28 نوفمبر، 2024 5:46 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-10): الكاتب مقموع على مر العصور، فكيف بالمرأة التي كانت ومازالت تُنعت بأحط الصفات منذ أسطورة (آدم وحواء)

(النساء والكتابة 2-10): الكاتب مقموع على مر العصور، فكيف بالمرأة التي كانت ومازالت تُنعت بأحط الصفات منذ أسطورة (آدم وحواء)

 

خاص: إعداد- سماح عادل

التضييق على الكتابة في مجتمعاتنا، ووضع المحاذير الكبيرة والمتعددة حولها يطال فيما يطال كتابات الرجال وكتابات النساء، فالمحاذير سلطوية آتية من السلطة العليا، كما أنها محاذير تخص المقدس، لكن يبقى الحديث عن معاناة الكاتبة الخالصة لكونها أنثى أمر لا يحتمل التعميم.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

القمع والتضييق المفروض على الكتابة يطال الكاتبات..

يقول الكاتب العراقي “فتاح خطاب”: “بما أننا نعيش في العالم السابع (فعلاً وممارسة) ليس من السهل البت بقضيةالكتابة, عند المرأة والرجل سواء, جدواها وتبعاتها. بغض النظر عن مسؤولياتها المنزلية والمهنية والأُمومة، ستبقى المسألة مجازفة واختراقا للعقل الجمعي الصعب المراس والمعتاد على روتينية الحياة القاتلة والرتابة الاجتماعية والسياسية وحتى النفسية غير المطمئنة, كون الكتابة الإبداعية تخترق المجاهيل, لا تجتر ولا تكرر ذاتها أو تقلد الآخرين كأسهل الطرق للانتشار والإستمرارية وكسب الشهرة.

فكيف بالمرأة التي كبرت في مجتمع عشوائي تتحكمه سراُ وعلانية, العقلية البطراركية المقفَلة منذ مئات السنين وتنظر للمرأة نظرة دونية وسلبية, اعتمادا على نصوص غير عقلانية وموروثات شعبية متخلفة مستمدة من الوهم المقدس، الذي لا يمكن الخروج عليه, بالإضافة إلى تعامل المرأة اجتماعيا, أُسَرياً ومهنياً.

وإذا كان الرجل الكاتب مقموعاً ومزجوراً, سياسياً واقتصاديا, على مر العصور, فكيف بالمرأة التي كانت ومازالت تُنعت بأحط الصفات, منذ أسطورة (آدم وحواء) ولحد هذه اللحظة التاريخية التي تُمنع من الظهور في البرلمانات العربية والحكومات المحلية والندوات الثقافية والمسرح. وحتى في أداء الأذان والتجويد القرآني أو أن تكون قاضية في أكثر البلدان.

قد تكون المرأة كاتبة, لكنها لن تكون مبدعة ومتجددة, إلا بعد تمردها على التابوهات الاجتماعية والمذهبية المصطنعة وتجاوزها وكسرها للحواجز الوهمية التي خلقتها التراكمات الذهنية والنفسية والمزاجية، من قبل الأيادي المتآمرة الخفية التي يقف وراءها, رجل مريض, عقلياً, نفسياً, تعليماً وتربيةً, يؤمن بأن كتاباً واحداً فقط يغني عن كل الكتب والطروحات الإنسانية قاطبةً.

ليصادر حقها في التعبير عن نفسها أو التمتع بأوقاتها مع من تشاء أو الخروج لوحدها والجلوس في المقاهي، أو الحضور في ندوة ثقافية أو عرض مسرحي أو سينمائي أو الرجوع إلى البيت وقت ما تشاء، وهي المسئولة الوحيدة عن نفسها وتصرفاتها, مثلها كمثل أي رجل.

وعندما نتحدث عن الكاتبة المجدة, علينا ألا نفرق بين المحلية والعالمية, كونها تُترجم إلى لغات شتى, مسقبلاً. وهنا السؤال: هل يكفي المرأة أن تُجيد اللغة التي تكتب بها؟، أم أن عملية الكتابة تعتمد على تجاربها الحياتية والشخصية وثقافتها الموسوعية وتعليمها والأجواء التي تعيش فيها, كإنسانة حرة ومستقلة, لها طموحاتها الأدبية وخياراتها، وأسلوبها في توصيل ما يضج وما يرهص في داخلها من أفكار وتصورات ومبادئ وجماليات الطرح ومصداقيته”.

وعن مقارنة نصوص الكاتبات مع الكتاب رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “إن المقارنة بين الرجال والنساء في هذا المضمار كمقارنة الرواية بالشِعر، كون الرواية لها علاقة بالراوي من حيث الوقائع والأحداث والحذلقة والفنطازيا والأكاذيب البيضاء، والثرثرة والتطويل والشخصيات المتنوعة والمتناقضة والمغامرات والاقتحامات والفضوليات التي يتمتع بها الرجال.

كون الرجال أكثر احتكاكا, منذ الصغر, وكل الأبواب والاحتمالات والفرص مفتوحة أمامه، ومعايشته في خضم الصراعات السياسية والاجتماعية والحياتية. فيكون الرجل فيها أكثر قدرة وأكبر حظوة وتأثيراً وإقناعاً. أما النساء اللواتي بقين دهوراً, منكوصة, مغلوبة داخل أسوار البيت, منتظرة ما يجود به عليها الرجل, من أبسط مستلزمات وحوائج العيش الكريم.

محافظة على أخلاقها وغشاء بكارتها وسُمعتها ورفعة رأس عائلتها, حتى ساعة خروجها إلى البيت الزوجية, متنقلة من بين وحوش أليفة اعتادت عليها بحكم الزمن والعِشرة, إلى بيت الطاعة والخضوع للآمر الناهي الأوحد, وسط أُناس غرباء, لا تستريح فيه ولا تحظى بالهروب الوقتي منه, إلا في أثناء متابعة البرامج التلفزيونية الفجة من مسلسلات وإعلام موجه ومدروس بَغية الاستلاب الروحي وتقنين العبودية بشتى أنواعها, ليس فيه سوى كتاب واحد, (اللغز) لا يًمس إلا في حالات الطلاق أو اليمين والاستغفار والقَسم وإظهار الطاعة والمثول لولي الأمر.

وإن أرادت أن تكتب عن معاناتها ومناجاتها وتنهيداتها, فلابد من اللجوء لإلهة الشعر كما النساء الشاعرات القديمات في الجزيرة العربية, اللاتي لم تنج واحدة منهن من عمليات القتل والتصفية الجسدية إلا بالركون والسكوت والخضوع والتوبة. والحالة هي ذاتها وإن تغيرت أساليب القمع والإقصاء والترهيب ولن تتغير إلا بتغيير الوعي الجماعي والمفاهيم السياسية والحكام المتسلطين على رقاب الشعوب, سياسية كانت أو مذهبية.

سيما أن أكثر الفئات الاجتماعية, اضطهادا, تجويعاً وحرماناً, هي الفئة المبدعة في شتى المجالات الأدبية والفنية, في بلداننا المحتلة تربيعاً ومزدوجاً. حيث لا إعلاماً حكومياً, في كافة الدول العربية, إلا ونجد فيه رجلاً كصفوت اللاشريف، ولا محطات ومنابر ومنافذ ثقافية إلا لها تنسيقات مع قوى الظلام والدوائر المتآمرة على الثقافات الحرة والمستقلة.

أما البقية الباقية من المنابر الثقافية اليتيمة ترحب بالنشر وتشجع عليه بكل حرص وإخلاص وتفاني ولكن بالمجان مع تحمل النفقات والتكاليف المادية، وإضاعة شهور وسنين من العمر جلوساً, اعتكافا ومتسمراً على طاولة الكتابة, مواصلين الليل بالنهار, بدون أي مورد أو دخل يُذكر, فداءً للمبادئ والرسالة الخالدة التي قد لا تصل. والعين بصيرة ويد العطاء والشكر والثناء, قصيرة, قصيرة..

فمن أين يأتي الإبداع..؟”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “إنه لمن الطبيعي أن تستوعب الأعمال الأدبية والفنية كل الظواهر الطبيعية والنزوات والمشتهات الإنسانية مع الضوابط والشروط والمقاييس الجمالية, دون إسفاف أو تصنع أو تشويه أو الخروج عن الذوق العام الافتراضي، عالمياً، في حدود المعقولية, استنادا إلى نظريات علمية مدروسة, كما يؤكد عليها الأدب الطبيعي الذي له علاقة مباشرة بعلم النفس الحديث, المتغلغل والمتعمق في نفسية وطبائع البشر.

منذ ظهور الأساطير حول الشجرة المحرَّمة وغضب وثوران عشتار على جلجامش وانتقام أليكترا وعصيان أنتيغونا ووهيلينا الطروادة وهدوء وسكينة خديجة والصراعات الدائرة بين عائشة وعلي وحرب الجمل وندم الملك لير وجنون هملت الباحث عن الحقيقة وكلب بافلوف ومصمصة فرويد.

وهنا أرجع لأقول مؤكداً على دور المرأة الرئيسي والجوهري في حياة الشعوب, هو منح الرجل الراحة النفسية والافتتان وجلب النظر والترويض والتشجيع والدفع إلى الأمام، والإحساس بجمال الطبيعة وما وهبت من رقة وجمال ونعومة وأُنوثة, ليستكين إليها ويعيش في كنفها، لينسى همومه ومتاعبه ومعاناته, لتمتص هي الأخرى كل إفرازاته العاطفية والروحية والجسدية, ليبدأ يومهما الجديد على أكمل وجه, استعدادا لمواجهة متاعب الحياة ومشاكلها.

بعيداً عن القوامة والضلع الأعوج وأن كيدهن لعظيم وناقصات العقل والإيمان ووعاء التفريغ، ورضاعة الكبار وإفساد الصلاة ومثلها مثل الكلب وغض النظر والتستر وعدم الاختلاط، ولجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلولا الإلهة “أيروس” وإلهة الجمال (فينوس) لما نشأت المجتمعات البشرية, فالحب هو أساس الحياة وغايتها، وكل ما له صلة بعلاقة الرجل والمرأة هو بالضرورة مقدس ولا يمكن الاستهانة به أو اعتباره عيباً أو حراماً.

وما الأيروتيكية سوى وسيلة سامية لدغدغة المشاعر المشتركة بين الجنسين لتستمر حياة وشراكة الثنائية المقدسة التي هي بالضرورة, أثمن رأسمال, فرفقاً ليس بالقوارير حسب وإنما  بثنائية الحياة الإنسانية”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية يقول: “كانت لي تجربة في مجال الترجمة الشعرية, دامت أعواماً, لأسباب خارجة عن إرادتي وقناعتي, كفنان مطارد ومطرود, من قبل حكومات متوالية مستنسخة بجودة عالية من النذالة والتواطؤ والتآمر والاستحكام والتسلط.

في تلك الفترة الزمنية, حيث الحرب والكفاح المسلح في جبال كوردستان ومن ثم التسلل للأراضي السورية مشياً على الأقدام مروراً بالجبال والوديان  الإيرانية والتركية, استغرق 12 يوماً بلياليها وفي جعبتي قصائد مترجمة ودواوين شعر رجالية فقط، وكلها ما تُسمى ب (شعر المقاومة) لشعراء كبار, كانت تُنشر تباعاً في مجلة (الثقافة الجديدة) ولكن بعد عودتي إلى مدينتي أربيل واستقراري فيها, حاولت قدر الإمكان البحث عن أصوات نسوية بغية التوازن فيما بينهما.

وإذا بي أكتشف آفاقاً جديدة زاخرة بعطاءات شعرية ساحرة ومتنوعة, تريح النفس وتخاطب العقل وتثير التساؤلات وتدعو للتأمل, بعيداً عن قرقعة السلاح والشعارات الطنانة والرجولية المنتفخة والبطولات الزائفة. حينها صحت بكل كياني،(إن القصيدة أُنثى) وهي تليق بأن تكون البديل الشعري بلا منازع, وسط رجالات ورموز أدبية وشعرية, تعرف كيف تصنع من الكلمات كرسياً أو وظيفة إعلامية مرموقة أو استشارية ثقافية وفنية عند الباب العالي, رغم تبديل الأقنعة, مرات ومرات, والقفز من خندق إلى خندق آخر, حسب العرض والطلب, لقاء دفع الثمن عالياً والحماية المرجوة من الأخوة الأعداء المتربصين.

فكان من نصيبي ودوري في البحث عن البديل الشعري خارج نطاق المافيات الإعلامية والأدبية والشعرية فوجدت ضالتي عند أصوات نسائية مبدعة, لم تتسخ ولم تنجرف ولم تخسر نفسها ولم تنطل عليها مخادعات السلطة وإغراءاتها وما أكثرها. فعملت ذوات الأيادي الناعمة, شيئاً فشيئاً, على إزاحة وتركين واختفاء ذوي الماضي الأسود, المتلونين والانتهازيين من رجالات السلطة الببغائية عند الطلب.

وذلك رغم عدم استساغة النقاد التقريريين والسطحيين والجالسين على باب الحكومة للاسترزاق, ما آل إليه الوضع من سحب البساط من تحت أقدام ديناصورات المهرجانات المناسباتية والعزائم الحكومية ذات الطرف الواحد والاتجاه الواحد, حيث العطايا والإغداقات السخية والشهادات التقديرية لأسماء و وجوه متكررة ومعادة, بقصد ورغبة ومزاجية حزبية والتي أصلاً ترى من القلم وما يسطره ومن يتابعه ويستحسنه, عدوها اللدود”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “نظراً للظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ إندلاع الثورات والثورة المضادة في عموم الشرق الأوسط, نُصبت على عملية الكتابة أجهزة وعيون رقابية مشددة, بالإضافة إلى الرقابة الداخلية الخاصة وما تزوّدها الحجرات والمنابر الدينية من أحكام وفتاوى مجانية, لا أول لها ولا آخر.

ويليها دور التابعين والمستمعين والمتعصبين من المؤمنين الأُميين المنفذين الفعليين لوجه الله تبرعاً ومجاناً وبدون أي أُجرة تُذكر, كما حصل مع قاتل الدكتور “فرج فودة” ومهاجم الكاتب الكبير “نجيب محفوظ” الحائز على جائزة نوبل العالمية, ومن ثم تأتي الشروط التعجيزية ولوائح وقانون النشر، عدم خدش الحياء والذوق العام ولا لازدراء الدين السموح، وعدم توجيه النقد المباشر للحكومة الموقرة، وعدم التشهير بالشخصيات العامة, لا تلميحات ولا إيحاءات جنسية. ويا حبذا الابتعاد التام من التحدث عن ثلاثية الدين والجنس والسياسة وعدم الإشارة والإشادة ب: آراء المستشرقين المندسة والهدامة.

وإذا كانت عملية الإبداع الأدبي تحاصرها كل تلكم المحذورات والمحظورات والحسبات والتهديدات واللعنات والرقابات والتشخيصات. كيف السبيل في إيجاد أوجه الاختلافات والتقاربات في ما بينهما؟!!”.

المرأة مهمشة اجتماعيا..

ويقول الروائي العراقي “راسم الحديثي”: “نعم..المرأة العربية مهمشة اجتماعيا ومتخلفة قياسا بالمظلومية التي تتعرض لها في مجتمعات قبلية ونسبة التعليم فيها ضعيف جدا. وعليه من البديهي أن تكون هذه الأسباب وغيرها عائقا ملحوظا”.

ويضيف: “هناك كاتبات كبيرات على مستوى الإنتاج في المجال الأدبي وتقدمن على الرجال وكسبن جوائز محترمة، مثل “إنعام كججي ولطفية الدليمي وأميمة جادو وأحلام مستغانمي”..إلخ

ويواصل: “تحطيم التابوهات شيء أراه مهما ولازما، وخاصة من قلم أديبة عربية. فهو دلالة على جرأة تستحق التقدير”.

ويؤكد: “لا أشعر بأية مظلومية تنتاب المرأة العربية الأديبة، بل العكس صحيح، فهن أخذن حصة محترمة في المكانات الأدبية والنقدية”.

وعن الاختلافات يقول: “لا توجد اختلافات تستحق الذكر فالجميع  يستمد قدراته من ذات المنابع الأدبية والفكرية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة