خاص: إعداد- سماح عادل
تختلف الآراء حول الغزل الذي تكتبه النساء، فهناك رأي يقول أن القيود الاجتماعية تفرض على المرأة طريقة ما في كتابة الغزل، وهناك رأي يعتبر الغزل الخاص بالنساء ثقب في ذلك السور المنيع الذي شيده المجتمع الذكوري للغة، ورأي يعتبر الغزل والجرأة التي يتم تناوله بها بمثابة أحجار تحرك المياه الراكدة.
هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:
- ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
- هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
- هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
- وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
- هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟
القيود الاجتماعية تحاصر المرأة..
يقول الكاتب والباحث السوري المقيم في النرويج “حواس محمود”: “غزل النساء في الرجل أمر طبيعي ومفهوم لأن العاطفة الإنسانية يشترك بها الرجل والمرأة على حد سواء، وبالتالي فإن غزل المرأة في الرجل ليس منقصة للمرأة ولا إحراج لها، لكن مجتمعاتنا الشرقية كانت وما زالت لا تنظر للمرأة وعواطفها ومشاعرها بعين الاحترام والتقدير. والحقيقة أنه لم يتح للمرأة مجتمعيا أن تتغزل في الرجال بسبب القيود الاجتماعية ونظرة المجتمع الدونية للمرأة، وهذا خطأ كبير تقع فيه المجتمعات الشرقية تجاه المرأة، على صعيدي الشخصي أنا أتقبل الجرأة في غزل الشاعرات والكاتبات لأنه كما يحق للرجل ذلك فمن المفترض أن يحق للمرأة أيضا ذلك”.
وعن الغزل في الشعر القديم يقول: ” ربما أنني قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم لكنني لا أتذكر ذلك بسبب قلة النتاج الغزلي للمرأة قديماً”.
وعن الغزل في الوقت الحاضر يقول: “اطلعت بدون تركيز من خلال مطالعاتي ومتابعاتي الكثيرة في مجالات الثقافة والأدب على بعض النصوص الشعرية الغزلية، لشاعرات معاصرات، وأذكر كمثال منهن الشاعرة الكويتية “سعاد الصباح” وبخاصة في قصيدة بعنوان “عنيف مثل الموج”، وكذلك الشاعرة الكردية “كزال إبراهيم خدر” التي كتب عنها الكاتب “شريف رزق” في مقالة بعنوان “خطاب العشق في خطاب الشاعرة الكردية كزال إبراهيم”: “وتحضُرُ تجربَةُ العِشقِ في خِطابِ الشَّاعرَةِ حُضورًا لافتًا، في جنوحٍ صُوفيٍّ وَاضِحٍ، حِيْنًا، وجنوحٍ حِسيِّ جَسَدانيٍّ، حِيْنًا آخرَ، منْ منظورٍ أنثويٍّ، وبنبرَاتٍ شِعريَّةٍ عميقَةٍ ومُرْهَفَةٍ وَدَافئَةٍ، وثمَّةَ تحويلٌ دائمٌ للحضورِ الإنسانيٍّ وسَرديَّاتِ الحَيَاةِ المَعيشَةِ إلى رُؤى في بنيَةٍ غنائيَّةٍ تحتفِي بالتَّصويرِ احْتِفاءً لافتًا في التَّعبيرِ عنْ حَالاتٍ إنسَانيَّةٍ عميقَةٍ ومُرْهَفَةٍ”. المصدر موقع كتابات 29 ابريل 2018 “كزال إبراهيم.. عبرت عن الحب والعشق برهافة أنثى”.
ويواصل: “غزل الرجال للبنات أكثر جرأة من غزل البنات للرجال، بسبب ما تم ذكره في الجواب على السؤال الأول وهو القيود الاجتماعية التي تحاصر المرأة وتمنعها تقريبا من الغزل، أو تسمح بالأقل جرأة من الكتابة الغزلية للرجل”.
ويؤكد: ” نعم أحب أن تتغزل فيّ امرأة وتكتب عني وعن صفاتي الجمالية بالشكل والمضمون، لأن هذا حق لها إن وجدت في رجل صفات تلفت انتباهها وتتغزل بهذه الصفات، وذلك أنّ الله جميل يحب الجمال فلا ضير ولا خجل ولا إحراج إذا تغزلت امرأة برجل، وأنا اترك لزوجتي أو قريبتي المجال أن تتغزل في الرجل في نصوصها الكتابية، هذا إن كانت كاتبة أو مبدعة، إذا كانت نصوص إبداعية من خلال شخصيات مختارة لخدمة العمل الإبداعي، إن كان النص روائيا أو قصصيا، وأن لا يكون الغزل موجها لشخص بعينه في نص شعري، لأن العرف الاجتماعي لا يسمح للمرأة وبخاصة بعد الزواج أن تتغزل بشخص آخر غير زوجها”.
الكلمة في الكتابة كالرصاصة..
ويقول الكاتب الليبي “عبد الله الزيدي”: “تصف غادة السمان الكلمة بالرصاصة التي إذا خرجت من السلاح لا تعود إلى بيت النار، وبهذا الوصف تماما تنقش الكاتبة العربية على الورق كلماتها تماما كما تتكلم داخل لغة وثقافة مجتمعها، وهل يمكن تخيل غير ذلك أن تسرد امرأة على الورق في أدب البوح والاعتراف؟ ومن أقدمن على ذلك يكتسبن قدرا أوفر من الشهرة وإصابات دامية نازفة من أسهم التهم والقذف، وربما يكن عرضة للاعتداء، وقليلون من يعدون ذلك البوح جسارة ويتقبلونه كمشاعر إنسانية، إنا من القليلين الذي يقدرون أن حديث المرأة بمشاعرها بوح إنساني، والجرأة في بوح المرأة، إنما هي ثقب في أسوار اللغة التي شيدها المجتمع الذكوري”.
عن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “لم اقرأ للشاعرات القديمات منذ العصر الجاهلي وحتى القرن التاسع عشر إلا رثاء أو فخرا أو عشقا صوفيا أو تحشيدا للحرب أو غزلا بحياء وفي كناية، وأنا لست باحثا ولا مشتغلا أو متخصصا في الأدب العربي، إنما قارئ واعتقد جازما أن هناك نساء قلن شعرا أو نثرا جريئا، ولم يوثق أو يتداول وهذا الإسقاط العمدي من الذاكرة الشفوية أو التدوين يفهم في سياق سوسيولوجيا عربية شرقية.
وعن الغزل الذي كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر يقول: “أول اسم يخطر على ذاكرتي الجزائرية فضيلة فاروق وهي عندي كاتبة مفضلة جدا وصاحبة قضية وقيمة وطرح رصين ليقل من يشاء و ليختلف من يشاء لكنها أيقونة عربية بجرأتها، أيضا أعجبتني وأقنعتني السعودية “سهام مرتضى”، أيضا اللبنانية “جمانة حداد” والتي سبق أن أجريت معها حوارا رائعا جريئا عندما صدر ديوانها “عودة ليليت” قبل نحو خمسة عشر عاما وثمة أسماء أخرى”.
وعن اختلاف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “أنا بالأصل لا أتبنى هذا التصنيف ولا أراه إنسانيا، لا يوجد في يقيني أدب نسائي وأدب رجالي، هناك أدب إنساني، مثلا لو قدمت رواية جيدة وحجبت اسم من كتبها، هل يمكن وبثقة وجزم أن نعرف جنس الكاتب؟ إنه إذا تمييز عنصري لا قيمة مضافة منه للمنجز، بل هو أداة ناعمة تستخدم في تأجيج ذلك الصراع المصنوع على منصات الإعلام بين الرجل والمرأة، الغزل كعنصر تعبير في لغة الأدب، مثله مثل المشاعر الأخرى لا جنس للكراهية ولا جنس للانتقام ولا جنس للشوق ولا جنس للغزل كلها مشاعر”.
ويؤكد: “لا اعتقد أنني صالح لأكون بطل رواية أو قصيدة على كل حال ولست نجما لأتوقع أن أكون محل غزل، وللشطر الثاني أقول أنني مدرك أن الكاتب /ة لا يحمل كل مشاعر ما يكتب بل أنه قد يراجع نفسه بعد زمن ويتراجع ويغير قناعاته أو يجددها، ولا يجب أن نحاسب الآخرين مهما كانوا أقرباء أو غير أقرباء على أفكارهم إذا اختلفت. فاجعل حوارك محترما ودعيني أقول لك أني على يقين أن المرأة لا تقوى على عمل ثقب في أسوار اللغة التي شيدها المجتمع الذكوري في الغزل إلا في من تحب”.
الجرأة تحرك المياه الراكدة..
ويقول الكاتب المصري “أحمد طايل”: “الكتابة سواء نسائية أو ذكورية لابد أن تكتب بصدق، لا تحفظات بالكتابة، التحفظ وكبت المكنون يكون فجوة كبيرة بين الكاتب والمتعلقة. وبالتالي الجرأة مطلوبة وأرحب بها. الجرأة بمثابة أحجار تحرك المياه الراكدة والآيات”.
ويضيف: “مؤكد قرأت لشاعرات من العصر الجاهلي والعصر العباسي والأندلسي، وكانت.جريئة فوق التخيل. ومؤكد قرأت لكاتبات.كتبن بمنتهى الجرأة مثل نوال السعداوى، فوزيه الدريع، بثينة العيسي”
ويؤكد: “لكل كاتب خصوصياته، ومؤكد كتابات المرأة بالغزل تختلف عن الرجل.. كل منهما له زواياه التي يرى من خلالها. الكتابة الغزلية متاحة للجميع، وما المانع أن تتغزل امرأة برجل، وما المانع إن كانت زوجتي كاتبة أن تتغزل في نصوصها ومتطلباتها”.