25 ديسمبر، 2024 11:07 م

الغزل في كتابات النساء (14):  هل تعمد مؤرخوا الأدب إخفاء نصوص النساء وتهميشها؟

الغزل في كتابات النساء (14):  هل تعمد مؤرخوا الأدب إخفاء نصوص النساء وتهميشها؟

 

خاص: إعداد- سماح عادل

اتفقت الآراء في هذه الحلقة من التحقيق على أن غزل النساء لابد وأن يلتزم بالعفة، وألا يخرج عن حدود الأخلاق والمسؤولية المجتمعية، مع التأكيد على كون المرأة شريكا فاعلا في علاقة الحب، وأنها لا تحتاج إلى إثبات كونها شريكا فاعلا من خلال التغزل بمن تحب، كما أوضح رأي أن الرجل أيضا بحاجة إلى الحب والحنان، وأن كون موضوعا للغزل.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكاتبات الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في الغزل وهل تكتبينه، وما رأيك في الجرأة في كتابة الغزل؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل هل تحاول إثبات حقها في المساواة، أم تعبر عن ذاتها ومشاعرها، أم تحاول أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب؟

المرأة دورها فاعل في الحب..

تقول الكاتبة العراقية “خولة جاسم الناهي”: “أكتب الغزل، لكنّني لا أكتبه بجرأة. شعر الغزل جميل خاصّة بالطريقة الشفيفة التي تعبّر بها المرأة. فعلا لا أحبّذ الجرأة في التعبير عنه، لا في لغة النساء ولا في لغة الرجال، الجرأة تفقده الرومانسيّة والعاطفة المرجوّة وتحوّله لأدب إيروسيّ غير محبّب بالنسبة لي.

كتبت عدّة قصص في مواضيع الحب والعشق والخيانة، لكنّني بصورة عامة أرى الصورة الأشمل للحبّ وأكرّسها في كتاباتي، ولا ألتزم بموضوعة العشق والغرام فقط”.

وعن الغزل لدى الشعر القديم تقول: “صراحة لا أتذكّر من الشاعرات القديمات اللائي كتبن في الغزل سوى “ولادة بنت المستكفي”، بالنسبة للأدب العربي أقصد..

وأيضاً اطّلعت على بعض القصائد الشعريّة المترجمة للشاعرة العراقيّة الأكديّة انخيدوانا (ابنة سرجون الأكدي) والتي تعدّ أوّل شاعرة بالتاريخ وصلتنا أشعارها”.

وعن الغزل في العصر الحديث تقول: “بالنسبة للشاعرات المحدثات والمعاصرات، اطّلعت على نماذج كثيرة مثل، الشاعرة “نازك الملائكة، ولميعة عبّاس عمارة وعاتكة الخزرجي وسعاد الصباح وفليحة حسن” وكثيرات غيرهن. وأظنّهن أجدن التعبير عن الحبّ واخترن مواضيع تهمّ المرأة العربية.

بالنسبة للكتابات النثريّة بالحبّ، أظنّ “غادة السمّان وأحلام مستنغانمي أفضل الكاتبات العربيّات في الكتابة عن الحب وعالميا أجد “ال برونتي” (شارلوت وايملي)  و”جين اوستن” خير من كتب عن الحب في الروايات والنثر.

وعن الاختلافات في الكتابة تقول: “يفترض أن يكون الحب الذي تكتب عنه النساء مختلف عن ما يكتب عنه الرجال، فلا يعقل أن تنظر المرأة والرجل للحب من نفس الزاوية”.

وتؤكد: “مؤكد أن المرأة دورها فاعل في الحب ولا تحتاج إثباتات، لكني فعلا أرى أن المرأة تكتب للتعبير عن ذاتها ومشاعرها ومشاعر النساء اللائي تعرفهن، وأيضا تعبر عن أفكار المرأة وطموحها وأحلامها. وكثير من الشاعرات العالميات تفوقن حتى على الرجال باختيارهن للمواضيع الجميلة والمبتكرة، مثل “مايا انجلو، وشارلوت برونتي، وايريس ميردوك  واليزابث باث، والإيرانية فروغ فرخ زاده” وغيرهن”.

الكبت هو الطريق الأوحد نحو الانحلال..

وتقول الباحثة بسلك الدكتوراه “منتنة ماء العينين” روائية وصحفية من المغرب: “الغزل لغة: مِن غزلت المرأة القطن والكتان وغيرهما فغـزله غزال، والجمع غزول واصطلاحا: حديث الفتيان والفتيات، قال ابن سيده: الغزل هو اللهو مع النساء.

ومع أن منشأ كلمة “غزل” في أصلها في اللغة تضاف للمرأة، إلا أنه فعل ارتبط بالرجال دون النساء في معظم الأحيان.

وفي نصوص الشعر، يعتبر غرض الغزل هو ما يصور فيه الشاعر شوقه وإحساسه تجاه المرأة، وما أصابه من ألم و شقاء يعانيه، كما يصور الشاعر من خلال هذا الغرض جمال المرأة التي يحبها في أحسن صور الجمال.

مما سبق، يتضح أن التعريفات والأحاديث عن “الغزل” رُبطت تاريخيا بما يتحدث به الرجل من محاسن المرأة، وغالبا ما يكون القالب المحتوي للحديث هو نص شعري؛ لذا قد لا نرصد أسماء نسائية كثيرة كأعداد الرجال، وإن كانت قد رُصدت فهي قليلة جدا.

أما بالنسبة لي ككاتبة رواية ونصوص شعرية، فإنني كتبت نصوصا غزلية بكل بساطة ولا أرى ما يمنع من ذلك”.

وعن الجرأة في كتابة الغزل تقول: “لم تكن الجرأة في الغزل – في نظري- مستساغة في نصوص الرجل، وبالتالي لا أستسيغها في نصوصي كامرأة؛ وقد تمَّ تحديد اسم محدد لنصوص الغزل الجريئة في الشعر القديم، فسُميَّ بالشعر الفاحش، والفُحش هو الكثير الذي تجاوز الحد وكان فيه ضرر”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم تقول: “قرأت في فترة طفولتي نصوصا لليلى العامرية، وبعض النصوص لولادة بنت المستكفي، وقد فُتنت أيما افتتان بما كانت تكتبه العامرية، واستغربتُ كيف أن لم تلق أشعارها من الرواج والانتشار ما لقيه شعر قيس ابن الملوح.

كما أنني رصدتُ من خلال بعض المؤلفات ككتاب “أحلى قصائد الحب والغزل في الأدب العربي” لكاتبه دكتور “سعدي مالك” أن جميع الشعراء المشار إلى أشعارهم هم من الرجال فقط؛ رغم أن الكتاب تناول مختلف المراحل والحقب ابتداءً من العصر الجاهلي، مرورا بصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي، والعصر الأندلسي والعصرين المملوكي والعثماني، وصولا إلى عصر النهضة والعصر الحديث دون أن يذكر اسما نسائيا واحدا!.

وللأمانة فإنني أنتمي لثقافة تتغزل فيها النساء بالرجال في قالب شعري تاريخي يُسمى “التبراع” على أن يتم التكتم على اسم قائلته”.

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “أجل؛ قرأت رواية “برهان العسل” لكاتبتها الأديبة السورية “سلوى النعيمي” وقد مُنعت الرواية لدواعي “أخلاقية” لما خطته الروائية من سرد لأحداث وتفاصيل لا تُقبل عادة من قلم نسائي؛ كما قرأت رواية “مخالب المتعة” للروائية المغربية “فاتحة مرشد”، و قد كان النص لفتة باهرة إلى ما قد ترغب وتشعر به المرأة اتجاه الرجل؛ كما برزت في الآونة الأخيرة نصوص شعرية متفرقة هنا وهناك لكاتبات معاصرات كسرن حدود المحظور وتغزلن بكل جرأة وافتتان بجسد الرجل”.

وعن الاختلاف بين الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال: “ضمن مجتمعات مارست الرقابة دوما والحظر ورسم الخطوط الحمراء على جسد المرأة وحضورها وتكوينها وتعبيرها؛ أجد من الصعوبة القول إن الرجل والمرأة يكتنفهما نفس المنطلق والمصير حين إطلاق العنان للقلم أو اللسان للتعبير عن افتتانهما بالحبيب أو الحبيبة؛ فالرجل يُصبح أميرا حين ينظم نصوصا – خاصة الشعرية منها- مرغوبا، ومهابا ومتصفا بالرقة والإحساس؛ بينما قد توصم المرأة إن عبرت عن لواعج نفسها بالفسق والفجور وتجاوز حدود العفة والطهر!”.

وعن ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل تقول: “قد أتفق مع المقترحات الأولى من ذهاب المرأة للمطالبة ضمنيا بحق المساواة في التعبير عن المشاعر أو للتعبير عن ذاتها ولواعجها حين نظم نص تبوح فيه بمكنون فؤادها، لكنني أستبعد واستغبي الادعاء القائل بأنها تحاول السطو على دور الشريك “الفاعل” في علاقة الحب!! هل القول يتضمن بأنها في الحالة العادية مفعول بها؟!! إن كان هذا هو القول فإن في ذلك تكريسا للنظرة البطريركية المتسلطة التي تدعي أن المرأة آلة إنجابية فقط! وكأنها لا تملك من الشعور والكيان والقلب والعقل ما يجعلها أسوة بالرجل تشعر الحب، فينسج العقل من النصوص ما اختلج به القلب من نبض وشعور.

كما أنني إذ أشير لمدى إحساس المرأة، ألفت نظر القارئ الكريم إلى الحاجة إلى إعفاء الرجل من “الفعل” دوما، فهو أيضا مخلوق يحتاج للإحساس بالحب وبالغزل، وبأن يستشعر مدى رغبة أليفة ومسقط سهام قلبه فيه؛ وكما أسلفت سابقا حتى لا يُقرأ كلامي بغير ما رميت إليه، فإن على ذلك أن يكون في تمام العفة والمساواة والمسؤولية المجتمعية والفردية، وألا يكون دافعا للفحش والانحلال الأخلاقي؛ وأعتقد صادقة أن الكبت والمنع هو الطريق الأوحد نحو هذا الانحلال”.

الأنثى تحتفي بالحب والعاطفة..

وتقول الكاتبة السودانية “سناء إبراهيم محمد”: “الغزل شيء جميل بشرط أن يكون غزلا عفيفا.  والجرأة فيه بخروجه عن العفة أمر منكر”.

وأنا لم أكتب الغزل، ونعم قرأت غزل في الشعر القديم، وهو غزل جميل غير فاضح”.

وتواصل: ” ليس هنالك اختلاف في الغزل عند النساء والرجال فالكل يوصف محاسن الحبيب حسب رؤيته”.

وتؤكد: “الكاتبة حين تكتب في الغزل أري أنها تريد أن تقول للرجل أن الأنثي كائن رقيق، جميل، هي مثل فراشة يجب أن تعامل برقة.غزل الأنثي في عاطفة الحب وليس الجسد والرجل يتناول الحب والجسد.

الأنثى تحتفي بالحب والعاطفة وتنشد الحنان وتلتمس بحذر رغباتها الجسدية، حين تبحث عن مكان القبلة في شعرها تحيطها بهالة من الغموض”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة