25 ديسمبر، 2024 11:02 م

الغزل في كتابات النساء (17):  الجرأة تسبب التهتك أم حب يتوخى الحرية والتمرد والسمو

الغزل في كتابات النساء (17):  الجرأة تسبب التهتك أم حب يتوخى الحرية والتمرد والسمو

 

خاص: إعداد- سماح عادل

حين تحاول المرأة أن تكتب الغزل في نصوصها يوقفها الخوف من المجتمع وقيوده وخطوطه الحمراء، منهن من لا تعبأ بتلك القيود لكنهن قليلات. ويبقى احتفاء الكتاب الذكور بغزل النساء أمرا جميلا، خاصة حين يعتقد البعض منهم بأحقية المرأة في أن تعبر كما تشاء، واضعين شرط الإجادة والعمق كشرط لتقبل تلك النصوص، مع وجود آراء لا تفرق بين الرجل والمراة وإنما تراهن على أدبية النصوص وجودتها.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟

الجرأة تؤدي إلى التسليع..

بقول الكاتب الكردي السوري “إبراهيم يوسف”: “الإبداع هو موهبة، والشعر أحد أفانينه، كما إن الغزل أحد الأغراض الشعرية. صحيح أن الشاعر هو أكثرمن عرف بكتابة الشعرالغزلي إلى جانب بقية الأغراض الأخرى التي كتبها، وهناك من كان الغزل أبرز إبداعاته في مجال الشعر، إلا إن الشاعرة/ الأنثى هي ذاتها تمتلك المشاعر ذاتها، كما إنها لتمتلك ناصية الإبداع، في مجالاته كافة، وقد تكتب الشعرالغزلي فيما إذا توافرأمران أو أحدهما: الوعي الاجتماعي العام وعامل الجرأة الذاتية”.

ويواصل: “بالنسبة للغزل  في الشعر، من المؤكد أن له ضوابطه، سواء أكان كاتبه ذكراً أم أنثى. رجلاً أم امرأة. شاعراً أم شاعرة، وتتوقف جماليته على مدى درجة الإبداع، وإن كان للرجل- لاسيما في مجتمعاتنا- البعد التاريخي للإبداع في هذا المجال، من دون أن ننسى أن هناك نساء كتبن شعراً موغلاً في الجرأة والجمالية، ألم تكتب “ولادة بنت المستكفي” على ثوبها:

والله إني أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أمكن عاشقي من صحن خدي

وأعطي قبلتي من يشتهيها؟!

وإذا كان الشعرالمغنى أحد ضروب الشعر، فإن للكثيرمن النساء- عبرالتاريخ- كتاباتهن الغزلية، والتراث الكردي يزخر بالأغاني التي نسبت إلى المرأة، بل إن الجرأة في الغزل لدى الشاعرالكردي، لاسيما في الأغنية جد كثيرة، تكاد تصل إلى حد التهتك في بعض الأحيان، نظراً لهامش الحرية المتوافر، وإن كان دخول الكرد في الدين الجديد قد أثر إلى حد بعيد في “تهذيب” هذا النوع من الشعر، فخسرنا الكثيرمنه، نتيجة ظروف عديدة!”.

ويضيف: “خلال دراستنا الجامعية اطلعنا على الشعر النسائي، وقد أفرد للشاعرة “ولادة” مكانة لائقة، من خلال منتداها، أو من خلال حبها ل”ابن زيدون” الذي وقع في حب جاريتها” السوداء”، فابتعدت عنه حيناً لتعود إليه، وكانت لها قصائد مغناة جد جميلة تطفح بالعذوبة والجمال والجرأة. ولعل غزل الشواعر أبعد من هذا الأنموذج القرطبي، إذ قرأنا عن الشاعرة “ليلى العامرية”، وما دار بينها و”قيس بين الملوح”، وهي القائلة في الفرق بينها وقيس:

باح مجنون عامر بهواه

وكتمت الهوى فمت بوجدي

فإذا كان في القيامة نودي:

من قتيل الهوى؟ تقدمت وحدي

وإن قرأنا من يتحدث-هنا عن النحلة- والتضخيم، كما إن هناك التيانية أو “مهجة” القرطبية والتي عرف شعرها بإيغاله في التعفف ورقة المعاني، بالإضافة إلى أسماء كثيرات يمكن تناول إبداعهن ضمن دراسات خاصة!”.

ويؤكد: “وإذا كانت دورة الإبداع متواصلة بين المحطات الزمنية، فإن الشاعرة المعاصرة لاتفتأ تكتب قصيدتها، وبعيداً عن ذكر الأسماء، لأن نماذج كثيرة قد تحضر أي متابع، فإن تناول الشاعرة الجديدة قد اختلف من حيث الشكل، إذ إن الشاعرة الحداثية أكثرمن خاضت في هذا الميدان، لاسيما من يكتبن النصوص المكثفة، وإن كان في المجال المقارني  يمكن الحديث عن أمرين، يتعلقان بالمختلف والمشترك في قصائد الغزل لدى الشاعرة والشاعر، وهنا أيضاً فإننا أمام مدخل نقدي له أدواته!”

ويقول: “أجل. إن المرأة الساردة قد تستطيع أن تمضي أبعد في تناول قضايا الحب، أو لنقل: الغزل، جرياً على التقسيم الغرضي- شعرياً- وهذا ما يتجلى بالدرجة الأولى في الرواية، ومن ثم القصة القصيرة!

في تصوري، يمكن تقويم إبداع الأنثى فيما يتعلق ب” التغزل” بالرجل، سردياً على نحو أدق، لما يتيحه السرد من حرية وخصوصية في التعامل مع أدوات الإبداع، وطبيعة المتلقي.

أما بخصوص الاختلاف في غزل- الجنسين- الشاعر والشاعرة، فإن هناك ثمة خصوصية لكل منهما تتجسد في إبداع كل منهما، إلا إن  لثقافة المحيط الاجتماعي سطوتها وتأثيراتها في هذا المجال.

لربما نتيجة طبيعة ثقافية خاصة، أو تربية خاصة، فإن قصيدة الغزل التي كتبتها وأنا في المرحلة الإعدادية لم أكمل مشروعها، وإن سأكتب خلال عقود حياتي بعض النصوص العفوية أو الخاضعة لرقابة ما داخلية، لدواع مختلفة.

لي تجربة طويلة في الاهتمام بالمواهب الأدبية، كمدرس، وكشاعر، إذ تعرفت على كثيرات كتبن الشعر في صيغ غير مباشرة، إلا إنهن رغم الحدود التي كن يضعنها لطالما أظهرن حالات عاطفية وجدانية في إطار جمالي مؤثر، إلى جانب من كن يكتبن شعراً جريئاً، في هذا المجال.

في رأيي الشخصي لابد من أن تكون هناك حدود معينة لابد من الالتزام بها، وعدم تجاوزها، إذ إن التهتك- في مجال الشعر- يفقد الكثيرمن الجماليات، ويدفع به إلى- التسليع- والتسويق، بعكس الشعر المحاط بغلالة شفافة تؤدي الوظيفة الشعرية: تلميحاً وإيحاء لا تفسيراً”.

حب يتوخى الحرية والتمرد والسمو..

ويقول الشاعر العراقي “عمار كشيش”: “أنا من المتيمين بالحرية، حرية الرجل، والمرأة على حد سواء، ومن حق المرأة أن تتغزل بالرجل، وأن تكتب قصصا غرامية، وإيروتيكية: مزيج من الحب، والسياسة، والتمرد  كما تفعل “أحلام مستغانمي”.

ليس من حق أحد أن يقف في طريقها، كما أن عليها أن لاتستسلم وتطفيء جنونها المشتعل في الكتابة.

أما الجرأة في غزل الكتابات فأنا اتقبله وألعن الرقابة حين تمنع ذلك، لكن الذي أتمناه أن لا يكون غزلاً رخيصاً، وأن لا تكون الجرأة فجةً، أتمنى أن ترتفع قيمة الفن في النصوص. قيمة الفن أولا …. الحداثة أولا”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “بداية قرأت الخنساء ولم اقرأ سواها أو بالأحرى لم أصادف غيرها، والخنساء هي دموع ومراثي بحق أخيها صخر ليس إلا. أما من ناحية الغزل فلا أظن الخنساء كتبت غزلا، غزلها هو المراثي  المراثي الحمراء.

كلما أبحث في  الشعر القديم وأقصد به شعر الجاهلية والعباسي والأموي، وشعر المراحل اللاحقة لم أجد سوى امرؤ القيس وعنترة العبسي والمتنبي  والمعري وابي نؤاس أقصد سوى رجال.

لكن هنالك الغزل الاندلسي أي الذي كتبته شاعرات أندلسيات عددهن  25 شاعرة، وهن يكتبن مثلما يكتب الرجل وهذا أساس عظيم لابد من الاستناد عليه في العصر الحالي. من الشاعرات  الاندلسيات “حفصة بنت حمدون” و”نزهون  الغرناطية””.

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “نعم اطلعت على قصائد وأذكر هنا الشعر المكتنز بالحداثة مثل كتاب (السعادة) للشاعرة المصرية “رنا التونسي”، وهنالك “غادة السمان” وهي روائية وكاتبة نصوص ليست شعرية، مثل كتابها “أعلنت عليك الحب”. هنالك حب يتوخى الحرية والتمرد والسمو وهذا هو الأساسي”.

وعن الاختلاف بينالغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “اختلاف فقط في الجرأة بسبب القيود التي تُفرض على المرأة فإن بعض الشاعرات يكتبن بطريقة مجازية، لا لأسباب فنية ولكن لأسباب مجتمعية، وبعضهن كتمن شعرهن ولم يطورنه، كل قصيدة تحاول الطيران يقتلنها ويدفننها في الحال، فكم من شاعرة ربما تكون مؤثرة ومهمة لكنها تصمت خوفا من الأخوة والأعمام، وهذا يحصل في جنوبنا العراقي”.

ويؤكد: “نعم أحب ومن لا يحب الغزل، خاصة إذا كتبته شاعرة  حداثوية. نعم أسمح لزوجتي أن تكتب غزلا لكنها ليست شاعرة وليتها كذلك، كي تستطيع قراءة لغتي بجدارة. إحدى قريباتي شجعتها على الكتابة ولكن لم تستمر في الكتابة، كان خوفها أقوى جدا من تشجيعي لها”.

لا بد للنص أن يمتاز بشاعرية..

ويقول القاص “خالد مهدي الشمري” من العراق: “الموضوع ليس بين الرجل أو امرأة. الموضوع هو الأدب الشعري وعلينا أن نؤمن بأن الشعر له مميزات وخصائص ليست لجنس دون الآخر، وميزة الشعر أنه فن متداول مستصاغ بين أفراد المجتمع، وهو ينقل صورا مختلفة أحيانا لا تخلوا من التصوير المبالغ به، ليتحول إلى جرأة قد تكون مميزة وجميلة أحيانا. وعن نفسي لا أنظر للشاعر أو الشاعرة بقدر ما أنظر للشعر والكلمات التي تجعلني أطير معها في قضاء آخر”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “اشتهر العصر الأموي بالشعر وخاصة منه الغزل وظهرت شاعرات يتغزلن بالشعر في تلك الفترة منها “أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح”، وهي من شاعرات القرن الخامس الهجري، فكانت تقول في حبيبها الذي كان أحد فتيان قصر أبيها:

ألا ليت شعري هل من سبيل لخلوة

ينزه عنــها سمـع كل مراقــــــب

وأيضا …

“ليلى العامرية” صاحبة “قيس” التي عاشت في فترة خلافة “مروان بن الحكم” و”عبد الملك بن مروان” في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب قولها:

لم يكن المجنون في حالة

إلا وقد كنت كمـا كانـا

لكنه باح بسر الهوى

والكثير ومنها في الأندلس ولكنه قد يختصر على الجواري في تلك الفترة”.

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “اكيد هناك العديد من الأديبات في الوقت الحاضر ومن المؤكد لا يمكن حصر العدد. وهنا أقول كما أسلفت لا أنظر لاسم الشاعر أو القاص بل أنظر للصور التي تتوالد في ذهني، والنص الذي يمتاز بشاعرية أكيد ومؤكد ينال استحسان كل من يقرأ. لكني استغربت من بعض الشاعرات وهي تكتب الشعر الغزلي بصورة رجل، لتنطلق بالبوح بلا حدود وهي تغور بالمحذورات بل تتجاوز كل حدود الممنوع مما أثار لدي بعض الرفض”.

وعن الاختلاف بين الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “قطعا ليس هناك فرق في التلقي إن حذفت اسم الشاعر فما يميز القصيدة عن غيرها هو الشاعرية والصورة الشعرية”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة