خاص: إعداد- سماح عادل
القراءة موضوع شائك بالنسبة للكاتب، وهم يؤرقه دوما، فالكاتب بدون قارئ لا تكتمل مهمته، وأي كاتب لابد وأن يستهدف قراء ليقدم إليهم نصوصه، وهناك بعض الكتاب ينشغلون بالقراء حتى وهم يكتبون نص ويقومون بإعداده، والتساؤل الملح دوما هو هل عدد القراء يعد معيارا لجودة نصوص الكاتب؟، وما هي العوامل التي تتحكم في إقبال القراء على القراءة لكاتب معين دون غيره؟.
القراءة والشهرة..
طرح الكاتب المصري “أشرف العوضي” موضوعا للمناقشة فيما يخص القراءة على حسابه الخاص على “فيسبوك” حيث قال: “العثور على قارئ مدرك متفهم، وفاهم، ويحترم النص الأدبي الجيد، دون النظر إلى اسم أو موطن أو شهرة صاحبه أشبه بالعثور على كنز ثمين”.
وقد كان التفاعل على هذا الطرح مثمرا، فقد علق دكتور “محمود رمضان” خبير الآثار والعمارة الإسلامية قائلا: “إن العلاقة التفاعلية بين القارئ والنص الأدبي علاقة مهمة جداً، تعتمد على سلامة النص وقيمة مضمونه الثقافي والفني والأدبي بصفة عامة، والكاتب المتمكن يجذب إليه وإلى النص جميع فئات القراء، وبقدر الطرح وحرفية توصيل الفكرة يكون إقبال وتفاعل القراء للنص. هذا وتتسع قاعدة القراء في مجال الثقافة عندما تتعدد النصوص الأدبية، حتى أن القارئ المتفهم يبحث بدقة عن النص الذي يمكنه من مناقشة الأفكار التي قد تخاطب عقله، دون التركيز عن جنسية ومعتقدات الكاتب، والمعيار الفارق في هذا هو سلامة النص الأدبي من حيث اللغة وسمو المضمون، وحبكته، وطرحه، ودقة الاستهلال، والمقدمة به والتشويق الهادف بالمضمون الأدبي، الذي يؤدي إلى نهاية وتسليم هادئ بشكل عام.. ولما كان ذلك كذلك، إذا وجد النص الأدبي المنهجي السليم وجد القارئ وكان أكثر حرصًا على اقتنائه وقرائته والبحث عنه وإن لم يكن على معرفة بالكاتب من قبل، وبالتالي فإن النص الأدبي الجاد والهادف الحر يفتح الحدود وآفاق الحرية الفكرية لوجود القراء المتمكنين المتفهمين، ويبشر بوجود أجيال واعية مثقفة تدرك وتفرق بين ما هو جيد من النصوص الأدبية أو عدم جدوى اقتنائها، بالإضافة إلى أنه من الضروري أن ينقب الكاتب من خلال نصوصه الأدبية المتميزة عن اكتشاف القراء المتفهمين المدركين للقيمة الأدبية لما يطرحه المضمون الأدبي والثقافي، فإذا كان النص قيماً وجد القارئ النادر صاحب العين الأدبية الثاقبة والفكر المستنير هذا هو الكنز الحقيقي النادر أيضاً”.
وعلق “محمود ماهر بسيوني” أكاديمي مصري وناقد أدبي: “علاقة القارئ بالنص علاقة إشكالية. حتى أن هناك منهج نقدي يدرس أبعاد هذه العلاقة، هو منهج: نقد استجابة القارئ. في عصر السوشيال ميديا بدا أن علاقة القارئ بالنص صارت علاقة مباشرة. فالكاتب لأي نص لا يحتاج لناشر ولا ورق ولا طباعة. بل يكفي أن ينقر بأصابعه على لوحة مفاتيح حتى يقرأ نصه الآلاف من القراء في ثانية واحدة. ولكن هذه السهولة شجعت العديد ممن لا يملكون موهبة الكاتب أن ينشروا “نصوصهم” بمجانية تغري بالسطحية. ومن العجيب أن هذه “النصوص” تجد معجبين وقراء قد لا يجدهم نص لنجيب محفوظ مثلا”.
فيما قال “فرج مجاهد عبد الوهاب” قاص وناقد أدبي: “الحقيقة إن هذا متاح الآن جدا بسبب السوشيال ميديا وأنا ألاحظ هذا من خلال اللقاءات في ندوات نوادي الأدب، واتحاد الكتاب، والصالونات الأدبية، والملتقيات المختلفة. فلم يعد الأمر قاصرا على مجرد القراءة للمتعة فقط بل نجد القارئ الفاهم النصوص وتقنياتها وآلياتها المختلفة”.
المكتوب يقرأ..
وقال الكاتب الصحفي “سمير البرغوثي”: “يقول مثل عندنا..”المكتوب يقرأ من عنوانه”..وأنا أحد الذين يؤمنون أن أي وجبة تريد أن تقدمها ..يجب أن تكون مشهية ومغرية.. حتى لو كنت (نجيب محفوظ) ولم تقدم ما يفتح شهية القارئ فلن يقرأك أحد.. واختيار مفتاح النص مهم جدا.. ليكون للدخول إلى النص. صحيح الزمن الآن يصعب أن تجد من يتذوق فقد اختلط الحابل بالنابل.. والكل يكتب هنا.. لا بأس، ليكتب الجميع ولنشجع الجميع المهم أن نقرأ ونعي ما نقرأ ونعمل بما نقرأ ولا نكون كالحمار يحمل أسفارا.. وهو شعور ينتابني.. حين يمر شهر ولا التقط كتابا من مكتبتي أعاننا الله زمن سريع الرتم وعنوان المكتوب ضرورة للدخول للمكتوب”.
وكان رأي الفنان التشكيلي “عبد الرزاق المولوى”: “نعم أكيد النص الجيد والغني أهم من شهرة أو اسم كاتبه، ولكن للأسف الآن أصبح الاسم أهم من النص، وهذا أيضا يشمل الفن التشكيلي نحن أمام أزمة”.
وقال الكاتب “ياسر ثابت”: “لقارئ الجيد شريك في العمل الجيد، ولا يوجد كاتب جيد بدون قارئ فاهم واسع الاطلاع لديه القدرة على تذوق المعاني وفهم النص ومدى جودته. القراء العاديون أو العابرون يسبحون مع التيار ويقرؤون ما يقرأه ويزكيه الآخرون، لتتحول الكتب إلى مجرد “تريند” وموضة تصب في مصلحة أصحاب الشهرة المصنوعة. أما القارئ الحقيقي فهو يبحث عن الإجادة في النص وليس اسم المؤلف ومدى شهرته أو ذيوع اسم الكتاب نتيجة الحملات الإعلانية أو قوائم “البيست سيلرز” أو سطور مواقع التواصل الاجتماعي. القراءة مغامرة واستكشاف وليس حالة إتباع للسائد والمألوف، والقارئ الجيد يبحث عن النصوص التي تستحق القراءة والتذوق والفهم، ويفتش عن الكتب التي تثري عقله وذائقته. هكذا يكون النص جسرًا حقيقيًا بين الكاتب المُجيد والقارئ الجيد على القارئ أن يبحث عن الكتب والموضوعات التي تهمه وأن يتصفح الأعمال ليتذوقها وينظر في مستواها لا أن يكتفي بالانبهار بشهرة المؤلف. وعلى النقاد الحقيقيين والمحررين الثقافيين أن ينبهوا للأعمال الجيدة في كتاباتهم وحواراتهم. المسؤولية مشتركة”.
وقال الكاتب “عصام كرم الطوخي”: “العلاقة بين القارئ والنص تختلف باختلاف المكون الثقافي لديه فنجد تفسيرات وقراءات عديدة لنص واحد على حسب مخزونه الفكري وخلفياته الثقافية وانطباعاته، مما يعطي دلالات مختلفة لذا نجد جمال النص يساعد على تغيير مفاهيم القارئ ويعدل من نظرته ورؤيته للعالم.. وأهمية القارئ الواعي المتمكن تكمن في إضاءة عتبات النص عندما يقف على قيمته ودلالاته وأبعاده، لذا فهو يعتبر كاتبا ثانيا عندما لا يظل مجرد متلق سلبي فنجد تفاعله يمنح النص آفاقا لا تنتهي. للكاتب دور مهم جدا في نشر إنتاجه الأدبي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر اقتباسات للتفاعل معها.. وبمرور الوقت سيجد المتلقي الواعي يبحث عن المزيد من إبداعه”.
القاريء قمة الهرم..
وقالت الكاتبة “شيرين ماهر سعد”: “القارئ المثقف المتذوق هو قمة الهرم التي ينشد المبدع بلوغها، لأنه يكلل جهده ويشعره بمردود ما سطره قلمه.. لكن العلاقة جدلية حالياً، فالكتُاب الأكثر مبيعاً، نجدهم ليسوا دائماً على قدر ما حققوه من رواج، وهذا إن دل يدل على ضعف الجمهور المستهدف وتدنى ذائقته.. لذلك لم يعد المبدع لحق ينتظر المردود الواسع بقدر المردود الواعي”.
وقالت رانيا الباهي: “من خلال رحلتي القراءة في حد ذاتها فن، وتبادل الأفكار عن كتاب بعد قراءته مهمة.. وتفتح أبوابا جديدة في العقل.. وقد تكون من أعظم نعم الله علينا وجود عقول تشارك الأفكار باحترام .. وتسعى لمعرفة المختلف عنها قبل ما يوافقها”.
وقال الصحفي “سالم المغربي”: “ليس كل المتابعين قراء فقط المهتمين والمهمومين بالأدب هم من يسعوا ويبحثوا عن المادة أينما وجدت، للإطلاع أولا ومن ثم للتمعن والاستمتاع على حسب المضمون”.
وقال الكاتب “السعيد نجم”: “قيل منذ زمن طويل أن القارئ الجيد أندر من الكاتب الجيد. وفى زمننا هذا رغم قلة عدد القراء فإن معظم من يقرؤون قراء كليشيهات كمن يتصفح الجرائد مكتفيا بعناوينها. من يقرأ وفى أذنيه سماعات يسمع الأغاني الصاخبة ماذا تنتظر منه، ومن يقرأ فقط ليقال أنه قارئ، ماذا وراءه؟!. إن القراءة إن لم تكن كالطقس المقدس لا يمكنها سبر أغوار النص، بالطبع أقصد النص الثرى الذي لايعطيك أسراره إلا إذا أخلصت له وكأنه كائن حي يشعر بك. وكل قراءة جيدة تعتبر إنتاجا جديدا للنص الدسم، وبديهي أن إنتاجا جديدا للنص لا يصدر إلا عن قاريء نوعي يؤكد النظر إلى الوسط الثقافي أنه جد قليل”.
وقالت الكاتبة “آية ياسر”: “لقراء على قلة عددهم في عصرنا هذا مع تراجع نسب القراءة واضمحلال الثقافة العامة، أصبحوا يركضون وراء كل ما يلمع بغض النظر عن كونه ذهباً أم “فالسو”.. الكتب الأكثر مبيعاً تخضع لعدة اعتبارات منها اسم دار النشر نفسها وقدرتها التوزيعية وحجم الدعايا والتسويق والعلاقات العامة للكاتب نفسه مع الإعلاميين والصحف.. ويجب أن نُفرّق بين الأعمال التجارية التي تصلح للاستهلاك الجماهيري أو تقديمها للسينما مثلاً وبين الأعمال الأدبية العظيمة التي تبقى في الذاكرة على مر الزمان وتحصد الإشادات النقدية والدراسات الأكاديمية”.
وقال الكاتب “طارق سعيد أحمد” قال: “هذا “البوست” يخوض مغامرة ما، أرصد معه بوضوح ظاهرة تراجع القراءة بشكل عام، وفي حدود تصوري أرى أن إشكالية الإنسان المعاصر هي تفاعله المكثف مع واقع يدهشه بشكل أو بآخر أكثر من مدهشات النص رغم تنوعه واختلاف أجناسه، في مقابل تجدد الواقع والذي يمارس واقعيته بمرونة، تبدأ بالمشاهد الدرامية اليومية البسيطة وتصل لحد الحروب، ما نبحث عنه يا صديق يبدو ك “إبرة في كوم قش””.
والكاتب الصحفي “أحمد صوان” قال: “هذا التوصيف للقارئ الرائع غير المتاح حالياً، وكأن تجمع هذه العوامل صار يحتاج إلى الغول والعنقاء لنحصل على شخص يبحث عن حكاية يستمتع بسردها. من عيوب السوشيال ميديا أن النجاح صار للأكثر إبهارًا وقدرة على الإيحاء. أتذكر منذ بضعة أعوام امتلأ الفضاء الإلكتروني بالتضامن مع مجموعة قصصية وصاحبها لاتهامه بازدراء الأديان-عرفت فيما بعد أنه دبر كل هذا- وعندما قرأتها وجدتها في الحقيقة أتفه مما يلزم. العكس هو الصحيح في أغلب الأحيان، عندما نجد أعمالاً رائعة ولكن لا نصيب لها من الأعلى مبيعاً أو التوزيع الجغرافي للجوائز”.