16 نوفمبر، 2024 3:50 ص
Search
Close this search box.

القطة السيامية المسحورة.. قصة قصيرة

القطة السيامية المسحورة.. قصة قصيرة

بقلم: أمين الساطي

أكثر ما أكرهه في هذه القطة السيامية التي تشاركنا البيت شكلُ رأسها المثلثي، وعيناها الزرقاوان المتوهجتان في الظلام،

حيث أحسُّ بأنها تتابعني باستمرار. إنها جاسوسة، تعمل بالبيت لدى زوجتي لمراقبة جميع تحركاتي، ولعل كراهيتي لزوجتي قد انعكست على قطتها أيضاً، وبمرور الوقت اكتشفت الصفات السيئة المشتركة بينهما، على الرغم من طباعها الحادة، وردّات فعلها التي لا يمكن التنبؤ بها، إلا أنها تظل تخاف مني، فهي تدرك بفطرتها البدائية حقيقة مشاعري نحوها، فعادةً تتحاشى أن تقترب مني حينما نكون وحدنا في الغرفة، وتكتفي بمراقبتي من بعيد.

زاد من كراهيتي للقطة مشاهدتها يومياً وهي تأكل الغذاء الأجنبي الجاف الذي تشتريه لها زوجتي من السوبر ماركت، غير عابئة بالضائقة المالية التي نمرّ بها في لبنان، أنا لا أبالغ عندما أقول إنها تهتم بغذائها، أكثر مما تهتم بنوعية الطعام الذي تحضره لي في المطبخ، ما زاد من حقدي على زوجتي وقطتها. فاتحتها بهذا الموضوع مراراً، فاتهمتني بالبخل والغيرة، وأنني شخص بلا إحساس، ولا أحب الحيوانات الأليفة.

تمالكت نفسي طوال هذه الفترة، ولم أخبرها بأني قرأت مرة، بأن أكثر القطط التي نصادفها أمامنا هي بسبع أرواح، نتيجة لتقمّصها لأرواح الساحرات. أحيانا بدأ ينتابني شكٌّ، فيما إذا كانت روح شريرة قد تقمصت زوجتي أيضاً، فقررت أن أتحقق من ذلك بنفسي.

في إحدى المرات، لا حظت أن القطة تلتفت يميناً ويساراً، وبعد أن تأكدتْ من أني لا أراقبها، قفزتْ على يد باب البيت الخارجي وتعلقتْ به، فانفتحت درفة الباب قليلاً، ثم استوت على الأرض، ودفعت الدرفة المشقوقة برأسها، بحيث باتت هناك مسافة كافية لكي تمرَّ من خلال الفجوة، فخرجت من البيت، وبعد أكثر من نصف ساعة عادت ومرت من خلال هذه الفتحة، بعد أن صارت في داخل البيت، دفعت الباب بكل ثقلها، فارتدّ الباب، وانغلق وعاد لوضعه الأول، شدني هذا المنظر، فتيقنت من أن هناك جنيّاً متلبساً هذه القطة، وَمِمَّا زاد من تأكدي أنها تقوم بالمواء فقط عند وجود زوجتي معها بالغرفة، لكي تتواصلا وتحيكا المؤامرات ضدي.

قرأت في أحد كتب السحر عن طريقة للتخلص من القطة التي يتمثل فيها الجن، بينما كانت القطة نائمة باسترخاء على الكنبة في غرفة الجلوس تحت أشعة الشمس الدافئة، اقتربت منها ببطء وبسكون، فاجأتها عندما أطبقت بيدي على رقبتها. ارتجفت وخافت لما وجدت نفسها بهذا الوضع، فقاومت وحاولت بكل قوتها أن تفلت مني، وأخذت تقوم بالمواء بصوت عالٍ وبشكل مستمر لجذب انتباه صاحبتها التي كانت تغط بالنوم في غرفتها. حملتها إلى المطبخ، وضعتها بالقوة على الطاولة فوق ورقة رقيقة من الألمنيوم، كنت قد أحضرتها مسبقاً لهذا الغرض، من دون تردد ذبحتها، وأنا أردد بعض الكلمات الكلدانية التي حفظتها من كتاب السحر عن ظهر قلب، من دون أن أفهم معناها، محاولاً استخدام دمائها في طقوس سحرية، لتكون تضحية وقرباناً للشيطان الأكبر، لكي يمنع أهل وعشيرة الجني المتلبس بها من الانتقام مني.

قرأت بالكتاب نفسه، بأن قتل الجني بشكل نهائي لكيلا يعود للحياة مرة ثانية، لا يتم إلا بحرق جثته، التي هي مخلوقة أصلاً من النار، فلففت القطة بورقة الألمنيوم الرقيقة، ووضعتها في فرن الغاز، ففاحت بالبيت رائحة مادة عضوية كريهة، تشبه مزيجاً من رائحة الكبريت والكاوتشوك، ولعلها وصلت إلى أنف زوجتي المشعوذة، فجاءت راكضة إلى المطبخ، ولما شاهدت الدماء تغطي الطاولة وأرضية المطبخ، بدأت بالولاويل، فهرولت نحوها محاولاً أن أضع يدي على فمها لإسكاتها، مفكراً بأن أذبحها، وأن أقطعها إلى شقف صغيرة، لكي يتسع فرن الغاز لها، ولتكون قرباناً ثانياً إلى جانب قطتها، إلا أنها أبعدتني واندفعت إلى باب البيت، وهي تقاومني وتصرخ بأعلى صوتها، حتى تجمع نصف سكان العمارة عندنا في البيت، ثم استدعى أحد الجيران شرطة النجدة، وساقونا معاً إلى المخفر.

كان المساعد الأول يجلس على الطاولة نفسها التي أمامنا أنا وزوجتي، لاحظت أنه كان ينظر بطرف عينه بإعجاب وحسد إلى ساعة الروليكس التي ألبسها في يدي، فأخفيت يديَّ الاثنتين تحت الطاولة، شلحتها من يدي اليسرى ومررتها بيدي اليمنى حتى لامست ركبته، فأحسّ بها، فمدّ يده بخفة والتقط الساعة، وبعد أن استمع شفهياً إلى أقوالي وأقوال زوجتي، نادى الرقيب لكتابة ضبط بالحادثة.

فأملى عليه ما يلي: عند دخول الدورية إلى موقع جريمة قتل القطة، لفت نظر المساعد الأول أن بياض عين الزوجة ظهر فيه بشكل واضح تعرقات دموية حمراء، قد تكون إشارة إلى أنها تتعاطى المخدرات، وظلت خلال وجودنا، تبكي وتصرخ باستمرار، غير قادرة على السيطرة على أعصابها، حاولت في أثناء ذلك، أن تأخذ سكينة المطبخ لتطعن بها زوجها، إلا أن المساعد منعها من ذلك، طوال الوقت، كان زوجها يبدو بشكل عادي وطبيعي، ولقد أفاد زوجها بأنها مدمنة على أخذ الحبوب المهدئة للأعصاب، وأنها حاولت الانتحار منذ فترة قصيرة، لذلك نرى إحالتها إلى مستشفى الأمراض النفسية للتأكد من سلامة حالتها العقلية، قبل اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.

وعليه تم إقفال المحضر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة