فيما تزال الرواية الحقيقية على لسان العرب مفقودة، كما أسمى فاروق الشرع مذكّراته.انبرى كتاب غربيّون لكتابة تاريخ كواليس الشرق الاوسط، رواة لاحاديث الزعماء العرب وعلاقاتهم مع مراكز القرار في العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، وخاصة أمريكا والاتّحاد السُوفياتي، القوّتان اللّتان تصارعتا على النُّفوذ في المنطقة. الكواليس هي غُرف القرار الحقيقيّة تدعونا للتأمل العميق في مسارات البلاد السياسية والتفرقة بين السّطح والعمق ، وتلح في ضرورة فتح ملفات التاريخ الرسمي العربي ، لإدراك حقائق التاريخ، للوقوف على مواطن القوّة والضعف، و التعلم من الأخطاء والاستفادة من دروس الماضي. ليدرك القارئ ان قوى كثيرة اعتملت في المنطقة، بين تيارات قومية وشيوعيّة وعسكرية ارتقت الى سدّة الحكم ورددت شعارات قومية و وطنية، في موج متلاطم من العلاقات الدولية والمصالح والصراعات بين العرب واسرائيل وبقية القوى الغربية.لينتهي المؤلف بدراسة اسباب الاحتقان التي انتهت بثورة في العالم العربي سنة 2011.
مقدمّة
يعد يفيجيني بريماكوف، واحداً من أهم رجالات الحكم في الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية على مدار أكثر من نصف قرن، قضى معظمها قريباً من دوائر صنع القرار.وفي كتابه الأخير عن كواليس الشرق الأوسط ، رواية أخرى لتاريخ علاقات السلطات العربية المختلفة مع الاتحاد السوفيتي وروسيا ، وللصراع بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا على النفوذ في البلاد العربية من ناحية ثانية، وشهادة على العلاقات السوفيتية الإسرائيلية . يطوف بنا بريماكوف، عبر اثنين وعشرين فصلاً، داخل أروقة صنع القرار في مصر وسوريا والعراق بالإضافة لإسرائيل وإيران، باعتبارهم مفاتيح المنطقة.ويحكي لنا عبر خمسين عاماً – -، منذ كان مراسلاً صحفياً لصحيفة برافدا حتى رئاسته للوزراء في روسيا، ثم مديراً لمركز تحليل الأحداث في أكاديمية العلوم الروسية( ص8 )انطلاقاً من مصر الناصرية، والصراع على فلسطين مع الصهاينة، والمواجهة مع الغرب، وفشل الوحدة العربية، والعلاقة مع إسرائيل، و إيران وموقعها في الشرق الأوسط، وأخيراً الربيع العربي.
الاتحاد السوفيتي والعالم العربي
يعتقد بريماكوف، أن سياسات الدول الاستعمارية(فرنسا وبريطانيا)، ومن بعدها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطور النزاع العربي-الإسرائيلي، هما العاملان الرئيسيان اللذان دفعا عددا كبيراً من الدول العربية للتعاون مع الاتحاد السوفيتي،.وكان للمساعدات التي قدمت للعرب والمواقف التي اتخذتها موسكو في اللحظات الحرجة في أثناء مواجهات الدول العربية مع إسرائيل أثر . إلاّ أن شركاء الاتحاد السوفييتي الرئيسيين كانوا الدول العربية التي قادها القوميون الثوريون، بما في ذلك حركة المقاومة الفلسطينية. (ص77) ويشير ، إلى أن بداية التعامل السوفيتي مع النظام العربي الجديد في الخمسينيات والستينيات،كانت تحددها علاقته بالشيوعيين المحليين، وقد استمر هذا المعيار حتى منتصف الستينيات، ولكنه فيما بعد لم يعد هو الذي يحدد العلاقة (ص78 ).حيث تم تطوير نظرية “التوجه الاشتراكي”، لتقوية هذه الأنظمة الراديكالية، لكي لا تكون أهدافاً للهجوم من الأحزاب الشيوعية المحلية المتناقضة معها.وتم حث الأحزاب الشيوعية العربية، على ضرورة التقارب مع هذه القيادات الثورية القومية، وضرورة الموافقة على أنه، ليسوا هم ولكن القيادة القومية الثورية، تعتبر في تلك المرحلة القوة القائدة في العالم العربي. (ص 80 )
الولايات المتحدة والهيمنة الجديدة
يؤكد بريماكوف، على أن المهمة الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السيطرة على المقدرات النفطية في المنطقة، إلا أن المواجهة مع الاتحاد السوفيتي أضافت لهذا مهمة أخرى، وهي إقامة رأس جسر عسكري بالقرب من الحدود السوفيتية، ونظراً لصعوبة وضع هذين الهدفين على مسار واحد، راهنت الولايات المتحدة على تقوية العلاقات مع الانظمة الملكيةالعربية، حيث توجد مكامن النفط الرئيسية على أراضيها. (ص111) . وهو يؤكد على مدار صفحات كتابه، أن معاداة الثوار المنتمين للبرجوازية للإمبريالية، كانت في البداية تحت تأثير العاطفة، ولكن في النهاية تغلبت السياسة، وسادت في الغالب البراجماتية، حتى في التعامل مع الدول التي كانت تستعمرهم أو دول أوروبا الغربية التي كانت مسيطرة في الدول العربية المستقلة شكلاً. (ص32) . ويؤكد بريماكوف عبر شهادته، أن كل قادة الانقلابات في الدول العربية القومية الثورية لم يظهروا معاداة الإمبريالية من البداية، بل إن علاقتهم بالمستعمرين القدامى بقيت مهمة ولها أولوية بالنسبة لهم، وسعوا جميعاً لبناء علاقات طيبة مع الولايات المتحدة. وفقط بعد أن أوصد الغرب كل الأبواب- توجهوا إلى الاتحاد السوفيتي، وتعد مصر أكبر مثال في هذا الصدد.(ص50-58)
القومية العربية
يذهب بريماكوف، في تحليله لكيفية نمو وتطور القومية العربية، إلى أن خيبة أمل الجزء الأكبر من المثقفين العرب في الوصفات الغربية، والتي كانت تحافظ على دولهم في وضعية المستعمرات، بالإضافة لسعيهم للمساواة والعدالة هو ما أدى إلى نمو الفكرة القومية (ص21) فالقوميون العرب، لم يشعروا شعوراً معادياً للإمبريالية بشكل مباشر كما هو متعارف عليه، ولكن الخط السياسي العام للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فيما يتعلق بالعالم العربي، هو الذي عجل بالمسار . طغت قومية الدولة على القومية العربية بمفهومها العام لدى الدول العربية الأخرى من أنظمة البرجوازية الصغيرة. ويعتقد بريماكوف، أن أسباب الوحدة بين مصر وسوريا، لا تعود للرغبة في الوحدة، قدر ما تعود إلى التخوف المتبادل من تعاظم تأثير الشيوعيين في البلديْن، ويؤكد ذلك برضى الولايات المتحدة عن الوحدة واعتبارها شأناً عربياً، واتخاذها موقفاً حيادياً منها. (ص64-65)
مدخل جديد للشرق الأوسط
أدت هزيمة حرب الأيام الستة إلى بداية انهيار “الاشتراكية العربية” في مصر، وأصابت الهزيمة العالم العربي كله بجرح نفسي عميق.(ص129).وتصاعد في الشرق الأوسط، اتجاه معاد للأمركة لم يسبق له مثيل، حتى أن الكثير من المتخصصين الأمريكيين في العلوم السياسية، أكدوا أنه من دون تغيير في التوجه الأمريكي في العلاقة بالعالم العربي، فإنه سيحدث تهديد للغرب في المجال النفطي. (ص155). ودارت المناقشات، في المؤتمرات وحلقات النقاش التي عقدت في أواخر الستينيات-بداية السبعينيات في الولايات المتحدة، حول الاتجاه الذي يجب البحث فيه عن مدخل جديد للوضع في الشرق الأوسط.ولم تنحصر في الجدل بخصوص الاستمرار في دعم إسرائيل والأنظمة العربية المحافظة من عدمه، فقد كان يوجد رأي واحد بهذا الخصوص: الاستمرار في الدعم. لكن الأغلبية، أكدت أن هذا الدعم، يجب ألا يعيق توسيع قواعد الارتكاز الأمريكية في الشرق الأوسط على حساب التوقف عن عداء الولايات المتحدة المستحكم للأنظمة القومية..(ص 155-156) وتم التوافق على ضرورة البدء بعزل مصر وتوقيع اتفاق منفصل معها، فقد ظلت مصر هي الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.ومن أجل ذلك، بحثوا عن مدخل للسادات؛ وسهل انقلاب 15 مايو المهمة، عندما أطاح بكل المحيطين بناصر، وعن طريق العربية السعودية تم عمل اتصال مباشر مع السادات، الذي بدا أنه يمكنه التعامل مع امريكا وإسرائيل بشكل مختلف بشروط معقولة، واستطاعت وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي في التأكد، من خلال تحليل الخطابات العلنية للسادات: أنه على الرغم من تظاهره بالسير على نهج ناصر، إلا أنه على استعداد”للعب” مع الأمريكان. (ص 159-161)
القوتان الأعظم وصراع العرب مع إسرائيل
يصف بريماكوف، احتلال الصهاينة لفلسطين ، بأنه “نزاع” له تأثير سلبي على منظومة العلاقات الدولية، ولديه نزعة دائمة للاشتعال، مما قد يعطي له بعداً نووياً.(ص 449). ويكشف في فصل طويل، عن فترات لم تكن معروفة من قبل عن السياسة السوفيتية تجاه اسرائيل(ص8). فقد كان الاتحاد السوفيتي، أول من اعترف بإسرائيل، وساعدها بالسلاح في حرب 1948-1949، بناء على حسابات ستالين المبنية على أن دولة موالية لاتحاد السوفيتي ستنشأ في الشرق الأوسط، وهي من الممكن أن تتحول إلى”جزيرة للاشتراكية” بالنسبة للمحيط العربي، المتحلل، الإقطاعي، وللحد من نفوذ بريطانيا في الشرق الأوسط، بالإضافة لعوامل أخرى متعلقة بتركيبة سكانها الفقيرة وطبقاتها العمالية.كما أن المستوطنات، كانت لها سمات الملكية الاشتراكية، ووجود الحزب الشيوعي الفلسطيني، بالإضافة إلى أنه في لحظة إقامة إسرائيل لم يكن صدام المصالح بين القوتين العظميين قد بلغ ذروته بعد.( ص 298-299) لكن تطورات فكرة الصهيونية، وصلت إلى تناقض غير قابل للتماهي مع الأيديولوجية الماركسية-اللينية السائدة في الاتحاد السوفيتي.فالهدف الرئيسي للصهيونية انحصر في تنظيم هجرة اليهود إلى إسرائيل من دول”الشتات”، وخاصة من الاتحاد السوفيتي، وهو ما يعد نسفاً للأركان الفكرية ولقدرات الاتحاد السوفيتي، وهو الأمر رفضه الاتحاد السوفيتي.( ص300)
الأنظمة الثورية العربية وإسرائيل
يشدّد بريماكوف،أنّ خلف كواليس حرب فلسطين الأولى التي نشبت بعد إنشاء إسرائيل وخسرها العرب، والتي لعبت دوراً لا يستهان به في تكوين عقيدة الضباط من ذوي الميول القومية والذين وصل الكثيرون منهم للسلطة لاحقاً، إلا أن غضبهم لم يكن موجها بالدرجة الأولى ضد إسرائيل، بل كان موجهاً ضد الأنظمة العربية الفاسدة المرتبطة بالدول الاستعمارية، والتي خسرت الحرب.( ص37). ففي مصر، بعد وصول الضباط الأحرار للسلطة، قاموا بإتخاذ الإجراءات اللازمة لكي تبقى الحدود المصرية-الإسرائيلية هادئة.فالقيادة المصرية لم يكن لها مصلحة في تصعيد التوتر مع إسرائيل في وقت كانت غارقة في مشاكلها الداخلية وتدعيم سلطتها، والقضاء على مقاومة”الإخوان المسلمين”، والقيام بالإصلاح الزراعي، وبالطبع تحقيق جلاء القوات الإنجليزية عن منطقة قناة السويس. فلم يكن النزاع العربي-الإسرائيلي على رأس أولوياتهم-كما يشير المؤلف-، ولكنه ربما كان موجوداً في خططهم التالية وحقيقة أن القادة المصريون قد قاموا بتقليص ميزانية الجيش أعوام 1953، 1954، 1955 تؤكد هذا، والأموال التي توفرت تم تخصيصها لدعم الزراعات الصغيرة والمتوسطة.وبالتحديد، وفي الوقت ذاته، تم إقامة قنوات اتصال سرية تهدف إلى التحرك لتوقيع اتفاقيات مع الإسرائيلين.(ص 39). لقد تكبد العرب الكثير من الخسائر بسبب الشعارات المتطرفة، ولكني بكل ثقة-يقول المؤلف- أستطيع التأكيد على أن قادة دول”المواجهة” من الدول العربية لم يضعوا نصب أعينهم هدف إزالة إسرائيل من الوجود، حتى في أثناء حرب 1973، التي بدأتها مصر وسوريا.ولقد استطعت التوصل لهذا الاستنتاج، من خلال جلسات مفتوحة مع أنور السادات وحافظ الأسد والملك حسين.(ص 45) ويخلص المؤلف، من خلال خبرته، إلى أن المشاركين في النزاع أهدروا بشكل أساسي فرص التسوية، في البداية بدرجة أكبر العرب، وبعد ذلك إسرائيل.(ص 298).
إيران-قوة نووية إقليمية
يقول المؤلف، أن تحول إيران إلى قوة إقليمية، أحد المتغيرات الأكثر بروزاً في الشرق الأوسط والذي نتج عن العملية العسكرية الأمريكية في العراق، مما عزز ونشط”العامل الشيعي” في كل الدول العربية، خاصة في العراق ولبنان ودول الخليج، وحصلت إيران على إمكانيات للتأثير في الطائفة الشيعية، واستخدامها في سياستها أكثر من السابق.وجعلها تبدأ نشاطاً محموماً في مجال الذرة، مما عزز الشكوك في أنها ستقوم بصنع أسلحة نوية سراً.وهو الأمر الذي لن ترضاه دولة واحدة في العالم، لأنه يعني نسف الاتفاقية الخاصة بعدم انتشار الأسلحة النووية، ويفتح الطريق للتسلح النووي لكثير من الدول، بما فيها الدول المتورطة في نزاعات إقليمية.مما يؤدي إلى أوضاع شديدة الخطورة في العالم مثل: تسهيل حصول المنظمات الإرهابية عليها، بالإضافة لخطورة ربط مستقبل تسلح إيران النووي بشعارات طرحها كبار قادتها عن”محو إسرائيل من الخارطة”.(ص409 -416)
أسباب الاحتقان في العالم العربي بين ثورتين
يرجع المؤلف، أسبابها الاحتقان في العالم العربي ، إلى قواسم مشتركة، تتعلق بعجز الحكام عن البقاء في السلطة بسبب فشلهم وفسادهم، بالإضافة لدور الأوضاع الخارجية، والتغيرات في توازن القوى في العالم ، لكن يظل أساس التغيرات الراديكالية في عدد من الدول العربية هي التحولات الداخلية.(ص 12-13). ويؤكد، أن التوجهات القومية الثورية والإصلاحات الاجتماعية التي صاحبتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لا يمكن نسيانها بسهولة(ص7. ويعترف بريماكوف، بأنه فوجىء بالربيع العربي مثل غيره من الخبراء، منوهاً إلى بعض الأوهام التي سيطرت على هؤلاء الخبراء مثل: استبعاد إمكانية الخروج ضد الأنظمة في وقت واحد عملياً، والاعتقاد أن العملية الثورية صارت جزءاً من الماضي، وعدم تقييم تأثير إنجازات الحضارة الحديثة على الأجيال الحديثة من العرب.(ص 432). ويؤكد، أن الربيع العربي لم يكن من تنظيم الخارج، لكن امريكا عملت على تنظيم الربيع العربي بعد وقوعه.ويعتقد، أن استراتيجيتها بعد الثورات، اعتمدت على دعم التغييرات الديموقراطية، مع الاعتماد في نفس الوقت على الجيش تحديداً في الحالة المصرية ومؤسسات البنية التحتية، التي أمنت الاستقرار في فترة حكم الأنظمة الاستبدادية السابقة، والتي استطاعت تحقيق الاستقرار لمصلحة الأمريكيين(لم يسم هذه المؤسسات)، وتطوير العلاقات مع دوائر الإسلاميين المعتدلين.(ص 434-439)
عن الزعماء العرب
تناول المؤلف، رؤيته لعدد من الشخصيات العربية البارزة خلال النصف قرن الماضي. فقداعتبر، ناصر ظاهرة قومية عربية ثورية، لكنه ينقل صورة مختلفة لناصر عن صورته التي عهدناها، فهو يصور ناصراً براجماتياً، مصراً على التعامل مع الولايات المتحدة بعكس ما هو معروف من تاريخه بين العرب، وأن سياسته كانت تقوم في بدايات حكمه- وقبل الفراق مع الأمريكان- على أساس أن مواقف واشنطن تختلف جذرياً عن مواقف بريطانيا وفرنسا (ص49)، لدرجة أنه يذكر أن ناصر قال، وفق مقريبن منه: أن أمله الوحيد أثناء العدوان الثلاثي هو الولايات المتحدة (ص58). وأن اختلاف المصالح هو الذي حال بين اللقاء بينهما (ص34-35). كما يلقي بظلال من الشك على كراهية ناصر لإسرائيل، وأنه لم يغلق أبواب السلام أبداً، وعمل بالتنسيق مع أمريكا سراً للتوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل (ص 40-41) ويشير إلى أن العامل الحاسم في بقاءه في القيادة في مصر لفترة طويلة، كان دعم الجماهير لزعامته (ص15) . وعن السادات، فقد وصفه بالشخصية المتقلبة، التي تميزت تصرفاتها بالفردية، وأنه كان مصاباً بتضخم الذات فقد كان يظن نفسه “الشخص الذي يتحكم في التاريخ، وأبو الأمة الذي يقوده إلهام إلهي “، وليس هذا فحسب لكن أيضاً كان مجد ناصر يصيبه بالتوتر.(ص162، ص176-177 ) ويلمح بريماكوف، إلى اتفاق بين السادات وأمريكا على قيام مصر بحرب محدودة تفتح باب المفاوضات بين مصر وإسرائيل وتمرير انطباع مغاير للسوريين حتى يبدأوا الحرب.( ص180). وبالنسبة لصدام حسين، يؤكد بريماكوف أنه صناعة أمريكية سوفيتية،.فالأولى ساعدت موضوعياً في تكوين عقيدته التي أثرت في سياسته الخارجية، والثاني ساعد على تقدمه قائداً للعراق، يدين بالولاء التام لهم ومستعد لإثبات هذا الولاء بكافة السبل.( ص 351، ص 358). وهو يصفه بالديكتاتور الذي لا يجرؤ أحد على نقده، وأنه يمتاز بالمراوغة، وأنه عاش أسيراً لأوهامه في الزعامة، فقد كان يعتقد أن أمريكا لن تغرقه نهائياً، حتى لا تخل بتوازن القوى في منطقة الخليج وعدم إعطاء إمكانية لصعود إيران ما بعد الشاه لمستوى السيطرة على المنطقة، وظل الوهم يقوده حتى وقعت نهايته المفجعة شنقاً. (ص359-379 ). وفي معرض سرده للأحداث، كانت العربية السعودية تظهر في الظلال من خلال الوجود العسكري الأمريكي بها، ودورها في التضييق على ناصر وغيرها من الأحداث، هذا طبعاً بالإضافة لتحالفها الوثيق مع أمريكا، ومروره السريع على صفقتها مع الاتحاد السوفيتي لتمرير قرار ضرب العراق في حري الخليج الثانية 1991التي لم يذكر عنها شيئا ( ص427-430)، وتناول عرضاً وجود مركز إسلامي معاد لناصر على أراضي السعودية، وعن قيام أرامكو بتدريب مجموعات لم يعرف مصيرها في اقتضاب شديد. ويصف المؤلف عالم السياسة في العالم العربي، بأنه من الصعب الحفاظ على الأسرار فيه (ص 22).وأن قادة العرب، خلال النصف الثاني من القرن الماضي تميزوا بعدم القدرة على تجاوز انفعالاتهم حول الاحداث (ص146-147).كما أنهم-بعكس ما هو شائع- لم يضعوا نصب أعينهم هدف إزالة إسرائيل.وأن الشك المتبادل بين الحكام العرب وعدم الثقة هو السائد بينهم.
خاتمة
حاول بريماكوف، أن يقنع قارئه أن الاتحاد السوفيتي لم يكن يبحث عن مصالحه فقط، بل كان يسعى لصالح الدول التي انضمت إلى معسكره. لكن الحقيقة الماثلة أمام الجميع تشي بغير ذلك، فلم يجن العرب من المعسكر الشرقي أو الغربي سوى تعميق التبعية، ولم يقف الاتحاد السوفيتي مع عدالة القضية العربية كما يدعي بريماكوف، بل إن الخيار النهائي دائما كان إلى جوار مصالحهم أولاً. تحتاج مقاربة المؤلف إلى مناقشة عميقة لرؤيته بخصوص الفكرة القومية ، والإرهاب وتعريفه الغامض له، و دور الاتحاد السوفيتي في العالم العربي ، و التيار الإسلامي وعداوته الغريبة له وتقسيمه الغريب للإسلام، ومقترحاته لعملية السلام، ورؤيته غير العادلة للصّراع العربي الصهيوني،و لكن يمكن الاتفاق مع غالب جوانب رؤيته للربيع العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب
الكاتب : يفجيني بريماكوف
الطبعة الأولى 2016 عن المركز القومي للتّرجمة
ترجمة: نبيل رشوان
عدد الصفحات: 508
المصدر/ مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية.