13 أبريل، 2024 6:05 ص
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (2).. قلوب الكاتبات مثقلة، مرتعشة بالخوف من الآتي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك صعوبات ومخاوف تعانيها المرأة الكاتبة، ولا يشعر بها أحدا سواها. الخوف من الانتقاد والوصم، الضغوط النفسية التي تتعرض لها حين تختار طريق الكتابة، ما بين الاستهزاء بها، والاستخفاف بما تفعل، أو محاولة تحقيق النجاح لكي تثبت لمن حولها جدارتها. هناك رعب من أن تكتب بحرية فيهاجمها المحيطين والمجتمع، ويسقطون عليها ما تكتب ويلصقونه بها. هناك رقيب داخلها يمنعها من الاندماج الكلي في عالم الكتابة. وصعوبات أخرى كثيرة.
لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟.


قلوب مثقلة بالخوف..
تقول الكاتبة الفلسطينية “شوقية عروق منصور”: “لقد صرخ الجاحظ وهو يشد شعر الكلمات حين وجد الكاتب يعيش في تعب وشقاء وفقر، فقال عبارته الشهيرة “أدركته حرفة الأدب” أي تحول إلى إنسان آخر يعيش في هم وغم وملاحقة ومطاردة وخوف وقلق، لأن الكتابة ليست سجادة فارسية نسير عليها، بل الكتابة احتراق وجنون ومخالب عليك أن تبرزها وقت الضرورة، وعندما يتحول الورق إلى وطن والحبر إلى دموع الفرح والرجاء يمكن للكاتب أن يتظاهر بالاكتفاء والرضى عن نفسه.
الكتابة بالنسبة للمرأة الكاتبة هي إعادة الحياة لروتين يومها، أو لنقل زرع شجرة في صحراء الركض أو الرقص على صدر التحدي، وقطع الأيدي التي تحاول إيقاف إيقاع نشوة الكلام.
فوق أصابع وأوراق المرأة الكاتبة في الدول الغربية يزدهر الفخر والاعتزاز وصرف الشيكات، أما المرأة الكاتبة في الوطن العربي، فهي الرفض وسكاكين العار وارتباك الأسرة وتهديد الزوج والجنون الذي يقف خلف الباب معلناً حرمان الكاتبة من الوعود التي زنر بها المجتمع، المرأة العربية، أنت سيدة البيت، أنت الآمرة الناهية.. إلخ.
عن أي تفرغ تتكلمين يا عزيزتي…!! ؟؟ على المرأة الكاتبة أن تكون الأم والطباخة والمرأة الأنيقة ومربية الأطفال ومنظفة البيت واستقبال القريب والغريب وتدريس الأبناء حتى يكونوا في قوائم الأوائل، وسيدة مجتمع وأن تتلقى رضى الجميع. المرأة الكاتبة تعيش في هذيان الخوف من الزوج والأب والأخ والعم والخال والمجتمع ، لأن رأيها مراقب وأفكارها سجينة العادات والتقاليد وفضول الجيران وثرثرة النساء”.
قلوب الكاتبات مثقلة، مرتعشة بالخوف من الآتي، لا توجد كاتبة عربية عاشت ليالي الكتابة دون خوف وقلق ونادت بالحرية علناً وليس تحت الغطاء، أكثر الكاتبات نصبن تذكارات للتفرغ، لكن لم يستطعن، فقانون الأمومة وحبال البيوت التي تشد، وتمجيد راحة الزوج ورعاية الأبناء وغيرها يدفعون المرأة الكاتبة للرضوخ”.
وتواصل عن تأثير الصعوبات على إنتاج الكاتبات: “بالطبع العمل خارج البيت وأيضاً داخل البيت عبارة عن إرهاق وتعب وشرود وصداقة مع الواجبات اليومية، عدم التفرغ هو مد لسان أفعى الزمن حيث تغرز سمها ببطء في فكر وقدرة الكاتبة.
المرأة الكاتبة تكتب ببطء مثل لص يخاف أن يستيقظ أصحاب البيت، وعدم التفرغ يؤثر على خيالها وإبداعها ورؤيتها الخارجية للعالم، قد تكون اليوم الظروف تغيرت بالنسبة للكاتبة العربية، السفر، الاستقرار في الدول الأوروبية، معاناة الحروب والقلاقل، الفقر، الأوضاع السياسية داخل الدول العربية، لكن تبقى القبيلة تعشش في رأسها، نظرة المجتمع، الوضع الاقتصادي، مساهمتها في دعم الأسرة مالياً، الحرص على راحة الأبناء. الظروف الصعبة المحيطة بالكاتبة العربية لا تعد ولا تحصى، وهذا يؤثر تأثيراً كبيراً على كل شيء”.
وعن الظلم حين المقارنة تقول: “مؤكد أشعر بالظلم، لأن النقد الموجه للرجل فيه الاحترام والتقدير والمباهاة والاعتزاز، بينما نقد أدب المرأة فيه الاستخفاف المبني على الغمز واللمز أو التفتيش عن قضايا يريد بها اتهام المرأة. وهناك من يطلق “الأدب النسائي” حتى يبقى ما تكتبه المرأة تحت خطوط الفشل”.
وعن انتقاد البعض للجرأة تضيف: “من حق المرأة أن تكتب وتفتح نوافذ الرأي والروح والإبداع على الجهات الأربع، وجرأة المرأة مأخوذة من مجتمعها الذي قلمت أظافره حتى وصلت إلى أرض الجرأة. جرأة المرأة الكاتبة لا تكون وليدة الأيام والأسابيع، بل هي وليدة الحرث والزرع ومواجهة العواصف والزلازل، مواجهة كل الوجوه التي أرادت أن تعلن الحرب عليها، لكن تراجعت أمام إصرارها.
لا وصم ولا كلام، المرأة تكتب من وعن الواقع، ترى المجتمع وفصوله ووجوهه وطبقاته وخباياه وخفاياه وخياناته وقهره وتصفيقه للحاكم، تكرس قلمها للكشف وإزاحة القطيع عن بئر النفاق”.
وعن النقاد تقول: “لا.. هناك صحوة واهتمام لدى النقاد في الأدب الذي تكتبه المرأة، لا أعرف هل هو اهتمام الذي يفتش في عمق خلايا عقل المرأة حتى يعرف ماذا يدور في تلك الخلايا؟، أم هو الاهتمام بأدب المرأة والكشف عن نبض السيرة الذاتية للمرأة، لأن حسب رأيي في كل صفحة تكتبها المرأة هناك قطعة منها”.


الضغوط النفسية والتنكيل..
وتقول الكاتبة المصرية “عزة سلطان”: “بشكل عام تواجه النساء صعوبات عِدة في ممارسة الحياة بشكل طبيعي، فنحن في مجتمعات لم تعتد تقاسم المهام أو مشاركة المسئوليات، أضف إلى ذلك أن كثيرين يرون في القراءة والكتابة أعمال تُذهب العقل ومضيعة للوقت، ومن ثم فإن الكاتبة تواجه صعوبات وضغوط منذ اضطلاعها بفعل الكتابة، إذ عليها أن تتحقق وتحصل حدا من الشهرة يغفر لها تضييع وقتها أمام عائلتها الأولي، ثم عليها أن تُثبت للزوج أن الكتابة مهنة هامة حتى يتركها تمارس الكتابة دون ضغوط نفسية، عندما تتعادل أو تقل الضغوط النفسية، فهناك ضغوط العمل ورعاية الأبناء، وإن كنت أرى أن الضغوط الأكثر صعوبة هو عدم قبول المحيطين للكاتبة بفكرة الكتابة والإبداع، تلك المتمثلة في التقليل من شأنها أو السخرية مما تفعل، وأعتقد أن الضغوط النفسية أكثر سوء من الصعوبات الحياتية”.
وعن تأثير عوائق التفرغ تقول: “الحديث عن التفرغ مسألة محيرة، إذ أن بعض الكاتبات تبدعن وسط العمل والالتزامات الحياتية أكثر مما تبدعن وهن متفرغات، الأمر يختلف من كاتبة لأخرى، فعن نفسي إنتاجي الإبداعي يكثر في أوقات الانشغال، في حين أنني عندما تكون لدى عطلات أو توقف عن العمل فإن كم كتاباتي يتراجع، الأمر نسبي”.
وعن الظلم في المقارنة: “ماذا نقصد بالمقارنة؟ هل هو الكم؟ هناك مبدعات كتبن عملًا واحدًا وأثرهن باق، هل نقصد بالمقارنة مساحات الحرية المتاحة للذكور في التعبير بحيث يتم الإشادة بأي رجل لجرأته في حين يتم التنكيل بالكاتبات؟ محاولات عقد مقارنة بين إبداع النساء وإبداع الرجال هي محاولات لاختلاق معارك وهمية، الإبداع إبداع سواء كان صاحبه رجل أو امرأة، أم هؤلاء الذين يصنعون صخبًا محوره الجندر فهم باحثين عن منطقة ضوء لم يحققوها بإبداع حقيقي”.
وعن انتقاد البعض للجرأة تضيف: “مجتمع يُنكر على المرأة أن تخرج وحدها، وعليها أن تصطحب أخيها الصغير ليكون معها، وكأن هذا الطفل سوف يحميها، مجتمع ينزع عن الأنثى الثقة في كل فعل وتصرف، ويُحرمها من الحياة والتجريب واكتشاف العالم، من البديهي جدًا أن ينتقد جرأتها إذا عبرت، فلو تم تمرير جرأة كاتبة والإشادة بها، فإن ذلك قد يُغري أخريات بأن تحذين حذوها، ومن ثم يمكن للنساء أن تتمرد فيما بعد، انتقاد جرأة الكاتبات هي محاولة قمع لأي بوادر للممارسة الحرية أو الإبداع، والوصم بالجرأة نوعًا من العقاب الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع لقمع النساء”.
وعن رأي النقاد تقول: “هناك ظلم يقع على الكاتبات منذ اللحظات الأولى لبدء إبداعهن، فتارة التجاهل، وتارة انشغالها في عملها ومع أسرتها، وبعدها عن دائرة الضوء بما يجعلها غير حاضرة في المشهد، يتبع غيابها غياب أعمالها أيضًا من دائرة الضوء، وهنا أمر شائك جدًا لا يتحمل مسئوليته النقاد وحدهم إزاء سيل من الإصدارات الجديدة المتلاحقة، والسوشيال ميديا التي صنعت نجومًا من لا شيء، الوضع الحالي مرهق للجميع”.


الخوف من الوصم..

وتقول الشاعرة التونسية “فاطمة كرومة”: “مع نسق الحياة المتسارع يواجه الكافة صعوبات في التفرغ للكتابة، لكن وطأتها أثقل على النساء، ولعل ذلك عائد إلى الشعور بالذنب الذي يلازم غريزة الأمومة، فكل امرأة أمّ منذ طفولتها، أمّ لنفسها وللعالم من حولها، وبمجرد أن تحوّلها الطبيعة إلى أمّ لطفل حقيقي فلن ترحمها في أغلب الأحوال من عقدة الذنب ومن هاجس لعب كل أدوارها بمثالية مفرطة، وهو ما قد يحول بينها وبين التفرغ للكتابة.

ومع ذلك، لا أعتبر التحرر من المهام حلاّ للتفرغ للكتابة، فهي تمثل مصدر إلهام متجدد للكثير من الكاتبات، فغالبا ما تداهمني أفكار القصائد، والحلول لإشكاليات البحث العلمي ولمشاكل العمل، وأنا أغسل الأطباق، أو أمرر المكنسة الكهربائية، أو أركض بين الغرف، أو أنتظر في أحد الصفوف الطويلة لشراء غرض أو الحصول على خدمة، ولأدون تلك الأفكار قبل أن تضيع، أستنجد بالأوراق والدفاتر، بمفكرة الهاتف وذاكرة الحاسوب وذاكرتي التي أحاول تصفيتها من كل تشويش خارجي وداخلي، بتخصيص جزء من تفكيري للكتابة بذهني، قد يحدث ذلك بينما أتبادل أطراف الحديث مع فرد أو مجموعة، أو أجيب على أسئلة طفلي، أو أرد على مكالمة هاتفية، أقتطع مساحة من ذهني أغرق فيها ويبقى العالم المحيط بي بأصواته وصوره على السطح، وما من قوة في العالم تقوى على أن تخرجني تماما من ذاك البرزخ”.
وعن العوائق وتأثيرها: “تؤثر العوائق التي تحول دون تفرغ الكاتبات للكتابة سلبيا على إنتاجهن على مستوى الكم فهي تحد من إمكانية تراكم أعمالهن، لكن على مستوى الكيف فأعتقد أن لهذه العوائق بعدا إيجابيا، فكلما ابتعدنا عن كتابة ما وعدنا إليها، إلا ونظرنا إليها النظرة التي تستحق، قد تكون نظرة تقدير وشغف فنحافظ عليها، أو تكون نظرة تعجب من سطحيتها وعدم طرافتها، فنخفيها بلا تردد أو شفقة”.
وعن الشعور بالظلم بسبب المقارنة تقول: “لا أشعر بالظلم حين تقام مقارنة بين نصوص الكاتبات والكتاب، وأستحضر بعض المواقف التي أقيمت فيها مقارنة وكانت الكفة مرجحة لفائدة النساء، وقد استاء بعض الكتاب، لأن بعضهم قد تجرأ وأقر بأن جودة القصائد التي تكتبها الشاعرات العربيات قد تجاوزت وبأشواط ما يكتبه الشعراء. في المقابل أستشعر هذا الظلم عند تخصيص فرص للكاتبات دون الكتاب، وما في ذلك من اعتراف ضمني بصعوبة إقامة مقارنة بين كتباتهن وكتابات الرجال، وبضعف قدرتهن على المنافسة، رغم أنها سياسة إيجابية تحاول الدولة التونسية من خلالها تدارك آثار الإرث الفكري التقليدي التمييزي الذي يستتر فيه صوت المرأة واسمها وضميرها”.
وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “الانتقاد فعل ذو دلالة إيجابية، أما إرفاق الكتابات النسائية الجريئة بوصم ما فهو انتهاك لحرية الفكر والتعبير، فالفن ممارسة حرة بامتياز، وهو فعل تحرري من كل القيود يساعد الإنسان في كل مكان وزمان على بلوغ أناه الحرة، وسأستعير ما قالته الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد “إذا لم يصل الإنسان إلى أناه الحرة المنعزلة الطليقة من الأنوات الآسرة فلن يصل إلى شيء، إذا لم تضع وجودك كله بتمامه وكماله لاختيار هذه القدرة، فلن توفّق في إبداع حياتك، الفن أقوى أنواع الحب، إنه يجعل الإنسان يصل إلى تمام حضوره، فعلينا أن نستسلم له”.
وفي كل الأحوال يبقى الخوف من الوصم، حاجزا يمنع الكثير من الكاتبات من الخوض في مواضيع تعتبر محرمة، وقد وصلتنا عبر التاريخ، كتابات نسائية، تناقلتها الألسن لكن دون أن تُعرف أسماء صاحباتها بسبب هذا الخوف”.
وعن رأي النقاد: “الكتابة الجيدة تفرض نفسها على النقاد والمهتمين بالأدب، ويقتضي تقييم التجارب الفنية زمنا، لكن لا أخفي أنني أتمنى أن تحظى الكتابات الجيدة مهما كان جنس كاتبها، باهتمام نقدي وأدبي حقيقي يخرج من دائرة القراءة السطحية والمجاملة، وأن ينصب هذا الاهتمام أكثر فأكثر على الكتابات الجديدة، فغالبا ما يقتصر عمل النقاد والدارسين للأدب على التجارب والمواضيع المطروقة مكتفين بنقل عظام الموتى، وما في ذلك من تقصير في حق أنفسهم وحق الكتابات الجديدة والمعاصرة”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب