خاص: إعداد- سماح عادل
عندما تكتب المرأة الغزل تعبر عن أهم موضوعات الحياة، الحب، وربما من أقدمها، فهي تعبر عن حاجة إنسانية ملحة، لكن تكمن قيمة هذا الغزل في كيفية تناوله بشكل أدبي، وكيف يخدم النصوص الأدبية أو يتفاعل معها.
وربما ترى بعض الكاتبات أن غزل النساء لابد وأن يكون راقيا، ويعبر عن مشاعر صادقة، في حين ترى أخريات، أن دليل على كون المرأة شريكا فاعلا في علاقة الحب وفي الحياة بشكل عام وإقرار بمساواتها مع الرجل
هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكاتبات الأسئلة التالية:
- ما رأيك في الغزل وهل تكتبينه، وما رأيك في الجرأة في كتابة الغزل؟
- هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
- هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
- وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
- ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل هل تحاول إثبات حقها في المساواة، أم تعبر عن ذاتها ومشاعرها، أم تحاول أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب؟
واقع معاش فطري وطبيعي..
تقول الكاتبة “مايا الطرابيلي”: “أوقن أن الغزل قد ولد حين اكتشف البدائي اضطراب نبضاته في حضور المعشوق. وعلى جدران الكهوف، بعد أن رسم صورا للحيوانات والطواطم، رسم نفسه وامرأته، هو بدء التدوين لحالات الحب الأولى، ثم أتت الكتابة لتتوج الأمر بشكل أكثر دقة.. الغزل قرين الغريزة والعاطفة؛ والمحرك الأساسي لخلق السطور، وأهم دوافع ظهور الأحرف والكلمات. قبل ثلاثة آلاف عام غازل “رمسيس الثاني” محبوبته “نفرتاري” قائلا: “هي من تشرق الشمس من أجلها” أي رقة ورهافة! وفي العراق قبل ألفي سنة عثروا على أول قصيدة غزلية باكتشاف آثار نينوي؛ كتبها الملك “شو سين” لعروسه.
وكوني روائية في المقام الأول، أحب الكتابة عن الغزل في رواياتي، وعلى صفحة “الفيسبوك” خاصتي. ولا أرى في الغزل الجريء مشكلة، فالمحك هو أدوات الكاتب وطريقة استخدامها وهدفه من الكتابة، واقعنا الجديد يوفر بضغطة زر آلاف الأفلام الإباحية، ومن كان هدفه الإثارة فالبحر مليء وزيادة، أما الإبداع فشأن آخر.
لو أن المقاطع الحميمية -الإيروتيك- حذفت من عمل ما ولم يتأثر، فالفكرة ضعيفة وعجزت عن توصيل المغزى، السطور الحميمية في الإنتاج الأدبي أحيانا أحد أهم أعصبتها، ليست بأساطير نختلقها بل واقع معاش فطري وطبيعي، والكاتب الذكي يستخدمها في صالح عمله، أما فكرة البذاءة فهي غير واردة مطلقا في قاموس الأدب والإبداع، حتى الكلمات البذيئة يمكن استخدامها لو أنها ستخدم العمل، كما قلت المحك هو مهارة التناول وذكاء الفكرة”.
عن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم تقول: “لم أتبحر كثيرا في الشعر الجاهلي وما تلاه من الفترة الأموية والعباسية، أحببته لفترة قصيرة وسرعان ما ظهرت قصيدة النثر، فاستحوذت على كامل اهتمامي، وقد أصبحت فكرة الشعر العمودي المسجوع خانقة بالنسبة لتفضيلاتي الأدبية.. لكن أحببت القراءة عن الشعراء وحياتهم، ومعروف مدى جرأة الكتابة في تلك الفترة، وكانت الأمور تسير بأريحية شديدة ولا مقص للرقيب قارئ أو ناقد”.
وعن الغزل الذي كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “أحرص على هذا طوال الوقت، وقد أتاحت منصات التواصل مئات الخيارات للقراءة، ولي صديقات كثيرات أحب القراءة لهن. أصبحت الكاتبات أكثر جرأة وتحررا من قيود ما يصح وما لا يصح، ومعه تنوعت الأفكار واستفاق عالم المجاز على مذاقات أكثر طزاجة وتجددت دماؤه.. ثمة الكثيرات على الساحة ممن يملكن ناصية القلم في الغزل وغيره بكل حنكة، وفي حالة تطور مستمر”.
وعن وجود اختلافات في الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال تقول: “انطباعي الخاص أنه كان فيما مضى يختلف، بحكم الأعراف والتقاليد، أقلام النساء قيدت ووقف على طرفها حينها “شاويش” ينهر بشكل لا واعي، كلما تقدم الزمن أصبحت الكاتبات أكثر جرأة، وأتحدث عن العالم العربي بالطبع، فالغرب له وضع آخر أو بالأحرى كان له وضح آخر والآن تساوت الكفتان”.
وعن أسباب كتابة الغزل تقول: “تمر الكاتبة، في اعتقادي، والكتاب بشكل عام عند كتابة الغزل بمراحل متتالية، مراهقة الكتابة الغزلية وهي المرحلة الأولى، الكتابة الشغوفة بفكرة الحب والتعبير المتدفق الغزير عنه، ومع النضج يصبح التركيز على الفكرة أكثر من العاطفة، ثم مع الوصول لمرحلة الاحتراف يكون الانتصار للإبداع ذاته وابتكار الجديد، بمحاولة العثور على طريق متفرد للقلم.
وهو ما أمر به حاليا، لا أريد في كتابة الغزل سوى تحدي نفسي وإبداع الجديد باستمرار، كل جمل الغزل مستهلكة، فكتابة الحب قديمة، ولو تحدثت عن قلمي، فكتاباتي لها دوما نزعة ندية، تأتي من منطلق الحوار المتناغم بين قوتين متكافئتين، أرفض فكرة الضعف الأنثوي، المرأة قادرة على منافسة الرجل في كل المجالات، ولو أني أرى العلاقة بينهم تبادلية أكثر منها تنافسية، يسودها تحاور الفكر والعاطفة، ولا درجات تعلو فوق أخرى؛ كلاهما شريك فاعل والقيادة مشتركة، لذا أكتب الغزل بصوت امرأة واثقة تعرف طريقها جيدا ولا تطلب دليلا.. فهي دليل نفسها”.
بوح راق وعميق الدلالة..
وتقول الشاعرة المغربية “ليلى التجري”: “الغزل فن بديع قائم على مشاعر الذوات الإنسانية، يعبر عن مكنوناتها، ويستجلي بواطنها. ويبقى شعر الغزل أقرب إلى وجدان الشاعر من باقي الأغراض الشعرية، موظفا أحاسيسه الجياشة في علاقته بالمرأة ونظرته إليها، وفي وصف مفاتنها.
من وجهة نظري جرأة الشاعر(ة) أو الكاتب في التطرق لمواضيع الغزل ينبغي أن تكون ببوح راق وعميق الدلالة، بوح عن هواجس الذات الفياضة بالأحاسيس الصادقة، بحيث يكون تعبيرا عن تجربة معاشة، مقدمة للقارئ العاشق للجمال بأسلوب لغوي ذي أبعاد جمالية، أكثر دلالة في تصوير مناجاة النفس للحبيب، والبوح عن خلجات الذات الإنسانية في أبهى حلتها”.
وتضيف: “تجدر الإشارة في هذا الصدد بأن شعر الغزل ليس وليد اللحظة بل هو متجذر منذ حقب خلت، بيد أن طريقة التعبير عن شعر الغزل تختلف من شاعر إلى آخر، وهذا الاختلاف مرتبط بتغيرات العصور.
ففي العصر الجاهلي لا تخلو أي قصيدة من الغزل وإن لم يكن الغرض الأساسي يدل عليه، وقد بزغت في العصر الجاهلي شاعرات عظيمات تميزن وتفردن عن غيرهن في قصائدهن المتباينة الدلالة والمعنى وفي توظيف لغة شعرية مباشرة من أمثالهن الشاعرة “علية بنت المهدي” التي كانت تتغزل بمن يعجبها من الخدم، والشاعرة “حفصة بنت الحاج الركونية” التي تميزت معظم قصائدها بشوق وتغزل بحبيبها”.
وتواصل: “في وقتنا الحالي أصبحت الكتابة النسائية في مختلف الأجناس الأدبية تكاد لا تخلو من البوح التلقائي في أرقى تجلياته والتغزل بوصف الحبيب، على سبيل الذكر الشاعرة “فدوى طوقان” والشاعرة “ربيعة العدوية” في قصيدة الحب.
وعن تجربتي الإبداعية في ديوان شعر”شظايا ذاكرة” الذي يتضمن مجموعة من القصائد الشعرية في التغزل والبوح بالاشتياق والولع بالحبيب (تمرد رجل، اشتياق، حب مجهول، عودة حبيب، قلوب مهاجرة). وهي قصائد مستوحاة من واقع معاش داخل المجتمع، وعن تجارب حقيقية مقدمة للمتلقي العاشق للجمال واللغة الشعرية بقالب إبداعي حاولت أن يكون أكثر جمالية وفنية”.
وتؤكد: “يختلف الغزل في كتابات المرأة المتسم بالعفوية والتلقائية وتوظيف لغة بسيطة عن الكتابة الغزلية لدى الرجل المتميزة ببوح مبهم الدلالة والمعنى معقد الصياغة والتركيب يخلق أفق انتظار لدى المتلقي لاكتشاف أغوار النص والغوص في أعماقه”.
وتؤكد: “من وجهة نظري فالكاتبة المتطرقة في كتاباتها لموضوع الغزل تحاول بذلك أن تعبر عن مكنون ذاتها ومشاعرها بأسلوب يرقى بمستوى أحاسيسها الفياضة الصادقة النابعة من وجدانها وتجربتها الذاتية عبر عوالم وأحلام ذوات متفردة عن غيرها”.
كيان وشريك فاعل..
وتقول الكاتبة العراقية “روشن سامي”: “طبعا الكل يعرف الغزل نوعان .حسي والعذري للبيئة تأثير كبير على الكاتبة، فكثير من الكاتبات مقيدات بقيم دينية واجتماعية، وهذا ما يجعل كتاباتنا محدودة ذات أطرُ .فلا حدود للإبداع. بالنسبة لي الغزل في كتاباتي عذري بحت، نعم”.
وعن غزل الشاعرات القديمات: “لي اطلاع على شاعرات الأندلس، حسانة التميمية، أما شعر نازك الملائكة فقليلة شعر غزل يتسم بجراءة خجولة ولكنها بالنسبة لعصرها جميل ومبدع”.
وتواصل: “في النثر اعتقد غادة السمان، حاولت اختراق هذا المجال. وفي كل الأحوال لا تتسم الكاتبات بجراءة للكتابة في الغزل الحسي .رغم أنها مادة الرجال وإلهامهم ومنبع كتاباتهم”.
وتؤكد: “عندما يكتب الكاتب عن الغزل فكل شيء له مباح، حتى هنا يسيطر الذكورية على هذا النوع من الشعر، أما الكاتبة من وجهة نظري مقيدة.
عندما تكتب الكاتبة عن الغزل تحاول أن توضح للعالم ما يكتبه الرجال عنها، وأنها موجود ليست دمية أو موديل يتغنى بها الشعراء هي كيان وشريك فعال فلولاها لما أبدع الشعراء”.