبرة، حيث وصف الكثيرون الرواية بأنها دون المستوى فيما دافع عنها آخرون”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “إذا قلنا أن هناك اختلافات وكنا نقصد بها الجانب الأدبي البحت فكأننا نعترف أن هناك أدبا أنثويا يختلف عن الأدب الذكوري وهذا مفهوم خاطئ بنظري، فالأدب والفن والثقافة هي حالة إنسانية عامة أكثر من كونها نسائية أو رجالية.

أما إذا كنا نقصد أن الاختلاف في الكتابة وأبعادها الفكرية فإن هذا الكلام صحيح، فالمرأة تهتم بتفاصيل الكتابة أكثر من الرجل فهي أكثر جدية وأعمق في نظرتها العاطفية، وتتفهم خلجات الأنثى النفسية والفكرية وتجيد وصفها والتعبير عنها وهي بطبيعة الحال أكثر فهما وإدراكا لحاجة المرأة العاطفية والجسدية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة