15 نوفمبر، 2024 6:49 ص
Search
Close this search box.

“المنشاوي” .. مدرسة مزمار التلاوة

“المنشاوي” .. مدرسة مزمار التلاوة

خاص : كتب – عمر رياض :

تصلح شخصية هذا الموضوع في الهبوط إلى “قرار” مدارس التلاوة والصعود إلى “جوابات” الضبط والأحكام الصحيحة والخلق والإبداع، في تماس مع تاريخ مصر من مدن “الصعيد الفقير” إلى العالمية وقضاياها العامة.

الشيخ “محمد صديق المنشاوي”، أو “مزمار القرآن”، كما يطلق عليه.. هو بطل الموضوع، الذي يحضر ذكراه دائمًا كلما خيمت أجواء رمضانية وأحداث عربية.

منذ قرن من “الميديا”؛ إرتبطت آذان “السميعة”، خاصة خلال شهر “رمضان”، بأسماء عدد من المقرئين؛ مثل “محمد رفعت” و”مصطفى إسماعيل” و”كامل البهتيمي” و”محمد صديق المنشاوي” – هنا يمكن أن نسأل لما هذا الإرتباط ؟ – لذلك نود أن نشير إلى الأخير كواحد من أقوى وأشهر هؤلاء الرواد.. وهو نجم عائلة “المنشاوي” بسوهاج؛ ونجل، الشيخ “صديق المنشاوي”، وشقيق، الشيخ “محمود صديق المنشاوي”.. ويعد الشيخ “محمد” أكثرهم شهرة على الإطلاق وأفضل من أنجبته عائلة “المنشاوي” القرآنية وأكثرهم عطاء.

قصص البدايات..

تبدأ قصة عائلة “المنشاوي” القرآنية من “مكتبة سوهاج العامة” التي تحتفظ بمصحف مكتوب بخط يد، السيد “تائب المنشاوي”، أكبر أعضاء العائلة المنشاوية؛ ثم يأتي بعده في الترتيب العائلي القاريء الشيخ “صديق المنشاوي” والد “محمد”.

أما الشيخ “محمد صديق المنشاوي”؛ فقد ولد في الأول من كانون ثان/يناير عام 1920، بمدينة “المنشآة” في محافظة “سوهاج” بصعيد مصر، والتي إتخذت العائلة منها لقبها المنسوب.

يقول الكاتب الصحافي المصري، “محمود السعدني”؛ في كتابه (ألحان من السماء): “إمتدت حياة الشيخ، «محمد صديق المنشاوي»، 49 عاماً.. حيث حفظ القرآن في كُتاب القرية في سن مبكرة على يد الشيخ، «محمد النمكي»، بعد أن بدأ حفظه على يد والده الشيخ، «صديق المنشاوي»، وحفظ الشيخ الصغير القرآن كاملاً قبل أن يبلغ الحادية عشرة من عمره، وقبل أن يرسله والده الشيخ، «صديق المنشاوي»، لكي يدرس أحكام التلاوة على يد الشيخين، «محمد سعودي» و«محمد أبوالعلا»”.

https://www.youtube.com/watch?v=BI__6pur3Ds

شكل حفظ القرآن عائل نووية.. فكذلك حفظ أخوه، “أحمد”، القرآن الكريم بأحكام تلاوته. ورافق الشيخ، “محمد”، والده وعمه إلى القاهرة في رحلاتهم لإحياء الليالي، قبل أن يعود إلى “المنشأة” مرة أخرى.

https://www.youtube.com/watch?v=ZYlTARn71hI

الإنطلاقة والشهرة والحياة..

نقل محبو الشيخ “المنشاوي” والمعاصرون له من البسطاء والسميعة حكايات مختلفة، فيسرد البعض أن الشهرة بدأت في أحد الليالي التي أحياها بمحافظة “سوهاج” في عام 1952، بينما تعددت الحكايات حول ليلة القراءة في محافظة “قنا”.

https://www.youtube.com/watch?v=80Pl4QXOFMM

لكن الحكاية الأشهر؛ تظل عن تلك التي كان يقرأ فيها بمولد، “أبي الحجاج الأقصري”، في نفس التوقيت الذي كان يقرأ فيه الشيخ، “عبدالباسط عبدالصمد”، ومن هذه المناسبات ذاع صيت الشيخ “المنشاوي” شرقًا وغربًا، وأصبح في الصفوف الأولى بين كوكبة القُراء.

وفي تلك الليلة نال إعجاب الجماهير، التي جاءت لتستمتع بصوت والده، لكن “المنشاوي الصغير” خطف الأسماع ونال الإعجاب بسبب القوة والجمال والعذوبة التي يتمتع بها، إضافة إلى تعدد مقاماته وتجسيده العميق لمعاني القرآن.

أحيا “المنشاوي الصغير”، بعدها، عدد كبير من الليالي في كل صعيد مصر من أدناه إلى أقصاه بصحبة أبيه وعمه، إنطلقت شهرته ووصلت إلى أسماع المسؤولين بـ”الإذاعة المصرية”، التي إنتقلت للشيخ الجديد الذي سبقته شهرته بمعداتها وإنطلق صوته يحلق عبر الإذاعة؛ من مدينة “إسنا”، التي كان يُحيي بها إحدى الليالي في عام 1953، وهو نفس العام الذي تم إعتماده في “الإذاعة”، وتوالت التسجيلات الإذاعية.

وصلت شهرة “المنشاوي” إلى الرئيس الراحل، “جمال عبدالناصر”، وصنعت هذه الصدفة نقلة في حياته، عندما دُعي الشيخ للمشاركة في السرادق المقام لإحياء مأتم والد “عبدالناصر” بالإسكندرية؛ وبعد إنتهاء الليلة طُلب منه أن يبيت بالحجرة المجاورة له، وفي الصباح طلب منه، “عبدالناصر”، سماع فن الترتيل وبعد عشر دقائق بكى “عبدالناصر” متأثرًا وأصدر قرارًا للشيخ بتسجيل المصحف المرتل لـ”الإذاعة المصرية”.

كانت الناس السميعة قد أعتمدت تلاوة الشيخ “المنشاوي” قبل أن يعتمدها المشايخ؛ وقبل أن تعتمدها “الإذاعة”، وأصبحت شهرته تفوق هذه الأوراق الرسمية.

وقد حدث بالفعل أن قام “المنشاوي” بتسجيلات عدة أعتمدت كتسجيلات مضبوطة.

https://www.youtube.com/watch?v=KRrbQbv3laA

وأجمع كبار القُراء وشيوخ معلمي القراءات أن “المصحف المرتل” للشيخ، «محمد صديق المنشاوي»، يعد أعظم مصحف في تاريخ دولة التلاوة على الإطلاق، وأشادوا أيضًا بمصحفه المُجوَّد وقراءته في “القدس”، التي اعتبروها “درة التلاوة”.

49 عام هي مشوار “المنشاوي” في التلاوة، سجل خلالها 1500 تسجيل تقريبًا.

المحبين والإمتداد..

تقول قصة: كان يوم الخامس من شباط/فبراير عام 1969، هو اليوم الأخير في حياة الشيخ “كامل”، وكان مُدعو ليقرأ في أحد الليالي في منطقة “سوق الخضار” بـ”روض الفرج”؛ وقد تقاضى أجر عن هذه الليلة مئة خمسة وستون جنيهًا، وذهب الشيخ “كامل” ليقرأ في هذه الليلة قراءة تفوق الوصف، كما ذكر أحد أبناء الشيخ ممن حضر تلك الليلة، مؤكدًا على أنها كانت قراءة قوية مليئه بالجمال والإحساس وكأن الشيخ يودع الدنيا ويودع محبيه، فقد أوشك على مغادرة الحياة وهو لا يعلم أنها النظرات الأخيرة في عيون محبيه وأصدقائه..

وإنتهت الليلة وعاد الشيخ “كامل” إلى منزله، وكان سعيد بقرأته في هذه الليلة إلا أنه تذكر الشيخ “المنشاوي”، وكان الشيخ “المنشاوي” مريض يرقض في المستشفى في ذلك التوقيت، فتأثر وحزن الشيخ “كامل”؛ فسأله أخوه “عبدالعاطي”، ما يحزنك يا شيخ “كامل” ؟.. فقال له أنا زعلان على الشيخ “المنشاوي”. ثم طلب الطعام وبعد أن أكل ثقل جسده على الكرسي ولم يستطع الحركة، فقال لأخوه أريد أن أدخل غرفتي فحملوه أولاده لغرفته، وهو في حالة إعياء شديد.

يقول من إقترب من عائلة “المنشاوي”، أنه كان معطاء، “كبير عائلة”، فكان بجانب تفوقه على والده في التلاوة، فقد تركت مواقفه في مدينته “المنشأة” أثرًا لدى أسرته الصغيرة والكبيرة، فيقال: “إن مواليد القرية كانت تسجل لدى المنشاوي قبل أن تسجل في سجل الحكومة”.

كان “المنشاوي” يثبت في كل عام تفوقه، كما أنه كان صانع لمدرسة فريدة.

حيث منحته “سوريا”، “وسام الإستحقاق من الدرجة الثانية”، في منتصف الستينيات؛ بينما أطلق اسمه في “مصر” على أحد شوارع محافظة “الجيزة”، وكرمته مصر بـ”وسام الإستحقاق من الطبقة الأولى” أثناء الاحتفال بـ”ليلة القدر” عام 1992.

وتعتبر طريقة أداءه واحدًة من المدارس؛ كما يؤكد خبير الأصوات، الدكتور “أحمد مصطفى كامل”.

حيث يظهر في عدد من الدروس المعلم للناشئين؛ وهو يشيد بطريقة أداء الأطفال وتقليدهم لـ”المنشاوي”.

وتوفي في 20 حزيران/يونيو 1969، عن عمر يناهز 49 عامًا، كرمته “مصر” في احتفال ليلة القدر عام 1992، ومنح لروحه “وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة