خاص: إعداد- سماح عادل
يلاحظ أن الكتاب حين يتطرقون إلى الحديث عن معاناة النساء، والصعوبات التي تواجهها ككاتبة يتراوحون في آرائهم ما بين التهوين من حجم المشاكل والصعوبات، وما بين التعميم بدعوى أن الرجل أيضا يعاني من تلك الصعوبات، وما بين الاعتراف على استحياء بوجود تمييز يقع على المرأة لكونها أنثى، لكنه لا يدوم. والمدهش أنك تجد ذلك لدى كاتب واحد، يعترف ثم يعمم ثم يقلل من حجم المشكلة.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في هؤلاء الكتاب الذين يعتبرون الحديث عن قضايا المرأة وحقوقها والتمييز ضدها أمر ممل ومعاد ومستهلك، وكثر الحديث عنه حتى أصبح مكررا ومعادا كإسطوانة مشروخة، لكنه مع ذلك لا يمل استمرار التمييز ضد المرأة، واستمرار الانتهاكات وتفاقهما، بل وتراجع بعض المجتمعات لدرجة تفقد معها المرأة مكتسبات كانت قد حصلت عليها في أزمنة ماضية، والتساؤل الملح هنا هل يزعج هؤلاء كثرة الثرثرة حول قضايا المرأة وحقوقها لكن لا يزعجهم كون المرأة تعاني على أرض الواقع، أم لا يرون ذلك بشكل حقيقي؟.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
الإبداع الحقيقي يقوم بإعادة صياغة الوجود..
يقول الكاتب المصري “عمرو زين”: “الأدب النسائي، أو “أدب الأستروجين” كما أطلق عليه أحد أصدقائنا الأدباء، يدخل بنا إلى منطقة اعتاد الجميع النظر إليها بنمطية لم تطرأ عليها أي تغييرات جوهرية، حتى أنه في كل مرة يطرح فيها الموضوع للنقاش تعاد المقولات ذاتها على طريقة “الاستريو تيب” بالرغم من “الاستريو تيب” نفسها قد زالت من الوجود.
الموهبة والرغبة والظروف، هل تملك المرأة موهبة حقيقية تحمل الأصالة والتفرد؟ هل تجد في نفسها الرغبة الأكيدة في الوصول بكتاباتها إلى درجة التحقق وبالتالي الاعتراف و القراءة؟. هل خدمت الظروف المحيطة هذه الموهبة ومهدت لها الطريق؟، أظن أن هذه هي الأسئلة التي يجدر بنا أن نطرحها حتى لا نقع في براثن الدائرة المغلقة و اجترار العبارات التي طال مضغها.
الموهبة تفرض وجودها طالما كانت موهبة حقيقية غير مصطنعة، ولكن إذا توافرت الرغبة داخل الأديبة لإيصال صوتها حتما ستنجح، قد تقف الظروف حائلا أو معوقا في النشر وبالتالي التحقق، ولكن هذا كان ممكنا ومقبولا في زمن مضى. اليوم اختلفت الأدوات والوسائل بفضل تقنيات التواصل الاجتماعي، وأظن أن المبدعات في العالم العربي على دراية تامة بهذه التقنيات والتعاطي معها في كل سلالة.
لغة الزمن اختلفت عما كان عليه في السابق، حتى أن فكرة الشللية القديمة تبددت تحت وقع آليات هذا العصر الجديد، ومن السهل على المهتم بالشأن الأدبي أن يكتشف أثر التغييرات التي أحدثتها الآليات الجديدة التي ظهرت، منذ وقت ليس ببعيد عبر “زووم” و “كلوب هاوس” إذ تعقد ندوات أدبية بصورة شبه يومية”.
ويضيف: “لكن هناك ظاهرة أخرى جديرة بالملاحظة لم ينتبه إليها أغلبية الأدباء يمكن أن نصفها بظاهرة “الفانز”، بما يعني المشجعين، إذ يبدو أن الأدباء ممن يخرجون علينا أنهم أصحاب أرقام التوزيع الأعلى استطاعوا على مدى سنوات تكوين فرقة أو مجموعة من المشجعين الذين يحضرون باستمرار ندواتهم، ويقومون بتسليط الأضواء على مبدعيهم المفضلين ويحاججون غيرهم في سبيل رفع قدر شأن أديبهم أو شاعرهم المفدى.
هذه الظاهرة الجديدة على الوسط الأدبي تطرح تساؤل هل يقاس نجاح الأديب أو الأديبة بقدر ما يملك من مشجعين؟.
ثم هناك ظاهرة أخرى يمكن إدراجها كذلك تحت سياق الظروف المحيطة بالعملية الإبداعية وهي ظاهرة الجوائز الأدبية، إذ تعددت أشكال الجوائز وأنواعها، الحصول على جائزة يقصر الطريق الطويلة المجهدة نحو التحقق الأدبي والشهرة والصيت.
وهناك أمثلة كثر لأديبات كن يعشن في الظل ويتجرعن كؤوس النظرة الدونية وإذا بجائزة أدبية من هنا أو هناك تهبط عليهن فيتبدل بهن الحال بين ليلة و ضحاها. صاحبات الموهبة يملكن بالتأكيد القدرة على الاستمرار في إنتاج أعمال جيدة والتطور في مستوى الكتابة، ولكن هناك فئة من الأديبات (والأدباء كذلك) ممن وقعن في حبائل الجائزة فانحدر بهن الإبداع إلى قاع الهاوية حتى كدن يصبحن أثرا من بعد عين”.
ويواصل عن تواجد الكاتبات على الساحة الثقافية يقول: “بلا شك هناك تواجد قوي ومؤثر لأديبات وروائيات وشاعرات مصريات وعربيات، وأصبحن ملء السمع والبصر لأصالة موهبتهن، والأمثلة متعددة وأكثر من أن نحصيها في مقالة، وهناك على الجانب الآخر أدبيات متفردات لكنهن لم ينلن حظا من الشهرة لذا تشعر في كتاباتهن بالأنين.
أتمنى عليهن ألا يتوقفن عن الكتابة، الإبداع ليس الغرض منه الحصول على جائزة أو تصفيق أو هتاف مشجعين بل الغرض منها أكبر وأعظم من هذه الشكليات الزائفة. لأن الإبداع الحقيقي يقوم بإعادة صياغة الوجود”.
تسليط الضوء على عوالم داخلية مليئة بالقهر..
ويقول الكاتب العراقي “خالد شاطي”: “تحاط المرأة الكاتبة، كما الرجل الكاتب، بصعوبات وملهيات كثيرة؛ تحول بلا شك دون تفرغها للكتابة، وبالتالي تحول دون انجاز ما تطمح له. بيد أن هذه الأمر نسبي، فثمة أعمال أدبية مهمة أنجزتها ربات بيوت، عرفن كيف يقسمن وقتهن ويخصصن وقتاً للكتابة. وعلى العموم، فالكاتبة صاحبة المشروع الأدبي والثقافي ستقرر منذ البدء ألا تضع نفسها في هذا (المأزق) الذي يحد من إبداعها، أو سيدفعها إخلاصها للأدب ولمشروعها الكتابي إلى الإنسلاخ من هذه الأعباء والتحرر منها بطريقة أو أخرى”.
وعن مقارنة النصوص يقول :”ثمة العديد من الأحكام الجاهزة بحق المرأة الكاتبة وبحق كتابتها، أطلقت جزافاً، وليس لها أي مصداق في الواقع، من ذلك: التباين المفترض والمصطنع بين إنتاج المرأة وإنتاج الرجل. ومثل هذه المقارنة ــ التي درج عليها كثير من النقاد والباحثين ــ خاطئة من الأساس، ولا مبرر لوجودها واستمرارها. أما فيما يخص الغبن الذي يطال المرأة الكاتبة من ناحية إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ، فهذه ظاهرة بدأت بالانحسار في ظل تزايد أعداد الكاتبات وتنامي كتابتهن كماً ونوعاً. وفي (موسوعة القصة القصيرة العربية المعاصرة) التي أقوم بإعدادها، وصدر الجزء الأول منها بالعربية والأسبانية، كان نصيب الكاتبات أكبر من نصيب الكُتاب، بواقع (23) كاتبة مقابل (17) كاتباً”.
وعن تحطيم التابوهات يقول: “على الكتابة أن تحطم التابوهات البشرية، سواء تلك المتعلقة بالدين أو الجنس أو السياسة، أو أي خط أحمر لا يسمح المجتمع بتجاوزه، وإلا غدت الكتابة انشاءات مغرقة في الجماليات اللغوية، والتي سرعان ما تمجها ذائقة المتلقي، وتزهد فيها.
كما أن كسر التابوهات لا ينبغي أن ينسينا الاهتمام بالشكل والأسلوب الأدبي وجماليات الكتابة، وفي مجال الكتابة الإبداعية، غدا تناول التابوهات ذريعة لتحصيل الشهرة والرواج، لدى كاتبات كثيرات، خاصة في مجال الجنس. وأغلب الكتابات الأيروتيكية ليست ناضجة كفاية لترتقي إلى اعتبارها أدباً”.
وعن تواجد كتابات النساء على الساحة الثقافية يقول: “تشهد كتابات المرأة حضوراً ملحوظاً في مجتمعاتنا من ناحية الكم والكيف، وهذا ما نشهده من خلال إعلانات صدور النتاجات النسوية والمراجعات النقدية لها في وسائل الاتصال المختلفة، وفي معارض الكتب، وفي الأنشطة الثقافية المتعددة. وما بدأ على شكل (كوتا) ثقافية ضمنية، صار الآن شيئاً طبيعياً. وأظن أن النقاد والباحثين ما عادوا قادرين على مواكبة ما يصدر من نتاج إبداعي نسوي في أغلب مجتمعاتنا بسبب الكم الكبير نسبياً الذي يصدر منها. وهذه الكتابات تحظى باهتمام النقاد شأنها شأن كتابات الرجال، لما تنطوي عليه من خصائص فنية وإبداعية”.
وعن وجود اختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “كان من السائد؛ النظر نظرة دونية إلى المرأة بالاستناد إلى قناعات عديدة مغلوطة؛ مستمدة من فكر أسطوري بدائي؛ يضع المرأة من الناحية البايولوجية والذهنية في مستوى أدنى من الرجل، بل أن بين أصحاب هذه النظرة من يقصي المرأة من المجال الإبداعي ويجعله حكراً على الرجل. وفي المقابل، ألحظ في بعض الأحيان، انحيازاً للمرأة الكاتبة، بدعوى توفرها على العاطفة الجياشة والرقة والحنان، وهي سمات مرغوبة في النص الإبداعي بصورة عامة، بيد أنها سمات ليست مقصورة على النساء.
ربما يكون الرجل الكاتب أكثر سعة في مجمل إبداعه قياساً بالمرأة، بسبب المجال الأوسع المتاح له للتحرك داخل مجتمعه، مما يكسبه خبرات وتجارب أكثر. وربما تكون المرأة الكاتبة أقدر من الرجل في تسليط الضوء على العوالم الداخلية التي تعاني من القمع والانتهاك؛ بحكم واقعها المعروف في مجتمعاتنا.
ثمة ملاحظة تتعلق بتمتع الرجل الكاتب بمطاولة أكبر في التأليف، تتبدى في ضخامة إنتاجه والتي قد تصل بالعمل الواحد إلى أجزاء عدة. لكن هذا، بطبيعة الحال، ليس ميزة للرجل الكاتب على المرأة الكاتبة، كما أنه لا يدل على أنه خصيصة أو صفة جوهرية للرجل، بقدر كونها إحدى نتائج تمتع الرجل بالتفرغ، وبمجال تحرك أوسع داخل المجتمع”.