7 أبريل، 2024 5:42 ص
Search
Close this search box.

المسرح في إيران بعد الثورة

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ محمد بناية

باحث متخصص في الشأن الإيراني

مر المسرح الإيراني بعد ثورة 1979م بمراحل متباينة، ولعل السبب هو ارتباط المسرح في إيران بالاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد عشية انتصار الثورة، ومساعي النظام إلى إخضاع جميع الأنشطة الثقافية بالبلاد – ومنها المسرح- إلى أيدولوجيته الجديدة. “ولقد حظيت كتابة المسرح بالاهتمام بعد الثورة الإسلامية. ومع مسايرة الفن الإسلامي المسئول وعمليات التطوير، ظهرت المسرحيات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تتناول مضامين مأخوذة عن الأحداث الإسلامية والمرتبطة بالثورة والحرب العراقية الإيرانية”.([1])  ولأن المسرح الإيراني بعد الثورة مختلف تمامًا عن العقود السابقة، رأى الباحث تفصيل الكلام في مسرح ما بعد الثورة.

1- صدر الثورة

تسارعت وتيرة الأحداث في إيران عقب انتصار ثورة 1979م والإطاحة بالشاه “محمد رضا بهلوي”، وانقسم الناس في آتون الثورة إلى فرق متناحرة وأدلى كلٌّ بدلوه – بعلم أو بدون – فيما يجري على الساحة من أحداث. الأمر الذي فرض على العاملين في الحقل المسرحي مواكبة الأحداث بنفس السرعة؛ وذلك قبل أن يفرض النظام الجديد سلطته على القطاعات الثقافية والفنية. وانعكست حالة الفوضى التي تعيشها البلاد على الأداء المسرحي، يقول “محمد چرمشیر” في ندوة مؤسسة “هنوز- الآن” للنشر: “في ظل هذه الأجواء… تم إخلاء فضاء المسرح الإيراني من المسرحيين المخضرمين فجأة، وقطع التواصل بين الشباب والمخضرمين من المسرحيين. كذا كانت نظرة المسئولين إلى المسرح سلبية، حتى إن أحدهم شدّد ذات مرة على تنظيف مسرح المدينة، الأمر الذي يكشف عن حالة المسرح آنذاك”.([2]) وظهر حينها نوعان من المسرحيات: الأول إيرانية سطحية تقدم ملامح من ثورة الشعب الإيراني دون الخوض في التفاصيل الدقيقة، الثاني مسرحيات مترجمة عن الآداب العالمية تتسم بالعمق. ونظرة بسيطة على عدد المسرحيات المقدمة خلال السنة الأولى من عمر الثورة الإيرانية؛ إنما توضح “تقديم عدد سبعة وسبعين مسرحية، بينها ستة وستون مسرحية إيرانية وإحدى عشرة مسرحية أجنبية لكُتَّاب مثل: جون بول سارتر، وألبر كامو، وبرتلوت برشت، وغيرهم”.([3])

وقد برز الاهتمام باللغة على حساب المضمون؛ إذ دفعت الأحداث المتلاحقة الكُتاب إلى استخدام لهجة بسيطة دون الاهتمام بالشكل أو المضمون. “فكانت المسرحيات خلال السنوات الأولى من عمر الثورة، انعكاسًا لأصوات الجماهير التي كانت قد تجاوزت مرحلة من القيود والخطوط الحمراء واختبار أجواء جديدة… وأُجبر الكتَّاب على مراعاة أماني ومخاوف وتطلعات وتحديات الجماهير آنذاك في أعمالهم… واستخدم الكتَّاب أسلوبًا بسيطًا وصل إلى درجة الأسلوب الصحفي، دون التجديد في شكل ومضمون العمل… ولذا احتلت الصناعة الأدبية وهيكل الكتابة – في أعمال كتّاب الثمانينيات – المرتبة الثانية”.([4]) وبالتالي، “فقد انعدمت في المسرحيات الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، الرؤية الداخلية وتركيب الشخصية العميق التي غلبت على مسرحيات الأربعينيات”.([5])

وقد غلب عنصر التحريض على معظم الأعمال المسرحية في تلك الفترة؛ نظرًا لاتقاد الروح الثورية للجماهير آنذاك. وكما أسلفنا فقد “ازدهرت في الفترة 1358- 1359هـ.ش سوق بريخت، ولوركا، وتشخوف، وجورجي”.([6]) وكانت أعمال الكاتب “برتولت بريخت” الأكثر انتشارًا في تلك الفترة، والمعروف أن “بريخت” كان يهدف -من خلال كتاباته- إلى تعميق وعي المشاهد بتناقضات الواقع والتحريض على الفكر الأيديولوجي السائد بهدف تغييره؛ لذا غلب على مضامين المسرحيات الإيرانية آنذاك “انتقاد الشذوذ الفردي والاجتماعي التي كانت شائعة في الفترة السابقة، خاصة مع ما تمتاز به المسرحية عن الأشكال الأدبية الأخرى، من المواجهة المباشرة مع الجماهير، فضلًا عن كونها مرآة تعكس التغيرات الاجتماعية”.([7]) بعبارة أخرى: كانت مسرحيات ما بعد الثورة أكثر التصاقًا مع الجماهير. “وحاول الكتَّاب آنذاك المقارنة بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية إبان العهد الملكي مع تطورات ما بعد انتصار الثورة، وأن يسلطوا الضوء على مكاسب الثورة ومعطياتها… كذا حاول الكاتب المسرحي أن يحتفظ بهويته الفردية والاجتماعية ويوافق المتلقي، بوصفه مرشدًا له في المجتمع، ويرتقي به فكريًّا وثقافيًّا، وبالتالي العمل على تنمية وعي الجماهير ورفع مستواهم الثقافي”.([8])

وقد شهدت تلك الفترة أيضًا طفرة في مسرحيات الشارع؛ فقد عمدت قوى المعارضة السياسية – لا سيما تيار اليسار – إلى استخدام العروض المسرحية في استعراض عدد من الموضوعات السياسية المطروحة آنذاك. و”لعل استقبال الجماهير الحافل للعروض المسرحية كان سببًا في اهتمام التيارات السياسية بفن المسرح، ولكن بالتدريج أغلقت الجماهير ملف الجماعات السياسية، واتضحت الكثير من الحقائق لأمتنا، وأُصيبت البلاد حينها بالركود النسبي في جميع المجالات الثقافية، ومن بينها المسرح”.([9]) وكان يتم مقاطعة معظم هذه المسرحيات من جانب من وُصفوا آنذاك بـ “الشباب المسلم”. من ذلك “قيام بعض الشباب المسلم بالهجوم على دور المسرح ورغبتهم في فرض سيطرتهم على هذه الكيانات. وقد انتهى صراع الشباب المسلم مع الفنانين غير المسلمين في المسرح إلى نشر بيان باسم “مركز الدعوة الإسلامية” يطالب بمحاكمة هؤلاء الفنانين والقضاءِ على خمسمائة وألفي عام من الفساد”.([10])

بالتوازي مع هذه التحركات، “ظهرت مؤسسات ثقافية وفنية جديدة تفتح أبوابها أمام الممارسات الثقافية والفنية للشباب المسلم، ومن بين هذه المؤسسات: حوزة الفكر، والفن الإسلامي، والقطاعات الثقافية بالمؤسسات الإسلامية الجديدة كالحرس الثوري ومؤسسة المستضعفين ومؤسسة الشهيد وغيرها. وكان منهج الشباب المسلم – أو من يسمونهم ثوريين في هذه المؤسسات هو التصادم مع الفنانين، من خلال دورهم في إدارة هذه المؤسسات”.([11]) بينما تؤكد وجهة النظر المعارضة أن إنشاء هذه المراكز ساهم في إقالة المسرح من عثرته بعدما “أصيبت البلاد تدريجيًّا بالركود في المجالات الفنية، لا سيما المسرح. في الوقت نفسه تم تخطيط وتنظيم مركز الفنون المسرحية باعتباره المركز المسرحي بالبلاد، عبر جمع عدد من الإدارات والأجهزة والقاعات. وتطلَّب التنظيم الجديد تخصيص جزء من الوقت والإمكانيات لدراسة الأنشطة المستقبلية، وحينها تم التخطيط للخطوات الأولى لمهرجان فجر المسرحي في عموم البلاد. هذا المهرجان الذي سجل اهتمام الجمهورية الإيرانية بالشباب الملتزم والمحافظات، ومن ثم بدأت المسرحيات تعود تدريجيًّا في طهران”.([12]) وعن رواد هذه المرحلة يمكن الإشارة إلى “أكبر رادي، وبهرام بيضائي، وغيرهما، وقد تميزت الكتابة لدى هؤلاء بالواقعية والحماس، فلم يعد الأبطال شخصيات أسطورية على غرار رستم وسهراب وسياوش كما عهدنا سابقًا، وإنما أصبح الناس العاديون أبطال (التراجيديات) الجديدة”.([13])

2- مرحلة الحرب العراقية – الإيرانية

ككل الأنظمة الشمولية، اتجه الإمام “الخميني” إلى اختلاق الأعداء، وقرر خوض حرب مع الجار العراقي، تسوّغ عملية تثبيت دعائم النظام الجديد وقمع التحركات الانفصالية والتخلص من المعارضة السياسية. ونجح “الخميني” في إضفاء المذهبية على حربه مع العراق، فظهرت مصطلحات على غرار: (حرب الكفر على الإيمان، الباطل على الحق). وتطرقت معظم المسرحيات آنذاك للحديث عن الفداء والتضحية والبطولة والشهادة والدفاع عن خندق الإسلام. ولقد “ظهرت إرهاصات مسرح الحرب العراقية – الإيرانية مع هجوم الجيش العراقي على الجمهورية الإيرانية صيف عام 1980م… ومسرح الحرب العراقية – الإيرانية، هو بلورة لمفاهيم التضحية والفداء الإنساني الذي يصدر عن عقيدة إلهية… والأصل فيه أن يتخطى مجرد الشكل العسكري والسياسي؛ كونه مؤشرًا على حرب وصِدام عقائدي؛ فهو حرب بين الحق والباطل”.([14]) فاختلفت أشكال الأدب الإيراني بعد الحرب بشكل كبير، وأنتجت مرحلة ما بعد الثورة وما رافقها من حروب إيرانية ما عُرف باسم أدب الحرب. وظهرت المؤلفات الاجتماعية الواقعية المهتمة بفكرة الحرب والعزل والحياة في معسكرات اللاجئين؛ “إذ لا يمكن إنكار دور الحرب العراقية – الإيرانية في الكاتب والمتلقي، فكُتبت العديد من المسرحيات التي تعالج موضوع الحرب وأحد أفضلها مسرحية “المحتلون” للكاتب رضا كرم رضائي”.([15]) ولقد “حظيت كتابة المسرح بالاهتمام بعد الثورة الإسلامية، ومع مسايرة الفن الإسلامي المسئول وعمليات التطوير، ظهرت المسرحيات الدينية السياسية الاجتماعية التي تتناول مضامين مأخوذة عن الأحداث الإسلامية والمرتبطة بالثورة والحرب العراقية المفروضة، مثل مسرحية “بت – المعبود” للكاتب “بهاء الدين صفري”، والذي اقتبس موضوعها من القصص القرآني… إلخ).([16])

وبالحديث عن سمات هذه الفترة، يمكننا الإشارة إلى استئناف العروض المسرحية التاريخية والأسطورية، عبر استلهام قصص أبطال إيران القديمة. وحفلت الكثير من المسرحيات بالرموز الوطنية والشخصيات الأسطورية التي لا ترتكب الأخطاء وتحمل سمات الإنسان الكامل، مثل: كاوه، وسياوش، وأهريمن، وغيرهم.  كذا فقد انتشر مسرح التعزية تحت (الحكم الخميني)؛ كون التعزية “أحد أهم العوامل التي ساهمت في تعزيز “الروحية الثورية، والاستشهادية والبحث عن الحقيقة ومواجهة الظلم”.([17]) ويعتبر “مهرجان فجر المسرحي أحد أهم الأحداث المسرحية في تلك الفترة، حيث شهد عام 1982م انعقاد أولى دورات مهرجان فجر للمسرح”.([18]) وذهب البعض إلى تسمية الفترة من 1982-1987م بالموجة الثانية من المسرح الإيراني؛ لأنه “وبخلاف مهرجان فجر، خرجت من الجامعات شعلة مسرحية جديدة؛ ففي هذه الفترة أقام قطاع الثقافة بالجهاد الجامعي للمرة الأولى مهرجان مسرح الطلاب”.([19])

وكانت غالبية الأعمال المسرحية المقدمة في تلك الفترة مؤلفة، لكن هذا لم يمنع استمرار عمليات ترجمة وتقديم نصوص أجنبية. وكان من الملفت آنذاك “خوف أصحاب المسارح من عدم الحصول على ترخيص لتقديم مسرحيات أجنبية على خشبة المسرح؛ بسبب أجواء الحرب، لكن هذا التصور كان خاطئًا، وقدم مسرح الثورة عروضًا غير إيرانية. حيث قامت “منيژه محامدى” بترجمة مسرحيتَيْ: (حكومت نظامي- الحكومة العسكرية) للكاتب الإيطالي فرانكو سوليناس،  و(پرواز بر فراز آشيانفاخته- الطيران فوق عش الحمام البري) للكاتب الأمريكي كين كيسي. وقد لاقى عرض هذه المسرحيات استقبالًا حارًّا من الجماهير”.([20]) لكن كان للسيدة “لاله تقيان” – وكانت ناقدًا دائم الكتابة في مجلة (نمايش- العرض) وعضو الهيئة التحريرية بدورية (تئاتر- المسرح) – رأي آخر في مسرح ما بعد الثورة وحتى نهاية الحرب؛ تقول: “استنادًا للأحاديث مع من وطأت أقدامهم مجال المسرح في السنوات الأخيرة، أو من لعبوا دورًا أساسيًّا خلف خشبات المسرح ويقع على عاتقهم مسئولية أوضاع فن المسرح حاليًّا، فللأسف – وبعد مرور أكثر من ثمانية أعوام – لم يحقق فن المسرح أيًّا من الأهداف المتوقعة. ويخسر يوميًّا من روحه وحياته وديناميكيته وتحركاته… فالمجموعة التي تتخذ القرارات داخل وزارة “الإرشاد الإسلامي” تفتقر إلى المنهجية والرؤية الواضحة لأداء المسرح، وعليهم أولًا وضع برامج واضحة، وأن يعلموا ماذا يريدون وهم لا يعلمون، وأن يكونوا هم أنفسهم عالم ودنيا المسرح – وهم ليسوا كذلك-“.([21])

أضف إلى ذلك، عدم وجود أي ضوابط ملموسة للرقابة سوى إنجازات الثورة، يقول “علي منتظري”، الرئيس السابق لمركز الفنون المسرحية: “نقوم بالرقابة على المسرحيات طبقًا للدستور وجميع قوانين الجمهورية الإيرانية وإنجازات الثورة، ومن ثم نصدر التصاريح”.([22]) وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل معاناة المسرحيين المادية في إيران بعد الثورة حيث “انقضت السنوات الأولى من عمر الثورة… وما زال الفن يعاني صعوبات كثيرة، ولطالما كان عدم دعم الدولة للفنانين وأرباب المسرح ووضع العراقيل أمام أنشطتهم من التحديات والشكوى الأساسية والدائمة للفنانين”.([23])

3- مرحلة البناء والتعمير

بانتهاء الحرب العراقية على إيران، بدأت مرحلة جديدة في السياسة الإيرانية،عُرفت باسم عهد التعمير. ويعتقد البعض أن الجمهورية الإسلامية الثانية بدأت بانتهاء الحرب، ورغم انتهاء الحرب كانت ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على حياة الإيرانيين؛ فالدمار في كل مكان -أينما نظرت- والأوضاع الاقتصادية المتردية زادت من ضغوط وأعباء الحياة اليومية للكثير من الأسر الإيرانية، ولم يكن لدى الإيرانيين حينها أي ميول للإقبال على المسرح؛ نظرًا للأوضاع النفسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة. مع ذلك، وجد الكُتَّاب في مسألة إعادة بناء البلاد ورفع الروح المعنوية للمواطن؛ مادة غنية ينهلون منها في أعمالهم المسرحية.  “فوجد الشعب – وبالطبع الفنانون – الفرصة للتأمل بعمق في الأزمات المتوالية، وبرز الحرمان إبان الحرب تدريجيًّا وأضحى موضوعًا للأعمال الفنية. وجلس مسرحنا للتحليل، وأمسك الكُتاب بالقلم؛ فكان الفكر المتعمق اللبنة الأولى للأعمال الفنية – ومن بينها المسرحيات- مهما غلب عليها الطابع الشخصي أحيانًا أو السياسي أحيانًا أخرى”.([24])

مع هذا، لجأ معظم كُتاب تلك الفترة إلى التنقيب في التراث الإيراني وإحياء القصص الخرافية والأسطورية في بحثهم عن الهوية الإيرانية. وبالتالي، “يمكن وصف المرحلة الأولى من السبعينيات بفترة العودة والتنقيب في الآثار القديمة وحركة التجدّد. حيث “حلت الكوميديا السوداء محل المشاعر والعواطف التي كانت سائدة في معظم مسرحيات العهود السابقة… وأحيانًا دفع الألم والشعور بالذنب والخوف من المستقبل كُتَّابَ المسرح باتجاه المثالية والآثار الأسطورية والخرافات… فاتجهت أشكال وأبنية المسرحيات في تلك الفترة إلى الفانتازيا والخرافة والأسطورة… وبدأ قطب الدين صادقي، وشارمين ميمندي نژاد، ومحمد رحمانيان، وعليرضا نادري، وسعد شاپوري، وحسن باستاني، وغيرهم، في التنقيب في الخرافات والألغاز والخيال؛ بحثًا عن معاني حديثة، ولاستيضاح الواقعية الجديدة باستخدام القصص والألعاب، وطغت النظرة الفلسفية المجردة على أعمال المسرحيين، وتعلموا من النثر القديم وأشعار الأساطير الإيرانية، وأعادوا إنتاج الكثير منها بلغة وشكل معاصر… وبثوا الحياة في قصص “الشاهنامه” مرة أخرى، مستفيدين من مزج النثر المسرحي الجديد بأبيات شعرية، في التعريف بالخرافات مع الاهتمام بالحاجات الاجتماعية والعطش الروحي والفلسفي للمخاطب”.([25])

بعبارة أخرى، يمكن القول إن الحاجة الملحة إلى إحياء الهوية الإيرانية الجديدة؛ دفعت كُتَّاب المسرح إلى التنقيب في آثار السابقين، أمثال: العطار، والفردوسي، ومولانا جلال الدين الرومي، وغيرهم. ورغم ذلك، يرى البعض أن تلك الفترة شهدت طفرة نسبية بالنسبة للعاملين في القطاع المسرحي؛ “إذ بدأت الضغوط تخفّ تدريجيًّا في عهد البناء”.([26]) ونظرة بسيطة على إحصائيات المسرح – آنذاك – تؤكد هذه الحقيقة؛ فقد “بلغ عدد المسرحيات المقدمة آنذاك حوالي أربع آلاف مسرحية” ([27])، الأمر الذي ترتب عليه “انحصار العروض الأجنبية المقدمة على خشبة المسرح. فعلى سبيل المثال، شهد عام 1990م تقديم عدد مائة وتسع وخمسين مسرحية في طهران وحدها، بينهم مائة وثماني وثلاثون مسرحية إيرانية، فيما قُدمت سبع أخرى باللغة الفارسية في مهرجان العرائس، بالإضافة إلى أربع عشرة مسرحية أجنبية، أي ما يعادل العُشر تقريبًا، بينما كانت النسبة في السابق تتجاوز الثلث”.([28])

ويصف البعض المرحلة الأولى من حكومة التعمير بالعصر الذهبي للمسرح؛ لما اكتنفها من إجراءات مهمة بالنسبة للعاملين في الحقل المسرحي. ففي مجال التعليم المسرحي، “اتخذت الحكومة خطوات كبيرة في مجال إنشاء الورش المسرحية، والتي من شأنها تلبية جزء من الاحتياجات الاحترافية على مستوى التمثيل والإخراج والعمل في القطاع المسرحي. من ذلك، يمكن الإشارة إلى فصول تمثيل سمندريان وتارخ وداريوش وغيرها”.([29]) وعلى صعيد المهرجانات، “شهدت الدورة الثامنة لمهرجان فجر للمسرح تقديمَ عدد أربع وعشرين مسرحية. وعن جملة الأنشطة الفنية الأخرى، يمكن الإشارة إلى إقامة المهرجانات المسرحية في المحافظات، وعقد حلقات نقاشية ليلية بمشاركة عدد من خبراء المسرح، والبحث في المسرح الإيراني والعالمي بمشاركة دول مثل: رومانيا وألمانيا وسوريا وباكستان ولبنان. فضلًا عن عرض ثمانية عشر فيلمًا مقتبسًا من أعمال مسرحية… كما شهد عام 1989م انطلاقَ أولى فعاليات المسرح التقليدي بمشاركة إحدى عشرة مسرحية، علاوة على ذلك دشّن مركز الفنون المسرحية مهرجانًا للعرائس بمشاركة خمس عشرة مسرحية إيرانية وأربع أجنبية. أضف إلى ذلك، انطلاق فعاليات مهرجان فجر الدولي للمسرح بمشاركة بعض الشخصيات العالمية، مثل: الكاتب الفرنسي جون كلود كاريير، و”روبرتو چولي” رئيس جماعة كتاب المسرح بألمانيا، وغيرهم”.([30]) ومن الملاحظ أيضًا في تلك الفترة، زيادة عدد الكتب والمؤلَّفات حول المسرح، “ويمكن الإشارة إلى كِتاب (المسرح)، وهو عبارة عن قاموس في المصطلحات والكلمات في جزأين من تأليف خسرو شهرياري، وكتاب “أدب المسرح في إيران” في ثلاثة أجزاء من تأليف چمشيد ملك پور”.([31]) ولم يكد عام 1994م ينتهي حتى مُني القطاع المسرحي بانتكاسة وأُصيب بالركود الشديد وانخفض إنتاج المسرحيات آنذاك إلى أدنى مستوى. “وشاع – بحسب حسين سليمي، رئيس مركز الفنون المسرحية بحكومة “خاتمي” – آنذاك في وسائل الإعلام مصطلح “المسرح الميت”؛ للدلالة على تدهور أوضاع المسرح”.([32])

4- مرحلة الإصلاح

بدأ عهد جديد في السياسة الإيرانية بعد انتخاب السيد محمد خاتمي رئيسًا للجمهورية الإيرانية في 23 مايو 1997م، تلك الفترة التي عُرفت باسم عهد الإصلاح على خلفية الخطط والبرامج الإصلاحية لرئيس الجمهورية. واستبشر الفنانون خيرًا بفوز الرئيس “خاتمي” في انتخابات الرئاسة، وكان قد شغل في وقت سابق منصب وزير الإرشاد الإسلامي، وكان مطّلعًا على كل مشاكل القطاع الفني. وتقرَّر “عقد جلسة لجميع العاملين في القطاع المسرحي بحضور “عطاء الله مهاجراني” وزير الإرشاد؛ لبحث مشاكلهم، وتحدث حسين سليمي، رئيس مركز الفنون المسرحية، عن مشاكل الميزانية المخصصة للنشاط المسرحي، والنقص الحاد في عدد القاعات. كما تحدث الممثل “صدر الدين حجازي” عن الأوضاع المعيشية الصعبة للعاملين في الحقل المسرحي، ثم تطرق الممثلان “جمشيد مشايخي” و”رسول نجفيان” عن الرقابة، وطلبا من وزير الإرشاد إلغاء الرقابة”.([33]) مع هذا “شهد القطاع الثقافي– لا سيما المسرح – نضارة خاصة، وسجَّل الفنانون من الجيل الجديد- إلى جانب المخضرمين مع دعم الدولة – منعطفًا جديدًا في تاريخ المسرح الإيراني المعاصر”.([34]) خاصة بعد أن “تغيرت بيئة المسرحيات، وتم التركيز على القضايا الاجتماعية الراهنة والتعبير عنها بشكل صريح، دون اللجوء إلى قصص ملفَّقة كانت شائعة في الماضي. وقد تميزت المسرحية بالواقعية، لكنها لم تحمل في طياتها حماس وسرعة الكُتاب المسرحيين في فجر الثورة، بل اهتموا بالنظرة التفصيلية للتعقيدات الموجودة في مجتمعهم”.([35]) كما عملت الدولة على حل مشكلة القاعات وبناء المزيد منها، “وطبقًا للدراسات تم بناء ثلاث وخمسين قاعة في عموم إيران منذ عام 1997م”.([36])

وغلب على أعمال تلك الفترة النظرة العاطفية؛ “حيث ازدهرت النصوص الرومانسية وسط اعتلاء الإصلاحيين للسلطة، وانعكس المناخ السياسي الجديد على كتابة المسرحية… كما شهدت المناهج الجامعية تطورات مهمة، وسَعَتْ الكليات المسرحية إلى تغيير مضمون النصوص الدراسية… لقد كان العقد الثالث للثورة مرحلة الرومانسيات المحطمة، حيث يمكن الإشارة إلى مسرحية (دوستت دارم باصداى آهسته- أحبك بصوت خفيض) من تأليف چيستا يثربي، ومسرحية (به همين سادگى- بهذه البساطة) للكاتبة نغمه ثميني وغيرها” ([37]). ونتيجة لتلكم السياسات “تضاعفت الثقة في فناني المسرح، وأضحى المسرح رأس حربة التنوير، بينما هجوم الوجوه السينمائية والتليفزيونية على المسرح مجددًا… كما ازدهر مسرح الأقاليم… وأدت زيادة الإقبال إلى تأسيس المزيد من القاعات المسرحية”.([38]) وعليه يمكن تلخيص مراحل تطور الكتابة المسرحية بعد الثورة حتى الآن في ثلاث مراحل: “الأولى: اعتبار بدايات الثورة – أي الثمانينيات من القرن العشرين – عصر البحث عن الذات. والثانية: اعتبار فترة التسعينيات عصر اكتشاف الهوية الوطنية الحقيقية، ولقد اهتمت الكتابة المسرحية في هذه الفترة بموضوع الحرب الإيرانية العراقية… والثالثة: اعتبار أوائل القرن الواحد والعشرين عصر أوج الارتباط مع المخاطب. وزادت الفرق المسرحية في ظل الثورة الإسلامية، ففاق عددها المائتين داخل إيران، وأصبحت تَنْشط بشكل خاص- في إطار مراكز فنية وثقافية مختلفة، حكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية”.([39])

5- العهد الأصولي

تغيرت الأوضاع الثقافية والفنية في إيران مع انتخاب الدكتور “محمودي أحمدي نجاد” رئيسًا للجمهورية عام 2005م، وعاد القطاع المسرحي إلى النفق المظلم من جديد، فكان “ضعف الإدارة، والاستقالات المتوالية للمسئولين، وتشديد الرقابة، وتصنيف الأعمال دون ضوابط، وتصفية المحافل المسرحية، ومشاكل أعضاء نقابة “بيت المسرح” وشعورهم بالخوف من ضياع فرص العمل، والغموض السائد فيما يتعلق بالميزانية وكيفية توزيعها، والتأخير في دفع أجور الفرق المسرحية، وإهمال مجموعة “مسرح المدينة” وتخريب أجزاء منه، وزيادة المهرجانات المتعددة الخالية من الحيوية… كلها من جملة الأضرار التي زادت من ضيق فناني المسرحي وأصابتهم باليأس ودفعت بعضهم إلى الاعتزال”.([40]) ولعل عدم تخصيص ميزانية كافية للمسرح والرقابة على كل شيء – بدءًا من النص وحتى العرض- كانا سببًا في المطالبة بخصخصة قطاع المسرح آنذاك. يقول المدرس والمخرج المسرحي المخضرم “بهزاد فراهاني”: “اقترحنا في بيت المسرح تلبية الشعور بالأمن بالنسبة للعاملين في هذا القطاع، وهو ما يستحيل حدوثه في ظل سيطرة الحكومة على كل ما يتعلق بالمسرح. وفي القطاعات المشابهة للمسرح كالسينما، تجد القطاع الخاص أكثر نشاطًا”.([41])

والحقيقة أن إهمال “أحمدي نجاد” للقطاع المسرحي لم يبدأ منذ توليه سدة الحكم عام 2005م، وإنما بدأت مسيرة تخريب هذا القطاع منذ تولي “أحمدي نجاد” رئاسة بلدية طهران عام 2003م. “حينها اعترض المسرحيون على رفع إعلانات مسرحياتهم بدعوى تشويه صورة البلاد… بنهاية العام نفسه أصدرت البلدية تصريحًا ببناء مجمع ثقافي مذهبي باسم “مجمع وليعصر” بالجانب الجنوبي من “مسرح المدينة”، وأدى الحفر المتعجل إلى إحداث تصدعات في جدران قاعة “قشقاوي” وتعطيل قاعة “مسرح المدينة” مؤقتًا. الأمر الذي أثار موجة من الاستياء بين المسرحيين، وانتهت مشاورات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مع بلدية طهران إلى التوقيع على اتفاقية تقوم البلدية بموجبها بترميم القاعتين المتصدعتين…وفي عام 2005م، وبعد عامين من تصدع جدران قاعة “قشقاوي”، توقف العمل؛ ما تسبَّب في انهيار أجزاء من جدران القاعة وورشة الديكور ثم انفجار مواسير الغاز بالبناء، ومن ثم توقفت العروض في قاعة “قشقاوي”… وبعد عشرة أشهر من العمل، تم افتتاح المرحلة الأولى من ترميم “مسرح المدينة” بتكلفة بلغت 3 مليارات تومان، بتاريخ 5 فبراير 2008م. وقد اتضح أن عمليات الترميم لم تفشل فقط في إصلاح الضرر الذي وقع على “مسرح المدينة”، وإنما تحولت إلى مشكلة أُضيفت إلى المشاكل السابقة… وفي عام 2012م – وبينما كان المسرحيون في صمت افتتاح القاعة الرئيسية من “مسرح المدينة”– أخذت عملية تخريب هذا المجمع الفني شكلًا جديدًا؛ إذ تعرض بلاط الجانب الجنوبي من “مسرح المدينة” إلى السرقة جراء انعدام الحراسة… وفي عام 2013م، أثار خبر بناء محطة مترو بجوار “مسرح المدينة” تحديًا كبيرًا بين المسرحيين من جهة وبلدية طهران من جهة أخرى… لأن إنشاء محطة مترو قد يؤدي-على المدى البعيد – إلى إلحاق أضرار بالغة الخطورة على الهيكل البنائي للمسرح”.([42])

وعن رأيه في الأعمال المسرحية المقدمة آنذاك، يقول الكاتب والمخرج المسرحي “حميدرضا آذرنگ”:” أظن أن التوجهات السياسية كانت تدفع باتجاه إنتاج العوائد المادية وزيادة أعداد المشاهدين بكل الطرق الممكنة؛ فظهرت أعمال منخفضة المستوى ولا تعطي للفنان قيمته الحقيقة، ومن ثم تدفع مثل هذه السياسات الفنانَ إلى التقليل من قيمة أثره، وتلك هي المصيبة… أنا لا أعلم حتى الآن كيف تم اختيار المسرحيات المطبوعة”. ويضيف المخرج والمعد المسرحي والتليفزيوني “نيما دهقان”:”تراجعت قدرة الكتابة المسرحية في الفترة 2000-2010م، واتجه معظم الكُتاب إلى المقتبسة أو السطحية… بينما اُشْتهر المخرجون في العقد السابق بالنصوص الإيرانية” ([43]). وعانى المسرح الإيراني خلال عام 2009م الكثير من المشكلات؛ نظرًا لاضطراب الأوضاع في إيران اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية. من هذه المشكلات: انخفاض الميزانية، وتدني مستوى الأجور، والعجز عن دفع أجور الفِرَق المسرحية، وقلة الإمكانيات التنفيذية والتقنية، وبطالة خريجي أقسام الفنون المسرحية، ناهيك عن إغلاق المسرح القديم “نصر” آخر المسارح التي كانت تهتم بتقديم الفنون التقليدية. كذلك أُغلق مسرح “بارس” أحد أقدم المسارح الإيرانية في منطقة “لاله زار”؛ بدعوى أن المبنى آيل للسقوط. وقد عمدت السلطة آنذاك إلى تخريب دور العرض المنتشرة في البلاد، لا سيما في طهران. “فأهدرت الدولة الميزانية المخصصة لإنشاء دور عرض بإمكانيات محدودة في أحياء طهران… كذا تعرض مسرح المدينة التاريخية إلى التخريب؛ حيث ألحق الحفر أضرارًا بالغة بالضلع الشمالي للمبنى. وقضت عمليات ترميم المبنى على الكثير من إمكانيات المكان كالأنظمة الصوتية للقاعات وغيرها…كما أُغلقت بناية إدارة البرامج المسرحية – والكائنة بشارع “پارس” المتفرع من ميدان الفردوسي للترميم – قبل افتتاحها مجددًا دون أدنى تغيير… ومن جملة القاعات التي أُنشئت آنذاك بجهود شخصية أو من جانب مؤسسات شبه خاصة؛ يمكن الإشارة إلى قاعات پارينوآوا وباروك”.([44])

من جملة الظواهر السلبية الأخرى في القطاع المسرحي خلال رئاسة أحمدي نجاد، ظاهرة اختفاء المسرحيين، يقول المخرج المسرحي “أميردژاکام”: “أين من أسهموا في هذا الفن بعد الثورة، أمثال: الدکتور فرهاد ناظرزاده کرمانی، وفرهاد مهندس پور، وعبد الحي شماسی، والدکتور قطب الدين صادقي، وداود فتحعلی بيگی، وآتيلا پسيانی، ومحمد چرمشير، ومحمد رحمانيان، وغيرهم من دائرة اتخاذ القرار. لقد اختفى هؤلاء الأفراد… لماذا اختفى “شارمين ميمندي” عن الساحة؟ ولماذا لم يبحث عنه أحد؟… فن المسرح يحتاج إلى جميع أبناء إيران؛ لأن جموع الجماهير لها اختيارات متنوعة ومختلفة”.([45]) ويضيف مؤلف ومخرج مسرحية “زردشت”، محمدمیر علی أکبري:”لم أقم بأي عمل مسرحي خلال فترة الحكومتين التاسعة والعاشرة. ولقد كان لكلٍّ من “روزبه حسيني” و”فلاحت پيشه” أثرٌ بالغ في عودتي إلى المسرح، وأنا سعيد بذلك، وكل ما أردناه أن نصبح فرقة ومن ثم شركة تنتج نصوصًا وتقدم أعمالًا احترافية على المسرح”.([46])

كذا فقدَ “الكثيرون من المسرحيين رغبةَ المشاركة في “مهرجان فجر”، فمثلاً حين يجهل مصمم المسرح موقف العرض، وهل سيتم تقديمه أم لا؟ بالإضافة إلى عدم توفير الميزانية اللازمة لإنتاج وبناء الديكور وعدم وجود ورشة أصلاً لبناء هذه الديكورات، فإنه ينصرف إلى عمل آخر يوفر له كل هذه الإمكانيات. وهذا الأمر ينطبق على باقي قطاعات المسرح”.([47]) هذا بالإضافة إلى سوء إدارة القائمين على البيت المسرحي، يقول أمير دژاکام: “ما ذكرته لا يحوز أهمية بالنسبة للقائمين على الإدارة؛ لأن غرف اتخاذ القرار تخلو من المتخصصين المسرحيين، ومن يقومون على الإدارة يعتقدون ضرورة إعادة اختراع العجلة من جديد… وللأسف هؤلاء الأفراد غير متخصصين وحتى مستشاريهم لا يتمتعون بالخبرة الكافية لإرشادهم”.([48])

وأما عن شكاوى العاملين بالقطاع المسرحي آنذاك، يقول “ايرج راد”، المدير التنفيذي لبيت المسرح: “لطالما أكدنا على عدم إحساس المسرحيين بالأمن الوظيفي والإمكانيات العملية. وسلكنا كل السبل بدءًا من إصدار البيانات إلى التحدث مع المسئولين ونواب البرلمان، لكن قلما كنا نصل إلى نتيجة. فعلى سبيل المثال، سعينا إلى تفعيل اتفاقية تيپ (الخاصة بتحديد الأجور وتوفير القاعات) من الناحية القانونية، لكن الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ طوال فترة وجود السيد “حميد شاه آبادي”، المساعد الفني في حكومة “أحمدي نجاد”… أهدافنا واضحة؛ فنحن نسعى لاستقلالية مسرح الدولة… وبيت المسرح يتمتع بهذه الخاصية، لكن الحكومات السابقة لم تقم بهذه الخطوة، ووجهَتْ – في رأيي – ضربة موجعة للمسرح… أنا شخصيَّا كنت قد طلبت إلى الوزير المحترم التعامل مع مشكلات المسرح؛ بما يترتب عليه تغيير استراتيجية المسرح وليس التقنيات فقط”.([49]) وعن تقييمهم للحكومتين التاسعة والعاشرة على الصعيد الثقافي، يقول “شهروز افخمى”، عضو اللجنة الاجتماعية بالبرلمان العاشر: “فيما يخص الأداء الثقافي للحكومتين التاسعة والعاشرة، فقد نجحت حكومة “أحمدي نجاد” في كسب الأصوات بالشعارات الثقافية، لكنها لم تلتزم بأي من هذه الوعود… في السياق ذاته، يقول خبير الشئون الثقافية، صادق كوشكي: الخوض في هذا الموضوع عديم الفائدة”، ويمكن القول إن الخيانة التي ارتكبها رئيس الحكومة في قطاع الثقافة فريدة من نوعها… بدوره يقول المخرج السينمائي “حبيب الله كاسه”: لم يكن للحكومتين التاسعة والعاشرة أي نشاط خاص في قطاع الثقافة، فقط كانت تنفق الميزانية على إقامة مؤتمرات تافهة”.([50])

في السياق ذاته، “يعترف كُتاب المسرح الإيراني حاليًا بالانكسارات الاجتماعية والروحية لأجيالهم، لكنهم لا يتعلقون في رقاب أجدادهم وأسلافهم. وفي الوقت نفسه، لا يعتبرون أن هذه الانكسارات نهاية كل شيء. هم يريدون ويقدرون على بث الأمل في المستقبل… إن كتابة المسرحية هي بمثابة نافذة – بالنسبة لهم – ترشدهم إلى عبور الزمن وتجاوز رحلات القدماء في المستقبل”.([51]) وينصح الكاتب والممثل والمخرج المسرحي”سيروس همتي” الحكومة الحادية عشر بالعناية بالمسرح، خاصة بعد أن شردتهم حكومة “نجاد” بسبب تدني أجور المسرحيين مع تنامي نسب التضخم، فيقول:” أنصح المسئولين الجدد بالنظر إلى أرباب المسرح باعتبارهم متعاطفين مع الحكومة… مؤمنين أن الفنانين المسرحيين يحاولون – بما يتوفر لهم من رؤية دقيقة – لفت انتباه المسئولين إلى بعض المشاكل والتجاوزات الاجتماعية، والتي يُتوقع حلها عبر الطرح والتفكير الإداري”.([52])

 

المسرح في معسكرات الأسر

عادةً ما تكون الحياة في معسكرات الأسر صعبة على النفوس، يحاول فيها الآسِر إهانة وكسر عزيمة الأسير. لا فرق في ذلك بين رجل أو امرأة، صغير أو كبير فالكل في العذاب سواء. والتنكيل ليس مقصورًا على الإيذاء البداني فقط، وإنما في حرمان الأسير من أبسط حقوقه اليومية. مثل حبس عدد كبير من الأسرى في زنزانة صغيرة لا تتسع لهم، وأن يقضى الأسرى حاجتهم في نفس هذه الزنزانة، وعزل الأسير عن العالم الخارجي تمامًا، واستجواب الأسرى في أوقات غير مواتية، وحرمانهم من الأنشطة الترفيهية، إلى غير ذلك من وسائل التعذيب التي يضيق المجال عن ذكرها. بعبارة أخرى الحياة في معسكرات الأسر هي بمثابة حرب نفسية، تستخدمها الأطراف المتحاربة في بث اليأس بين صفوف العدو.

في ظل هذه الأجواء لجأ الأسرى الإيرانيون في المعسكرات العراقية إلى ابتداع أساليب ترفيهية ترفع من معنوياتهم وتحط من قدر العراقيين. من هذه الأساليب على سبيل المثال إنشاد الأشعار، وقص القصص، واستخدام الألقاب التي تُشعر بضعة العراقيين، وتقديم عروض مسرحية رغم صعوبة هذا الأمر، نظرًا لأن القوات العراقية كانت تمنع “بحسب الإيرانيين” على الأسرى استخدام أدوات الكتابة فضلاً عن حساسية المسئولين عن المعسكر تجاه هذه العروض. وكان هذا المسرح يُعنى بنقل المعنى الذي تحمله الحياة داخل الأسر. وقد تنوعت العروض بين الطول والقصر وظهرت آنذاك المسرحيات المسلسلية.  ونظرًا لظروف الأسر فقد كان هذا النوع المسرحي يعنى بالمضمون على حساب الديكورات والملابس والكتابة. ولم يقتصر هذا المسرح على ذلك، وإنما كان من أهم أهدافه خلق التضامن بين فئات الأسرى، وعدم الانجرار وراء الأساليب التي تهدف إلى بث الفرقة بينهم أو التي ترمي إلى إظهارهم بشكل سلبي. فالمعروف أن البشر يميلون إلى العنف والهمجية والبدائية في ظل الأزمات. وكان معسكر الموصل-4 الأكثر نشاطًا، لذا سوف يتركز البحث في مسرح الأسرى بشكل أساسي على هذا المعسكر. وثمة كِتاب واحد يدور حول هذا الموضوع هو “نمايش در اسارت- المسرح في الأسر” للمؤلف “عبدالمجيد رحمانيان”. وقد وفق الباحث في العثور على أجزاء من الكتاب، اعتمد عليها بشكل أساسي في هذا المبحث.

عموماً فقد بدأت “تتكون بشكل سري فرقة ثقافية على مستوى المعسكرات وبخاصة معسكر الموصل. وكان في كل مهجع مسئول عن هذه الفرقة، وعلى رأسهم يوجد منسق يكون على اتصال دائم بزعيم المعسكر. وكان أوج تقدم هذه الفرق مشهوداً في بعض عنابر الموصل، بينما كان وجود هذه الفرق سريًّا في معسكرات أخرى… وبعد تسكين أسرى عمليات رمضان في المعسكر، وبناءً على توجيهات زعيم الأسرى حاج آقا أبو ترابي، أخذ العمل المسرحي شكلاً أفضل وأكثر تنظيمًا. وبعد تحديد المسئولين عن مسرح العنابر والبرامج المبدئية، اختار أبو ترابي مسرحية “الليلة الأخيرة” وأدخل عليها بعض التغييرات بسبب الأسر وقُدمت بعد شهر من التمرينات”.([53]) ويقول عارف سجاده چی أحد الأسرى المُفرج عنهم، بعد قضاء ثماني سنوات في عنابر الموصل: ” كان لدينا برنامج في عنبر الموصل الرابع بمناسبة عشرة الفجر، وذلك بعد قبول قرار العقوبات. وقد كان هذا البرنامج بمثابة كليب كما يقال حاليًا. يعتمد على الموسيقى والحركة. إذا أنشدت الفرقة أشعار تتعلق بأحداث الثورة وحتى قبول القرار وبداية عهد البناء، وقدمت مجموعة أخرى حركات استعراضية تتناسب والأشعار”.([54])

ويقول حاج ‌علي مالکي ‌نژاد: “كان التعليم صعبًا ثم تلاه برامج ثقافية ورياضية حتى يتمكن الأولاد من تفريغ طاقاتهم ورفع معنوياتهم. وكان المسرح أحد هذه الأعمال. من ذلك مسرحية باسم “هيهات منا الذلة” وقد لعبت فيه أنا بنفسي دورًا. وهي تتحدث عن شاب إيراني نزح إلى طهران من الأرياف لاستكمال دراسته بالجامعة. فإذا به يواجه مشاهد من الصخب والتظاهرات يردد خلالها المواطنون شعار: “الموت لأمريكا”. وكان من الطريف بالنسبة له أن يرى مثل هذه الأحداث ويلمس عن كثب الثورة والروح الثورية، وحين عاد إلى القرية عمل على توعية الريفيين بالقضية وأنبأهم بالثورة التي تضطرم بالبلاد. والمسرحية من إخراج حاج‌ محسن دلپاک قائد وحدة السيدة المعصومة، وتمثيل السادة حاج‌ أحمد کريمي، مصطفي کلهري، هادي زرگر، هادي رجب‌زاده، محمد زلفي وسيد ابراهيم جنابان”.([55]) “وقد بلغ عدد المسرحيات المقدمة في معسكرات الأسرى حوالي 62 مسرحية، بعد استثناء العدد الكبير من المسرحيات الارتجالية ومسرحيات البانتوميم. معظم هذه المسرحيات عُرضت في معسكرات الرمادي والموصل 1،2،4”.([56])

وعن عملية تطور العروض المسرحية في معسكرات الأسر يقول عبد المجيد رحمانيان: “في البداية لم تكن ثمة إمكانية للحصول على وسائل إزجاء الوقت أو الوسائل التعليمية، وكان الأسرى بدون أي أدوات، بل كانوا يتريضون في المعسكر بأقل الملابس، وكانت المسرحيات آنذاك عبارة عن مسرحيات الحوض وعروض التعزية. ثم اجتمع بعض المهتمين والعاملين في الحقل الفني وطرحوا مسألة العرض وخط سيره بشكل عام، ثم توجهوا إلى خشبة المسرح بعد تحديد الشخصيات. وكانت الخشبة في وسط العنبر إلى جوار الحائط، واستخدم أربعة أشخاص البطاطين كستائر للعرض، بحيث يختفي الممثلون عن الأنظار عند إغلاق هذه الستائر. وكانت المسرحيات في الغالب قصيرة وكوميدية أو أخلاقية وتعليمية، ولم تخرج مطلقًا على التقاليد الأدبية والأخلاقية”.([57]) وعن الأدوات المستخدمة في هذه العروض يقول محسن‌ جهانباني:” من خصائص المسرح في الأسر، طريقة إعداد أدوات خشبة المسرح أو المواد الأولية من مكياج وملابس الممثلين. ولبناء أي ديكورات كان يتم استخدام البطاطين السوداء في المرحلة الأولى، ثم نرسم عليها بالصابون لخلق الأجواء المناسبة، وكنا نغير المشاهد بهذه الطريقة. ولعمل المكياج كانت المواد الأولية عبارة عن: السخام المستخلص من أنابيب تهوية الحمام. بخلاف باقي أنواع الألوان المستخلصة من الأزهار الجميلة وفوق منغنات البوتاسيوم، والقطن المسروق من المستشفى أو الذي يساهم به الدكتور إيراني. ولإعداد الملابس كان الأصدقاء يرتدون ملابسهم الشخصية تحت الملابس العسكرية، ولم يسملوها بعد وقوعهم في الأسر، وبهذه الطريقة جُمعت هذه الملابس وكان يتم تقسميها بين المهاجع لأداء العروض. ولإعداد أدوات خشبة المسرح مثل الأسلحة أو الأدوات الكبيرة، كان يتم الاستفادة من علب الكارتون المقوى المستخدمة في نقل اللحوم المجمدة”.([58])

ولقد تنوعت موضوعات مسرح الأسر ما بين الكوميدية والتي تتناول الأحداث اليومية في المعسكر وأخطاء الجنود العراقيين، والتاريخية، والعروض الأمنية التي تستلهم القضايا الأمنية الدقيقة، وأخرى سياسية واجتماعية، والعروض الموسمية بحسب المقتضى الزمني للعرض، والعروض العاشورائية، والعروض التعليمية. كما تنوعت أشكال العروض المسرحية بين البانتوميم مثل “روياى يك مرد انقلابي- حلم رجل ثوري” والعرائس مثل “شهر موش ها- مدينة الفئران” وظهرت آنذاك أشكال جديدة من المسرح مثل العروض المسلسلية والتي تستمر لعدة أيام من مثل “قلندر- الدرويش”. والعروض الرياضية حيث يلجأ الأسرى حال الفشل في تقديم عروضهم بسبب الرقابة العراقية، إلى تقديم عروضهم أثناء التريض في فناء المعسكر من مثل مسرحية “التوكل-3” على ملعب المعسكر في شكل لعبة باسكت بول وبحضور العراقيين، وتعرض لانتصارات الشعب الإيراني. هذا بالإضافة إلى تنوع اللغة المستخدمة في العروض ما بين العربية والفارسية، ومن المسرحيات العربية يمكن الإشارة إلى مسرحية “أبو ذر” و “حجر بن عدى”.

يقول رحمانيان:” بعد تشكيل معسكر الموصل 4 وتحديدًا في الفترة 7 سبتمبر 1982م- مايو 1983م، قُدمت المسرحيات بشكل متفرق وأكثر كوميدية. ومن الأعمال الكوميدية الأخرى مسرحية “غدير- الغدير” وهي قصة واقعية كنت قد سمعتها من العلامة أميني في النجف الأشرف… من جملة الأعمال المقدمة بعد ذلك وتحديداً في شتاء 1984م يُشار إلى مسرحية “پرستوها به لانه باز مر گردند- العصافير تعود إلى العش”، وبانتوميم 17 شهريور. تلاها مسرحيات “نور- النور” ثم “آمريكا-أمريكا” و”شوروى- الاتحاد السوفيتي”، وهما من أوائل الأعمال المنظمة في المعسكر، إذ شارك في تقديمها نخبة من أفضل الممثلين… ثم راج بالتدريج التفكير في عروض تستلهم القضايا الأمنية الدقيقة، فحظيت مسرحية “اسير- الأسير” في صيف 1985م بالقبول. وشهد أسبوع الدفاع المقدس من العام نفسه عرض مسرحية “ننه خضيره- الجدة خضيره”. ثم مسرحية “طى طريق- خلال الطريق” وهي عبارة عن مسرحية متخيلة لأحد أفراد القوات البحرية الإيرانية الذي يتعرض للمشاكل في طريقه… ثم “نهايت تا به آغاز- النهاية للبداية” وتستعرض وقوع بعض القوى الإسلامية أسرى في أيدى الثوار الديمقراطيين ومقاومة أسرى الإسلام. وفي عشرة الفجر من العام نفسه قُدمت المسرحية الفلسفية النفسية الجميلة “الكونجرس” واسمها الآخر “المحاكمة الداخلية”، وفيها يلعب السيد خاكى زاده دور المتهم في محكمة يرأسها العقل وقاضي الوجدان أو النفس اللوامة. ومحامي المتهم هو النفس الأمّارة بالسوء، والشهود عبارة عن جبل وشجرة وطائر. ولقد لعب الصوت والضوء دورًا أساسيًّا في هذه المسرحية. بالتزامن مع هذه المسرحية عُرضت مسرحية “سى وسومين سالگرد انقلاب- الذكرى السنوية الثالثة والثلاثون للثورة”. وفي نيروز 1986م قُدمت مسرحية “جشن تولد- عيد الميلاد”. وذلك بالتزامن مع مسرحية “هواپيما ربايى- الطائرة المخطوفة” تعبر عن إرهاب الكثير من الدول التي تدّعي رعاية حقوق الإنسان. كما شهد يوم القدس من العام نفسه عرض مسرحية “خانه ى گم شده ى من، فلسطين- فلسطين، بيتي الضائع”. وفي أسبوع الدفاع المقدس تم تقديم مسرحيتي “الزنزانة” وتعرض لعمليات التعذيب التي يقوم بها العراقيون في الزنازين، و “التوكل-1” تعرض الوجه الحقيقي للثورة. وفي العام 1987م قُدمت مسرحية “حجر بن عدى” باللغة العربية. ثم مسرحية “براءت- البراءة” في أربعينية الشهداء الإيرانيين في مكة. وشهدت عشرة الفجر من العام ذاته تقديم مسرحية “اتكال 3- التوكل 3” على ملعب المعسكر في شكل لعبة باسكت بول وبحضور العراقيين، وتعرض لانتصارات الشعب الإيراني”…([59])

ولقد كان لهذا النوع المسرحي تأثير بالغ على نفوس الأسرى، إذ يقول محسن‌ جهانباني:” يمكن القول بكل جرأة إن المسرح في الأسر احتل مكانه إلى جوار القضايا الدينية، بل كان أشد أثراً، لأنه أحياناً ما تتأثر مجموعة من الأصدقاء بالمسرح، والخروج من العزلة التي اختاروها لأنفسهم ومن ثم الانضمام إلى بقية الجمع والمساهمة بأنفسهم إلى حد ما في إقامة هذه الاحتفاليات. فالمسرح في الأسر هو متكأ ثقافي قوي مصدره المعنويات العرفانية، ولذا كان عشاقه يتزايدون يومًا بعد آخر”.([60]) ويتفق معه في الرأي مظفر قلعه‌نويی من نيشابور والذي وقع في الأسر عام 1985م خلال عمليات خيبر، وبقى في معسكر الموصل حتى 1990م حيث يقول: “أحيانًا ما كان المسرح يترك تأثيرًا عميقًا على فكر وروح الشباب في المعسكر لدرجة أنه كان يضارع الدعاء والابتهالات. ففي المناسبات المختلفة مثل عشرة الفجر كان الاهتمام بالعروض والأناشيد يتضاعف، إذ كان الشباب بالمعسكر يشكلون حلقات ثلاثية وينشدون بصوت منخفض جدًا، أو يتناقشون لساعات حول أحداث المسرحية. وهو ما يؤشر إلى تأثرهم الشديد بالعروض المقدمة”.([61])

وقد تطرق سجاده چی إلى نقطة مهمة جدًا ألا وهي الدور التعليمي لمسرح الأسر، يقول: “بالإضافة إلى بث معنويات التسامح والوحدة بين الأسرى، قدم المسرح عددًا من القضايا التعليمية بشكل جيد. جلبوا لنا الثلوج للمرة الأولى عام 1985م أو 1986م. وتزاحم الأسرى أمام براميل الثلج وبدا المشهد غير طريف. فكتبت نصًا قدمته على الفور الفرقة المسرحية وفيه أوضحت كيف كان الجرحى في غزوة أحد يقدمون الماء لبعضهم، ولم يتجاوز أحدهم الآخر. وقد كان لهذه المسرحية أبلغ الأثر، إذ لم يتوجه أي من أسر المعسكر إلى براميل الثلج عندما أحضروها مرة أخرى، وبدأوا يستفيدون من الثلج تدريجيًّا وبلا عجلة… كان المسرح سببًا في قدرتنا على حل مشكلاتنا المعاصرة بسلاسة ومن ثم القضاء عليها. وعليه فالمسرح فن مؤثر فعلاً”.([62]) ولقد حاول عبد المجید رحمانیان([63]) جمع أهداف هذا النوع المسرحي في:

 

1- كسر برودة الأجواء ورتابة الأسر وتوفير التسلية:

هذا أول حافز دفع الأسرى إلى تقديم عروض مسرحية. فقد كانوا أسرى في مكان ما لا يتحدثون فيه إلا عن رفاقهم في الخندق والجبهة والوطن. كانوا في مكان ضيق منعزلين عن العام الخارجي، مع مشاهدات لمناظر مملة وسلوكيات مكررة. لذا شرعوا في خلق روائع فنية حتى لا يفقدون من ناحية رباطة الجأش ويسقطون في مستنقع العزلة والانطواء، ومن ناحية أخرى يعملون على تنويع المناظر والسلوكيات بغية تحطيم هذه الأجواء الرتيبة. وهنا امتزجت الذخائر الإنسانية بالأفكار الجديدة لخلق نوع من التسلية ما تمخض عن ابتكارات فنية. لقد كان العمل على توفير التسلية أول حوافز مقاتلي الأمس. فلقد كانت المفاكهة وإلقاء النكات والمنافسات الشعرية المضحكة، أول وسيلة لكسر برودة الأجواء ورتابة الأسر. كما كان الجنود العراقيون أنفسهم موضوعًا للسخرية، حيث كان الأسرى يبحثون عن نقاط ضعف العراقيين ويطلقون عليهم الألقاب الساخرة من مثل السيد معوج القبعة، والأحمق الميري، والمشلول الميري وغيرها من الألقاب التي تشعر بضعة الجنود العراقيين. ولقد نجح الأسرى في تقديم عروض متوسطة تتناول العدو بمهارة فائقة أضحكت زملائهم في الأسر. وكثيرًا ما كان يتم تمثيل هذه العروض في أعقاب التفتيش أو الضرب أو عندما يلقي الحزن والهم بظلاله على المخيم.

2- إدخال السرور على الأسرى:

يقول محمد حسين رافعي أحد المحررين من مخيم الموصل2: ” قدم الأولاد مسرحية مضحكة جدًّا تهدف إلى إدخال السرور على الأولاد. وقد لعبت دورًا في هذه المسرحية. وبعد انتهاء العرض سألني أحد الأصدقاء: هل تعلم أن القهقهة ليست صحيحة وأن هذا رجس من عمل الشيطان؟ قلت: لا أعلم، لكني أعلم أنه إذا استغرق المقاتلون الأعزاء وأبناء الإمام في القهقهة فسوف يرتعد الشيطان”.

3- خلق التضامن والتفاهم في تجمعات الأسرى

في مكان محصور لا مكان فيه للتسالي المعروفة، عندما تُقدم فيه مسرحية، تجد الأعين في البداية تتبادل النظرات ثم تتجمع تدريجيًّا. وقد حظيت المسرحيات في مخيمات الأسرى الإيرانيين بهذه الميزة، إذ كانت تنطوي على شق ديني عقائدي، وتدفع إلى تنظيم العلاقات وتوحيد المطالب والترفع عن العزلة والانطواء. مثلاً عندما تم تقديم المسرحية الدرامية “زقاق القلوب” انخرط جميع المشاهدين في البكاء، وحين عُرضت المسرحية الكوميدية “المصير” على خشبة المسرح، تداخلت أصوات ضحكات الأسرى. بمعنى آخر، في الأسر يكون بمقدور العروض المسرحية خلق إحساس مشترك بين المشاهدين وتقريب القلوب من بعضها البعض. ولم يعمد الفنانون الأسرى إطلاقًا إلى ترويج بعض المصطلحات القبيحة أو السخرية من بعض اللهجات في سبيل إضحاك المشاهدين بما يترتب عليه بث الفرقة والخلاف.

4- بث روح الفداء والمحبة والصداقة

من الحوافز الأخرى لتقديم عروض مسرحية في الأسر، ربط المشاعر وبث روح الفداء والمحبة والصداقة. فالكثير من المسرحيات حملت إلى مجتمعات الأسر رسائل الحب والصداقة لدرجة أن بعض المتطوعين ذهبوا إلى السجن وتقبلوا المخاطر، بمعنى أن الفنانين الأسرى استطاعوا بالتعاون مع العاملين في الحق الثقافي والفني، بث روح الفداء والمحبة والصداقة في مجتمع الأسر. وعادة ما يكون الحافز في الكثير من المسرحيات هو يقظة المشاعر العاطفية والإيثار. ولطالما بثت المسرحيات المذهبية والاجتماعية أو التي تستلهم موضوعاتها من حكم أمير المؤمنين في نهج البلاغة، العذوبة في جميع الأسرى. كما نجحت الأناشيد المسرحية في خلق هذا الإحساس بين الأسرى، إذ كان للكثير من المسارح فِرق إنشاد.

5- إحباط دعاية العدو المضادة وكسر سلطته الوهمية

استخدم الأسرى العروض المسرحية في إحباط دعاية العدو المضادة، وتقديم موضوعات متنوعة في قوالب فنية جميلة. ناهيك عن الشعارات التي كتبت على جدران العنابر من مثل: “نحن أقوياء بلا غرور ومتواضعون بلا ضعف”، والتي كانت في ذاتها موضوعًا للفنانين قدموه في قوالب ساخرة، وقد ساعدهم الأثر الروحي لهذا الشعار على كسر سلطة العدو الوهمية.

6- خفض الضغوط النفسية ورفع روح النضال

أحد أسباب تقديم العروض الكوميدية نسيان ضغوط العدو الزائدة عن الحد، كذا خلق صلة الصداقة والقضاء على التكلفات حتى لا يشعر الشخص بالاغتراب ويسود جو من الأخوة، الذي يقلل من الضغط النفسي على الأسرى. من مثل مسرحيات “نقاش رجال البحر” و “أسر في أسر” و “أبو ذر” وغيرها.

7- نقل وقائع الحياة، وتقديم المشكلات والصعوبات وسبل حلها

عندما كانت تظهر بعض المشاكل العامة في المعسكرات، كانت بعض المسرحيات تشرع في تقديم رسالته من خلال تقديم هذه المشكلات وسب حلها. من ذلك حين تحولت مسألة رفض الرياضة بين بعض الأسرى إلى مرض، حلت بعض المسرحيات بشكل طريف ومبهج في العادة مثل مسرحية “الرياضة” هذه المشكلة. كذا حلت مسرحية “وساوس الصلاة” مشكلة إصابة بعض المصلين بوسواس القراءة في الصلاة.

8- نشر الثقافة الدينية والثورية وبيان قيم الدفاع المقدس والتربية الأخلاقية

كانت المسرحيات الدينية أحد أدوات الأسرى للدعاية. إذ تمكن الأسرى بواسطة المسرح من ترويج الثقافة الدينية والثورية وبيان قيم الدفاع المقدس من مثل مسرحيات “الهدية” و”المؤمن” و”اليقظة” و”أول دروس المعلم” و”مجيد والجبهة” و”عمليات الفتح المبين” و”اتباع النور” وغيرها. كما استغل الفنانون كلمات أمير المؤمنين في تربية الأخلاق.

 

9- تعليم اللغات الأجنبية:

كانت الأدوات التي استخدمها الأسرى في تعلم اللغات الأجنبية متنوعة؛ أهمها تنظيم الفصول، والمحادثة، وتغيير لغة المسرحيات من الفارسية إلى الأجنبية. وكان معظم متابعي هذه المسرحيات من الطلبة. وفي بعض الحالات كانت المسرحيات تُقدم بلغتين أو أكثر، وهي على الترتيب العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية.

مع هذا لم يحظ مسرح الأسر باهتمام المسئولين وبقيت مسرحيات الأسرى دون تجميع حتى آتى النسيان على الكثير منها. في المقابل ظهرت بعض الجهود الفردية التي حاولت تقديم إحصاء حول هذه المسرحيات. من ذلك ما قام به عبد المجيد رحمانيان أحد الأسرى المحررين من نشر ذكرياته وتجاربه عن الأنشطة المسرحية في الأسر في شكل كتاب أسماه “المسرح في الأسر”. يقول:” للأسف لم يتم تنظيم تجارب المحررين في مجال المسرح بشكل صحيح، ما تسبب في منع ظهور الكثير من الاستعدادات. ونحن عندما عدنا من الأسر كنا مجبرين على مناقشة القضايا اليومية وتأمين احتياجاتنا، وعليه بقيت تجاربنا على هذه الحال ومدفونة في التراب. وبعد ذلك انفصل المحررون عن بعضهم وتقريباً طوى النسيان كل أعمالنا الفنية”.([64]) كما ينتقد عارف سجاده چی تجاهل مسئولي المسرح لمعالجة قضايا الأسر مسرحيًّا فيقول:” بموتنا تموت جميع هذه الذكريات. وكنت قد اقترحت على ابن عمي الكاتب السينمائي المعروف إلى تقديم بعض ذكريات المحررين في شكل أفلام سينمائية، وقد رحب جدًّا بالموضوع لكن العمل لم يكتمل بسبب عدم وجود دعم. ويمكنني القول بكل تأكيد إنه إذا تم إنتاج عمل سينمائي أو مسرح يناقش بدوافع نبيلة ثيمات المحررين، فسوف تقع أحداث جيدة. فثمة مجالات كثيرة لفترة الأسرى تصلح للعروض المسرحية وأهمها طريق تطور الفرد وصولاً إلى التسامي”.([65])

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

[1]– منوچهراكبر لو، از افسانه تا نمايش، پروازپروانه خيال، موسس انجمن نمايش، اصفهان، چاب اول 1385هـ.ش، صـ 44.

[2]– سومین نشست سه شنبه های هنوز: چرم‌شیر وامجد از نمایشنامه نویسی گفتند، روابط عمومی کتابفروشی نشر هنوز، ۲۷ مرداد‌ماه ۱۳۹۴هـ.ش.

[3]– على منتظرى، آمار وارقام در تئاتر، فصلنامه تئاتر، مركز هنرهاي نمايشي وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامى، 1368هـ.ش، صـ7.

[4]– سعيد گودرزى، ديباجه اى بر سير نمايشنامه نويسى ايران پس از انقلاب- تلاش براى كشف حقيقت ناب، ماهنامه آزما، شماره 72، شهريور 1389هـ.ش، صـ20.

[5]– نمايشنامه – نمايشنامه نويسى پس ازانقلاب، روزنامه شرق، فرهنگ وهنر، 17 بهمن1384هـ.ش.

[6]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، دو ماهنامه سوره انديشه، حوزه هنری سازمان تبلیغات اسلامی، شماره 40، آذر ماه 1387هـ.ش، صـ 60.

[7]– چيستا يثربى، نگاهى اجمالى به سير نمايشنامه نويسى ايران پس از انقلاب، سايت بنياد ادبيات نمايشى، چهارشنبه ۲۶ تیر۱۳۸۷هـ.ش.

[8]– ناصر قاسمي، الحركة المسرحية في إيران، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية- سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد 31، العدد 1، 2009م، صـ 35.

[9]– على منتظرى، جايگاه تئاتر پس از انقلاب، مجله کیهان فرهنگی، شماره 85، خرداد 1371هـ.ش، صـ 42.

[10]– سخنرانی ناصر رحمانی نژاد در کانون کتاب تورنتو، فرح طاهرى، روزنامه شهروند، 23 مه 2013م.

[11]– ناصر رحمانی نژاد، تئاتر ایران پس از انقلاب- خاکریز فتح نشدۀ انقلاب از «بهار آزادی» تا ۱۳۶۰هـ ش، سايت عصرنو، چهار شنبه ۲۰ آذر ۱۳۹۲هـ.ش.

[12]– على منتظرى، جايگاه تئاتر پس از انقلاب، صـ 42.

[13]– فاطمة برجكــاني، تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2008م، صـ 214.

[14]– حسين فرخى، مرورى بر تئاتر دفاع مقدس در دههء شصت، ماهنامه تخصصى تئاتر “صحنه”، شماره 61، 1374هـ.ش، صـ 72.

[15]– نگاهى به چند نمايش: تئاتر انقلاب، همچنان زنده وآفرينشگر، فصلنامهء هنر، شماره دوم، زمستان 1361هـ.ش، صـ 179.

[16]– منوچهر اكبر لو، از افسانه تا نمايش، پرواز پروانه خيال، صـ 44.

[17]– فاطمة برجكــاني، تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم، صـ 248.

[18]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 60.

[19]– على منتظرى، جايگاه تئاتر پس از انقلاب، صـ 42.

[20]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 61.

[21]– تقیان لاله، تئاتر و نخستین دهه انقلاب، مجله نمايش، انجمن هنرهای نمایشی ایران، شماره 1، 15 آبان 1366هـ.ش، صـ 4-5.

[22]– على منتظرى، جايگاه تئاترپس از انقلاب، صـ 43.

[23]– نیلوفر دُهنی، تئاتر ایران، زیر تیغ سانسور وخودسانسوری، هفته نامه مجله،۹ تیر ۱۳۹۲هـ.ش

[24]– نادر برهاني مرند، تئاتر بى ‌اعتراض- مرده است، سايت خبرى تحليلى تابناك، ۱۳ بهمن ۱۳۸۶هـ.ش.

[25]– سعيد گودرزى، ديباجه اى بر سير نمايشنامه نويسى ايران پس از انقلاب، صـ21.

[26]– قطب الدين صادقى، تئاتر بى معنا شده است، روزنامه شرق، 13 مرداد 1394هـ.ش، صـ 9.

[27]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 61.

[28]– على منتظرى، جايگاه تئاتر پس از انقلاب، صـ 43.

[29]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 62.

[30]– على شيدفر، نگاهي گذرا به فعاليتهاي تئاتر در سالهاي پس از انقلاب- حضوري پرتوان در صحنه، روزنامه همشهرى، سال چهاردهم، شماره۴۲۰۴، دوشنبه ۲۳ بهمن ۱۳۸۵هـ.ش.

[31]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 62.

[32]– ملاقات جناب آقای دکترمهاجرانی با هنرمندان تئاتر، مجله نمايش، انجمن هنرهای نمایشی ایران، شماره 1، بهمن 1376هـ.ش، صـ 12.

[33]– ملاقات جناب آقای دکترمهاجرانی با هنرمندان تئاتر، مجله نمايش، صـ 14-15 بتصرف.

[34]– نادر برهاني مرند، تئاتر بي‌اعتراض- مرده است، سايت خبرى تحليلى تابناك.

[35]– فاطمة برجكــاني، تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم، صـ 215.

[36]– على شيدفر، نگاهي گذرا به فعاليتهاي تئاتر در سالهاي پس از انقلاب، روزنامه همشهرى.

[37]– همايون على آبادى، لباس نو بر پيكرهاى كهن، صـ 63.

[38]– نادر برهاني مرند، تئاتر بى‌اعتراض- مرده است، سايت خبرى تحليلى تابناك.

[39]– فاطمة برجكــاني، تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم، صـ217 بتصرف.

[40]– فروزان جمشید نژاد، دردسرهای تئاتری بودن؛ هشت سال فراز و نشیب در تئاتر ایران، بى بى سى فارسى، پنج شنبه10 مرداد 1392هـ.ش.

[41]– مانيا منصور، تئاتر دولتى ايران تنها، مهجور، فقير، راديو فردا، جمعه 23 ژانويه 1387هـ.ش

[42]– حسین سینجلی، زخم‌های تئاتر شهر ۱۰ ساله شد: میراث تئاتری که به دولت یازدهم رسید، هنرآنلاين، 27 آبان 1392هـ.ش.

[43]– زهرا شايان فر، مرورى بر نمايشنامه نويسى دههء 80، روزنامه تئاتر 29- روزنامه پيست ونهمين جشنواره بين المللى تئاتر فجر، مرکزهنرهای نمایشی وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی، شماره سوم، 24 بهمن 1389هـ.ش، صـ10.

[44]– فروزان جمشید نژاد، دردسرهای تئاتری بودن؛ بى بى سى فارسى، پنج شنبه10 مرداد 1392هـ.ش.

[45]– امیر دژاکام، تئاتر مانند گندم براى جامعه ضرورى است، خبرگزارى مهر، سه شنبه 25 آذر 1393هـ.ش

[46]– محمدمیرعلی اکبری: از بازگشتم به تئاتر بعد از بیکاری در دولت نهم و دهم خوشحالم، شمیم شهلا، رادیو پارسی، 29 مه 2016م.

[47]– امیر دژاکام، استراتژی تئاتر تغییر کند نه تاکتیکش/ ماجرای ماشین 100میلیونی آقای مدیر، خبرگزارى مهر، چهارشنبه ۳ دی ۱۳۹۳هـ.ش.

[48]– امیر دژاکام، تئاتر مانند گندم براى جامعه ضرورى است، خبرگزارى مهر، سه شنبه 25 آذر 1393هـ.ش

[49]– ایرج راد: اعتراض ما درباره مشکلات تئاتر به جایی نمی‌رسد، آفتاب نيوز، ۱۱ ارديبهشت ۱۳۹۳هـ.ش.

[50]– دولت احمدی نژاد از اهالی فرهنگ چه نمره ای گرفت؟ تهران پرس، 28 ارديبهشت1392هـ.ش.

[51]– نمايشنامه– نمايشنامه نويسي ﭙس از انقلاب- شواري ﮔسترش زبان وادبيات فارسي، وزارت فرهنـﮔ وارشاد اسلامي، 17 بهمن 1384هـ.ش.

[52]– سیروس همتی: هنرمندان تئاتر با مشکلات عدیده اقتصادی دست و پنجه نرم می‌کنند، روزنامه بانى فيلم، ۲۷ خرداد 1394هـ.ش

[53]– نمايش در اسارت، عبدالمجید رحمانیان، سايت جامع آزادگان دفاع مقدس، 29 شهريور 1391هـ.ش.

http://www.iran-pw.com/?p=2304

[54]– محمود رضا   كريمى، روايت آزادگان از هنر تئاتر در دوران دفاع مقدس-22 سال خاك روى صحنه اسارت، روزنامه ايران، سال بيستم، 23 بهمن 1392هـ.ش، صـ12.

[55]– محمد شجاعى، بوى بهشت- خاطرات حاج‌ على مالکى ‌نژاد از روزهاى دفاع مقدس- قسمت چهارم، ماهنامه امتداد، شماره 82، مهر 1392هـ.ش، ص52-54.

[56]– تئاتر دفاع مقدس، تئاتر مقاومت، نهمين همايش بين المللى انجمن ترويج زبان وادب فارسى، صـ 1128.

[57]– عبدالمجید رحمانیان، نمايش در اسارت، سايت جامع آزادگان دفاع مقدس، 29 شهريور 1391هـ.ش.

[58]– ويژۀ سومين يادوارۀ‌ تئاتر دفاع مقدس‌، مجله صحنه‌، صـ 30.

[59]– عبدالمجید رحمانیان، نمايش در اسارت، سايت جامع آزادگان دفاع مقدس.

[60]– ويژۀ سومين يادوارۀ‌ تئاتر دفاع مقدس‌، مجله صحنه‌، صـ 30.

[61]– روایت آزادگان از هنر تئاتر در دوران دفاع مقدس، باشگاه خبرنگاران، چهارشنبه، 23 بهمن 1392هـ.ش.

[62]– محمودرضا كريمى، 22 سال خاك روى صحنه اسارت، شماره 5581، 23 بهمن 1392هـ.ش، صـ12.

[63]– عبدالمجید رحمانیان، نمايش در اسارت، سايت جامع آزادگان دفاع مقدس، 29 شهريور 1391هـ.ش.

 

[64]– سیداصغر نوربخش، اجرای کلیپ در دوران اسارت/اصرار مرحوم ابوترابی برای بازی در تئاتر، سایت جامع آزادگان، ۱۳۹۲/۱۱/۲۳هـ.ش.

http://www.iran-pw.com/?p=16244

[65]– محمودرضا كريمى،  22 سال خاك روى صحنه اسارت، شماره 5581، 23 بهمن 1392هـ.ش، صـ12.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب