عرض: آية عبدالعزيز
تتميز الديمقراطية الأميركية بالمرونة بما يمكنها من مواجهة الصدمات البيروقراطية بكفاءة وفعالية دون أن تتصدع أركانها، حيث تستند مرتكزاتها على مؤسسات منفصلة متشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار، هدفها الأول هو المصلحة الوطنية لأميركا.
شهدت إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” العديد من الصراعات الداخلية بين مؤسسات صنع القرار في إشارة إلى تنامي غير مسبوق لتصاعد فكرة التسريبات بشكل غير مسبوق أثار المخاوف لدى البعض، من أن “ترامب” يسعى إلى الانفراد بعملية صنع واتخاذ القرار تمثل ذلك بشكل كبير في حملة الاستقالات لبعض المسئولين في الإدارة الأميركية، مما أدى إلى تزايد حدة التسريبات من قبل بعض المسئولين السابقين مثل “جيمس كومي” المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كرد فعل على فساد إدارة “ترامب”.
وعليه يكشف “جيروم كورسي” في كتابه المُعنون “القضاء على الدولة العميقة: الصراع من أجل إنقاذ الرئيس “ترامب”، من وجهة نظره الخطة السرية الهادفة لإسقاط الرئيس الأميركي ” دونالد ترامب” وما يجب عليه أن يفعله للمواجهة. تكمن حقيقة هذه الخطة إنها تدار من قبل بعض المتشددين بالإضافة إلى وسائل الإعلام، والموالين لـ”كلينتون/ أوباما” داخل البيروقراطية الحكومية مع العناصر السرية داخل جهاز المخابرات الأميركية الذين يعملون لتقويض إدارة “ترامب” من خلال “الدولة العميقة”.
وتُعرف “الدولة العميقة” بإنها دولة داخل الدولة تدار من قبل بعض القوى البيروقراطية أو الأمنية أو الحزبية هدفها السيطرة على مقدرات الدولة ومؤسساتها والعمل على تحقيق مصالح خاصة بهم مثل البقاء على أنظمة حاكمة أو إسقاطها.
يُشير الكاتب إلى أن فكرة “الدولة العميقة” تبلورت مع فوز “ترامب” المفاجئ للتوقعات التي تكهنت بفوز “هيلاري كلينتون” لذا فقد بدا التخطيط لمواجهة “ترامب” عبر آليات “الدولة العميقة” لمنعه من استكمال مدته الرئاسية.
ويذهب “كورسي” إلى تفاصيل حول كيفية استخدام “الدولة العميقة” أو “حكومة الظل” السلطة سرًا في واشنطن، موضحًا مدى خطورتها في استهدافها عزل “ترامب” أو إجباره على الاستقالة. لذا فقد حدد “كورسي” أيضًا استراتيجية -يجب على ترامب- بصفته مستقلًا سياسيًا، ومعارضًا من قبل الحزب الديمقراطي والجمهوري ليبقى في منصبه ولديه فرصة لولاية أولى ناجحة في منصبه.
“الترهيب”.. أبرز آليات الدولة العميقة
أثار فوز “ترامب”، وانتهاجه شعار “أمريكا أولاً” حالة من الجدل داخليًا وخارجيًا بسب القرارات التي اتخذها على غرار هذا الشعار، فلم يكن متوقعًا أن يفوز على المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” لذا بدأت التسريبات بان هناك تنسيق بين حملته الانتخابية وموسكو من أجل الفوز في الانتخابات، وفي هذا السياق بدأت التحقيقات في هذا الشأن من قبل “روبرت مولر” المحقق الخاص المكلف من قبل وزارة العدل الأمريكية للتحقيق.
وكان من بين أول قرارات “ترامب” إبان توليه منصبه إلغاء شراكة الرئيس أوباما عبر المحيط الهادئ، والانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ في باريس الذي تم التفاوض عليه.‘‘
يؤكد الكاتب أن “مولر” استهداف أفراد التحقيق وخاصةً الداعمين لـ “ترامب” عبر حملة من الترهيب جاء في مقدمتهم “بول مانافورت” مساعد “ترامب”، ففي 62 يوليو/ تموز 2017 تم الإغارة على منزله ليلًا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بموجب مذكرة تفتيش حصل عليها المدعي الخاص “روبرت مولر” على الرغم من أن “مانافورت” قد أدلى بشهادته طواعية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ 25 يوليو/ تموز وكان يتعاون بشكل كامل مع تحقيق المستشار الخاص في تواطؤ حملة ترامب مع روسيا.
لماذا “هيلاري كلينتون”؟
يشير الكاتب أن فوز “كلينتون” في السباق الرئاسي، كان بمثابة الأمل لاستمرار “الدولة العميقة” في مواصلة إدارتها الداعمة للمجمع الصناعي العسكري الساعي لاستمرارية الحرب بشكل دائم. كما إن فوزها يمثل الكثير لحلفائها التقليدين على الصعيد الداخلي والخارجي لانها ستنتهج نفس السياسة التي أعلنت عنها سابقًا تتجسد أبرز ملامحها في التصدي لأعداء واشنطن وفي مُقدمتهم روسيا والصين، الأمر الذي حمل في طياته استمرار التدخلات العسكرية في مناطق النفوذ بما يكرس الهيمنة الأميركية.
وعليه؛ كان محافظو البنوك المركزية واثقين من أن بإمكانهم طباعة أكبر قدر من العملة كما هو مطلوب لمواصلة تمويل الصراعات العسكرية الدائمة دون القلق بشأن مضاعفة الديون القومية الأمريكية التي مرت بها خلال فترة أوباما الثماني في منصبه.
علاوة على ذلك، يمكن أن تكون “الدولة العميقة” واثقة من أن عمليات الإنقاذ الحكومية الشبيهة بعام 2009 ستتاح بسهولة للحيلولة دون تفجير فقاعة ديون العملات التي تبلغ قيمتها تريليون دولار والتي تعرض الاقتصاد العالمي للخطر.
استراتيجية القضاء على “الدولة العميقة”
يضع الكاتب استراتيجية للتخلص بشكل نهائي من “الدولة العميقة” عبر عدد من النقاط يجب على “ترامب” انتهاجها للانفراد بحكمه دون تحديات قد تجبره على تقديم استقالته جاءت أبزرها على النحو التالي:
أولًا: إحباط خطة “روبرت مولر” بإزالته من منصبه بطريقة أو أخرى – إما بالإقالة أو بالإعلان عنه أنه غير لائق عقليًا بموجب أحكام التعديل الخامس والعشرين، لإنقاذ إدارته واستكمال مدته الرئاسية.
ثانيًا: وقف التجسس على الشعب الأميركي من قبل وكالة الأمن القومي، تمهيدًا لتفكيكها، كما أقسم “جون كنيدي” في وعد كلفه حياته.
ثالثًا: يجب أن يكون “ترامب” حذرًا في اختيار المسئولين في إداراته، حتى لا يتكرر أن يأتي أي وزير يقوم بتنفيذ خطة خاصة به وتابعة للدولة العميقة على غرار خطة “هيلاري كلينتون” السرية التي اتخذت من وزارة الخارجية غطاء لها لزعزعة الاستقرار داخل بعض دول الشرق الأوسط مثل ليبيا.
رابعًا: لابد من وضع حداً لنظام الاحتياطي الفيدرالي، وعملته الورقية المولدة للفقاعات قبل أن يقوم المصرفيون المركزيون بتنفيذ خطتهم الرامية إلى إغراق الاقتصاد العالمي في كابوس من الكساد الاقتصادي العالمي.
خامسًا: يجب حل مصلحة الضرائب الأمريكية؛ حيث يرفض الشعب الأمريكي كل من نظام الاحتياطي الفيدرالي وضريبة الدخل كأعمدة غير دستورية يعتمد عليها عولمة “الدولة العميقة” ومصرفيي البنوك المركزية لتمويل حكومة الظل غير الدستورية.
وأخيرًا؛ يحاول الكاتب مساعدة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لإنقاذ إدارته من مخالب “الدولة العميقة” وحكومات الظل التي باتت تهدده بشكل كبير، تجلت في تنامي حدة التسريبات حول إدارته ومن قبلها حملته الانتخابية.
ختامًا؛ يعد الكاتب من أكثر الداعمين لـ “ترامب” فهو يدافع عنه وعن تحركاته الداخلية والخارجية بشكل واضح تمثلت في وضعه لاستراتيجية لمواجهة أعداءه على كافة الأصعدة، داعيًا في الختام كافة المواطنين بأن يكونوا على المسار الصحيح من خلال دعم الرئيس “ترامب” لجعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى، متجاهلًا المؤسسية الحاكمة للنظام الأميركي؛ حيث يرغب “كورسي” في إطلاق مقاليد الحكم في يد “ترامب” بدون رقابة عليه مدعيًا إنه يواجه “الدولة العميقة” ويجب التخلص من آلياتها عبر استراتيجية تفتقد للمعايير المؤسسية مستندة إلى الهيمنة الفردية من قبل “ترامب”.
هذا في سياق حملة الكتب التي تم إصدارها في الفترة الأخيرة؛ جاء في مقدمتهم “ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والزعامة” لـ”جميس كومي” المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية، وهو عبارة عن مذكرات تكشف العديد من الحقائق الخاصة بإدارة “ترامب” وكواليس حملته الانتخابية ومدى صحة التنسيق بعض مسئولي حملته مع موسكو. كما وصفه بانه “غير أخلاقي” وغير ملتزم بالقيم المؤسسية، فضلًا عن كونه جاهل بشأن واجباته الأساسية كرئيس، كما يستهين بالضوابط والتوازنات التي تحمي الديمقراطية الأميركية، بما في ذلك استقلال القضاء وتطبيق القانون.
لم يكن هذا الكتاب الأول في نقد “ترامب” وإدارته التي ساهمت في عرقلة قيم الليبرالية الديمقراطية داخل المؤسسات الأميركية، فقد جاء كتاب “ديفيد فروم” بعنوان “حكم ترامب (ترامبوقراطي): فساد الجمهورية الأمريكية”، لدراسة فترة حكم “ترامب”، لإلقاء الضوء على آليات حمكه التي كانت تدار وفقًا لمنطق رجل الأعمال القائمة على المكسب والخسارة كمحدد للعلاقات، وليس كرئيس دولة. تجلت ملامح فساد “ترامب” وفقًا لـ”فروم” في تعينات بعض أفراد أسرته والمقربين له في مناصب قيادية في البلاد، وفي هذا السياق، يدين الكاتب تجاهل الجمهورين عن الأدلة الدامغة التي أثبت تواطؤ موسكو مع حملة “ترامب” الانتخابية، معتبر ذلك أنجح محاولة للتجسس على واشنطن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأليف: جيروم كورسي*
*جيروم ر. كورسي؛ حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في عام 1972من جامعة هارفارد. وهو صحفي تحقيقي، كورسي هو المؤلف المشارك للعدد الأكثر مبيعاً في مجلة نيويورك تايمز رقم 1 وهو “Unfit for Command” ، وهو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز “The Obama Nation”.
Killing the Deep State: The Fight to Save President Trump
By: Jerome R. Corsi, Humanix Books, Mar 2018, 256 pp., ISBN: 978-1-63006-102-9
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات