خاص: قراءة- سماح عادل
نكمل قراءة دراسة بعنوان “الماركسية والنسوية وتحرر النساء” للكاتبة “شارون سميث”، مؤلفة كتاب “المرأة والاشتراكية: مقالات عن تحرير المرأة”، حيث تدرس فيها كيف عالج التقليد الماركسي الكفاح من أجل إنهاء اضطهاد المرأة، بما في ذلك موقفه تجاه النظريات الأخرى، وهذه الدراسة اعتمدت على حديث ألقي في مؤتمر “الاشتراكية 2012” في شيكاغو. ونشرت في 31 يناير 2013 على موقع جريدة “العامل الاشتراكي” التي تصدرها المنظمة الاشتراكية الأممية
الأسرة واضطهاد المرأة..
تتناول الدراسة فهم الشيوعيين لدور الأسرة في اضطهاد المرأة: “فهم قادة الثورة الروسية في عام 1917 ليس فقط الدور المركزي للأسرة بوصفها جذر اضطهاد المرأة، ولكن أيضا الصعوبات التي ينطوي عليها تحقيق المساواة بين الجنسين داخل الأسرة كشرط مسبق لتحرير المرأة في المجتمع ككل. كما كتب تروتسكي في عام 1920:
“إن إنجاز المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة داخل الأسرة يعد مشكلة شاقة. إذ يجب أن تحدث ثورة في كل عاداتنا العائلية حتى يحدث ذلك. وحتى الآن فمن الواضح تماما أنه ما لم يكن هناك مساواة فعلية بين الزوج والزوجة في الأسرة، بالمعنى الطبيعي وكذلك في ظروف الحياة، فإننا لا نستطيع التحدث بجدية عن مساواتهم في العمل الاجتماعي أو حتى في السياسة”.
بدأت أيضا الثورة الروسية التصدي على المستوى النظري والعملي على حد سواء لكيفية تحويل النضال ضد الاضطهاد لجزء لا يتجزأ من النضال من أجل الاشتراكية، مجادلة بأن الحزب الثوري يجب أن يكون “منبر المظلومين“. صرح لينين في الجملة التالية باختصار شديد أن هدف الوعي الثوري يتطلب أن يكون العمال على استعداد للدفاع عن مصالح كل المضطهدين في المجتمع، كجزء من النضال من أجل الاشتراكية:
“وعي الطبقة العاملة لا يمكن أن يكون وعي سياسي حقيقي ما لم يتم تدريب العمال على الاستجابة لجميع قضايا الاستبداد والقهر والعنف والاعتداء، بغض النظر عن الطبقة التي تتأثر، ما لم يتم تدريبهم – علاوة على ذلك – على الاستجابة في جميع هذه القضايا من وجهة نظر الاشتراكية الديمقراطية دون غيرها.”
الصراع الطبقي..
وتفيض الدراسة في شرح دور الصراع الطبقي: “هذه الصيغة في غاية الأهمية لفهم دور الحركة الاشتراكية ليس فقط في الصراع الطبقي، ولكن أيضا في النضال ضد كل أشكال القمع؛ وأنا على أمل أن أطبق هذه الصيغة على وجه التحديد هنا لمعالجة اضطهاد المرأة، وما تعنيه نظرياً وعملياً.
إن ما يسلط لينين عليه الضوء في هذا الاقتباس هو أنه، بينما يقوم النظام الرأسمالي على استغلال الطبقة العاملة – حيث التقسيم الطبقي هو التقسيم الرئيسي للمجتمع، بين الـمُستغِل والـمُستغَل – في ذات الوقت، فإن الرأسمالية تعتمد أيضاً على أشكال محددة من القمع للإبقاء على النظام. تلك الأشكال من القمع تؤثر على الناس من جميع الطبقات، وليس فقط على العمال.
مثالين مألوفين من الواقع يمكن أن يوضحان هذه النقطة بسهولة جداً. الأول، التنميط العنصري: الذي يحمله التعبير الأمريكي “قيادة الزنوج“، ليست مشكلة تؤثر فقط على العمال الأمريكيين الأفارقة وغيرهم من ضحايا التمييز العنصري. في الحقيقة إن قيادة أحدث وأغلى موديلات المرسيدس مرتدياً بذلة غالية، لن تحميك إن كنت أمريكي أفريقي من التعرض للتنميط العنصري والاستيقاف من جانب رجال الشرطة”.
السقف الزجاجي..
وتضرب الدراسة مثلا على التفاوت الطبقي يخص المرأة : “دعونا نأخذ مثالاً آخر هذه المرة تحديداً عن المرأة: تعبير “السقف الزجاجي“.هناك سبب بسيط لكون المراتب العليا من عالم الشركات والسياسة ما زالت تخص الذكر الأبيض بأغلبية ساحقة، يرجع ذلك للعنصرية والتمييز على أساس الجنس، بمنتهى الوضوح والبساطة. لدينا دائرة داخلية لإدارة المجتمع من الذكور البيض، ولا يسمح للسود والنساء بدخولها.
سيكون من الخطأ القول: “من يهتم لهؤلاء الأغنياء فحتى في هذا فإن الاضطهاد الذي يعانون منه لا يعد شيئا بالمقارنة بمعاناة الطبقة العاملة والفقراء“. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن جدال لينين انصب هنا على أن الدفاع عن حقوق جميع المضطهدين أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لمكافحة فعالة ضد الظلم، ولكن لكونه ضروريا أيضا لإعداد الطبقة العاملة لإدارة المجتمع لمصلحة الإنسانية ككل.
كيف يمكننا التوفيق اليوم بين هذين الجانبين للماركسية: دور الثوريين في التحرر الذاتي للطبقة العاملة وأيضاً كمدافعين عن جميع المضطهدين، أياً ما كانت الطبقة التي تتعرض للاضطهاد؟”.
وعن البعد الطبقي في الدفاع عن المضطهدين تفصل الدراسة: “من السهل علينا تبني قضية تشكيل العاملات للنقابات ومشاركتهن في الإضرابات والمطالبة لهن بحق المساواة في الأجور. إننا نعطي هذا النضال دعمنا غير المشروط بلا أدنى تردد. ولكن في الحقيقة أن العالم أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، وبعض من أهم الحركات ضد القمع برزت كحركات غير مستندة للبعد الطبقي، بما في ذلك الحركة النسوية والنضال من أجل تحقيق المساواة للمرأة.
في اعتقادي تشير الدلائل، على وجه الخصوص، أن تحركات الستينات وأوائل السبعينات – بما في ذلك حركة تحرر النساء، وحركة تحرر مثليي الجنس، وحركة الحقوق المدنية وحركات “القوة السوداء“– كانت نضالات اجتماعية قوية كان لها أثر تحويلي، على كل من وعي الجماهير بشكل عام ووعي الطبقة العاملة على وجه الخصوص”.
حركة تحرير المرأة..
وتشرح الدراسة أكثر عن حركة تحرير المرأة: “إن التقدم الذي أحدثته حركة تحرير المرأة في الستينات كان له تأثير دائم على المجتمع، هذا هو بالضبط السبب في أن الجناح اليميني قد أمضى الأربعون عاماً الماضية في مهاجمة كل مكاسب الحركة النسائية. ولهذا تتعرض النسوية نفسها للهجوم في محاولة لرسم صورة كاريكاتيرية للنسويات كمجموعة من النساء الحادات، والأنانيات، العابسات الذين لا يحبون الرجال أو لسن جذابات بالنسبة لهم، لذلك يقضون حياتهن منغمسات في تصور أنفسهن كضحايا، يصورن لأنفسهن أن التمييز على أساس الجنس موجود أينما نظرن.
لذلك في هذه المرحلة من التاريخ، في الوقت الذي تتعرض فيه الحركة النسوية للهجوم المتواصل على مدى ما يزيد عن أربعين عاماً ولا يتوقع أن ينتهي قريباً، فإن آخر شيء علينا فعله هو الهجوم على النسوية. على العكس من ذلك، نحن بحاجة للدفاع عن النسوية كمبدأ، باعتباره دفاعا عن تحرر المرأة ومعارضة للتمييز على أساس الجنس. ما هو تعريف النسوية؟ الدفاع عن حقوق المرأة على أرضية المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع الرجال”.
الدفاع عن النسوية..
وتناقش الدراسة أهمية الدفاع عن السنوية تقول: “لسوء الحظ، لا يدرك كل الماركسيين، طيلة الوقت، ضرورة الدفاع عن النسوية، ولا يقدرون الإنجازات الهائلة للحركة النسائية، حتى بعدما انتهى عصر الستينات إلى رماد محترق. هذا يشمل بعض تراثنا، تراث “الاشتراكية الأممية“، الذي، كما أزعم، سقطت في مقاربة اختزالية فيما يخص تحرر المرأة قبل بضعة عقود. وأنا أزعم أيضاً أن منظمتنا تحمل علامة هذا التوجيه في اثنين من النقاط النظرية الرئيسية التي أود أن ألخصها بإيجاز.
أولاً، ما هي الاختزالية؟ في أنقى أشكالها، الاختزالية هي تصور أن الصراع الطبقي سوف يعمل على حل مشكلة التمييز على أساس الجنس من تلقاء نفسه، من خلال الكشف عن المصالح الطبقية الحقيقية، في مقابل الوعي الزائف. ولذلك فإن هذا النهج “يختزل” قضايا الاضطهاد إلى قضية طبقية. وعادة ما يترافق ذلك مع التأكيد على المصالح الطبقية الموضوعية للرجال في التخلص من اضطهاد النساء؛ دون تناول السؤال الأصعب: كيف يمكننا مواجهة التمييز على أساس الجنس في قلب الطبقة العاملة؟”.
التمييز وسط الطبقة العاملة..
وتشير الدراسة إلى وجود تمييز ضد المرأة في صفوف الطبقة العاملة نفسها تقول: “الآن، من الواضح أن هذا النهج الفج لا يمت بصلة لتراث “الاشتراكية الأممية“، والتي بالتأكيد قد أخذت حركة تحرر المرأة على محمل الجد كجزء محوري من النضال من أجل الاشتراكية، منذ بدء حركة تحرر المرأة في ستينات القرن العشرين.
ومع ذلك، أود أن أقول أنه كان هناك ثمة تكيف في اتجاه الاختزال، والميل إلى التقليل من القمع الذي تعاني منه نساء الطبقة العاملة، مما أدى إلى وضع النظرية على محك خاطئ ينطوي على التساؤل عما إذا كان رجال الطبقة العاملة “مستفيدين” من اضطهاد المرأة. وأريد أيضا أن أوضح أنني لست بصدد توجيه أصابع الاتهام هنا.
كان هناك مجموعة من المقالات وجدال في منتصف ثمانينات القرن العشرين نشرت في سلسلة من المقالات في مجلة الاشتراكية الدولية، ضمت بعض من القادة الرئيسيين لحزب العمال الاشتراكي في بريطانيا، والتي بدأت في تناول القضايا التي وصفتها للتو. لا يمكنني تلخيص النقاش بأكمله، ولكن يمكنني استخلاص بعض النقاط الرئيسية”.
تحرير المرأة والاشتراكية..
تضيف الدراسة: “دعونا نبدأ مع مقال كتب في 1984 بعنوان “تحرير المرأة والاشتراكية الثورية” بقلم كريس هارمان، وهو عضو بارز في حزب العمال الاشتراكي (أريد أن أوضح أن كريس هارمان كان واحدا من أكبر الماركسيين في عصره، ولعب دوراً رئيسياً في تدريب الكثير منا في، وبالتالي فإن القضية التي أوشك على وصفها تمثل، على الرغم من أهميتها، انتقاصاً هامشياً من مساهمته الهائلة في القضايا الأخرى للماركسية). يجادل هارمان في هذا المقال:
“مع ذلك، فإن استفادة رجال الطبقة العاملة في الواقع من اضطهاد النساء هي هامشية بالفعل. تكمن الاستفادة في واقع الأمر في مسألة الأعمال المنزلية. يصبح السؤال حول مدى استفادة رجل الطبقة العاملة من العمل غير المأجور للمرأة.
ما يجنيه رجل الطبقة العاملة بشكل مباشر من زوجته فيما يخص العمل يمكن قياسه تقريباً. إنها كمية العمل التي كان عليه بذلها لو كان عليه أن ينظف ويطبخ لنفسه. هذا لا يمكن أن يكون أكثر من ساعة أو ساعتين في اليوم، إنه عبء على امرأة مضطرة للقيام بهذا العمل لشخصين بعد يوم من العمل المأجور، لكنه لا يمثل مكسباً كبير للرجل العامل.”
تجدر الإشارة أن تعليقات هارمان أعلاه تصف الفوائد “الهامشية” التي يجنيها الرجال دون إضافة الأطفال إلى عبء المرأة داخل الأسرة”.
اشتراكي بريطاني آخر، هو جون مولينو، رد على حجة هارمان، قائلاً إن فوائد الذكور أكثر من هامشية: “إذا كان هارمان يخبرنا بأن هذا “عبء على امرأة مضطرة للقيام بهذا العمل لشخصين بعد يوم من العمل المأجور” فلماذا لا يمثل مكسبا هاما للعامل (الذكر) عدم الاضطرار للقيام به؟“
أدت حجج مولينو إلى استجابة حدة من أعضاء اللجنة المركزية للـ SWP، ليندسي جيرمان وشيلا ماكجريجور، وأجاب مولينو بنفس الحدة. النقاش لم ينتهي حتى عام 1986. جادلت ليندسي جيرمان حول نقطة، “إن الاختلافات والمزايا التي يحصل عليها الرجال ليست ضخمة بأي حال، كما أنها لا تمثل منافع جوهرية كما يدعي جون. بالتالي فليس هناك أساس مادي لفكرة “رشوة” الرجال بهذه الفوائد“.
جادلت شيلا ماكجريجور كما لو كان مولينو في طريقه للتخلي عن الماركسية تماماً: “إذا أردنا أن يكون هناك نظرية ملائمة عن اضطهاد المرأة وكيفية محاربته، فنحن بحاجة إلى الاعتماد على التقليد الماركسي، موقف جون، الذي يرى أن رجال الطبقة العاملة يستفيدون من اضطهاد المرأة، هو الخطوة الأولى نحو الخروج عن هذا التقليد “.”.
العمل المنزلي يفني الروح..
وتواصل الدراسة في عرض الآراء حول التمييز داخل الطبقة العاملة: “في خضم هذا النقاش، تغير الموقف مما قاله هارمان – أن منافع الذكور كانت “هامشية” – إلى الإدعاء بأن رجال الطبقة العاملة لا يستفيدون من اضطهاد المرأة على الإطلاق؛ بالإضافة إلى الإدعاء بأن حتى تفوق الرجال على النساء داخل الأسرة ليس “جوهرياً“.
لئن كان صحيحاً أن رأس المال هو المستفيد الأول من اضطهاد المرأة في الأسرة وكل النفايات القائمة على التحيز الجنسي المستخدمة في تعزيز وضع المرأة كمواطنة من الدرجة الثانية، وأيضا أن الرجال من الطبقة العاملة لديهم مصلحة طبقية موضوعية في تحرير المرأة، إلا أنني أزعم أن طرح الحجة بهذه الطريقة يؤدي إلى الميل إلى التقليل من خطورة قهر المرأة والاستهانة بضرورة مكافحته داخل الطبقة العاملة.
كمثال محدد ، يمكن مقارنة حجج SWP مع التعليقات التي أدلى لينين نفسه بها عام 1920 في محادثات مع الألمانية الثورية كلارا زيتكن، بعد عدة سنوات من الثورة الروسية، عندما تحدث بالتفصيل عن العقبات التي تحول دون تحقيق تحرير المرأة:
“هل هناك أي دليل ملموس أكثر (على القمع المستمر للمرأة) من المشهد الشائع لرجل يراقب بهدوء امرأة تفني نفسها في عمل تافه، رتيب، يستنزف الوقت والجهد، مثل الأعمال المنزلية، يراقب روحها تتآكل، ذهنها يزداد عتامة، تخفت نبضات قلبها، وتفتر إرادتها؟ عدد قليل جداً من الأزواج، ليسوا حتى البروليتاريين، يفكرون في مقدار ما يمكنهم تخفيفه من أعباء وهموم زوجاتهم، أو إراحتهم تماماً، لو قدموا يد العون في “أعمال النساء”. ولكن لا، هذا من شأنه الحط من “تميز وكرامة الزوج”. إنه يطلب أن يتمتع بالراحة والسكينة.
علينا اقتلاع وجهة نظر مالك العبيد القديم، سواء في الحزب أو بين الجماهير. هذه واحدة من مهامنا السياسية، إنها مهمة ضرورية على وجه السرعة بما يوازي تشكيل فريق عمل مؤلف من الرفاق، الرجال والنساء، مع تدريب نظري وعملي شامل لعمل الحزب بين النساء العاملات.”