خاص: إعداد- سماح عادل
بسبب الجدل حول طبيعة عمل الغييشا، تم إقصاءهن ووضعن في أحياء معزولة، مثل حي يوشيوارا في إيدو طوكيو اليوم، والذي يقع في قلب المدينة القديمة، وعلى ضفاف نهر سوميدا. يحتضن هذا العالم العائم، النشاطات الليلية (الحانات، المسارح، بيوتات الشاي، المطاعم، بيوتات الغيشا)، سحرت الأضواء البراقة والغموض الذي يحيط بهذه الأماكن، العديد من الرسامين مثل (مدرسة أوكييو-إه)، والكتاب، والشعراء.
حديثا..
استطاعت مهنة الغييشا الصمود إلى الوقت الحاضر رغم المنافسة الشديدة من قبل النساء المضيفات في الحانات. ما زالت الغييشا الحديثة حية في بيوت الغييشا التقليدية المسماة بالأوكيا في مناطق الهاناماشي «بلدات الزهور» خصوصا في أوقات التدريب.
جميع من جربوا الغييشا ناجحات كفاية للعيش باستقلالية، وعالم الثقافات العليا التي تنتمي له الغييشا يسمى الكاريوكي (karyūkai) «الزهرة وعالم الصفصاف». قبيل القرن العشرين يبدأ تدريب الفتاة للغييشا عند بلوغها الرابعة، أما الآن فعادة ما تبقى الفتيات في المدرسة حتى سن المراهقة وبعد ذلك يعطى الخيار لهن لبدء التدريب للغييشا. تبدأ بعض الفتيات الآن تدريبهن للغييشا بعد الانتهاء من المرحلة المتوسطة أو الثانوية أو حتى مرحلة الجامعة.
فالكثير من الفتيات يبدأن أعمالهن في مرحلة البلوغ. لم يعد الآباء يحضرون بناتهم إلى بيوت الغيشا كما كانوا يفعلون في السابق. تحافظ بعض العائلات في المدن الكبرى على غرار كيوتو على التقاليد القديمة، وتقوم بإرسال بناتها لتعلم هذه المهنة.
تخضع النسوة من أوساط اجتماعية أخرى إلى عملية تدريب قاسية وطويلة، وغالبا ما ينخرطن في المهنة في سن متقدمة. ولم تعد نساء الغييشا تقوم بواجب الميزوآغي اليوم.
الموسيقا..
ما زالت الغييشا تدرس على الآلات التقليدية: الشاميسين والكاكوهاشي والطبل التقليدي إضافة إلى الألعاب والأغاني التقليدية والخط والرقصات اليابانية التقليدية (على طراز النيهوبويو) ومراسم الشاي والأدب والشعر. تبدأ الراقِصات برسم فنهم من البوتو وهي رقصة يابانية كلاسيكية حيث يتم تدريبهن في مدارس الهاناياغي ويتم اختيار أفضلهن للأداء الدولي. فقد صممت إيشينوهي ساشيكو أداء العديد من الرقصات الشعبية في محكمة هيان للأزياء بسبب الأداء البطيء والرسمي المحتوي على الحركات الأنيقة من العصر الكلاسيكي للتراث الياباني الذي دربت فيه الغييشا.
عند مشاهدة الغييشا وبمساعدة من مالك بيت الغييشا تصبح المتدربات خبيرات في التعامل مع الرواد وخبيرات أيضا في العادات الصعبة التي تكمن وراء اختيار ولبس الكيمونو رداء من الحرير بطول طابق مطرز بتصاميم معقدة ويربط من جهة الخصر بحزام يدعى الأوبي.
في الوقت الحالي تعد الكيوتو من قبل الكثيرين على أنها أقوى عادات الغييشا بما فيه الغيون كوبو. تسمى الغيشا في تلك المناطق بالغيكو وهاناماشي طوكيو وأساكوسا وكاغورازاكا في اليابان الحديثة وتندر رؤية الغييشا والمايكو في خارج هاناماشي ففي عشرينيات القرن العشرين كان هناك أكثر من 80.000 غييشا في اليابان. أما اليوم فعدد الغييشا يتراوح بين 1000 إلى 2000 يقطن الكثير منهم في بلدة أتامي السياحية، حيث يوجد أغلب السياح القادرين على الدفع للبس زي المايكو.
ذبول..
الخمول الاقتصادي وتدني الاهتمام بالفنون التقليدية كالطبيعة الاستثنائية للزهور وعالم الصفصاف إضافة إلى ذلك كلفة التمتع بالغييشا أدت جميعها إلى انخفاض الاهتمام بهذه العادة. غالباً ما يتم استئجار المضيفات اليابانيات «غييشا» ليقمن بالخدمة في التجمعات والحفلات الخاصة. وجرت العادة أن يتواجدن في المقاهي أو ما يسمى بـ «أوتشايا» بيوت الشاي أو في مطعم تقليدي ياباني ريوتي. وتحسب قيمة وقت المضيفات بعدد عيدان البخور المستهلكة وتسمى رسوم عصي البخور سينكوداي أو رسوم الجوهرة جيوكوداي.
أما في مدينة كيوتو يفضلون استخدام المصطلح «اوهانا» أو «هانادي» الذين يعنيان رسوم الزهور. يقوم العملاء بحجز المضيفات عن طريق مكتب توكيل متخصص يسمى «كينبان الذي يقوم بتدريبهن وتنظيم مواعيد الحجوزات على حد سواء.
في الوقت الراهن هناك قلة من النساء غير اليابانيات اللواتي تعملن كمضيفات «غييشا»، ليزا دالبي عملت كمضيفة لفترة قصيرة في سبعينيات القرن الماضي بسبب رسالتها للدكتوراه لذلك لم تعد رسمياً منهن، في حين كانت فيونا جراهام صاحبة الجنسية الأسترالية أول من انتسب رسمياً (تحت اسم «سايوكي» في العام 2007 عند عملها بمنطقة أساكوسا، طوكيو. في العام 2012 هناك جنسيتان غير يابانيات تعملان كمضيفات ومنتسبات رسمياً للمنظمة هما الأوكرانية والرومانية، الأولى تعمل في آنجو والثانية في ايزو ناجاؤكا في مقاطعة سيزوكا.
نواديت..
يوجد استعراض يقمن به «الغييشا» متضمناً «المايكو» في منطقة كاميشيتشيكن شمال غرب كيوتو، حيث يقدم الشاي في هذا الاستعراض لحوالي 3000 زائر، يقام في 25 شباط (فبراير) من كل عام ويعرف بــ «نودايت» حفلة شاي في الهواء الطلق ضمن مهرجان زهرة البرقوق «بايكاساي». في عام 2010 بدأت المضيفات «غييشا» بالخروج عن تقاليد اليابان بتقديم مشروبات أخرى غير الشاي في كاميشيتشيكن أثناء شهر الصيف «ابتداءً من شهر تموز إلى أوائل آب»
تبدأ الغييشا دراستها للموسيقى والرقص في عمر مبكر وتستمر الدراسة طوال فترة حياتها، تستطيع الغييشا العمل حتى عند بلوغها الثمانينيات والتسعينات، ويتوقع منها التدريب يومياً حتى بعد سبعين سنة من الخبرة.
الفن..
معنى غييشا الأساسي هو «فنان» وفي أواخر القرن الثامن عشر كانت تطلق على مجموعة من الفنانات اليابانيات وهن: شيرو (Shiro)، فنانة بحتة، كيروبي (kerobi)، بهلوانية، كيدو (kido)، وهي غييشا كانت تقف عند مداخل الكرنفالات، أو جورو (joro)، بائعة هوى وكان هذا خطأ شائع في تصنيف محترفات الغييشا لعدة سنين. اشتقت رقصة الغييشا من رقصة كانت تؤدى على منصة الكابوكي (kabuki)، تحولت الرقصات «البرية والفاحشة» إلى رقصات أكثر رقة ونمنمة، فهي أكثر انضباطاً ومشابهة للتاي شي (t’ai chi).
تستخدم كل رقصة لفتات للإخبار بقصة ما يستطيع المتذوق فقط فهم رمزيتها، مثلا: لفتة اليد الصغيرة تشير إلى قراءة رسالة حب. الإمساك بزاوية الوشاح في الفم يشير إلى الدلال، والأكمام الطويلة للكيمونو غالباً ما ترمز إلى الدموع الممسوحة. ترافق الرقصات الأغاني اليابانية التقليدية، فالآلة الرئيسية هي الشاميسن (shamisen) وهي آلة قدمت لثقافة الغييشا في عام 1750 وأتقن العزف عليها الفنانات اليابانيات لسنين عدة، انحدرت هذه الآلة من الأوكيناوا (Okinawa) وهي عبارة عن آلة تشبه البانجو تحوي ثلاثة أوتار وعادة ما تعزف باستخدام الريشة، هذه الآلة مميزة للغاية بصوت يدعو للحزن قريب من صوت الناي.
توصف هذه الآلة بالحزينة لأن موسيقى الشاميسن التقليدية تستخدم التعديلات الثلثية والسدسية فقط. يجب على جميع الغييشا تعلم العزف على الشاميسن، مع العلم أن إتقانه قد يأخذ عدة سنين. ويتعلم الغييشا أيضاً العزف على الكوتسوكومي (ko-tsuzumi)، وهو عبارة عن طبل على شكل ساعة رملية، وتعلم التايكو (taiko) (الطبل) لا يقتصر بعض الغييشا على الرقص وعزف الموسيقى فقط، بل يكتبن الشعر ويؤلفن المقطوعات الموسيقية.
البغاء..
ما زال هناك بعض الخلط في طبيعة مهنة الغييشا. ففي مختلف الأزمنة والأماكن اعتقد (غير اليابانيين) أن مهنة الغييشا هي البغاء، وبعض الحقائق في القرن التاسع عشر تبين أن اليابانيين أنفسهم كان لديهم نفس الخلط،. على أي حال فإن الغييشا لا تعرض جسدها للبيع، وإنما هدفها هو الترفيه عن الزبون، أما بالرقص أو بقراءة الشعر أو اللعب على آلة موسيقية أو حتى بمحادثة لطيفة، وقد يتضمن أيضًا بعض الغزل أو تلميحات حميمية، ولا يتوقع الزبون شيئا معينًا.
وفي الحياة الاجتماعية في اليابان يتعلق الرجال ويبتهجون بأوهام لن تحدث، ففي فترة (الإيدو) كان يتم الخلط بين الغييشا والأوران، والأوران تشبه الغييشا في تسريحة الشعر والمكياج الأبيض، غير أن الاختلاف في الشريط الذي يربط حول الخصر، والذي يدعى بالأوبي، حيث يُعقد إلى الأمام، وكان يعتقد أنه يتم ربط الأوبي بهذه الطريقة حتى يسهل نزعه، ومع ذلك فإن عالمة الأنثروبولوجي ليزا دالبي كانت تعتقد أن هذه هي الطرقة المتبعة من قبل المرأة المتزوجة في ذلك الوقت. وخلال فترة (الإيدو) كان البغاء مشروعًا، وكانت هناك مشاريع للبغاء مرخصة، حيث كانت تشتغل فيها فتيات الأوران، ففي أواخر القرن الثامن عشر، كانت هناك امرأة راقصة يطلق عليه أودريكو “odoriko”، وهي تعد من النساء ذوات الشهرة الحديثة في الترفيه عن الرجال في الأماكن غير المصرح بها، حيث تم الاعتراف ببعضهن ونقلهن إلى الأماكن المرخصة.
كما كان هناك فرق واضح بين الغييشا والأوران، حيث أنه يتم منع الغييشا من بيع جسدها مقابل الجنس على خلاف ماشي غييشا (machi geisha) التي كانت تمنع من العمل خارج الأماكن المصرح بها في البغاء. في عام 1872، وبعد إعادة المييجي (Meiji) أصدرت الحكومة قانون يسمح بالبغاء للشوغي (shogi) والغييشا (geisha) والجيجي (geigi)، وكان هذا القانون مصدرًا للخلاف في اليابان، حيث يعتقد أن البغاء والغييشا هم شيئان متناقضان، ولكن يشتركان في بيع الجسد مقابل الجنس، وعليه فإن كل البغايا يمكن أن يطلق عليهن الغييشا، ولكن في النهاية قررت الحكومة أن تضع حدًا بين المجموعتين قائلة بأن الغييشا لا يفترض أن تشوه بالبغاء. الغييشا التي كانت تعمل في الينابيع الحارة (onsen) كان يطلق عليها اسم غييشا الينابيع الحارة، وقد شوهت سمعة الغييشا، نظرًا لانتشار البغايا في مدن مشابهة منتحلين اسم الغييشا، بالإضافة لانتشار شائعات لا أخلاقية عن وجود بعض الراقصات اللاتي يقمن برقصة نهر الضحالة (وهي رقصة ترفع فيها الغييشا تنورتها في الكومينو بشكل تدريجي للأعلى).
وعلى النقيض من هذا، فإن غييشا الينابيع الحارة «غييشا الليلة الواحدة» كانت في الواقع مؤهلة للرقص والموسيقى، وفي إحدى حقائق السيرة الذاتية لسابو ماسودا (وهي إحدى فتيات غييشا الينابيع الحارة، والتي عملت في ولاية ناغانو في عام 1930 م) كشفت أنه في الماضي تعرضت بعض النساء لضغط شديد من أجل بيع أجسادهن مقابل الجنس.