27 نوفمبر، 2024 3:24 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-17): قد تفقد الكاتبة استقرارها العائلي إن أولجت إبداعها في الحفر بالتابوهات، كفراشة تحوم حول لهب

(النساء والكتابة 2-17): قد تفقد الكاتبة استقرارها العائلي إن أولجت إبداعها في الحفر بالتابوهات، كفراشة تحوم حول لهب

 

خاص: إعداد- سماح عادل

يتفق الجميع على أن الاقتراب من التابوهات أمر ينطوي على خطورة، سواء للكاتب الرجل أو للكاتبة المرأة، لكن بالنسبة للكاتبة المرأة يزداد الخطر، وقد يمتد ليطال حياتها الشخصية، ويهدد وجودها، ويسبب لها هجوما شرسا لا ينتهي  ولا يختفي ببقاء كتاباتها ونصوصها.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

تشكل كتابات المرأة رافدا مهما لحركة الثقافة..

يقول الكاتب العراقي “أحمد خلف”: “يبدو التفرغ الأدبي من أكثر الأمور مطلبا مهما للكاتبة كما هو للكاتب، غير أن المرأة محكومة باشتراطات إنسانية تمنع خطواتها من الإسراع في مهماتها الإبداعية وتتحدد من تطلعاتها الثقافية، لعل أبرز تلك المهمات التي أطلقنا عليها بالإنسانية هي مسألة الحمل والولادة والقيام بتربية الطفل والعناية به، وقد يبدو ما عددناه آنفا حول التربية والولادة مسألة عابرة لدى البعض من الزملاء إلا أن الحقيقة تدعونا إلى التروي في حال المرأة الكاتبة، التي تحاول وبطرق نضالية مستميتة الفوز بساعات من وقتها لكي تنهي قصة أو قصيدة أو مقالة كانت قد شرعت في كتابتها. إننا إذا أردنا أن نكون منصفين لزميلاتنا خصوصا الكاتبة في الشرق وتحديدا الوطن العربي، فإننا نجدها قد التفت عليها وعلى وقتها الثمين شبكة الأعمال المنزلية التي تعيق استمرارها في الانجاز. لذا يمكن القول أن نعم غالبا ما تدفع المرأة الكاتبة من حياتها ثمنا باهظا لكي تتواصل مع عالمها السعيد أي الكتابة”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “تبدو المقارنة بطبيعتها الاستفزازية غير ممكنة التطبيق، وقد يسعى الأدب المقارن إلى خلق مناخ مناسب لاشتغاله إلا أنه في حال المقارنة بين نتاج المرأة الكاتبة وبين الرجل الكاتب صعبة بقدر ما هي ممكنة أيضا. وتتحدد الصعوبة في الإلمام بظروف المرأة الكاتبة ونوع عملها اليومي وتعاملها الأسري، وكثير من النساء العاملات في حقل الإبداع تخلين عن مواهبهن لعدم إمكانية التوفيق بين العمل البيتي وبين متطلبات الإبداع، في الوقت الذي يمكن للرجل المبدع توفير الوقت الكافي لإبداعه.

مع هذا ومثلما برز أدباء وكتاب في حقولهم الإبداعية، نجد أمامنا العديد من النساء العاملات في حقول الإبداع، قد تبوأن مكانة أدبية ومعرفية قد يحلم بها العشرات، من المبدعين (الرجال) الذين توقفت لديهم شاحنة العمل الإبداعي، لذا ينبغي إنصاف المرأة الكاتبة ليس من باب العطف عليها، إنما من جانب تفهم ظرفها الموضوعي الضاغط عليها وعلى إبداعها”.

وعن تحطيم التابوهات يقول: “تغري -الجرأة- بمفهومها العام، الكاتبة العربية ربما تقليدا أو تشبها بعدد من الكاتبات الغربيات وبعضها بدافع ذاتي يعتمل في نفس الكاتبة العربية، التي تجد في نفسها الإمكانية والاستعداد للخوض في موضوعات ذات طبيعة أيروتكية،  وسواها من الموضوعات التي يعتبر الدخول عليها مغامرة قد لا يحمد عقباها.

ومع هذا وجدنا الكثير من الكاتبات العربيات خصوصا في المجتمعات العربية المتطورة، في عدد محدود من أقطار الوطن العربي، قد واصلن الكتابة في الثالوث المحرم عربيا الجنس والسياسة والدين، غير أن هذا لوحده ليس كافيا لخلق كاتبة متميزة والاكتفاء بخوض مغامرة الأيروتيكية والتنطع ضد الدين وبأسلوب مفتعل ومهلهل ركيك يكشف عن نزعة تدميرية ضد الذات وضد المجتمع، غير أن الدخول على موضوعات جريئة وبإمكانيات إبداعية واضحة تترك أثارا إيجابية في صناعة أدب نسوي جريء ومتطور”.

وعن تواجد الكتابات النسائية على الساحة الثقافية يقول: “تشكل كتابات المرأة رافدا مهما لحركة الثقافة في أي مجتمع من المجتمعات التي تعاني من أزمات اجتماعية كبلداننا العربية، إذ ستساعد هذه الكتابات في بلورة الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي على حد سواء، لهذا أخذت النظرة التقدمية الإنسانية التي تهتم بحقوق الإنسان والمرأة تحديدا بالنظر إلى أدب المرأة ومؤلفاتها بعين الاحترام والتقدير.

ولعبت المؤلفة العربية دورا فرضته بقوة كتاباتها عليه فرضا مما أتاح لها فرصة التجلي والوضوح أكثر، وساعد على تنامي حضور كتابات المرأة أن بعضها أخذ صيغة تحدي المجتمع والأفكار البالية التي كانت سائدة وما زال بعضها، وقد أدى هذا التحدي إلى خلق بؤرة من الصراع بين المرأة والمجتمع دفعت فيه ثمنا من حياتها الشيء الكثير، وقد ارتفعت حدة الصراع إلى مستويات متعددة لعل دور النقد الأدبي فيها كان واضحا جدا، وبالقدر الذي انتصر عدد كبير من النقاد إلى مؤلفات المرأة وكتاباتها كان هناك من يقف في الضد منها ويحاول تسفيه ما تنتجه من أدب وثقافة، لكن مع مضي الزمن أثبتت كتاباتها مكانتها اللائقة التي فرضت نفسها على مجتمعها وأخذت الكثير منهن أدوارا مناسبة لها ولوعيها وثقافتها وحضورها الاجتماعي البارز”.

وعن وجود اختلافات بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “هذا السؤال في الحقيقة يمكن لعلم النفس وعلم الاجتماع الدخول على ماهيته وفرزه، إن لكل كاتب في العالم والحياة رؤى وأفكار ومشاريع قد تتباين مع بعضها حتى في الجنس الواحد المرأة وكذلك الرجل. ولم تتضح الفروق المتباينة بين منجز المرأة الإبداعي ومنجز الرجل إبداعيا.

لكن المرأة بطبيعة انتسابها إلى جنسها تميل إلى إبراز دور المرأة في بيئتها ووسطها الاجتماعي، خلاف الرجل الكاتب الذي تتجه معظم كتاباته إلى الذكورية وتبريزها على حساب دور المرأة داخل العمل الإبداعي، اما ما هي المواصفات التي تجعل كتابات المرأة المبدعة تختلف عن كتابات الرجل، لم يتم أي كشف سيكولوجي وانثربولوجي يحدد تلك السمات، ناهيك أن العمل الإبداعي هو جهد فردي ونشاط إبداعي يقوم به شخص محدد السمات سواء كان رجلا أم امرأة”.

 

مراهقة النقد العربي للكتابات النسوية..

ويقول الكاتب العراقي “عامر حميو”: “الخلوة والتفرغ للتأمل أمر مهم للكاتب أي كان جنسه. ولحظة الإبداع لا يمكن لأي كاتب مهما كانت قدرته على السيطرة على أدوات صنعته أن يسيطر على لحظتها، ولهذا نحن كثيراً ما نسمع ونقرأ أن من يمتهن الكتابة الإبداعية يضع قلما وحزمة أوراق عند رأسه قبيل نومه، ليدون ما ينثال على مخيلته بسرعة البرق حتى إذا استيقظ في صباح اليوم التالي مسك خيوط لعبة الإبداع وصورها.

وهذا يدفعنا لتخيل مقدار ما تعانيه المرأة المبدعة في لحظة تحملها لمسؤولياتها العائلية وورود لحظة الإبداع الخاطفة على ذهنها، وهي هنا كمن يبلع موسى، لا تستطيع أن تترك المسؤولية ولا تستطيع أن تترك فكرة الإبداع تفلت من ذهنها، وأنا شخصيا أحسدها على قدرة التوفيق بين الاثنتين”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “إن كان القصد بالتفريق يأخذ معنى الجودة فلا فرق عندي بين عمل فكري ينجزه عقل امرأة وبين عمل فكري ينجزه عقل رجل، لأن جودة العمل واشتماله على موافقة الشروط الفنية لإجادة استخدامها من قبل كاتبها لا تفرق بين قدرة المرأة عن قدرة الرجل.

ولنا في ذلك ما تركه لنا الناقد جورج طرابيشي من أثر نقدي، إذ أنه انشغل بصنعة نجيب محفوظ السردية مخصصاً لها مبحثاً كاملاً هو (رحلة الله في أدب نجيب محفوظ) مثلما انشغل بصنعة الدكتورة “نوال السعداوي” السردية مخصصاً لها مبحثاً كاملاً هو(أنثى ضد الأنوثة) واليوم يُعد البحثين من مصادر المراجعة النقدية لدارسي كلا الكاتبين (نجيب محفوظ ونوال السعداوي) على السواء”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “بالنظر لما يحيط المرأة المبدعة في أوطاننا من تحجيم لدورها الإبداعي وثقل في مسؤوليات البيت والأطفال الملقاة على عاتقها، ثم شرنقة العقلية العربية بدائرة العيب والممنوع والحرام، بات على المرأة المبدعة أن تضحي بالكثير، وقد تفقد استقرارها العائلي إن هي أولجت إبداعها في الحفر بالتابوهات، ولهذا فإن فعلها كفعل فراشة إذ تحوم حول لهب شمعة تحترق.

فهي كلما اقتربت أكثر من الشعلة فقدت الجزء بعد الجزء من أجنحة حريتها وأثّر ذلك في مدى قبول المجتمع بإبداعها، ولنا في اللغط الحاصل على الإرث الإبداعي للدكتورة “نوال السعداوي” مثالاً ساطعاً على رأي المجتمع بالمرأة التي تلج بحفرها أخاديد التابوهات وكهوفها المظلمة”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “نعم. تواجدت كتابات المرأة على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا ونافست كتابات الرجال، وربما بزت عليهم في الصنعة، أذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر:  “لطفية الدليمي، وغادة السمان، وليلى عثمان، وإنعام كجه جي، وهديه حسين، وغادة رسول”، والعشرات غيرهن.

أما فيما يخص هل ينصف النقاد كتابات النساء؟ فهذا السؤال له جنبتين زمنيتين، فهو في جنبة زمنية أولى كان النقد (قبل ثورة الفضاء الافتراضي) يعطي كتابات النساء حقهن ويخرج الغث من السمين فيه، فبرزت لنا أسماء نسوية كانت ومازالت عتبات في تركيبة وعي الكثير منا، أما في الجنبة الزمنية الثانية، والتي أراها قد أضاعت الحابل في النابل، فهو ما نعيشه اليوم من موجة دراسات نقدية لكتابات النساء تعتمد بالدرجة الأساس على حجم عيني الكاتبة وطول رموشها، ويكفي أن نراجع شبكات التواصل الاجتماعي لنرى مقدار (مراهقة النقد العربي للكتابات النسوية) ونقدر حجم الإشكال في الإبداع النقدي بصورة عامة”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “أنا ضد كل تجنيس يحاول أن يفرّق بالإبداع الفكري بين كتابات الرجل وكتابات المرأة، وأعد هذا الأمر تجنيساً لا يقل عنصرية عن عنصرية الفترة النازية التي أرادت أن توهم البشرية والتاريخ، وتلوي عنق العلم بادعاء أن حجم دماغ الألماني أكبر من حجم دماغ باقي البشر. لا فرق عندي بين الاثنين، سوى أن المجتمع يضع قيوداً أخلاقية تبيح للرجل الولوج في مواضيع لا تبيحها للمرأة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة