14 مارس، 2024 4:32 ص
Search
Close this search box.

الفكر السياسي الإيراني: جذوره، روافده، أثره

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ وليد عبد الحي
تنتمي هذه الدراسة للدكتور سلطان محمد النعيمي والصادرة عام 2017 لتخصص الفكر السياسي وتحديدا ما له صلة بنظريات السلطة والحكم، وتَحَددَ ميدان هذه الدراسة في ايران مكانا ، لكنها امتدت زمانا بدءا من القرن العاشر الميلادي حتى الآن، رغم أن أغلب الدراسة – حوالي 226 صفحة من أصل 323- كان حول الفترة من 1979(الثورة الإيرانية) الى الآن. وشكلت نظرية “ولاية الفقيه” وجذورها في الفكر الشيعي وتطورها وانقسام التيارات الفكرية السياسية الإيرانية حولها الفكرة المركزية للدراسة، مع بعض الإشارات لموضوعين آخرين هما الممارسة السياسية من خلال المؤسسات السياسية من ناحية والسياسة الخارجية الإيرانية على المستويين الإقليمي والدولي من ناحية ثانية ، مع محاولة ربط ذلك بالفكر السياسي للتيارات المختلفة في ايران، ومحاولة استشراف موجزة حول مستقبل النظام السياسي الإيراني رجح فيها صعوبة تغير النظام من الخارج كما ان سيطرة القوى الدينية تجعل التغير من الداخل أمرا غير يسير حسب الباحث.
وارى ان الباحث قدم صورة كافية لمعرفة قسمات الفكر السياسي الإيراني الحديث والمعاصر. و نجح في عرض موضوعه بشكل جيد، لكني لا ارى ان الباحث قدم منهجية جديدة في دراسة موضوعه ولا كشف عن معطيات او أفكار غير معروفة لجمهور المتخصصين في التراث الشيعي او التاريخ الفارسي او المتخصصين في النظم السياسية، وقد يكون البحث مرجعا جيدا لطلاب العلوم السياسية لا سيما في موضوع نظرية “ولاية الفقيه وتطورها والتيارات المختلفة حولها في الادبيات السياسية الشيعية، كما أن الجانب الخاص بالسياسة الخارجية الإيرانية لم يقدم تصورا واضحا للفكر السياسي أو النظرية السياسية السائدة في النظام الإيراني التي يتم الأخذ بها في السياسة الخارجية، بل اعتمد الباحث على تصريحات وأقوال للمسؤولين الإيرانيين لتحديد التوجهات العامة لسياسة ايران الدولية(بخاصة مع الولايات المتحدة ) والإقليمية بخاصة مع اسرائيل ودول الخليج.
ثمة نقطة اشار لها الباحث لكنه لم يتعمق في تحليلها وهي وزن التراث “الفارسي” قياسا لوزن التراث ” الشيعي” في تشكيل الفكر السياسي الإيراني المعاصر وبخاصة في نظرية ” ولاية الفقيه” وفي التوجهات العامة للتيارات السياسية الثلاث الكبرى التي عرضها وهي الدينية(بأطيافها المختلفة) واليسارية والليبرالية،وهو أمر له أهمية في فهم “العقل السياسي” الإيراني، ورغم ان الباحث عرض للمرحلة البويهية والسلجوقية والصفوية ولو بإيجاز شديد، إلا ان تأثير ذلك على المرحلة القاجارية والمرحلة المعاصرة لم يتضح في الدراسة بقدر كاف بخاصة التأثير على بنية الفكر السياسي الإيراني بشكل عام وعلى نظرية ولاية الفقيه التي طغت على الدراسة –وبحق- بشكل كبير.
يحسب لهذه الدراسة ان الباحث استند للمفكرين الأكثر تأثيرا عند تحليله للتيارات الثلاثة التي اشرت لها في الفكر السياسي، كما كان دقيقا في تحديد الفوارق النسبية بين المفكرين داخل كل تيار ، لكن تأثير الفكر الغربي على مفكري التيار الليبرالي والماركسي كان أقل وضوحا، ففي الفكر الغربي ربما كانت الاشارة الأكثر وضوحا لماركس وللنظرية الماوية –بشكل اقل- بينما في الفكر الليبرالي كانت الإشارة الاكثر وضوحا هي لجان لوك ونظرية العقد الاجتماعي ، بينما تشير دراسات أخرى حول الفكر السياسي الإيراني أن هناك من هو أكثر تأثيرا على المفكرين الإيرانيين لا سيما من الليبراليين منهم.
ومع أن أغلب من عرضهم الباحث –لا سيما من الاتجاه الديني- هم ممن تخرجوا او ارتبطوا بالحوزات، لكني لم أجد القدر الكافي من مناقشة المناهج السائدة في هذه الحوزات وأثرها على تشكيل الفكر السياسي بخاصة الحوزات في مشهد وقُم لا سيما للتباينات فيما بينها من ناحية وبينهما وبين النجف من ناحية أخرى، فقد كانت الإشارات لهذا الموضوع عابرة، وربما كانت الإشارة لباقر الصدر هي الأكثر وضوحا، لكني أرى ان الامر أكثر تعقيدا من التحليل العابر الذي قدمه الباحث. لكني ارى ان الجهد المبذول في جمع المادة العلمية وتحليلها يستحق التقدير رغم ملاحظاتي السابقة.
وقد قسم الباحث دراسته لاربعة أبواب موزعة على أحد عشر فصلا، ويقع متن الدراسة في 323 صفحة تليها 91 صفحة من الملاحق والمراجع ، يضاف لها مقدمة وخاتمة . وقد غطى الباب الأول التطور التاريخي للفكر السياسي الإيراني كاشفا عن العلاقة بين تأليه الملك(في فارس) ورفعة مكانة آل البيت في المرحلة الاسلامية، وفي الفصل الاول من هذا الباب تناول الفكر السياسي الشيعي في الفترة الممتدة من بعد الغيبة الكبرى إلى الدولة الصفوية ،ووضح تطور نظرية النيابة العامة باتجاه نظرية ولاية الفقيه مشيرا لملامح الفكر الإثنا عشري( تعيين الأئمة عن طريق الوصية ، وعصمة الأئمة، وعدم شرعية اية سلطة تأتي عن غير طريق الأئمة الإثنا عشر بدءا من علي بن ابي طالب)، لكن غياب الإمام(الغيبة الكبرى) افرز مشكلة تبلور حولها اتجاهان هما التقليدي الإخباري الذي تمسك بعدم شرعية أي سلطة إذا تولاها من هو من غير آل البيت، والاتجاه الأصولي التجديدي الذي شعر ان طول غيبة الامام تستوجب الحل من خلال دور الفقيه حتى ولو في سلطة غير شرعية لأن وجود السلطة ولو غير شرعية افضل من عدم وجودها (وهي نظرية محمد بن النعمان).وتطورت الفكرة مع ظهور فكرة ” النيابة العامة”،(الجزيني العاملي) التي مارس الفقهاء من خلالها النيابة العامة عن الامام،وعليه تبلور دوره في “شرعنة السلطة”.
في الفصل الثاني يتناول نظرية “السلطة المفوضة” التي تقوم على طاعة الملوك لا لأنهم شرعيون بل هي مقتضيات المصالح(ص 35)،ثم ينتقل لمساهمة الفقيه أحمد التراقي في نظرية “ولاية الفقيه المطلقة”، لكن ذلك يفتح الباب امام بروز اتجاهين يدفعان نحو الحركة الدستورية(42-43) الاول اتجاه الملكية الدستورية(الفقيه النائيني) والدستورية الشرعية(فضل الله النوري). لكن حركة الواقع تفرز لاحقا تيارات فقهية ثلاثة أولها يتصدره أية الله حائري وبروجردي يدعو مع بداية العصر البهلوي لعدم تدخل المؤسسة الدينية في السياسة، وتيار ثان يطالب بتفعيل دور العلماء في النظام السياسي (شريعتمداري)، واتجاه اصولي ثالث يريد سيطرة رجال الدين على السلطة(الخوميني)، وهذه التطورات افرزت تيارات سياسية هي : يساري ممثلا في حزب تودة وفدائيي خلق و مجاهدي خلق، وتيار ليبرالي وآخر وطني ارتبط ظهوره مع نشوء الجبهة الوطنية(مصدق). وفي الباب الثاني(الفصل الرابع) يتناول البحث الفترة من 1979-1989 ليعرض التنافس بين التيارات الثلاث المشار لها سابقا، ويولي اهمية لمواقفهم من نظرية ولاية الفقيه أو دور رجل الدين في السياسة(طبعا الى جانب عرض الافكار الكبرى للتيارات اليسارية والليبرالية والدينية المعروفة حول الحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية والديمقراطية..الخ)، ويعالج في الفصل الخامس انعكاس الفكر السياسي في بنية النظام والممارسة السياسية ليؤكد ان الاتجاه الاكبر كان نحو تعزيز نظرية ولاية الفقيه، ثم يقدم عرضا تعريفيا بمؤسسات الدولة بخاصة التنفيذية والتشريعية، ويتناول في الفصل السادس الانقسامات التي طالت التيار الديني حول ممثل الامام وحول القضايا الاقتصادية .اما الباب الثالث الذي تناول الفترة من 1989-2000، فقد عرفت الدولة تغيرات هامة كوقف الحرب العراقية الايرانية ووفاة الخوميني مما أعاد الجدل حول موضوع ولاية الفقيه بشكل رئيسي، وتعالج الفصول السابع والثامن والتاسع مواقف التيارات الكبرى من الموضوع،فالتيار المحافظ (اليمين المتشدد) يرى ان الحكومة الدينية تحقق مبدأ الشرعية( مصباح يزدي) واعتبار نظرية ولاية الفقيه هي الانسب بين اشكال الحكومات الدينية،اما اليسار الديني(الفصل الثامن) فقد حاول تعديل النظرية(باقر الصدر) باعتبار الامام يجمع بين الرقابة والخلافة ، ويواجه هذه التيارات عبدالكريم سورش الذي يرفض نظرية ولاية الفقيه، ويقترب من طرحه آية الله منتظري ولو بحدة أقل، بينما التيار الليبرالي(الفصل التاسع) ويمثله حسن يوسف اشكوري الذي يرفض النظرية لانها” بعيدة عن منطق القرآن”. اما في الباب الرابع(المشهد السياسي والممارسة بعد عام 2000) يستعرض التباينات للتيارات الثلاث المشار لها بخاصة بعد وصول انجاد للسلطة وظهور مصطلحات دينية في الادبيات السياسية كرد فعل على تزايد المفردات “القومية” في خطابات انجاد. بعد ذلك ينتقل الباحث في الفصل الحادي عشر لعرض السياسة الخارجية –اقليما ودوليا- مشيرا الى ان هذه السياسة ترتكز على اعتزاز بالقومية الفارسية واولوية المصلحة والبعد المذهبي، لينتهي باستنتاج صعوبة حدوث التغيير في النظام الايراني
يحسب لهذه الدراسة من الناحية المنهجية:
1-الموضوعية وعرض المعلومات بشكل متوازن رغم البيئة العامة للموضوع
2-عودة الباحث للمراجع الايرانية باللغة الفارسية،وهو امر جدُ محمود
وانتهج الباحث نهجا “وصفيا” في معظمه وتتبعا “تاريخيا” لموضوعه، لكني ارى ان الدراسة فيها “بعض الخلط ” بين النظريات السياسية والفكر السياسي والفلسفة السياسية”، فعند عرض مختلف الآراء والتيارات بدا لي ان هذه الجوانب متداخلة وغير واضحة في ذهن الباحث علما بانها مباحث منفصلة في العلوم السياسية.
لكن ذلك لا ينفي ان الباحث كان ملتزما حدود موضوعه بشكل عام، كما ان خريطة القوى السياسية وتبايناتها تتضح للقارئ بشكل كبير، إلا ان غلبة “الوصف” على الدراسة جعل القدرة على تلمس اسباب التباين بين التيارات واسباب التغير في توجهات تيارات معينة من الموقف إلى نقيضه غير واضحة في الدراسة، بمعنى ان السياق الاجتماعي والتاريخي لم يظهر له أثر كاف في تفسير التغيرات ، فمثلا هل كان للأقليات(وهو امر اشار له الخوميني وهو في المنفى كما ورد في الدراسة ص 125) في إيران أثر في قوة تيار معين أو أثر في مضمون فكر معين، فهل الآذريون او اللور او الأكراد أو العرب أو البلوش أثروا في الصراع الفكري؟ وكيف كان تأثيرهم؟ هل كانوا أقرب للتيار اليساري او الديني او الليبرالي؟ او مع أي منها كانت توجهاتهم الانتخابية؟ وهذه الشرائح السكانية ليست قليلة في نسبتها السكانية فهم في المجموع يشكلون حوالي 45% من سكان إيران، وقد ألمح الباحث عند تناوله لخطابات انجاد بانها تنطوي على قدر أكبر من غيره من المفردات” القومية”، فهل يمكن القياس على ممثلي التيارات الأخرى بربطهم باصولهم العرقية او حتى المذهبية “كالسنة مثلا”.
اما الجانب الاستشرافي في الدراسة والذي ورد في الفقرات الاخيرة منها ، فهو استشراف “حدسي” قد يكون صحيحا ولكنه مما لا يُركن له،ومبني على انطباعات احادية لا تاخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي تحدد مستقبل نظام سياسي كالنظام الإيراني.
وقد استخدم الباحث 38 مرجعا عربيا، و96 مرجعا فارسيا، و3 رسائل جامعية، و 5 مراجع أجنبية إلى جانب عدد من الصحف والمواقع الالكترونية.
لدي ملاحظة أرى انها ضرورية وهي أن الباحث حاصل على درجة الماجستير من جامعة عين شمس عام 2003، وموضوع أطروحته هو “التيارات السياسية في ايران من الفترة 1979 حتى 2000، واذا نظرنا في هذه الدراسة التي بين ايدينا سنجد انها من صفحة 97 إلى صفحة 262 تغطي نفس الفترة ونفس الموضوع الذي جاء في أطروحة الماجستير، وهو امر يعني ان 165 صفحة من الدراسة هي نفس موضوع الأطروحة، أي ما نسبته 51% من هذه الدراسة.
والغريب ان الباحث أحال في دراسته لمرجعين (احدهما أطروحة دكتوراة :مصطفى الجداوي: نظرية الشيعة في الحكم الاسلامي مع الموازنة بينها وبين مبادئ الديمقراطية الغربية، والأخرى اطروحة ماجستير :باكينام رشاد الشرقاوي – الظاهرة الثورية والثورة الإيرانية)، فالاولى احال لها في صفحة 15 ، والثانية أحال لها صفحة 102، لكن الباحث لم يشر لاطروحته في هذا الكتاب نهائيا سوى إدراجها في قائمة المراجع رغم انها تتطابق تماما مع مضمون الصفحات من 97-262؟؟؟؟
كذلك للباحث كتاب صادر عام 2015 عنوانه التيارات والقوى السياسية في إيران-مركز المسبار –دبي، وهو حول نفس موضوع كتابنا ورسالته للماجستير.
كذلك للباحث كتاب صادر عام 2009 بنفس العنوان تماما لبحث هذا ( مع اضافة عبارة ” دراسة تحليلية في ضوء المصادر الفارسية” عن مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
اما المراجع الأجنبية ، فعددها محدود واحدها تجميع لخطابات الخوميني ، والباقي لا ارى انها مراجع ذات أهمية خاصة.
ولكن يحسب للدراسة أن الجزء الأكبر من المراجع هي مراجع فارسية، وهو أمر يجعل الدراسة أكثر فائدة لأنها أقرب للمصطلح والمضمون الثقافي للمجتمع الفارسي بخاصة عند نقل المفاهيم للغة العربية.
المصدر: الموسوعة الجزائرية

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب