13 أبريل، 2024 6:02 ص
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (19):  كيف لناقد أن يقارن تغريد عصفور في قفص، أو عدم تغريده، مع عصفور يتنقل حرا بين شجر الغابة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

بعض الكاتبات تتحلى بالصراحة، ولا تخشى القول أنها تعاني، وأنها كعصفور محبوس في قفص،  تشير بجرأة إلى كل ما يضطهدها ويقهرها، وترى أن الكتابة محاولة للتحرر من ذلك الوضع البائس، بل ومحاولة لتخليص النساء من عبوديتهن. كما تهاجم الرجل الذي يعتبر مصدرا للقهر، وسلطة ضاعطة على المرأة.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

أثر التراجع في المجتمعات العربية على الكاتبة..

تقول الكاتبة العراقية “سهام مهدي العطار” عن صعوبات التفرغ: ” تبقى المرأة الكاتبة في صراع دائم مع الوقت والواجبات المنوطة بها لذا نجدها في سباق مستمر لتجد فسحة  تتفرغ بها لوحي الكتابة، وخصوصا المرأة الشرقية، أسلوب الحياة في مجتمعاتنا العربية يعتمد عليها بل أنها البيت بجماله وتنظيمه وديمومة الحياة فيه، من تربية الأبناء وواجبات زوجية والحفاظ على روح الأسرة وحميميتها، ولا يمكن التغافل عن واجبات أخرى تتعلق بعلاقاتها مع الأهل فهي مصدر العاطفة وصلة الرحم ومابين كل ذلك هي تسعى لعدم التخلي عن إبداعها ومواصلة المسيرة، لترتقي بأدبها نحو آفاق تسجل اسمها وتثبت موقفها التاريخي، لعدم  تفويت بعض الفرص في المشاركة والعطاء الأدبي”.

وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “هناك العديد من العوائق التي تمنع التفرغ للكتابة أولها مادية، فالمرأة اليوم لا تستغني عن عملها خصوصا الكاتبة فهي صاحبة رسالة واستقلالها المادي عاملا مساعدا في تعبيرها عن نفسها بصراحة والدفاع عن بنات جنسها، لذا فالعمل يأخذ معظم وقتها وتأثيره السلبي واضح جدا إزاء إنتاجها كماً.

وهناك عائق اجتماعي تعيشه في حياتها اليومية من خلال اتهامها بالجرأة  المفرطة والتحرر المبالغ به وتحريض النساء للثورة على واقعهن، وأيضا عائق نفسي يتأتى من ضغوط يومية في العمل والمنزل، وتقلبات يعاني منها المجتمع عموما من أزمات سياسية واقتصادية. ومعوقات من نوع آخر مثل توفر المكان المناسب للكتابة فأنا اعتبره عامل مهم جدا ومثال على ذلك المرأة أحيانا تجد حرجاً في الجلوس على شاطئ البحر بمفردها لتختلي وتتفرغ للكتابة”.

وعن الشعور بالظلم عند مقارنة النصوص: “نعم الظلم واضح جدا ويتكرر عبر تسليط الضوء نحو كتاب رجال، مع كون الفرص ضعيفة للمرأة ولا أعرف هل هي مقصودة أم تحدث نتيجة الطبيعة المجتمعية للبلاد العربية. معظم المناصب الإدارية ومنظمي المحافل الأدبية والثقافية ذكور، فتكون الفرص أوفر لهم ويغمرهم دائما بشعور أن عطاء الرجل أكبر ومقدرته أشمل، ومؤخرا غزتنا موجة العلاقات التي هي الفيصل في تحديد الكاتب المبدع، وتسليط الضوء على أدبه وجعله نجما يلمع في سماء الثقافة من خلال طرق ملتوية، هو يعرفها ويستدل عليها بوسائل مادية يقدمها مقابل ذلك”.

وعن انتقاد الجرأة في كتابات النساء تقول: “أما الانتقاد الذي تتعرض له المرأة فهذا جانب لم ينته وأعتقد الكثير من الكاتبات احتجن وقتاً لأخذ قرار النشر بل، وما نزال نتردد بنشر بعض المقالات والمواضيع ذات المساس بعادات وتقاليد المفروض أنها انتهت وتلاشت، ولا يمكن التغاضي عن التراجع الذي حصل في المجتمعات العربية في السنوات القليلة الماضية وعودة أفكار روجت لها بعض الجهات لأغراض يعرفها الجميع، حتى صارت الكاتبة أكثر حذرا على سمعتها فمن السهل جدا إطلاق الشائعات عنها ووصمها بالتحرر وتشبهها بنساء الغرب ورفضها للواقع لتسعى إلى جوانب أخرى خارجة عن حدود التحفظ”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل بعض النقاد تقول: “نعم الظلم موجود وهناك العديد من الأقلام النسوية المبدعة لم تنل الاهتمام الحقيقي والتصنيف المناسب لمستوى أدبها، خصوصا في الآونة الأخيرة مع دخول العديد ممن يدعون الكتابة وسعيهم وراء الشهرة بطرق غير محببة، والبحث عن استرضاء أقلام النقاد بشتى الوسائل المقبولة والمرفوضة.

المهتمين بالأدب أو النقاد إن وجدوا أدبا نسويا يستحق الإشارة إلى جماله ونقاط القوة ومواطن الإبداع  فيه لا اعتقد سيقفون بوجهه، لكن أكيد هناك بعض الأقلام التي اتخذت من النقد مصدر للمردود المادي تعتاش عليه، فهي دخيلة على الحركة الأدبية وتستقطب الكتاب الباحثين عن الشهرة الفارغة وفعلا هناك كاتبات وقعن في فخ مشابه”.

الكتابة خلاص وتحرر من العبودية..

وتقول الكاتبة السورية “فاطمة عيزوقي”:”نعم هناك صراع تعيشه المرأة كون مسؤولية البيت والأولاد منوطة بها ولقنت كي تشعر بتأنيب الضمير، وربما نعتت بالأنانية إن هي تفرغت أو حتى خصصت الكثير من وقتها للتفرغ للكتابة أو القراءة أو حتى ممارسة أية هواية أو نشاط يريح  روحها المثقلة بالأعباء. هذا رغم إنهاكها جراء العمل وإعالة الأسرة كما يفعل الرجل، وأحيانا تتفوق عليه في اعتنائها بالتفاصيل ومحاولة رأب تقصيره وعدم اكتراثه.

لاحظي معي أن أغلب الكتاب الرجال، وهذا أمر يثير غيرتي شخصيا، يقدمون مادتهم الأدبية كنتاج خبرات وتراكم مواقف وأحداث مروا بها حين يسافرون ويجوبون العالم، أو يرتادون المقاهي ويتسكعون وحتى يعيشون علاقات عاطفية عابرة أو عميقة، لأن المجتمع يتيح لهم ذلك كرجال أولا، وتزداد فرصهم أكثر ويصبحون أكثر إثارة وتقبلا كونهم كتاب أو شعراء.

هل يمكن لامرأة أن تفعل ذلك وهل سيتم تقبل أن تفعل المثل كي تجد ضالتها الأدبية؟، وأن تخرج رأسها من الأواني المتسخة ومطالبات الأولاد، والتهديدات والتحديات في العمل، ومحاولة التوفيق بين كل ذلك؟. في العمل ستشعر المرأة أنها مقصرة في أعمال البيت والاعتناء بالأطفال، لن تستطيع أن تؤجل احتضان طفل كي تكمل قصيدة، ولا أن تتركهم دون طعام لأن عليها إنهاء رواية. وإن فعلت صدقيني سينظر لها حتى أولادها شزرا. سينظر إليها على أنها الأنانية المختلفة عن ربات البيوت، وستدان أنها شاعرة. وزوجها سيقارنها بالمرأة النمطية الفارغة المتفرغة للطبخ والجنس.

وتضيف: “نحن مع الوقت نتحول من إناث إلى عبدات وأية محاولة للعودة إلى أنوثتنا ستعتبر تمردا يستحق الصفع والعقوبة. اسألي أية كاتبة كم مرة استطاعت أن تخرج صباحا كي تتنفس الفجر وتمتص رائحة الوجود النقي، بينما تدان أن البيض لم يوضع على الإفطار، وأن الأحذية بحاجة لتنظيم والجوارب دوما بفردة واحدة. حتى أننا نحارب من النساء حربا شعواء، من لا يملكون مشروعا أو حلما يعتبرونك مجرمة. المرأة كقريبة أو جارة ستلعننا بهمساتها وتقيم علينا الحد إن لم نشاركها الثرثرة واللهو اللفظي والتنمر اللذيذ، وستنظر لنا كمتخلفات عقليا وحكما غريبات الأطوار. إن صدقك هَو لعنتك، وعلمك ورقيك مادة دسمة كي تنبذي، إن رفض المرأة من قبل المرأة أكثر ألما من رفض الرجل.

ثم في الجانب الآخر الرجل، لا يتحدث عن الحرية وضرورة العيش بمتعة وانفتاح إلا مع صديقته كي يحثها على خلع ملابسها، أما مع زوجته فهو العكس تماما لا بل ويدين المرأة التي كان يحاول إغوائها منذ ساعات. يصير الرجل فارسا وحامي الحمى مع امرأة أخرى، بينما يدخل موبخا ويخرج ساخطا من بيته، إذا المرأة محاصرة فعليا. ومع الوقت تفقد قدرتها على المواجهة وتستسلم للامبالاة”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “الظروف المعيشة الضاغطة خاصة في فترة الحروب هذه والاقتتال على كل شيء انتقل لداخل الأسرة، ولداخل كل منا، إنه الصراع الأشد فتكا، كيف لامرأة تحارب من داخل روحها ومن داخل بيتها وعملها وتحمل ألف سلاح أبيض فقط كي تبقي العدو بعيدا عنها مسافة أمان كي تتنفس وتتعافى، أن تكتب حتى عن هذا الألم والخوف. هل يمكن لمخلوق يطارد من قبل أسد في غابة أن يتوقف ويكتب عن إحساسه؟.

إذا هي ببساطة تنتظر انتهاء هذه الحقبة كي توثق هذا الوجع والتجربة، هذا إن عاشت وبقي لديها إرادة الحياة، وهنا الانتظار بحد ذاته سيؤثر على الإنتاج ككم ونوع. ومن سيرغب بالإصغاء إلى معاناة امرأة، ووجع روحها، امرأة أخرى استغلت الظرف وعاشت في الحفلات والملاهي وباعت روحها كي تجد قوت يومها. هل الرجل كان شريكا في هذه الجريمة أم متفرجا صامتا؟. ستجد نفسها كاتبة بلا قراء، شاعرة ينظر ربما إن كانت جميلة إلى صدرها ويصفق لاستدارة وركيها أكثر مما يصفق لتناغم كلماتها وبوحها. إنها تهمة كبيرة، أنت شاعرة أو كاتبة وتلفظ كأنها “عاهرة” تماما”.

وتواصل عن انتقاد الجرأة في كتابات النساء: “إن الناقد ذكر، ولن يتمكن من التجرد من ذكوريته، أمامه خياران أن يدين نتاج المرأة الهش والمبهم أو يدين جرأتها ويسميه فجورا، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي الذي تدينك فيها على كتاباتك العائلة وزملاء العمل، والزوج والأولاد حتى، وتكونين عرضة لمحاولة التحرش حرفيا أو عرضة للنبذ أو للاستهجان وغالبا كلهم.

وعن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص تقول: “كيف لناقد أن يقارن تغريد عصفور في قفص، أو عدم تغريده.. لعصفور يتنقل حرا بين شجر الغابة، هذه مقارنة مجحفة. أساسا يفترض أن يتم النقد كروح غير متجسدة وليس كنوع امرأة ورجل.

إن أرواحنا من تكتب وليست أعضائنا التناسلية، المرأة ترى جانب من الحياة والرجل يرى الجانب الآخر أو يراه ذاته من وجهة نظر مختلفة. إذا يفترض أن تكتمل الصورة بهما معا وليس أن تقارن. ومن هنا لاحظي الاقصائية والعنصرية ونبذ الاختلاف، سيظن الناقد كذكر أنه إن هلل لامرأة أن آلاف الكاتبات، وربما تكون أمه أو أخته، فيما سيأتي من الزمان ستمشين ذات الدرب وهذا يرعبه.

هذا غير أن أغلب الذكور الكتاب والشعراء يستخدمون الأدب كفخاخ، لتقريب الضحية كجنس، أو بث أفكار تزمتهم فيها، لا ثالث لهما إلا ما ندر، ومن يكتب لزمانه لن يكتب إن كان واعيا. لكن لقرون ستأتي نعم. لاحظي منصات الأدب ورواد الأماكن الثقافية، لاحظي بصمت سيثير هذا السخرية والقرف. لذا على المرأة أن تكتب عشقها وروحها وألا تنظر إلى ناقد أو شامت أو مستهزئ. عليها أن تؤمن بكلمتها أنها خلاص حقيقي وتخليص لآلاف النساء من صك عبوديتهن، ولو كن هن أكبر وأخطر وأشرس الأعداء. عليها أن تفتح باب السجن هذه مهمتها لنفسها أولا ولبقية الجاهلات”.

وتؤكد: “الرجل يساهم بتربيته دور العبادة والأم، ومتفقات أن المرأة عدوة نفسها أولا، وبالتالي المرأة الأكثر تحررا ونجاحا، إذا ستعلمه أمه أن يختار زوجة ودود ولود.. إلخ،  وتساهم بقمعها بحال تمكنت من ذلك. أما النوع الأكثر خطرا فهو الرجل المدعي الذي يتقبل هكذا زوجة ويدعمها ظاهريا كمقايضة، الجنس مقابل الغذاء، الجنس مقابل التحرر، إنها علاقة مقايضة وستكون دوما عرضة لسؤال تقرأه في عينيه “لمن هذه القصيدة ومن كان محفزها وأين أنا من كل ذلك؟”.

والأهم لاحظي كما نوه الكاتب “ميلان كونديرا” برواية “الخلود” أنه في لاوعيه يخلد ذاته بكتاباتها ولو كشيطان إن لم أكن ملاكها وملهمها، ستخلدني كطاغية، وبالحالتين يجد لذة ربما من غير وعي منه. الرجل مستثمر ذكي، يستطيع إعادة تدوير كل ما في المرأة كي يصنع دماه ويلهو بها”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب