كتب – عمر رياض :
أيتها القهوة.. أنت تبددين جميع الهموم
أنت شراب الحكماء المفضل
رائحتك تزري برائحة المسك
و لونك لون الحبر الذي يغمس فيه الأديب قلمه
هكذا نوه “عبد القادر الحنبلي” بهذا المنتج الجديد، وقال: “الشراب اللذيذ.. إشرب أخي كثيراً من القهوة ولا تسمع كلام السفهاء الذين يحكمون ضدها دون مبرر”.
للقهوة دورها في حياة الفرد والجماعة.. ومع ذلك قلما تستوقف الممارسات اليومية الانتباه.
أصل القهوة..
إن أصل منتج القهوة واستعمالها مشروباً.. كان محورا لقصص ليست أسطورية، تلك القصص من محاضرة للمؤرخ للفرنسي “أندريه ريمون” – الأستاذ بجامعة “زبروفنس” – ألقاها في جامعة القاهرة ونشرها مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية “السيداج” CEDEJ. تحت عنوان “أصل القهوة”، ونشرها في مصر، يذكر ريمون أن أغلب المؤلفين يشيرون إلى الحبشة على أنها موضع هذه النبتة الأصلية وأول البلاد التي شرب فيها الشراب المصنوع منها، غير أن تاريخ أول شربها غير معروف.
انتقلت القهوة من الحبشة إلي اليمن عندما جلب بعض منها الشيخ “عبد الله الذبحاني”، مصحح الفتاوى في عدن، وقد سافر فى مهمة من عدن إلى بلاد العجم “الحبشة” – ونقلها معه إلى اليمن، حيث شعر بمرض بعد عودته لليمن فتذكر تلك الحبوب التي احضرها فشرب منها واستطابها ولاحظ انها تذهب “التعب والنعاس والكسل” وتبعث على الاسترخاء وتقوي الجسم كما تبعث في الجسد الخفة والنشاط.
ولأن “الذبحاني” كان من أتباع الصوفية، فقد إستخدم القهوة مع زملائه حتى تعينهم على ذكر الله.. ثم إنتشرت منهم إلى سائر الناس، حتى وصلت إلى “رواق اليمنيين” بالجامع الأزهر في مصر.
قصة القهوة..
تحت عنوان “قصة القهوة”، حكى المفكر المصري “سلامة موسى” أيضاً في كتابه “حرية الفكر”، عن المعركة الكبيرة التي دارت حول “تحريم شرب القهوة في مصر”، ونقل “موسى” عن (ابن عبد الغفار) أن أول ظهور للقهوة بمصر كان داخل حارة الجامع الأزهر في العشر الاول من القرن العاشر الهجري، وكانت تشرب بنفس الجامع فيما عرف برواق اليمن، يشربها فيه اليمنيون ومن يسكن في رواقهم من أهل الحرمين.
وكان شاربوا القهوة من الفقراء المشتغلون فى الرواتب من الاذكار والمديح على طريقتهم.
وتشرب القهوة كل يوم أثنين وجمعة، يضعونها فى “ماجور” كبير من الفخار الأحمر ويأخذ منها النقيب فنجال صغير ويسقيهم الايمن فالأيمن مع ذكرهم المعتاد.
شربت القهوة وبيعت في عدة أماكن و لم يتعرض لها احد.
تحريم القهوة..
ومن رواق اليمنيين بالجامع الأزهر شقت القهوة طريقها إلى كل الأنحاء حتى وصلت إلى “مكة المكرمة”، وشربت بداخل المسجد الحرام.. حتى كان العام 917 هـ، حينما جاء إلى مكة رجلين من العجم قادمين من مصر فى أواخر دولة الغورى.. إدعيا علماً بالفقه والطب وأدخلا على الأمير “خاير بك”، محتسب مكة، تحريم القهوة حتى كتب إلى السلطان فى مصر يطلب مرسوماً سلطانياً بذلك.. ولم ينتظر رد السلطان، فأرسل منادياً في الأسواق بقرار التحريم.. ثم هاجم أحد البيوت بعدما بلغه أن صاحب المنزل يحتسي القهوة، وقام بجلده والطواف به في الأسواق.. لكن رد السلطان جاء من مصر بعد عام بإباحة شرب القهوة.. فعاد الناس لشربها وأطلقوا النكات في صورة أبيات شعر على المحتسب وشلته.
وجاء السلطان المظفر “سليم شاه” من مصر إلى مكة وقتل الأعجمين.. بعد أن بلغه أنهما يتقولان على الله كذباً.
في الشام أيضاً دارت معركة شبيهة قادها “جمال الدين القاسمي” الذي عارض “يونس العيثاوي” الشافعي حول تحريم القهوة في القرن العاشر الهجري وانتهت بإباحتها بعدد من الفتاوى التي دعهما بالأشعار.
وخاض عدد من العلماء ذات المعركة، إلى جانب كل من الطرفين حتى إنتصر “القاسمي” ومن أمثل من قالوا في إباحة شرب القهوة “أبو الفتح” المالكي:
أقول لقوم قهوة البن حرمــوا
مقالـــة مـعلوم المقـام فقيــــه
فلو وصفت شرعاً بأدنى كراهة
وقال الإمام “عبد الواحد بن أحمد بن عاشر الأنصاري” الفاسي، إمام المذهب المالكي الذي ولد في فاس وتوفى فيها عام 1631م:
يقولون لي قهوة البن هــل
تحلُّ وتؤمــن آفاتهـــــــــا
فقلت: نعم هي مأمونة
وما الصعب إلا مضافاتها
ولبعضهم:
إن أقوامــاً تعدوا
والبـلا منهـم تأتى
حرموا القهوة عمداً
وحووا ذلاً ومقتـا
إن سألت النص قالوا
ابن عبد الحق أفتى
يا أولي الفضل اشربوها
وارفضوا من قال بهتا
واتركوهم في هواهـم
يشربون المـاء حتى
لما شربت في مجلس وأنا فيه