خاص: إعداد- سماح عادل
النصوص التي تكتبها النساء في الغزل نصوص تعبر عن الخصوصية والتميز، وتقدم صورة واضحة عن النساء وعالمهن.
هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكاتبات الأسئلة التالية:
- ما رأيك في الغزل وهل تكتبينه، وما رأيك في الجرأة في كتابة الغزل؟
- هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
- هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
- وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
- ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل هل تحاول إثبات حقها في المساواة، أم تعبر عن ذاتها ومشاعرها، أم تحاول أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب؟
تأثيث نص يشبه الحضور الأنثوي..
تقول الكاتبة “كاملة محمود الصيداوي” من فلسطين: “طبعًا كيف لي أن أكون متذوقة للجمال بكل أنواعه ومليئة بالدهشة أعتبرها إكسير الحياة يبقينا قيد شغف وحب لكل الأشياء ولا أكتب الغزل، كتابة الغزل بالنسبة لي هو أمر تعدّى وصف الجمال لأنني أؤمن أن الجمال نسبي وأمر في بعض الأحيان صعب أن نتفق عليه من منطلق أن للبشر ذوق مختلف، فما كانوا يرونه قمة في الجمال في سنين غابرة اليوم يعد شيئًا عاديًا!! إذًا الأمر متعلق بنا بدواخلنا بحالتنا وتجربتنا الإنسانيّة والوجوديّة والنفسيّة.
فقد كبرت بمحيط وبيئة ريفيّة فأنا نصف بدوية من جهة والدتي، النساء في هذا المحيط كنَّ جريئات ونظمن الغزل وتغزلن في الحبيب وشَكَينَ جورَه وظلمَه سواء في قربه أو بعده..
طبعًا الغزل عند الفلسطينيين مختلف وقد تختلط الأمور فيه، مثلًا عندما كنت صغيرة كنت أسمع النساء يبكين الميت وكأنه حبيب مفارق وحتى الشهيد..
كل هذه الأشعار علقت بذهني وشكلّت لدي مخزون إنساني وجداني فجدتي كانت تنظم الغزل وتغنيه في الأفراح والملفت أن الرجال كانوا يستسيغونه حتى أنهم يرددونه!! أحيانًا أصاب بالخيبة لماذا لم نعد كسابقنا نزكي الحب والغزل على الكره والمشاعر السلبية! فالغزل في أغلب الأحيان للأسف إذا كتبته أنثى صار شبهة!!”.
وتضيف: “ولكن لنكن منصفين الجرأة في الغزل كالمشي على خيط رفيع وللطرفين سواء أكان رجلًا أو امرأةً فنحن مجتمعات شرقية لنا اعتباراتنا، ومن هنا واحترامًا لعقل المتلقي أظن أنه من الأصدق أن لا يذهب النص بعيدًا، فيصبح هشًا ضعيفًا مجرد زحمة على سطر لا أحاسيس فيها ولا مشاعر تحاكي القارئ وتشبه وهنا أعني المغالاة..
فأنا كروائية أحاول أن يكون نصّي يشبهني بكل تفاصيلي على مستوى الكتابة والأسلوب والتعابير، نص أنثوي متقد أنيق بالدرجة الأولى حيزه الحالة التي أعيشها أو تعيشها إحدى شخصيات رواياتي وهنا تكون المتعة!!
أحيانًا مقياس ومدى الجرأة تحدده الخطوط العريضة للشخصية وتجربتها، أما إذا كان النص لي ككاملة فأنا أعد من الناثرات الجريئات فلا يعقل أن أنادي بالتحرر والتنوير ومناهضة الظلم والإحتلال ،وأقله لا أجرؤ على كتابة نص أعبر فيه عن أقصاي في المشاعر أيًّا كانت!!..لا أستطيع أن أرى رجلًا وسيمًا وأنيقًا ولا أعجب به وبحديثه، وأكتب فيه نصًا أوثق تلك المشاعر طالما أنني لا أتجاوز الحقوق الشرعية المتعارف عليها في كل المجتمعات عامة وليس مجتمعنا فقط.
فأنا كجدي مؤمنة بأن في الغزل لا ضوابط ولا حدود على مستوى التعبير بدليل أنه كان معلمًا للغة العربية ومرافعًا شرعيًا وإمامًا، أتيته مرة أخبره أن أحدهم نظم في قصيدة غزل أسأله عن رأيه؟ فأجابني: “لا تَسلم الريح من الغزل يا فتاة!!” وما الضير من الإحتفاء بالحب وهو أعلى وأسمى حالات الوجودية هو انعكاسات الخالق فينا، الغزل كالصلاة في أغلب الأحيان يمجد الخالق وصوره وجمال صنعته”..
وعن الغزل في الشعر القديم : “نعم فنحن النساء بطبيعتنا حالمات وأول ما نريده وصف لنا ولحالتنا، نحاول فيها التقاط حرف أو صورة أو لحن يؤكد لنا أن ما نشعر به طبيعي ومألوف، على مدى سِيَرِ النساء في كل الأزمنة والعصور..
كان أول نصّ شعري قرأته جعلني أطير وأحلق لجماله ردّني لأول الحب أول العشق ل”ولادة بنت المستكفي”
لحاظُكم تجرحُنا في الحشا
وَلَحظنا يجرحُكم في الخدود
جرح يجرحٍ إذا بدا
فما الّذي أوجَب جرح الصدود
يومها شعرت بشعور مختلف ف”ولادة” شكلت نقلة نوعية في الشعر الغزلي النسائي، وأعرف أن البعض سيفسر الأمر بسبب الانفتاح العام في الأندلس ومظاهر التنوير وكونها أميرة، أوافقهم ولكن لننصف هذه المرأة أيضًا من منطلق أن الإبداع له شروط وحيثيات، وأن هذه المرأة كانت قادرة على إنشاء نص شعري مكتمل.
أما في وقتنا الحالي فأقرأ كل ما تطاله يدي، وأحاول أن أُنوِع في قراءاتي ويجذبني شعر الغزل سواء في النصوص الشعرية أو القصص القصيرة والروايات.
خلال مسيرتي الجامعية قرأت ل”نازك الملائكة ولمي زيادة ولمالكة العاصمي ولفدوى طوقان وسعاد الصباح”، وطبعا لا نستطيع أن نغفل “أحلام مستغانمي” أنا شخصيًا أحبها في النصوص النثرية أكثر من الرواية!! اقرأ كثيرًا ل”ميسون سويدان” وأحبها في الغزل”..
وتضيف: “أنا أرى أن الغزل كتوجه لا يختلف على مرِّ الأزمان ولكن مستويات ومساحات التعبير فيه تختلف، فشاعرات اليوم لديهن فرص أفضل ليبرزن، فلو بحثت مثلًا عن ديوان شعر لأي شاعرة في الأزمنة الماضية لن تجد ديوانًا مرتبًا منظمًا لها، بل ستجد نصًا هنا ونصًا هناك.
بينما اليوم فالأمر مختلف، أما عن الشعر كصنعة فأنا أرى أن الأنثى إضافة للغزل كصنف شعري له مميزاته، فالمرأة إذا كتبت نصًا شعريًا أتته بكامل جمالها ودلعها وخفة ظلها بكحلها وعطرها وأحمر شفاهها وشهرزاديتها، فالنصوص تكتبها النساء مزدحمة بتفاصيلها تحاول من خلالها تأثيث نص يشبه حضورها الأنثوي، شاء من شاء له خصوصيته وجماليته.
المرأة إذا تغزلت بالشيء خلقته على طريقتها الخاصة والمميزة، فهي بطبيعتها متجددة ومتمردة لا تحب الركود تنفخ روحها بكل ماهو حولها، وصدف أن أغلب القراء يحبون ذلك والبعض القلة ينكرون هذا الجمال لعدة اعتبارات تحتاج دراسات ودراسات طويلة”.
وعن الاختلاف تقول: “لا شك أن هنالك اختلاف بين غزل المرأة وغزل الرجل، ويعود ذلك لتكوينهما واختلاف عوالمهما، فالمرأة تحمل وتلد وهذه ميزة جعلتها أقوى عاطفيًّا وأغنى وأثرى، الإضافة لتجربتها الحياتية جعلت غزلها متفردًا. نقطة ثانية تلقيها للحب مختلف المرأة تحب بأذنها أما الرجل فبعينه، لذلك نصهما في الغزل مختلف، فالمرأة قادرة على أن تحب رجلًا لم تقابله وجهًا لوجه ولو لمرة واحدة، وتكتب فيه مجلدات، عكس الرجل ما لم تتوفر صفات محبوبته الذاتية. أما النقطة الثالثة فهي نظرة المرأة للجمال، فهي مختلفة عن تلك للرجل فهي تأخذ الحب بنظرة تفصيلية أكثر من الرجل فتراها مثلًا تقف عند العيون، القامة، الابتسامة، بينما الرجل شمولي ويأخذ المرأة بشكل عام وبالجملة.
المرأة بطبيعتها تحكم بالجمال فيتحكم فيها الحب أو تزهد، والرجل عكسها تراه يعجب بالمرأة دفعة واحدة، وللمفارقة يمكن أن تكون محبوبته رغم ما فيها من عيوب صورة جميلة يحسنها بشعره لتلائم وتكمل ذوقه الخاص..
وتباعًا لما ذكر أعلاه فغزل المرأة مختلف، فهي تعبر عن ذلك بالابتسامات والدموع، تغذيه بمظهرها الأنثوي وممارساتها كاللبس والتعطر، حتى ممارساتها الأنثوية هويتها، تكون حاضرة على طول النص، والنساء بطبعهن مغاليات متطرفات في الحب كما في الفرح والحزن. إذا أحبت المرأة قدمت كل مشاعرها للعاشق على طبق من ذهب!!”.
وتؤكد: “الكاتبة تكتب الغزل حسب رأيي امرأة شجاعة ومدركة لكينونتها، بدليل أنها تصر على اقتحام مساحة ظلت لأزمنة مقتصرة على الرجال إلا في بعض الإستثناءات. فنحن ما زلنا نعيش في مجتمعات تنكر على المرأة حقها في التعبير عن الحب والبوح فيه.
أنا شخصيًّا أكتب الحب للحب وأدون مشاعري وأحتفي بها وهذا حقي الطبيعي، والكثير من الكاتبات مثلي مهدن الطريق لكسر حاجز الخوف والخجل عندما عَبَّرنَ عن حبهن وإعجابهن بالرجل بالشريك بالمحبوب.
أنا لا أتفق على مسألة أن نحول مساحة إبداعية لساحة حرب، ولكن حتى الأدب يمر بتغييرات وتطورات يفرضها الحيز العام بكل حيثياته!! فالرجل نفسه يريد شريكة فاعلة في علاقته مع المرأة أيًا كانت المسميات!! يريدها مبادرة لها موقف ليست فقط مجرد محبوبة يستنفذ فيها طاقاته ومشاعره!!
المرأة قطعت شوطًا كبيرًا في كل المجالات، وأصبحت تمارس حقوقًا ضمنًا هي بديهية ومن حقها، فلا يعقل أن أكون مستقلة ولي رؤية خاصة في كل مجالات الحياة، وعندما يأتي الحديث عن المشاعر أنحسر وأتردد تحت طائلة تخلف وظلم وتعسف سلب مني ومن غيري أبسط الحقوق أن أحتفي بالحب وأظهره. فنصّي الغزلي هو مستوى من مستويات حكيي كلامي ويجب أن يحترم.
لا أحب الجبن، في الحب حيزه الأجمل الغزل فهو كمن يختبئ وراء إصبعه طبعًا، ولا ألوم البعض ممن يملكن موهبة الشعر وخصوصًا الغزل ولكن لا يقوين على الظهور علنًا، والكتابة بأسمائهن الحقيقية، ولكن أرجو أن يأتي ذلك اليوم هي مسألة وعي ونضال المفروض أنه مكفول ضمنًا.
المشاعر أعلى مستويات الوجود الإنساني وحري بنا أن نظهرها خصوصًا تلك الراقية تبرز تجاربنا كبشر”.
كتأثير الماء للزهرة..
وتقول “زينب محمد عثمان” من السودان: “أولاً أنا سعيدة جداً بالمشاركة في هذا الطرح الجميل وإبداء رأئي المتواضع في موضوع شيق كهذا الموضوع.
الغزل وما أدراك ما الغزل!
للوهلة الأولى عندما تسمع المرأة في العموم بغض النظر عن أي عُمرٍ كانت فيه كلمة غزل واحدة ترتسم على شفتيها إبتسامة جميلة على الفور، ويطفو لون الخجل الوردي على وجنتيها لسماعها لتلك الكلمة الجميلة.
من منا لا تحب الغزل؟
الغزل بجميع أشكاله يعد واحدة من أساليب التعبير عن المشاعر الجميلة ومكنونات الداخل. سواء أكان هذا الغزل مُعَبراً عنه قولاً وشفاهةً بالكلمات أو كتابةً- نثراً كان أم شعراً- أو فعلاً. وهنا لكلٍ منا طريقته الخاصة في الغزل وفي التعبير عنه.
الغزل في العموم عالم مختلف وجميل، هو حياة أخرى. تأثيره على مزاج الشخص ذكراً كان أم أنثى كتأثير الماء للزهرة. يجعلنا نتورد ونتفتح من جديد”.
أنا شخصياً في معظم كتاباتي أتطرق للغزل وأكتبه بشكل يناسب القصيدة أو القصة. أحياناً أكتبه بجرأة، لكن هذه الجرأة دائماً ما أضعها في حدود المعقول بأن تكون ليست خادشة للحياء وإنما مناسبة للمشهد وللموقف”.
ويواصل: “لقد قرأت الغزل لشاعرات في الزمن القديم ولشعراء العصور القديمة كذلك. وما يميز الغزل لديهم أنه كان أكثر بلاغة وفصاحة وعمق في المعنى وفي المضمون كذلك.
من أؤلئك الشعراء من تخصص في مجال الغزل فقط وفي هذا أسماء كبيرة لعمالقة الغزل من شعراء العرب القدماء، منهم على سبيل المثال لا الحصر مجنون ليلى قيس بن الملوح.
ومازال الغزل إلى يومنا هذا ينال نصيبه في الكتابة شعراً ونثراً بأفصح المعاني وأجمل التعابير”.
وعن الغزل في الوقت الحالي: “بالطبع إطلعت على غزل كتبنه كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء كان في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية، ولا ننسى الغناء كذلك فقد نال فيه الغزل النصيب الأوفر. لكن الشيء الذي لاحظته أن الغزل الآن إختلف كثيراً عن الغزل في العصور القديمة بغض النظر عن الذي كتبه رجلٌ كان أم امرأة. الغزل في العصور القديمة كان أكثر قوة وجمال وعمق في الدلالة والمعنى.
قديماً كان الغزل يتميز بالتفرد العجيب والمدهش للكلمات المنتقاة بعنايةٍ فائقة، لربما يعزى ذلك لإختلاف الثقافات وإختلاف البيئات والموروثات والأفكار كذلك. ثمة فرق شاسع في كتابة الغزل ما بين الأمس واليوم”.
وعن الاختلاف تقول: “يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال بكل تأكيد. كل واحد منهم سيتناول الغزل في كتاباته من منظوره الخاص ومن الناحية التي تعنيه، فغزل المرأة يختلف عن غزل الرجل في الطرح والأسلوب والناظر للموضوع بتركيز أكثر سيلاحظ الفرق”.
وتؤكد: “في إعتقادي أن الكاتبة حين تقوم بكتابة الغزل تريد بذلك أن تعبر عن ذاتها، وعن مشاعرها الصادقة والحقيقة أكثر من كونها تريد إثبات حقها في المساواة أو محاولة أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب.
الحب في حد ذاته هو واحد من المشاعر الجميلة التي نحيا بها، فبالفطرة نحب وبالفطرة كذلك نعبر عن هذا الحب بأشكالٍ شتى شفاهةً وكتابةً وفعلاً