10 أبريل، 2024 2:11 ص
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (1).. تحاول الكاتبة التوحد مع ذاتها الضائعة في زحام المسؤوليات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل
تعاني الكاتبات معاناة كبيرة على أكثر من مستوى، فعلى مستوى التفرغ، تجد الكاتبات صعوبات كثيرة للوصول إلى التفرغ وتوفير الوقت للكتابة والمزاج الملائم، كما تعاني من الظلم عند مقارنة ما تكتبه بكتابات الرجال في نفس مجتمعها، وكثيرا ما تنتقد بعض الكاتبات بدعوى الجرأة في الكتابة وتحطيم قواعد ومقدسات المجتمع، وهناك أيضا على مستوى النقد نوعا من تعمد التجاهل أو التقليل من شأن كتابات النساء أو على الأقل تفسيرها من خلال وجهة نظر ذكورية.
وكان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:
1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟


رحلة صلاة وعزلة..
تقول الشاعرة العراقية “سلامة الصالحي”: “الكتابة فعل إبداعي جمالي يتخذ من شراكة الذات والموضوع ميدانا لولادة النص، والمرأة العربية المبدعة في مجال الكتابة امرأة متوزعة المهام بين العائلة والعمل وهاجس الكتابة. وأنا على المستوى الشخصي عانيت من هذه الضغوطات التي جعلت من فعل الكتابة أشبه برحلة صلاة وعزلة عن العالم وإيجاد الذات الضائعة بين هذه الزحام، والعثور عليها ومن ثم انطلاق وتدفق الرؤى والأفكار التي تكون أيضا تلك الانشغالات عامل مغذي لفكرة الكتابة من نواحي عديدة كتجربة حياة وعمل وأمومة، واعتقد أن فعل الكتابة يخضع لعامل التراكم الثقافي والتجربة والصقل الحياتي للروح، والكتابة قرينتها القراءة فهي التي تجعل من خزين الروح الداخلي هو المتحكم بكم ونوع النص”.
وعن الشعور بالظلم تقول: “نعم أشعر بالظلم والتهميش من مجتمع ذكوري لا يحترم عطاء المرأة، إلا حين يكون على تماس فعلي مع الأمر، كأن يكون إبداعها في مجال العلم والمعرفة، أما الكتابة فالنص الجميل سيفرض نفسه إن طال الزمن أو قصر”.
وتؤكد: “لا أحب النصوص التي لا تجعل من المرأة قيمة حياتية عظيمة وفاعلة، واستغلال الغرائز سيكون وقتي وذائب في لحظة عابر، وقد لا تجلب لصاحبتها إلا الوصم والاتهام بالايروسية. هناك ظلم وضغينة ضد كتابات النساء وقد يحاول ضعاف النفوس استغلال المرأة الكاتبة أو إهمالها إذا تمنعت عن ذلك. هذه الحقيقة وهذا ما يحدث”.
التعافي بالكتابة..
وتقول الروائية والقاصة المصرية “آية ياسر”: “لا شك أن الكتابة الإبداعية تحتاج إلى صفاء الذهن والمزاج المناسب وبعض العزلة بجانب عنصر الوقت، وهي عناصر قليلا ما تتوفر بالنسبة إلى الكاتبات العاملات في مهن أخرى ولاسيما إن كن متزوجات ولديهن أطفال، فكلما زادت المهام والمسئوليات الملقاة على عاتق الكاتبة، كلما قلت فرصها في إيجاد الوقت والعزلة والهدوء لتمارس فعل الكتابة، كما تمارس الأمور الحياتية اليومية تشويشا على مصادر الإلهام والأفكار بالنسبة إليها، وهو ما يؤدي إلى قلة عدد أعمال معظم الكاتبات مقارنة مع الكتاب الرجال، ولا تشذ عن تلك القاعدة سوى القابلات اللواتي غالباً ما اخترن حياة العذوبية أو وصل أولادهن إلى مرحلة عمرية تسمح لهم بالاعتماد على أنفسهم وترك مساحة للأم لتمارس هواياتها بحرية.


بالنسبة لي بعدما صرت أما لطفلين أكون ممتنة إن نجحت في انتزاع ساعتين في الأسبوع لأختلي فيهما بنفسي، وأقطع شوطاً في كتابة رواية أو أكتب قصة قصيرة أو نصا للأطفال، في الواقع لا أنكر أنني أجد أحياناً وقت فراغ حين لا أمارس العمل الصحفي، لكني لا أجد الطاقة للكتابة بعد يوم مليء بالضجيج وصراخ الأطفال وإرهاق الأعمال المنزلية، ومصارعة الصداع النصفي الذي يلازمني لأيام بسبب انخفاض ضغط الدم المزمن الذي لا يجدي معه الدواء ولا المسكنات.
في تلك الأيام يهجرني الإلهام وأفقد شهيتي للكتابة، وربما يداهمني الإلهام في وقت متأخر من الليل وأنا مستلقية على الفراش أغالب النوم أو أغسل الأطباق وأطهو الطعام في المطبخ، فأضطر لتأجيل الكتابة لوقت آخر وفي أحيان أخرى أجد الإرادة لترك كل ما في يدي والبوح إلى الورق أو جهاز الكمبيوتر الخاص بي، ومؤخرا توصلت إلى حل أنسب وهو أن أكتب النصوص على هاتفي المحمول بينما يخلد أطفالي إلى النوم، ثم أنقلها لاحقا على الكمبيوتر”.
وتواصل: “ولأن أرواح الكاتبات هي الأكثر رهافة وهشاشة فقد واجهت اكتئاب الحمل والولادة بعد حملي في طفلي الثاني بينما كان شقيقه الأكبر ما يزال رضيعاً، وبينما كنت أمارس عملا روتينيا يضغط على أعصابي، ولم ينتشلني منه سوى العودة للكتابة التي جعلتني أتعافى وأعود لطبيعتي.
رغم تلك الصعوبات لا يمكنني القول بأن الأمومة أضرت بإنتاجي الأدبي، ربما حرمتني من التواجد في الفعاليات الثقافية كالسابق إلاّ أنها ساعدتني على الخوض في تجربة أدبية لم أكن أتوقع خوضها، وهي الكتابة للطفل التي بدأتها منذ عامين، فبفضل طفلي الأكبر وحبه للقصص كتبت مجموعة قصصية للأطفال بعنوان “متى سأكبر” فازت بالمركز الأول في مسابقة مؤسسة “هبة بنداري” للتنمية في العام الماضي، وصدرت عن دار واو للنشر مطلع العام الجاري، كما كتبت قصصا أخرى للأطفال في انتظار نشرها”.
وتوضح: “أعتقد أن الزواج والأمومة والعمل تجارب تؤثر بالضرورة على الكم والكيف بالنسبة للإنتاج الأدبي للكاتبات، لكنها لا تعني التأثير على جودة تلك الأعمال، بل تزيد من خبرات صاحبتها وتمنح الكاتبات المزيد من القصص والأفكار التي سيرغبن في البوح بها.
غالباً ما يكون الكتاب الرجال أوفر حظا في مجتمعاتنا العربية من حيث فرص الحضور الثقافي وإيجاد الوقت والطاقة للكتابة، لكن لا يمكننا التعميم فأصحاب المواهب الحقيقة سيفرضون أنفسهم وإنتاجهم رغم عقبات النشر والتوزيع والسلبية الثقافية وقلة عدد القراء في زمن السوشيال ميديا والفضاءات الالكترونية”.
وتؤكد:”أحياناً تختلط الأمور على القارئ فلا يميز بين كاتب النص وبين الراوي أو السارد، فيما يعرف بإسقاط النص على كاتبه، وهي مشكلة يواجهها أي أديب، لكنها تصبح أزمة حين تواجهها كاتبة عربية تحيا في مجتمع شرقي ذكوري، فإسقاط نصوصها عليها يلصق بها الاتهامات ويضعها في قفص الاتهام، وقد يعرض حياتها الأسرية وسلامتها الشخصية للخطر، ناهيك عن النبذ المجتمعي والتحرشات.
وتواجه الكاتبة العربية رقيبا ذاتياً يفرض نفسه على كتاباتها بنسب متفاوتة تختلف من كاتبة لأخرى، وهناك من الكاتبات من حاولن التمرد على ذلك الرقيب بشجاعة وتحطيم بعض التابوهات، لا سيما التابوه الجنسي، لكن بعضهن اكتسبت كتاباتهن صبغة أيروتيكية مما جعلها مادة مشوقة بالنسبة للمراهقين وأفقدها قيمتها الأدبية.
لذا تلجأ كثير من الكاتبات وأنا منهن لاستخدام الاستعارات الأدبية خلال الكتابة، وتجنب الفجاجة والمباشرة، نطرح الأفكار بجرأة ونترك لشخصيات أعمالنا حرية التصرف دون قيود، لكن دون أن نخل بحياء الأنثى أو نخدش الذوق العام، فأنا أكتب ما أريد وفي أي موضوع لكن بأسلوب لا يجعلني أشعر بالحرج حين يقرأه أولادي فيما بعد أو أي كان، وهي خلطة صعبة تحتاج مقادير خاصة إنها أشبه بالتوابل الخاصة التي نضيفها لطعام نطهوه، فتكون بمقادير محددة إن زادت أفسدته وإن نقصت ساء طعمه وإن لم نضيفها فسد الطعام وكان بلا طعم.
ولا أؤمن بأن هناك أدب نظيف على شاكلة “السينما النظيفة” بل أدب عظيم يحترم قراءه ولا يستخف بعقولهم فيقدم لهم في أدب واقعي عالماً مثالياً لا يشبه الواقع وشخصياته ملائكية لا تشبه البشر، أو يقدم لهم شطحات لا منطقية وحبكات ساذجة في أدب خيالي، ولا يقدم لهم ابتذالا رخيصا ومثير الغثيان في غير موضعه عبر مشهد جنسي ساخن أو مشهد دموي سادي لا يخدم السياق، أو يستخدم شتائم سوقية نابية، لمجرد أن يسرق التيرند أو يصبح ضمن الأكثر مبيعا، لست من هذا النوع من الكتاب”.


الكتابة عن الأحلام..
وتقول الكاتبة العراقية “شيماء نجم عبد الله”عن صعوبات للتفرغ للكتابة: “سأتكلم في هذا المضمار عن نفسي، رغم إني غير متزوجة ولكن لدي أسرة أيضا أرعاها، ولدي عمل أعيش من خلاله، فالوقت هنا ضيق بالنسبة لي، قد تأتي أيام لا أجد لحظة فراغ، ولكني أحاول أن أصنعها بيدي، حيث ساعات الليل كفيلة بمساعدتي في الكتابة أو حتى في أثناء أوقات العمل عندما أجد متسع من الوقت، قد أكتب فيه شيء أو حتى أقرأ كتاب، بإمكاننا أن نخلق الوقت لنا، حتى لو كنا في الطريق أو حتى لو كنت في المطبخ والحقيقة تقال أغلب كتاباتي تمت في المطبخ”.
وتضيف عن تأثير العوائق: “نعم تؤثر بعض الشيء، ولكني أراها تؤثر إيجابيا، فالوقت الذي لا أستطيع الكتابة فيه فأني أقوم بالتفكير و التأمل لخلق موضوع للكتابة أو فكرة غير مطروقة، فالكم غير مهم بقدر النوعية والموضوعية، قد أصدر منجزا واحدا ولكنه قد يؤثر على القراء لسنين، وهنا يجب أن أكون مؤثرة في القارئ وأن أُتقن الكتابة وأبعادها”.
وعن الشعور بالظلم عن المقارنة تقول: “أُفضل عدم المقارنة، فعالم النساء مليء بالمعوقات من قبل الأهل والمؤسسات، أما الرجال فمتاح لهم كل شيء، وإذا أقمنا مقارنة فسنجد إن نصوص الرجال تعتمد أغلبها على إظهار مظالم النساء رغم إنهم السبب الرئيسي في ظلمها، بينما نصوص النساء فهي تتمحور نحو أحلامهن في الوصول وتكوين الذات، أما بالنسبة للتفرغ فالرجال أيضا لديهم مشاغلهم ولكن طبيعة تكوين المجتمع تساعدهم أكثر على إيجاد الوقت لإبراز قدراتهم في الكتابة”.
وعن انتقاد الجرأة تؤكد: “برأي النقد إن لم يكن بناء فلا فائدة منه، وكثرت الانتقادات التي تحمل طابع الاستهزاء والتجريح فهي لا تمثل إلا ضعف من قبل بعض النقاد والبعض الآخر من القراء”.
وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “نعم مظلومة ولكن ليس للكل، فالوساطة في كل الأزمان لها تأثير والأعلام أيضا، فمن لها وسيط ستجدين كتاباتها في كل مكان حتى وإن كانت لا تستحق كل هذه الشهرة”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب