15 نوفمبر، 2024 4:12 ص
Search
Close this search box.

الكتابة النسوية (1) حين يعتمد النقد الأدبي على وعي بقضايا النساء

الكتابة النسوية (1) حين يعتمد النقد الأدبي على وعي بقضايا النساء

 

خاص: قراءة- سماح عادل

نظرا لأهمية الكتابات النسوية سواء في مجال الكتابة الإبداعية أو في مجال النقد الأدبي، كان من المهم تسليط الضوء على هذه الكتابات والتي ترتبط بتاريخ نضال النساء سواء على المستوى الغربي أو على مستوى دول الشرق الأوسط، وهذه الحلقة الأولى من ملف يهتم بعرض الكتب التي تتناول الكتابة النسوية.

كتاب “النقد الأدبي النسوي” ترجمة: “د. هالة كمال” وهي الأستاذة المساعدة في دراسات الجندر بجامعة القاهرة. هذا الكتاب ضمن سلسلة “ترجمات نسوية” الصادرة عن مؤسسة “المرأة والذاكرة” ويتضمن مجموعة من المقالات المؤسسة للنقد الأدبي النسوي العالمي، وتجمع المقالات بين نماذج من الدراسات الأكاديمية والشهادات الأدبية.

وتهتم الكاتبة بعرض المفاهيم الأساسية الخاصة بالكتابة النسوية قبل البدء في عرض المقالات، حتى تتيح للقارئ فهم ما تتحدث عنه تلك المقالات كما تقدم عرضا تاريخيا موجزا.

 النقد الأدبي النسوي..

ولدت مدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية من رحم الحركة النسوية الغربية، والتي مرت بثلاث موجات عبر تاريخها الموثق، منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن. وقد ارتبطت نشأة النقد الأدبي النسوي بالموجة الثانية من الحركة النسوية، والتي انتقلت من مرحلة المطالبة بالحقوق السياسية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى مساحة التضامن النسوي العالمي والعمل المنظم لتأكيد العدل والمساواة بين الجنسين، في إطار الاتفاقيات الدولية، منذ سبعينيات القرن العشرين. وقد واصلت مدرسة النقد الأدبي النسوي تطورها، لتتماشى مع تطور الحركة النسوية التي أخذت منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في توسيع

نطاق اهتمامها لتتلاقى، بل وتتجاوز، المناهج النقدية المتنوعة، كالبنيوية والتفكيكية والنقد الأدبي الماركسي، والنقد الأدبي الأسود، والنقد الأدبي مابعد الكولونيالي، وغيرها من المدارس النقدية التي يتقاطع فيها النقد الأدبي، نظرية وتطبيقا، مع قضايا الانتماء الطبقي والعرقي والثقافي والقومي.

لطيفة الزيات

الكتابة النسائية والنص النسوي..

المقصود بالكتابة النسائية كل الكتابات التي تتم بأقلام النساء، بصرف النظر عن نوعها الأدبي وشكلها ومحتواها. ونحن حين ننطلق من مضمون الحركة والنص، والذي يعبر عن صوت وفعل يتعلق بقضايا النساء مرتكزا إلى منطق حقوقي أساسه العدالة والمساواة بين الجنسين، فإننا هنا نتحدث عن نص “نسوي” وحركة “نسوية”. فإن النص الذي تكتبه امرأة ويأتي ملتزما ومحاكيا لمضمون وأسلوب الكتابات السائدة وغير معبر عن وعي نسوي يكون نصا نسائيا، ولكنه ليس بالضرورة نصا نسويا. هكذا فإن السمة المميزة هنا هي المضمون، مضمون الحراك ومضمون النص.

والكتابة النسائية بالتالي ليست مرادفا للكتابة النسوية التي تنتج نصا يتبنى منظورا نسويا يعبر عن وعي نسوي، تعرفه المؤرخة النسوية “جيردا ليرنر”بأنه: ” الوعي النسوي يعني وعي النساء بأنهن ينتمين إلى فئة ثانوية، وأنهن تعرضن للظلم باعتبارهن نساء، وأن وضعهن الثانوي الخاضع ليس وضعا طبيعيا وإنما هو مفروض اجتماعيا، وأنه يجب عليهن التحالف مع نساء أخريات للتخلص من أشكال الظلم الواقع عليهن، وأنه يجب عليهن تقديم رؤية بديلة للنظام الاجتماعي، بحيث تتمتع فيه النساء مثلهن مثل الرجال بالاستقلالية وحق تقرير مصيرهن”.

إن الوعي النسوي في العمل الأدبي يعني وعي الكاتبات بأنهن يقعن في حيز ثانوي داخل التراث والإبداع الأدبي بسبب انتمائهن إلى جنس النساء، وأن وضعهن هذا مفروض عليهن في إطار المعايير والسلطة الأدبية السائدة، وأنه من الضروري لهن التنقيب عن الكاتبات اللاتي انتزعن حق الكتابة عبر التاريخ واستخراجهن من هامش تاريخ الأدب، وتسليط الضوء النقدي على كتاباتهن، والبحث عن المشترك في الكتابة النسائية عبر الأجيال وتحليل مواضع الاختلاف، والتحالف مع الكاتبات اللاتي يشاركنهن الوعي النسوي، والسعي معا لتأسيس تيار للكتابة النسائية النسوية التي تتجاوز حدود الأدب السائد وتطرح صورا إبداعية بديلة للنظام الاجتماعي، أساسها العدل والقيم النسوية وتنطلق محلقة، دون التقيد بالضرورة بما هو سائد في الإبداع الأدبي شكلا ومضمونا..

النظرية الأدبية النسوية..

تتطرق النظرية الأدبية النسوية إلى جانبين في دراسة الأدب من منظور نسوي ، وهما تاريخ الأدب، والنقد الأدبي. وتستند النظرية في ذلك إلى عدة مفاهيم في الفكر النسوي، إذ تسعى مدرسة النقد النسوي إلى التأريخ للكاتبات من ناحية، وتأسيس مدرسة للكتابة النسائية تركز على السمات المميزة و”المختلفة” عما هو سائد، من حيث الخصائص الأسلوبية واللغوية والتصويرية. إلا أنها تجمع في ذلك بين كشف وفضح وانتقاد غياب الكاتبات أو تهميشهن في تاريخ الأدب، وقلة الالتفات إلى الإبداع النسائي بالنقد والتحليل، وتهميش كتابات النساء أو تسفيهها بسبب عدم مواءمتها للبنى النقدية أو المدارس الأدبية المتعارف عليها. وهو ما يتبدى جليا في ندرة تضمين الأعمال الأدبية النسائية، ناهيك عن النسوية، ضمن المقررات الدراسية المعتمدة، أو ما يعرف بالأدب المعتمد.

إلا أن الأمر لا يقتصر على كشف ذلك التمييز والتهميش، وإنما يستتبعه جهد نقدي يسعى إلى تسليط الضوء النقدي على الكتابات النسائية/النسوية وإفراد دراسات أكاديمية لها وخلق مقررات دراسية تلتفت إلى الكتابة النسائية بالدراسة والتحليل والنقد، والكشف عن خصائصها والتجربة التي تعكسها باعتبار الأدب مرآة للحياة.

القراءة النسوية للنص الأدبي..

إن تناول النص الأدبي من منظور نسوي يستدعي التركيز على وضع النساء في النص كذوات وموضوعات وراويات ومؤلفات، فالقراءة النسوية تنصت إلى الصوت السائد والأصوات الخفية، كما تتأمل سمات هوية الراوية والبطلة والمؤلفة، ومدى تمتع المرأة بسلطة السرد وتمثيل الذات، أي مدى ظهور المرأة في النص وتعبيرها عن حياة النساء والموقف الأيديولوجي الذي يعكسه النص بشأن علاقات القوى الجندرية “ذكر وأنثى”. كما يتطرق النقد النسوي إلى طبيعة علاقات القوى الجندرية وسياقاتها الثقافية والتاريخية، وتقاطعاتها مع علاقات القوى القائمة على أسس عنصرية أو طبقية أو سلطوية بأي شكل من الأشكال، ويتجاوز التحليل النسوي النص فيتأمله في إطار سياق النظام الأبوي والنظام السياسي الذي يتجلي في مختلف البنى التراتبية السلطوية.

وفي هذا الإطار العام يسلط النقد النسوي الضوء على تجارب النساء وحيواتهن والسمات المشتركة التي تخلق مساحات للتواجد النسوي في مواجهة التهميش والتشويه والصمت والإسكات، وهي مساحات تخلق من حيوات النساء وتجاربهن ثقافة مشتركة أشبه بثقافة هامشية أو فرعية في إطار الثقافة السائدة..

نشأة النقد الأدبي النسوي..

نشأ النقد الأدبي النسوي في السبعينيات، وارتبط بإدراك النساء لأهمية التضامن والتحالف ونشر الوعي النسوي على المستوى المجتمعي والأكاديمي. وقد اتسمت السبعينيات ببداية حرص الباحثات النسويات على تبني منظور نسوي عبر التخصصات المختلفة، فتعددت مناهج البحث النسوية بتنوع التخصصات والأفرع المعرفية، واستخدم المنظور النسوي في الدراسات اللغوية أو علم النفس والعلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام، بالإضافة إلى ما شهدته النظرية النسوية عموما من تعددية وتنوع لنجد أنفسنا اليوم أمام مناهج للبحث النسوي لا مدرسة واحدة في النقد النسوي، مثلا توضح الباحثة النسوية “ماجي همّ”، في مقالتها عن النظرية الأدبية النسوية المنشورة عام 1992، والمدرجة في هذا الكتاب، أن السمة الأساسية لمدرسة النقد النسوي منذ السبعينيات، هي عدم اقتصار اهتمام النقد النسوي بصورة المرأة في الأدب، بل بالسعي إلى التنقيب عن الكاتبات وطرح مفهوم النقد النسائي، بمعنى اهتمام الناقدة بالمرأة الكاتبة. أما الثمانينات فقد شهدت مزيدا من الاهتمام بكتابة النساء وتحليل لغة الكتابة فيما عرف بالكتابة الأنثوية، في الوقت نفسه الذي شهدت فيه أمريكا نشأة النسوية السوداء.

بينما اتسمت التسعينيات بتقاطع النقد الأدبي النسوي مع مدرسة مابعد الكولونيالية فظهرت النظرية الأدبية النسوية مابعد الكولونيالية، أما بدايات القرن الواحد والعشرين فتتسم بتوجهات نحو النقد الذي يتسم بقوة التواجد والتعبير عن الذات وتبني موقف أيديولوجي سياسي واضح، مع استمرار الاستناد إلى سياسات الاختلاف جنبا إلى جنب تأمل الذات.

الكتابة النسائية العربية..

انشغل بعض الباحثين والباحثات العرب بالكتابة النسائية العربية، والأدب الروائي من منظور نسوي، وذلك في دراسات موجهة في الأساس إلى الباحثات والباحثين الغربيين المهتمين بالإبداع النسائي العربي، فصدرت باللغة الإنجليزية ثلاثة كتب تحتل موقعا متميزا، أولهم كتاب “جوزيف زيدان”بعنوان “الروائيات العربيات: سنوات النشأة وما بعدها” 1995، والذي تناول فيه أوضاع النساء في المجتمع العربي، ثم أفرد مساحة للجيل الأول من الكاتبات الرائدات، دون أن يقتصر على الروائيات وإنما التفت كذلك إلى الشاعرات والصحفيات والمثقفات، ثم تتبع للجيل التالي مركزا على ملامح البحث عن الهوية الذاتية لدى كاتبات من جيل الخمسينيات والستينيات، ثم انتقل إلى تناول البحث عن الهوية الوطنية في أعمال كاتبات أخريات في إطار السياق السياسي وتحديدا نكسة 67.

ثم صدر في السنوات القليلة الماضية باللغة الإنجليزية كتابان يمثلان إضافة مهمة في دراسات الأدب النسائي والنقد النسوي.  كتاب “بثينة شعبان” ويتم فيه الكشف عن أصوات الروائيات العربيات في النصوص الروائية مع ربطها بالسياق الثقافي والاجتماعي الذي نشأت فيه. وتنطلق الكاتبة من موقف يكشف عن تهميش النساء في النقد الأدبي، والذي تعزوه في الأساس إلى عدم توفر الكتابات النسائية على مدار العقود الماضية، لا ضعف قيمتها، ومؤكدة على سعيها إلى تسليط الضوء على الإبداع الروائي النسائي كما وكيفا.

أما كتاب “هدى الصدة” عن قضايا الجندر والوطن والرواية العربية في مصر،  فيتجاوز مرحلة التأريخ لكتابات النساء العربيات، ويستند إلى منظور جندري، يجمع بين تحليل خطابات كل من الذكورة والأنوثة في إطار الحداثة وما بعدها في الأدب الروائي المصري.

النقد النسوي في مصر..

لا يمكن القول بوجود مدرسة للنقد الأدبي النسوي المصري أو العربي، ولكن يمكننا أن نتوقف أمام بعض الأصوات النسوية في النقد الأدبي على مدار ما يقرب من قرن من تاريخ الكتابات النقدية النسائية/النسوية في مصر. أول هذه الأصوات هو صوت مي زيادة ، التي ألفت ثلاثة كتب نقدية عن ثلاث أديبات عربيات: (باحثة البادية: بحث انتقادي ) (وردة اليازجي) (عائشة تيمور: شاعرة الطليعة ) وهي كتب تتسم بالجمع بين التعريف بالأديبات وسياقهن الثقافي والاجتماعي والقراءة النقدية. وهكذا جاء صوت مي زيادة مؤسسا للأدب النسائي ومسلطا الضوء على أهم سمات ومميزات تلك الكتابة في إطار الأدب العربي في العشرينيات من القرن العشرين.

وصوت آخر للكاتبة والناقدة الأكاديمية والناشطة السياسية “لطيفة الزيات”   حين اهتمت بتتبع تصوير النساء في الأدب الروائي والقصصي العربي، وذلك في كتابها (من صور المرأة في القصص والروايات العربية ) والذي تكشف فيه عن تنميط النساء في أعمال كبار الأدباء المصريين والعرب. مستندة في تحليلها إلى عدة نماذج نمطية للنساء في تلك الأعمال الأدبية. إن لطيفة الزيات تشرح في مقدمة الكتاب أسباب اهتمامها بتتبع صورة المرأة في الأعمال الأدبية، وتركيزها في ذلك على كتابات الرجال. فهي تؤكد من جهة غياب الاهتمام النقدي بصورة المرأة العربية في الأدب القصصي والروائي، كما تفسر تركيزها على منظور الكاتب العربي دون الكاتبة العربية، لما يعكسه منظور الكاتب الرجل من قيم وتحيزات مجتمعية وأيديولوجيا ذكورية سائدة.

وفي نهاية الثمانينات صدر كتاب “سوسن ناجي” (المرأة في المرآة: دراسة نقدية للرواية النسائية المصرية) تتبعت فيه صورة المرأة في الأدب المصري مع الربط بين الشكل الروائي وتصوير النساء في الأدب والقضايا النسائية المطروحة. ثم تطرقت إلى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والجسدية الواردة في الرواية النسائية. وهي دراسة رائدة في النقد النسائي المصري لما تكشف عنه من وعي مؤلفتها بخصوصية الكتابة النسائية، مع استنادها إلى مدرسة النقد العربي في تحليل النصوص الأدبية. مؤلفتها أستاذة في كلية دار العلوم بجامعة المنيا في صعيد مصر.

وواصلت “سوسن ناجي” اهتمامها بالكتابة النسائية فأصدرت كتابا عن صورة الرجل في القصص النسائي، طبقت فيه نفس منهجها المستخدم مسبقا مع تتبع صورة الرجل في القصة القصيرة لدى الكاتبات المصريات، من منطلق أن الوعي بماهية صورة الرجل من منظور الكاتبة/المرأة، إنما هو امتداد للوعي بالذات.

أما الصوت الأعلى والأقرب في قراءة الأدب العربي من منظور نسوي فيتمثل في كتابات “ألفت الروبي” والتي نشرت كتاب (بلاغة التوصيل وتأسيس النوع) والذي صدر بعد وفاتها. وقد جاء الفصل الرابع من الكتاب معنونا “عن الكتابات النسوية”، وتضمن دراسة موجزة عن “زينب فواز” و”لبيبة هاشم”، ودراسة نقدية لكتاب “مي زيادة” عن “عائشة تيمور”،  ودراسة أخرى لكتاب “مي زيادة” عن “ملك حفني ناصف”، وتتمثل أهمية هذه الدراسات الثلاثة في دورها المزدوج في إعادة قراءة تاريخ الأدب العربي من ناحية، والالتفات النقدي إلى أعمال أديبات رائدات بالتحليل والنقد من منظور نسوي جديد. وهي في التفاتها إلى نقد النساء لكتابات النساء قد قدمت نفسها بوصفها امتدادا لذلك التيار النقدي. ولم يقتصر اهتمام “ألفت الروبي” على ذلك الجيل من الكاتبات الرائدات الممتد من نهايات القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وإنما يتضمن كتابها مقالتين نقديتين لكتابات نسائية معاصرة.

ومع تزايد الاهتمام بالكتابة النسائية والأدب النسوي منذ التسعينيات فصاعدا، تمت بلورة تيارين أساسيين في النقد الأدبي النسوي في مصر، يتنوعان من حيث الإطار النقدي المستخدم في دراسة وتحليل نصوص الكاتبات المصريات. ينطلق التيار الأول في النقد الأدبي النسوي في مصر من داخل مدرسة النقد الأدبي العربي وبجهود ناقدات أكاديميات مصريات. فقد خطت “نبيلة إبراهيم”، في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه في الأدب العربي عن ألف ليلة وليلة، أولى خطواتها بعد مي زيادة، وسهير القلماوي، إذ أفردت فصلا من فصول الرسالة لتحليل صورة المرأة في ألف ليلة وليلة. ومن بعدها قامت “نبيلة إبراهيم” في دراستها للأدب الشعبي العربي بالتركيز على “سيرة الأميرة ذات الهمة”، لتسلط الضوء على السيرة الشعبية الوحيدة لامرأة وسط سير عديدة لأبطال مثل عنترة بن شداد، والظاهر بيبرس، وعلي الزيبق، وأبو زيد الهلالي. وهو التيار الذي أسست له “لطيفة الزيات” في كتاباتها النقدية.

ينطلق التيار الثاني في النقد الأدبي النسوي في مصر من داخل النظرية الأدبية النسوية الغربية، في إطار دراسات الأدب النسوي المقارن. ولعل من أولى الكتب التي صدرت في مصر مستندة إلى النظرية النسوية الغربية هو كتاب شيرين أبو النجا (عاطفة الاختلاف)  الذي طرحت فيه إشكالية علاقة المعرفة النسوية الغربية بما أسمته “الخصوصية الشديدة للمرأة العربية” الناجمة عن سياقها التاريخي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي سعيها في كتابها للوصول إلى “الرؤية الذاتية لكل كاتبة كما عرضتها في أعمالها”. مسلطة الضوء على جيل معاصر من الكاتبات يشار اليوم إليهن باعتبارهن كاتبات جيل التسعينيات.

وفي كتابها التالي (نسائي أم نسوي؟ ) تجمع “شيرين أبو النجا” مجموعة من مقالاتها التي تتناول فيها موضوعات وأعمالا أدبية وفنية متباينة، تقدم لها جميعا بمقدمة تطرح فيها مفهوم النص النسوي للنقاش منطلقة من عدة أسئلة تحاول الإجابة عليها، نظريا، استنادا إلى تيار النقد النسوي الفرنسي ممثلا في الناقدة النسوية “هيلين سيكسو”، وتيار النقد النسوي الأمريكي ممثلا في الناقدة النسوية “إيلين شوولتر”.

ويأتي كتاب زينب العسال (النقد النسائي للأدب القصص في مصر) ليقدم مثالا آخرعلى دراسة تستعين بأدوات النقد الأدبي النسوي الغربي في تحليل القصص العربي. وهي تنطلق من تيارات مدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية، الفرنسية منها والأمريكية، ثم تتبع بدايات الكتابة النسائية في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمنتصف القرن العشرين وصولا إلى القصص النسائي عند منعطف القرن. أهم مزايا هذا العمل قوائم المصادر التي تشير إليها المؤلفة، والتي تجمع ما بين مصادر في النظرية الأدبية وفي النقد الأدبي النسوي، بالإضافة إلى المصادر العربية التي تشتمل على أهم ما صدر عن الإبداع والنقد النسائي في مصر من كتب ودراسات، ذلك إلى جانب الإشارات إلى أبرز الأعمال الأدبية التي كتبتها أجيال الكاتبات المصريات على مدار قرن ويزيد.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة