28 ديسمبر، 2024 8:10 ص

الغزل في كتابات النساء (5): يكتب بصوت ذكوري أم محركه الكبت أم مهمة الرجال وفقط  

الغزل في كتابات النساء (5): يكتب بصوت ذكوري أم محركه الكبت أم مهمة الرجال وفقط  

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك طرح يقول أن غزل الكاتبات هو عبارة عن غزل بصوت ذكوري، أي أن الكاتبة تتقمص روح الذكر وشخصيته في غزلها، وأن كاتبات قليلات من استطعن أن يكتبن غزلا بصوت الأنثى، في حين يعتبر طرح آخر أن الغزل في كتابات النساء ماهو إلا تعبير عن كبت، رغم أنه يعترف بحق المرأة في أن تعبر عن مشاعرها وتتغزل بالرجل، وطرح ثالث يرفض غزل النساء ويعتبر الغزل مهمة الرجال.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟

غزل بصوت ذكوري..

يقول الكاتب العراقي “داود سلمان الشويلي”: “الشعر في كل العالم ذكوري النشأة، ذكوري التفكير، ذكوري القول، ومن طريف القول أن بحور الشعر التي وضعها الفراهيدي ذات أسماء ذكورية أيضا. وهذا الصفة تنسحب على قول الأنثى نفسها شعرا غزليا، أي أنه في حالة تغزل شاعرة برجل تأتي صور قصيدتها كأنها صور قصيدة رجل متغزل بأنثى إلا ما ندر.

إننا نقرأ شعرا قالته المرأة يتشح بالسواد، ويقطر حزنا وألما، خاصة في مراثيها، ونواحها، لأحد أفراد أسرتها وقلما نقرأ غزلا أنثويا.

للأنثى، الحق في التغزل بالرجل لأنها تحمل قلبا، وعاطفة، وشعورا، وأحاسيسا، كالرجل، إلا أنها لا تستغل كل ما يجيش في صدرها من هذه العاطفة، وتلك الأحاسيس، والمشاعر، بل أنها تبقى حبيسة صدرها دون أن تبثها شعرا”.

ويضيف عن الغزل في العصر القديم: “عبر تاريخ الشعر لم أقرأ غزلا نسويا بالرجل إلا النزر اليسير الذي لا يشفي غليلا، ولا يروي ظمآنا، وهذا مرده لأسباب كثيرة ربما أحدها الخجل النسوي.

ففي العصر العباسي هنتك الشاعرة “أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح”، فلها في حبيبها:

ويا عجباً أشتاق خـلوة مـن غـدا    ومثواه ما بين الحشا والترائب

وهذه الشاعرة “عشرقة المحاربية” التي قالت:

جريت مع العشاق في حلبة الهوى   ففقتهم سبقاً وجئت على رسلي

فما لبس العشاق مـــن حلل الهوى    ولا خلعوا إلا الثياب التي أبلي

ولا شربوا كأساً من الحب مـــــرةً    ولا حلــــوةً إلا شرابهم فضلي

وكل هذا الشعر وغيره هو شعر كأن قائله رجلا لا أنثى كشعر “الولادة بنت المستكفي” حبيبة “ابن زيدون” إذ قالت:

أنـــــــا والله أصلح للمــــــعالي   وأمــــشي مشيتي وأتيه تيها

أمكـن عاشقي من صحن خدي    وأمـــــنح قبلتي من يشتهيها

شعر نادر تشعر عند قراءته أو سماعه أن القائل هو أنثى.

الشاعرات كثيرات إلا أنهن قليلات التغزل بصوت أنثى نسبة إلى غزل الذكور”.

ويؤكد: “وإذا كانت المرأة الشاعرة، كأن تكون زوجتي، تتغزل بي بدافع العاطفة والمشاعر والأحاسيس التي تحملها تجاهي، فبالتأكيد إنني أتقبل ذلك برحابة صدر وأبادلها الغزل.

إن ما قلته ينسحب على كل فنون الأدب، ومنها الأدب الشعبي، وخاصة في حكايات “ألف ليلة وليلة” المتهمة بالفحش إذ أننا نجد النزر اليسير من ذلك الغزل النسوي الذي يصل حد الفحش”.

الكبت هو المحرك لغزل النساء..

ويقول الكاتب العراقي “على الحديثي”: “الكتابة هي المساحة التي لا تقبل القيود، فمن حقّ القلم أن يكتب ما يشاء سواء حمله رجل أو امرأة، ومن المؤكد أن أتقبّل ما يكتبن من غزل، فالمرأة لا تختلف عن الرجل بمشاعرها، ومن حّقها أن تعبّر عن تلك المشاعر بالطريقة التي تريد”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “نعم قرأت، فهناك ليلى الأخيلية، وعليه بنت المهدي وهي من بيت الخلافة، وولادة بنت المستكفي صاحبة البيتين الشهيرين:

أنا والله أصلحُ للمعالي                           وأمشي مشيتي وأتيهُ تيهًا

أمكّنُ عاشقي من صحنِ خدّي                وأعطي قبلتي من يشتهيها

وعن الغزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر يقول: “لو اطّلعنا على ما يكتبه النساء في الوقت الحاضر فسنجد أن أغلبه جدًّا، وأؤكّد على كلمة أغلبه، في الغزل، ومن سياق النصوص التي قرأتها أجد أنّ ما أقرأه أقرب إلى البوح المكبوت منه إلى الغزل، لهذا أجد الغزل فيه أقرب إلى الافتعال، لأنه انطلق، كما قلت، من الكبت وليس من التغزل البحت”.

وعن الاختلاف في الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “عندما تتشابه المشاعر، فستتشابه الكتابات، وقلت سابقًا أن للمرأة مشاعر لا تختلف عن مشاعر الرجال، ولكن في الوقت نفسه، كما قلت أيضًا، إنّ الكبت هو المحرك لغزل النساء، بخلاف غزل الرجال، فلا محالة سيكون هناك اختلاف بين الغزلين، وإذا كان هناك افتعال في بعض ما يكتبه الرجال، فهو كثير فيما يكتبه النساء، فهناك تشابه واختلاف”.

ويؤكد: “ومن ذا الذي لا يحبّ أن تتغزل به امرأة! وهل هناك امرأة لا تحبّ أن يتغزل بها رجل!.. كلاهما واحد في الشعور، ولا ضير عندي أن تكتب زوجتي أو قريبتي أو حتى ابنتي في نصوصها إن كانت كاتبة”.

 

الغزل مهمة الرجال..

ويقول الكاتب الأردني “محمد رمضان الجبور”: “لا شك أن الغزل في معظم العصور، سواء في العصر الجاهلي أو الإسلامي هو ذكوري، وقلة هنّ الشاعرات اللواتي تغزلن بالحبيب، غزلاً عفيفاً غير فاحش، بل حافظنّ على وقارهن، من هؤلاء الشاعرات “ليلى الأخيلية” صاحبة “توبة”، التي فاقت الكثير من الشعراء في زمانها، “أبو نواس، والفرزدق، وأبو تمام”، فقد فاقت شهرتها الكثير من الشعراء، أحبت “توبة الحميري”:

ونعم الفتى أن كان توبة فاجراً/      وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر

كأن فتى الفتيان توبة لم يُنخ /        قلائص يفحصن الحصى بالكراكر

ومن الشاعرات أيضا “بثينة” صاحبة “جميل بن معمر” حيث قالت:

توعدني قومي بقتلي وقتله

فقلت: اقتلوني وأخرجوه من الذنب

ولا تتبعوه بعد قتلي أذيةً

كفـى بالـذي يلقـاه مـن شــدة الحــب

وفي العصر الأندلسي برزت الشاعرة “ولادة بنت المستكفي” وتغزلت بالرجل بغزل يقترب من الفحش قليلاً فتقول:

أنا والله أصلح للمــــــعالي

وأمــــشي مشيتي وأتيه تيها

وعلى الطراز الأيسر:

أمكـن عاشقي من صحن خدي

وأمنح قبلتي من يشتهيها.

ويواصل: “وفي العصر الحديث برزت أديبات تحدثن عن الرجل وتغزلن به مثل الكاتبة السورية “غادة السمان” و”مي زيادة” وغيرهن”.

أما عن اختلاف الأسلوب في غزل الرجال عن النساء يقول: “فلا شك أن المرأة تتغزل بصفات الرجل من كرم وبطولة وشجاعة، أما عن غزل الرجل فيكون بوصف الأجزاء المادية في جسم المرأة مثل الوجه، العيون،  إلخ.

أنا لا أحبذ أن تتغزل المرأة بالرجل، فهذه مهمة الرجال، ولكن لا بد من وجود في كل عصر قلة جدا من الشاعرات يتغزلن بالرجل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة