18 نوفمبر، 2024 7:23 ص
Search
Close this search box.

الغزل في كتابات النساء (16): تتغزل الكاتبة بإحساسها وتتمعن به أم كماء عذب وبارد في يوم قائظ

الغزل في كتابات النساء (16): تتغزل الكاتبة بإحساسها وتتمعن به أم كماء عذب وبارد في يوم قائظ

 

خاص: إعداد- سماح عادل

من الجميل أن يحتفي كاتب رجل بغزل النساء، وأن يشعر بجماله وخصوصيته وتميزه، وأن يتفنن في وصفه بأجمل الأوصاف، لأنه وقتها يحتفي بالنصوص التي تستحق الاحتفاء، بغض النظر عن جنس كاتبه أو نوعه الاجتماعي، بل قد يبتعد الأمر عن مجرد الاحتفاء بأدب مميز، ليصل الى تشجيع الكاتبات والاعتراف بمواهبهن وتميزهن.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟

الكاتبة تتغزل بإحساسها وتتمعن به..

يقول الكاتب العراقي أحمد حسين: “اذا اعتبرنا ان النص (شعريا كان أم سرديا) هو ترجمة شخصية بحتة لتجربة الشاعر، عندها سوف نرى النص كإنعكاس حقيقي لما يجري ويعتمل داخل مؤلفه، هذا الاعتبار سيكون له صداه عند المتلقي بتنوع الأمزجة والثقافات لدى القراء. ويمكن أن أقول أن له عدة ردود من الأفعال. فهناك من يعجبه كثيرا الشخصنة في النص ويعتبره أقصى حد للصدق. وهناك من لايحبذ ربط النص بتعابيره الصريحة والمضمرة بشخصية مؤلفه. وآخر يعتبر أو يعطي الحق للمؤلف أن يتولى التعبير بالنيابة عنه.

ولكي أكون أوضح أو أكثر دقة. فلنختار من النصوص الشعر أولا. النص الشعري في الغالب يربط بشعور وشخصية قائله، وهو شيئ طبيعي إلى حد ما وذلك لبنية الشعر ومواضيعه التي هي عاطفية في معظمها.. فلا يحبذ أو لا يجوز أن يكتب شاعر شعور غيره من الشعراء أي أن يستعير شاعريته، طريقته في التناول، زواياه التي اعتاد الانطلاق منها..

فالكل كتب الغزل، لكن غزل المتنبي يختلف عن غزل أبو نؤاس مثلا، أي أن زاويتيهما مختلفتان. أما لماذا اشتهر شاعر بالحكمة وآخر بالغزل. َفهذا لبراعة كلا منهما في موضوعه.

أحببت في الأسطر السابقة أن أبين أن الشاعر رجلا كان أم امرأة؛ هو ذاته. أي أن الشاعرية والإجادة والصدق لاتميز بين الجنسين. ولكن لأننا اعتدنا مثلا في الغزل أن يكتبه الرجال؛ لذا يجد البعض غرابة أو جرأة أو لذة خاصة وهو يقرأ شعر غزلي لامرأة. وهو ما أود التكلم عنه أي انعكاس غزل المرأة شعرا على سامعيه من الرجال.

الشعر هو ما لانستطيع التعبير عنه نثرا، أو في أحسن الحالات سيكون باهتا إذا ما جاء بقالب آخر.. الغزل من أرق وأرهف مواضيع الشعر ويكاد يكون حكرا على هذا النوع من الأدب.. لأن في السرد يرافق الغزل الظروف والسياق ومستوى ونوع الشخصية.. أي يآتي بشكله الواقعي المتلعثم أحيانا.. وليس ذلك مرده لنقص أو عجز في تقتيات السرد.. أبدا، ولكن لتوخي الهدوء والموضوعية في المعالجة.. وهذان الأمران الأخيران عكس أو يناقضان إن وجدا روح ودفق الغزل في الشعر”..

ويضيف: “عماد الغزل تكبير دقائق وتفاصيل المتغزل به ولا مفر من الجرأة والتي أحيانا تكون صادمة أو ربما خادشة للبعض إذا كان الغزل يخاطب جسدا، وهو الأكثر شيوعا وتفضيلا من الناس. ومن هنا تتآتى الغرابة أو غير المتوقع (كما ذكرتها أعلاه)، فكيف يصير جسد الرجل موضوعا للغزل. بالنسبة للمرأة يكون ذلك غير مستغربا إلى حد ما؛ فالعيون، واللمسة، والطول والهيئة، تستثمرها الشاعرة بشكل أحيانا يكون خاص جدا بالنسبة للنساء ذاتهن أي لايمكن أن يتصوره رجل عن آخر.. وأحيانا تستفيض أو تركز على إحساسها هي (أي كرد فعل) تجاه هذه الأدوات، فتنشغل طويلا بالاشتغال على ما تركه جسده من أثر عليها..

كأنها أرادت منه الشرارة لا أكثر.. أي تتغزل بإحساسها وتتمعن به. وهذا ما لانجده في معظم غزل الرجال.. فموضوع جسد المرأة يبقى حاضرا باستفاضة لختام القصيدة.. إن غزل المرأة بالرجل أكثر عفة وغالبا مايكون شعورا وليس ماديا..

أما إذا كان موضوع الغزل روحيا أي أقرب إلى الأحاسيس منه إلى الجسد، فأعتقد أن هذا لا يجيده الرجال مثلما تفعله النساء.. إن الشاعرة هنا تستحتضر أرهف أحاسيسها في الوصف.. أي أكثر وأنقى جزء كامن فيها.. ومن يحاول من الرجال الشعراء أن يقتحم هذا الجزء ومهما كانت شاعريته؛ فإنه لا يمكن أن يفلت من التعابير والتفكير الذكوري عنده.. الا بعض الاستثناءات التي كتبت من شعراء كبار؛ كقصيدة كلمات لنزار قباني التي جاءت (من المفترض) على لسان امرأة.. ولو أمعنا في كلماتها قليلا فأننا سنجد معظمها ماهي إلا ترجمة لأفعال الرجل: ”

يسمعني حين يراقصني..

كلمات ليست كالكلمات

يأخذني من تحت ذراعي..

يزرعني في إحدى الغيمات..

وأنا كالطفلة في يده..

تعابير معظمها ردود أفعال..  وليس أفعال صادرة من المرأة.. كما أن الكتابة على لسان امرأة هو اقتحام أو تجاوز على عالم المرأة الداخلي.. لذا من الحذر أن يكتب الرجل عن المرأة. إلا من كان صادقا.. مستلهما كتابته عن صدق واقع.. أو تخيل مقترن بالإقناع.. وإلا سيصبح ساذجا.. أو رأيا لا وزن له”.

ويواصل: “عن نفسي أحب جدا أن تتغزل في امرأة.. لسبب اعتبره جوهري.. وذلك لأرى ماذا ترى هي في من صفات.. فربما ما اعتبره جميلا قد اكتشف العكس أو العكس تماما فما اعتبره قبيحا تجده صفة محببة.. في الغزل أحيانا (إذا كان صادقا ونابعا من عاطفة حقيقية)  يعاد اكتشاف الشخص لنفسه.. يصبح أكثر ثقة.. ويتأكد بأنه مرغوب من قبل حبيبه”..

ويؤكد: “في مجتمعاتنا وكما معظم الممارسات ممنوعة أو غير محببة للمرأة ومن ضمنها الغزل.. فالمرأة التي تتغزل بالرجل تكون موضعا قلقا وشك.. ويلتصق الأمر مباشرة بأخلاقها وشخصيتها الحقيقية أي غير الشاعرة.. أو في أحسن الحالات يقال أن مايجوز للشاعرة أو الكاتبة لايجوز لغيرها.. وهذا تعدي سافر على الإنسانة العادية غير الشاعرة أو الكاتبة.. كأنها لاتملك عاطفة أو عينا..

أذكر أن الشاعرة الكبيرة “لميعة عباس عمارة” عندما سألت تتغزلين بمن؟ ردت بإبتسامتها المعهودة؛ بالرجل أكيد.. فبالرغم كونها شاعرة إلا أن جوابها كان لا يستحسنه البعض.. ولديها قصيدة جميلة تتغزل فيها بأحد الشعراء المبتدئين عندما قدم لها قصيدة أراد أن تعطي رأيها فيها ولما كانت مليئة بأخطاء لغوية فاضحة، فحولت ردها إلى تغزل في ذلك الشاب (يتضمن ذكر أخطائه بشكل لطيف جدا) وهو كان وسيما كما وصفته”.

كماء عذب وبارد في يوم قائظ..

ويقول الشاعر “عباس رحيمة”: “نعم.. النساء أكثر رقة ومشاعرهن صادقة وجياشة. هناك عاشقات كتمن عشقهن مراعاة للتقاليد والأعراف الاجتماعية الموروثة السائدة فهناك عاشقات تلوعن بجمرة الحب ولهيبه وأخفين ما ملك القلب من هوى. وهناك من كسرن القيد من شدة لوعة الشوق والهيام. كتبن شعرا عن ما يجول في جوارحهن من شوق للحبيب.

الغزل في شعر المرأة له ذائقة لدى القاريء كماء عذب وبارد في يوم قائظ يسقط قطرة قطرة، كلمة كلمة في مسامع المتصنت وشدواً في حنجرة القارئ.

ولقد تجسد هذا في شعر الشاعرة العربية “بنت المهدي” (160-210هجرية)، وهي شقيقة الخليفة العباسي “هارون الرشيد”، إذ كتبت تتغزل بحبيبها

سـلِّم عـليـه وقـل لــه

يا غِـل ألـبـابَ الرجالِ.

خليتَ جسمي ضاحياً

وسكنتَ في ظلِّ الحجا

وبـلَـغـتَ مـنِّي غـايـةً

لم أدرِ فيها ما احتيال.

كما نالت الشاعرة “أمة الرحمن بنت أبي محمد عبد الحق”. التي كان لقبها الشائع ، “أم الهنا” بعذوبة شعرها وتغزلها العفيف أحبت والحزن الدفين الذي سكن روحها حيث تقول:

جاء الكتاب من الحبيب بأنه

سيزورني فاستعبرت أجفاني.

غلب السرور علي حتى أنه

من عظم فرط مسرتي أبكاني.

نعم فالحب يدخل القلب بدون إستئذان، ولم يتفيد بجنس العاشق.

ويكفي ما قالته الشاعرة والأميرة الأندلسية “ولادة بنت المستكفي” في حب “ابن زيدون”، حتى باتت وتراَ حزيناً في قيثارة صاحب أجمل نونية “ابن زيدونً”..

لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا

لم تهَو جاريتي ولم تتخيّرِ.

وَتركتَ غصنا مثمرا بجماله

وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ.

وتقول أيضًا:

ترقب إذا جن الظلامُ زيارتي

فإني رأيت الليل أكتم للسرر.

وبي منك ما لو كان بالبدر لم يلُح

وبالنجم لم تطلع وبالنجم لم يسر.

كما تقول:

أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق

سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي.

وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا

أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ.

فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة

لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي.

ومن الشاعرات المعاصرات الشاعرة الراحلة “نازك الملائكة”،  ولدت عام 1923 وكانت رائدة في أوساط الشعر العراقي, حيث تقول:

عد لم يزل قلبي نشيطاً حالماً

يشدو بحبك لحنه المفتون…

عد فالكآبة أغرقت بظلالها

روحي فليلي أدمع وشجوني.

ولشاعرة الحرية “فدوى طوقان” دلو في الإفصاح في الغزل.

تمضي وأمضي مع العابرين

وما بيننا غير نجوى النظر.

وطيف ابتسامة على شفتيك

ووهج هيام بعمق استعر.

وما اكثرهن من لسعتهن لوعة الهوى وبحن عن حبهن للملأ وكسرن القيد.

وعن قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “يشدني شعر الخنساء لأنها جمعت بين الرثاء والغزل كتبت عن لوعة فراق الاخ  والابن والحبيب ومن شعرها.

فيض كأن عيني لذكراه إذا خطرت

يسيل على الخدين مدرار…

وكذلك الشاعرة “ليلى الأخيلية شاعرة بني عامر”، إذ كانت من أهم شاعرات العرب المتقدمات في الإسلام، عاشت في الجاهلية والإسلام وشهدت العصر الذهبي للشعر في العهد الأموي.

فهي شاعرة عربية عرفت بفصاحتها وعفتها فمن يستقرئ شعرها يستطع أن يلمس فيه عفتها وصدقها وها هي تقول:

عفيفا بعيد الهم صلبًا قناته

جميلاً محياه الهمّ قليلاً غوائله….

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “نعم وكثيرا ما قرات لهن من خلال متابعتي للفيس وما يتاح لي من كتب ترسل لي عن طريق النت لأني بعيد جدا عن دور النشر العربية.

هناك الكثير.. “عدالة العساسلة” شاعرة ومقدمة برنامج شعر زمن بلد الجزائر حيث كتبت تقول :

الفائض من طينك خلق الله بالورد..

ولها نص تخاطب به حبيبها:

الصباح من دونك شاحب

الجسد خجول

الأمنيات فاجرة

الشوق في أقفاص

شواطيء غربتي مالحة

أنا أصغر من الفرح

ولها في نص ثانٍ:

اشتقت لك ولبريق عينيك والشيب في شعرك وأشياء أخرى

من الشيء… آه لو عرفتك عندما كنت جميلة

كنت علمتك كيف تكتب القصيدة.

والشاعرة المصرية “سارة عزب” حيث تخاطب حبيبها:

كيف أتخلص من عادة انتظارك؟

كيف أقنع بأنك لم تعد تنتظرني…..

ومن الكاتبات “منى العساسي” مصر, “أمينة العدوان” الأردن, “زليخة أبو ريشة”..

وعن الاختلاف بين  الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “نعم في شعر النساء يكون أكثر رقة وصراحة ولوعة وشجن عارم ولهفة للمحبوب بحيث جعلها تكسر القيود وتخاطب حبيبها عما يجوش بين حناياها.

أما الرجل فبرغم أنه حر في أن يقول ما يجيش بخاطرة لكن هناك خشونة في شعره؛ لأن طابع الرجل الشرقي والكبرياء يطغي على مشاعره”.

ويؤكد: “يستهويني شعر حبيبتي وطالما تغزلت بها على الملأ وهي بادلتني  المشاعر الجياشة ذاتها ونشرتها في الصحف”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة