خاص: إعداد- سماح عادل
هناك رأي يعترف بوجود ازدواجية داخل نفس الذكر بشكل عام في مجتمعاتنا الشرقية والعربية، والكاتب بشكل خاص، وهذا الاعتراف يحترم، لأنه لا يتعمد إخفاء هذه الازدواجية أو تغطيتها، كما لا يحاول الادعاء بحدوث التحرر وتبنيه للتقدمية من الداخل والخارج، وإنما يصرح بما هو موجود في الواقع. ورأي آخر يعتبر أن غزل النساء أمر طبيعي، لأن المرأة تشعر الحب وربما بشكل أكثر قوة وحساسية من أكثر من الرجل. ورأي ثالث يرى أن أعذب أنواع السرد هو ما تميز بالجرأة والتحرر.
هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:
- ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
- هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
- هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
- وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
- هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟
ازدواجية لم تغيرها الثقافة..
يقول القاص العراقي “علي السباعي”: “ولدت في مدينة الناصرية جنوب قلب العراق، ونشأت في بيئتها المحافظة جداً، ترعرعت في ربوعها ذات الطقس الديني الباذخ والطاغي على كل مفردة من مفردات حياتنا، يندرج بين الحلال والحرام، والأخلاق والأعراف، عشت ومازلت أعيش ازدواجية غريبة عجيبة، مثلي مثل أي عربي يظهر عكس ما يبطن ولم تغير الثقافة مني شيئاً في هذا الشأن، كنت أراوح العيش بين طقسين، خارجي يرفض تغزل النساء بالرجال، وطقس داخلي يطرب قلبه ويخفق بشدة وهو يقرأ بنهم عجيب وغريب لما تكتبه المرأة من غزل للرجل وما يكتبه الرجل من غزل للمرأة، ولا أقوى على الإفصاح به لأقرب الناس إلي إلا لعلي السباعي.
لا أتقبل جرأتها، فجرأتها تغريني في سري وترعبني في العلن لأنها من المحرمات”.
وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “قرأت بنهم دودة القز غزل الشاعرات العاشقات: (ليلى العامرية حبيبة قيس بن الملوح، بثينة بنت حبا بن ثعلبة العذرية شاعرة اشتهرت بحبها لجميل بن معمر، الخنساء بنت التيحان التي أحبت جحوش الخفاجي حباً عذرياً، ضاحية الهلالية، خيرة بنت أبي ضيغم البلوية، علية بنت المهدي بن أبي جعفر المنصور، خديجة بنت المأمون الخليفة العباسي، ولاّدة بنت المستكفي، سلمى البغدادية المعروفة بسلمى ابنة القراطيسي، صفية البغدادية، حفصة الركونية الأندلسية وهي من أشراف غرناطة ” السيوطي: (نزهة الجلساء في أشعار النساء) “، أُم الكرام بنت المعتصم بن صمادح، أم العلاء بنت يوسف الحجارية، الشاعرة الغسانية البجانية نسبة إلى بجانة، مهجة القرطبية التيانية التي كان والدها يبيع التين، مهجة عبد الرزاق الغرناطية، حمدة بنت زياد، حفصة بنت حمدون، زينب بنت زياد الواد آشي).
وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر يقول: “الأدب العربي الحديث غزير بالشاعرات والقاصات والروائيات اللاتي عشقن وتغزلن في من كنّ يهوين، عرفت نماذج فريدة من خلال مطالعاتي لحالات كثيرة من أدب الحب عن النساء اللائي يعلنّ فيه جهارا مشاعرهن، وكسرن بكتاباتهن نتيجة الحب الحواجز الاجتماعيّة والأعراف والتقاليد، حيث نرى أن الغزل تطوّر تطوراً في مضمونه وشكله، وكان للبيئة بجميع ملابساتها أثرها الواضح والقوي في شكله”.
وعن الاختلاف في الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “يختلف تماماً، كاختلاف غادة السمان عن نزار قباني.
وعن هل يحب أن تتغزل فيه امرأة وتكتب ذلك يقول: “أحب أن تتغزل المرأة بعلي السباعي، ولا أسمح مطلقاً لزوجتي ومن تربطني بهن صلة رحم أن يتغزلن بالرجال، ذلك نابع من أنني رجل شرقي يعيش في بيئة إسلامية شرقية، لم تغيره الثقافة قط”.
التراوح بين أسطورة الحب وحتمية التحرر..
الروائي التونسي “الأمين السعيدي” يقول: “المرأة كائن حساس، أكثر من الرجل عشقا للجمال والحياة، المرأة تفكر تتأمل، تحب وتكره. يفتنها عقل الرجل وعدة أشياء أخرى. تحب المرأة حد الموت وهي وفية في الحب أكثر من الرجل.
تتغزل المرأة بالرجل في النثر والشعر فتحذق في استخدام اللغة وتطويعها لهذا الغرض، لها أسلوبها الرقيق والراقي، طبعا أقبل الغزل في كتابات المرأة، فالغزل هو نتيجة الحب وبالحب تتحضر الشعوب وتتقدم والمرأة تعيش بالحب. أما الجرأة في الغزل فهي مسلك تميز كتابة على أخرى، فالجرأة بمعني التعمق في وصف المشاعر.
وعلينا أن نميز بين الإباحية والغزل، فالإباحية تقوم على التصريح والغزل يقوم على التلميح، والأدب بصفة عامة أفضله ما كان يقوم على التضمين والتلميح.
أنا أفضل الجرأة في غزل المرأة، أي الجرأة التي تحترم الذائقة وتجعل النص أكثر تشويقا وإثارة، فيفتح بذلك باب تعدد القراءات والتأويل”.
ويواصل: “ارتبط الغزل في الأدب العربي القديم بالرجل، فتراوح بين الحب العذري مع قيس بن الملوح مثلا والنزوع نحو الجرأة في الغزل مع امرؤ القيس، مثلا حيث تغزل بجل أنواع النساء الصبية والحامل والمرضع، أما النساء فلا نعثر لها على آثار غزلية في الأدب القديم، وذلك لطبيعة البيئة العربية في تلك العصور فقط بعض الشذرات في النصوص الإخبارية، التي وردت في كتاب الأغاني مع أبي الفرج الأصفهاني، تتحدث عن غزل النساء، ومع تقدم الزمن اقتحمت المرأة باب الغزل تلميحا مع الشاعرة العراقية نازك الملائكة، ثم بعد ذلك مع نوال السعداوي وأحلام مستغانمي وغيرهن”.
ويضيف: “الكثير من النساء اقتحمن باب الغزل في الأدب في هذا العصر ولكن للأسف كانت النصوص متشابهة حد الذوبان في بعضها البعض، وكان أغلبها يندرج في باب الإباحية أي التصريح وهذا لا يسمى أدبا، ومع ذلك فهم استثناء في الغزل والإبداع فيه مع الأديبة العربية الكبيرة أحلام مستغانمي مع أن المرأة عموما أبدعت في السنوات الأخيرة في الشعر والقصة والرواية.
في شتى الأغراض والمواضيع والقضايا التي طرحت مع المرأة في الأدب، أما في الغزل المرأة العربية مازلت لم تبلغ درجة كبيرة وهذا نتيجة لتراوحها بين أسطورة الحب وحتمية التحرر”…
ويؤكد: “طبعا يختلف الغزل الذي تكتبه النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال، فالمرأة تحمل صفات تختلف عن صفات الرجل وهذا مهم، فإذا كان الرجل يصف في تغزله بالمرأة الشعر والعينين والصدر وطريقة السير. مثلا فإن المرأة تتغزل بالرجل من خلال صفات القوة والشجاعة والرجولة والغيرة مثلا…
ثم أن نظرة ورؤية المرأة للعلاقة بينها وبين الرجل تختلف عن نظرة الرجل لها، المرأة تتعمق في تفاصيل الرجل بذكاء حاد ووصف دقيق، فتحول القبح إلى جمال والتوحش إلى رقة، حيث أنها ترى الأشياء من جانب عاطفي يتصف بالرقة والحنان، وهذا هو أهم وجه من وجه الاختلاف في الغزل بين الرجل والمرأة. واعتقد أن مستقبل الأدب العربي ستكون فيه الريادة للمرأة في هذا المجال، وذلك نتيجة للتحولات الحضارية والفكرية الكبرى في مجتمعاتنا، وهذا أكيد سيمثل منعرجا حاسما في الأدب بجميع أجناسه”.
ويجمل: “الإنسان بصفة عامة يحتاج إلى الآخر ليثبت وجوده، فكما تعشق المرأة تغزل الرجل بها يعشق كذلك الرجل تغزل المرأة به، خاصة المرأة التي تحسن الغوص في الأعماق، فتصف مواطن الجمال في الرجل كفكره وثباته على المبدأ وغيرها من الصفات، كما أن الرجل يحمل صفات الجمال وهذا مهم عندما تدركه المرأة فتحوله إلى موضوع للغزل، أحيانا يكون الرجل لا يعرف صفاته الجميلة فتكشفها المرأة. طبعا أنا أحب تغزل المرأة بي وقد كشفت الأنثى أشياء في ذاتي، لم أكن أعرفها وهذا هو عمق المرأة وقدرتها على التبحر في الأعماق…
وطبعا أسمح لزوجتي وغيرها من النساء اللاتي لهن قرابة مني أن يتغزلن في نصوصهن، فهذا إبداع وليست جريمة وإحساس نبيل، يجب أن نشجع المرأة على استثماره من اجل الإبداع في الأدب”.
أعذب السرد أجرئه..
يقول الكاتب السوداني “محمد خير عبد الله”: “ليس وحدي من يحب غزل النساء، وجميع من يقرأ أدب يحفظ أبيات “ولادة بنت المستكفي”:
أنا والله أصلح للمعالي وامشي مشيتي واتيه تيها
أمكن عاشقي من صحن خدي وامنح قبلتي من يشتهيها
ويضيف: “والجرأة عند الكتابات صنعت لهن أسماء عكس الكتابات المتعثرات بقيم المجتمع، في مجال الروايات أشهر الرواية هي التي فيها جنس وغزل. ولقد شاءت ظروفي في رئاسة نادي القصة السوداني أن اطلع على بعض الكتابات الشابات بكتابة جريئة جدا، ولقد قرأت رواية لكاتبة ليبية تدور أحداثها عن الحيوان المنوي للرجل. وحاليا أقرأ في رواية لشابة سودانية عن العادة السرية عند الرجال، وأنا بطبعي اعتقد أن السرد تهتك إذا كان أعذب الشعر أكذبه فأعذب السرد أجرئه”.
ويؤكد: “وفي السنوات الأخيرة تطور السرد النسوي في مجال الغزل، لأن المرأة صارت ترى نفسها صنو للرجل، وهذا يعود للجمعيات النسوية ولا تنسي “غاده السمان” ورائدات النهضة في مصر أم الدنيا”.