15 نوفمبر، 2024 5:45 م
Search
Close this search box.

المشكلة الكردية في الشرق الأوسط

المشكلة الكردية في الشرق الأوسط

عرض/ حامد محمود عيسى
عاش حياته عاشقًا للتاريخ، متغنيًا بالوطنية في دائرتها الصغرى ” مصر”، وفي دائرتها الكبرى “العروبة”.
وكان، بحكم تخصصه في تاريخ الشرق الأوسط، مطلعًا على أدق أسراره من دوافع خفية لما يظهر أحيانا على سطح الأحداث، فيكشف هذه الدوافع التي كثيرًا ما تنجح في اصطناع أزمات ومشكلات تبدو بريئة ولكنها تضيع جهد الأوطان في محاولات مواجهتها وكشفها وحلها سنوات أو أجيال تأخذ من نهضته وتطوره وتفرقه في قضايا مفتعلة.

درس القضية المصرية في تاريخها الحديث منذ مائتي عام، والعلاقات المصرية السودانية، والمصرية العربية، ودور مصر في صناعة مستقبل المنطقة. ولم يكن حامد عيسى كاتبًا مقاليًا تشغله الصحافة أو الظهور الإعلامي، وإنما كان كاتبًا يتناول الأبعاد المختلفة لموضوع بحثه، لا يكف عن دراسته حتى يستوفيها في كتاب مرجعي عميق. ومع أنه لم يخرج من قريته إلا إلى قاعات التدريس بالجامعة، ثم يعود إلى القرية التي اعتز بانتمائه إليها، فإنه استدعى العالم إلى بيته أو مكتبته أو فلنقل محرابه سواء في مجلدات الكتب، أو أوراق بحثية.

وكان يراسل العالم كله من بيته الصغير في قريته التي اعتز بانتمائه إليها حتى وفاته قبل أيام.

كان الصراع العربي الفلسطيني هو الهم الذي انصب فيه جهد كثير من الباحثين من مؤرخين وسياسيين مدافعين عن حق الشعب في أرضه، وشغله أنهم لم يلتفتوا إلى قضية أخرى تشغل جهد المنطقة وتتسم بغموض مقصور وادعاءات مضللة للعامة هي “القضية الكردية”، فقرر أن يتفرغ لدراستها بعد أن انتهى من دراساته الإقليمية عن الاحتلال البريطاني، وتاريخ الاستعمار الغربي في البلاد العربية.

كان حامد عيسى أول أكاديمي يبحث في تاريخ الأكراد والحركات الوطنية الكردية منذ بدء ظهورها حتى عام 1991 أي في القرنين التاسع عشر والعشرين.

درس القضية الكردية في العراق وإيران وسوريا وروسيا “الاتحاد السوفيتي” آنذاك. وتحدث عن العلاقة بين الحركات الوطنية الكردية والعربية، والارتباط العضوي بين كفاح الأكراد من أجل التحرر وبعث القومية العربية، وزمالة الكفاحين، وعدم تناقض أهدافهما بحيث أزال الخوف والإحساس التأمري نحو الأكراد، وحينما شارك في مؤتمر علمي عن القضية الكردية في جامعة ميونيخ بألمانيا في العام 1994 تألق حامد عيسى بحضور قوي، واستحضار لافت للقضية وتطورها عبر التاريخ والأحداث دون الاستعانة بالأوراق التي بين يديه حتى أن أحد المعلقين الغربيين نوه أن القضية تعيش في وجدانه نابضة بأحداثها.

والغريب أنه رفض عرضًا كريمًا من الجامعة الألمانية ليبقى فيها أستاذًا محاضرًا في هذه القضية التي حملها على كتفيه أينما حل، فطبيعة الريفي منعته من ترك القرية وفيها بناته إلى عالم جديد غريب عليه، فأين “أشمون الرمان” مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية من ميونيخ بألمانيا؟

لكنه قدم كتبه، ووعد الجامعة بمدها بكل ما يصدر من بحوث عن القضية الكردية.

في كتابه “المشكلة الكردية في الشرق الأوسط” تحدث عن الحياة الاجتماعية في كردستان، والحركات الوطنية التي قامت بها، وعلاقة الأكراد بالعثمانيين، وثورتهم عليهم، وعلاقتهم بالاحتلال البريطاني، ومحاولات بريطانيا لوضع مشروعات للحكم بالمناطق الكردية، وفشل المحاولات وظهور الحركات الثورية بقيادة سعيد بيران، وأجرى داج ” أرارات” وحركة ” سمكو” والحركة البرازانية بمراحلها الثلاث، إلى قيام ثورة الخوميني في إيران، وأمره بسحق التمرد الكردي سنة 1981 الذي أشعله أكراد إيران ضد حكمه مما أدى إلى سقوط “بوكان” الكردية ذات الأهمية الاستراتيجية، بل وقطع طريق الإمدادات لكرد إيران من كرد العراق.

كما يتحدث عن “القضية الكردية في العراق من الاحتلال إلى الغزو البريطاني الأميركي”، وفيه يناقش التكوين الداخلي للمجتمع الكردي، ووضع الجرد في المعاهدات والأتفاقات والمنظمات الدولية، ووضعهم في ظل السلطات الحاكمة في الداخل العراقي، ودور الولايات المتحدة في المشكلة، وموقفها من قضيتهم، وموقف الأكراد من الحرب على العراق.

ومن مظاهر اهتمام حامد عيسى بالبعد الإنساني للدراسة التاريخية إشارته إلى بعض تراث الكرد الأدبي ومنه “ملحمة مموزين” التي تعد من روايات الحب العذري الموجودة في التراث الإنساني العربي واليونان والغربي الحديث مما يلقي الضوء على طبيعة الشخصية الكردية التي تأثرت بمظاهر الطبيعة التي على الرغم من أنها طبيعة جبلية إلا أنها جميلة بتكوينتها وما فيها من غابات ومساقط مياه وبشر يبحثون عن الحياة المعبرة عن طبيعتهم المتميزة.

ولم يتوقف قلم حامد عيسى عند هذه النقطة، فقد رحل وعلى مكتبه ثلاث مخطوطات بحثية في قضايا الشرق الأوسط لم يرها تخرج إلى الناس في حياته، ومن هذه النافذة أدعو زملاءه في قسم التاريخ بكلية الاداب بجامعة بورسعيد أن يتضافروا لإخراج هذه المؤلفات إلى النور، ليس وفاءً للرجل فحسب، بل وخدمة للعلم وللجامعة التي شرفها بالانتساب إليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة