وكالات – كتابات :
من حينٍ إلى آخر لم ينقطع بروز مَعلَم جديد في مدنية “الموصل”؛ إحدى أقدم المدن في العالم، وطالما مثّلت قبلة أثرية، لما احتضنته من أقدم حضارات العالم، وفي هذا الصّدد أعلن وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي؛ “أحمد فكاك”، الأسبوع الماضي، تفاصيل اكتشاف آثار “ضخمة” جديدة كانت مدفونة تحت “جامع النوري” و”مرقد النبي يونس” (ع)؛ خلال عمليات إعادة تأهيلهما.
ويقول “فكاك” في مقطع نشرته صفحة الحكومة العراقية الرسّمية، إن: “من إنجازات الوزارة أن تتابع إعادة إعمار جامع النوري الكبير؛ ولكن الحقيقة الذي أخّر البناء عملية استكشاف آثار تحت المسجد القديم، آثار كاملة جدًا محلات للوضوء وأماكن صلاة ولولا هذا العمل لما تم اكتشاف هذا المواقع”.
بالتعاون مع الـ”يونيسكو” والإمارات..
ويُضيف: “تحفة معمارية تحت الأرض، العمل يجري بالتعاون مع الـ (يونيسكو)، وأيضًا دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ليس فقط لجامع النوري الكبير، إنما أيضًا لعدد من الكنائس والبِيَع في منطقة تُسّمى (حوش البيعة) أو (حوش الكنيسة)”.
ويتابع: “إذا رجعنا إلى جامع النبي يونس؛ يقوم إلى تل كبير جدًا، عندما أسقط فلول (داعش) قبة ومنارة وهدّموا أركان هذا الجامع القديم والتاريخي والتراثي لأسباب معينة، تم حفر المكان فوُجِد فيه كما تُشير بعض المصادر قبران أحدهم للنبي يونس (ع)؛ والآخر إلى سنحاريب، وتحت هذا التل حقيقة أيضًا تم اكتشاف قصر سنحاريب وهناك ثيران مجنّحة فيه”.
“سنحاريب”؛ ملك آشوري حكم “العراق” القديم من خلال “الإمبراطورية الآشورية”، استلم الحكم بعد والدهِ الملك “سرجون الثاني”؛ (705 – 681 قبل الميلاد)، وهو والد “آسرحدون”؛ الذي تولى مملكه “آشور” بعد أبيه.
ويُبيّن وزير الثقافة: “تفاوضنا مع البعثة الألمانية التي قامت بهذا العمل على أن يكون هناك ثلاث منشآت في هذا المكان، المنشأة الأولى هو استظهار قبر (سنحاريب)؛ وهو ماثل وموجود الآن، ثم جامع (النبي يونس)؛ (ع)، يُعاد بصيغته الأولى، ثم بينهما سيكون هناك متحف يحتوي على كل ما تم العثور عليه من هذه الآثار”.
المكتشف يمثل 15% فقط من آثار العراق..
ويؤكد الوزير أن ما مكتشف من الآثار العراقية لا يتجاوز: 15 بالمئة، يوجد حاليًا عدد من البعثات التنقيبية الأجنبية العاملة في “العراق” بشكلٍ مستمر وفي مناطق مختلفة.
فيما بيّن: “تم استعادة أكثر من: 25 ألف قطعة أثرية من دول؛ والعمل مستمر على استعادة ما تم نهب وسُلب من آثار العراق وإعادتها إلى موطنها”.
وفي شهر آيار/مايو 2023، أصدر رئيس مجلس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، توجيهًا بشأن إعمار جامعي “النبي يونس” و”النوري الكبير”. وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان؛ إن: “رئيس مجلس الوزراء؛ محمد شيّاع السوداني، أجرى اليوم، زيارةً إلى جامع النبي يونس؛ (عليه السلام)، في الساحل الأيسر من مدينة الموصل، وكذلك إلى الجامع النوري الكبير، في الساحل الأيمن وسط مدينة الموصل القديمة”.
وأضاف البيان، إن: “السوداني اطّلع على سّير جهود إعمار المسّجدين اللذين تعرّضا إلى خراب وتدمير همجيين، على يد عصابات (داعش) الإرهابية، وتابعَ مراحل الترميم وصيانة الأجزاء التاريخية من الموقعين، والجهود المبذولة من أجل استرداد القيمة المعمارية والتراثية لهما”.
وأشاد “السوداني”، في كلمة له دوّنها في سجل الزائرين: بـ”الجهود المخلصة التي تعمل بكل تفانٍ وإخلاص، لإحياء هذه الصروح الإسلامية، بالمسّتوى نفسه الذي كانت عليه قبل الاعتداء الهمجي، وأن تعود المنارة (الحدباء) رمزًا للموصل وعمارتها”. ووجّه “السوداني”؛ وفقًا للبيان: بـ”تذليل كل العقبات التي تواجه جهود الإعمار والترميم، وتقديم أي احتياجات تتطلبها أعمال الإنشاء”.
تحت “جامع النوري”..
والعام الماضي 2022؛ اكتُشفت تحت “جامع النوري”، أحد معالم مدينة “الموصل” في “العراق”، أرضيات مصلى قديم يعود إلى القرن الثاني عشر، في اكتشاف أثري مهم أتى ثمرة عمليات تنقيب استمرت أشهر.
وتضم مدينة “الموصل”؛ عمومًا، الكثير من المعالم الأثرية المهمة. وقال “صعب محمد جاسم”؛ ممثل مفتشية آثار وتراث “نينوى”، إن: “هناك مسألة عامة يعرفها علماء الآثار؛ وهي أن مدينة الموصل القديمة قائمة على طبقة أثرية”.
وأضاف: “بالنسبة للجوامع التي أُنشئت خلال الفترة الأتابكية؛ بالتأكيد هناك طبقات أقدم تعود إلى فترة إنشائها”، كما هو الحال مع “جامع النوري”.
ولا يزال المسجد قيّد الترميم برعاية “منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم”؛ الـ (يونيسكو)، وخصوصًا مئذنته (الحدباء)، التي تعود للقرن الثاني عشر، بعدما دُمّر في حزيران/يونيو 2017، بفعل متفجرات وضعها تنظيم (داعش) الإرهابي.
ويُعد “الجامع النوري الكبير”؛ في “الموصل”، أحد أهم وأقدم المعالم الإسلامية في محافظة “نينوى”؛ شمالي “العراق”، إذ بُني المسجد في عهد “الدولة الأتابيكية”؛ منذ ما يقرب من: 900 عام.
يقع الجامع في الجانب الغربي (الأيمن)؛ من “الموصل”؛ (مركز محافظة نينوى العراقية)، ويتوسط مدينة “الموصل” القديمة التي تبلغ مساحتها: 04 كيلومترات مربعة، ويُعد الموقع الذي توسّعت منه المدينة وصارت إلى ما هي عليه الآن.
وبسبب رمزية الجامع وأهميته، اتخذه تنظيم (داعش) الإرهابي؛ في تموز/يوليو 2014، مكانًا لإعلان ما يدعيه: “دولة الخلافة”، خلال خطبة زعيم التنظيم الإرهابي؛ “أبو بكر البغدادي”، بعد أن اجتاح التنظيم في العاشر من حزيران/يونيو، من ذلك العام مساحات واسعة من “العراق”.
ومع محاربة التنظيم في “الموصل” القديمة؛ التي يقع فيها الجامع، في حزيران/يونيو 2017، ومع اقتراب القوات الأمنية العراقية من “الجامع النوري”، تعرض الجامع للتفجير، مما أحاله إلى ركام، ودُمِّرت منارته المعروفة بـ (الحدباء).
وصيف العام 2017؛ أُقيمت احتفالات رسمّية لمناسبة: “تحرير” الموصل على أيدي القوات العراقية، من التنظيم الذي احتل لأكثر من ثلاث سنوات مساحات واسعة من “العراق”؛ في العام 2014، وجعل من الموصل “عاصمة” له.
وبعد تخليص “الموصل” من تنظيم (داعش)، شرعت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة”؛ الـ (يونيسكو-UNESCO)، في إعادة إعمار الجامع في مشروع أطلقت عليه: “إحياء روح الموصل”، حيث بدأ الإعمار نهاية عام 2019.
وجمعت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم”؛ الـ (يونيسكو)، حوالي مئة مليون دولار منذ عام 2019. ويفترض أن تنتهي أعمال الترميم في المسجد بحلول نهاية عام 2023.
شهد إعادة إعمار الجامع تعقيدات كثيرة، لعل أهمها عمل فرق صيانة الآثار على جمع قطع الحجارة التي بُني منها الجامع لاستخدامها مرة أخرى في إعادة إعماره، بحسّب معاون مفتشية آثار نينوى؛ “خير الدين أحمد”.
وعن إعادة إعمار الجامع والمدة التي تسّتغرقها، يؤكد مسؤولون أنه من المتوقع أن تنتهي إعادة الإعمار نهاية 2023؛ مع استخدام الحجارة التي جُمعت من أنقاض الجامع.
تاريخ الجامع..
يقول أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الموصل؛ “أحمد قاسم الجمعة”، إن “جامع النوري” بمئذنته (الحدباء) يُعد أيقونة الحضارة الإسلامية في “الموصل”، حيث بناه السلطان “نور الدين محمود الأتابيكي”؛ في عهد الدولة الأتابيكية، التي كانت تحكم كلاً من “الموصل” و”حلب”؛ (شمالي سوريا)، وأجزاء من بلاد “الشام”.
ويتابع “الجمعة”؛ إن بناء الجامع تم بين عامي: (566 – 568 للهجرة)؛ الموافق: (1170 – 1172 للميلاد)، وأن سبب رمزيّته الكبيرة تتعلق بكونه من أقدم مساجد “الموصل” التي لا تزال بارزة المعالم حتى الآن، مبينًا أن أقدم مسجد في “الموصل” هو المسجد الجامع الذي بُني في العام (16 للهجرة) في مدينة “الموصل” القديمة كذلك، إلا أنه لم يتبقَّ شيء من معالمه الأصلية.