25 ديسمبر، 2024 11:04 ص

الغزل في كتابات النساء (10): لا يخص الرجال فقط أم تمرد أم إثبات مشروعية إعلان المشاعر

الغزل في كتابات النساء (10): لا يخص الرجال فقط أم تمرد أم إثبات مشروعية إعلان المشاعر

 

خاص: إعداد- سماح عادل

اتفقت الآراء في هذه الحلقة من ملف “الغزل في كتابات النساء” على أن قيود المجتمع تزرع الخوف في قلب الكاتبة، وتجعلها تداري مشاعرها وأحاسيسها أثناء الكتابة، بل وتداري نصوصها نفسها عن الأعين. وهناك من تكتب وتنشر نصوصها لكنها تجاهد أن تكتب عن أمور لا تستفز القارئ، وتركز على المضمون دون التطرق إلى تفاصيل أكثر جرأة في الغزل، فهي مهما حاولت لن تستطيع التعبير بحرية عن مشاعرها وأحاسيسها، رغم أن الحب مشاعر وأحاسيس إنسانية تخص الذكر والأنثى.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكاتبات الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في الغزل وهل تكتبينه، وما رأيك في الجرأة في كتابة الغزل؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل هل تحاول إثبات حقها في المساواة، أم تعبر عن ذاتها ومشاعرها، أم تحاول أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب؟

ليس مجرّد إحساس يخصّ الرجل فقط..

تقول الكاتبة “خيرة الساكت”: “الغزل غرض من الأغراض الشعرية والأدبية وهو غرض قديم متجدّد يستمرّ إلى عصرنا هذا، ولا أظن أنّه سيزول بل سيرافقنا ويمتدّ إلى نهاية وجود الإنسان على هذا الكوكب، وهو يتّخذ هذه الأهميّة نظرا لكونه قريب من وجدان الإنسان وإحساسه وطريقة التعبير عن مشاعرنا والتواصل مع الجنس الآخر.

أكتب الغزل في الشعر والقصة والرواية بأسلوب ناعم رومانسي سلس وشاعري، أكثر منه مادي حسّي وهو أسلوب لا يثير بلبلة ولا يخلق صداما أتّبعه  في كل كتاباتي،  فالجرأة في الغزل تتطلّب توفّر مناخ عال من الحريّة وهو ما نفتقده في عالمنا العربي بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية المسلّطة على المرأة . قليلات هنّ الكاتبات الجريئات وقد دفعن ثمن ذلك من اتهامات وجّهت إليهن وتشويه لأقلامهن”.

عن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم تقول: “الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يتسم بالرقة والتفرّد بأسلوب ذكيّ. فحتى فلو كانت الشاعرة تدعو حبيبها إلى الفراش ستكون الصور واللغة المستعملة رقيقة وراقية لا تؤذي المتلقي، هذا إضافة لكون الشاعرات في الزمن القديم لم تكن هناك رقابة كبيرة عليهن ولم يكنّ كثيرات العدد مثلما هو الحال الآن، إذ نشهد اكتساحا نسائيّا للمجال الأدبي ممّا جعل الرجل والمجتمع العربي الذكوري يشعر بالخطر والخوف على عرشه فيضاعف من القيود الاجتماعية على المرأة الكاتبة”.

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “من حين لآخر يعترضني الغزل في أعمال شعرية وأدبية أثناء القراءة وقد لاحظت التشابه الكبير في الأسلوب، وهو اعتماد الترميز وتناول الغزل على مستوى المشاعر والأحاسيس والتحليق عاليا دون أيّ إشارة للجسد والمتعة الماديّة.

شبح الخوف يخيّم على كتابات المرأة الغزلية ممّا جعلها في مكان واحد تجترّ نفس الأسلوب ونفس الصور ونفس العبارات.

وعن اختلاف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال تقول: “يختلف غزل النساء عن غزل الرجال كثيرا ففي حين تجد المرأة نفسها أثناء الكتابة مقيّدة ومكبّلة بعادات وتقاليد ومحرّمات وخوف من ردود أفعال المحيطين بها، يكون الرجل حرّا تماما يكتب كل ما يخطر له من أفكار وصور حتى أنّه يلج منطقة الإباحية ويتطوّر الغزل لديه إلى تغنّ بمفاتن الجسد ولا أحد يتهمه بالانحلال الأخلاقي أو يحاول تشويه سمعته”.

وعن ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل تقول: “في رأيي الكاتبة تكتب عن الغزل بحثا عن الحرية وإعلانا عن وجود في هذه الحياة ولفت انتباه إلى كون الغزل ليس مجرّد إحساس يخصّ الرجل فقط.

الرجل والمرأة يمثلان الإنسان. نفس المشاعر والأحاسيس والتفاعل مع العالم والآخر. فكل علاقة تتطلّب تفاعل الطرفين وانسجامهما”.

تمرد على القيود..

وتقول الكاتبة “هناء نور”: “أحب الغزل حين يخلو من المغالاة في مديح الشكل الخارجي، وأميل له أكثر حين يمتدح التواجد، والعطاء، والصفات الطيبة عموما والجهد المبذول للتمسك بها. لا أظن أنني كتبت غزلا زائدا في قصصي أو روايتي، وهو غزل يتجه نحو المضمون أكثر من الملامح الخارجية، لكني لا أجد الجرأة مشكلة في التعبير عن الغزل، مع التأكيد على أن الجرأة مسألة نسبية يختلف تقديرها من شخص لآخر، كما أن التنوع في الكتابة من أهم أسباب بقائها.”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم تقول: “لا أعتبر نفسي قارئة جيدة للشعر القديم، باستثناء الشاعرة “ولادة بنت المستكفي”؛ ربما ما تردد من أقوال حول جرأتها، أثار فضولي للاطلاع على أشعارها، ويعجبني تمردها على الخجل، فقد كتبت الغزل كإنسان، وهذا الخروج على فكرة النوع يحسب لها. ولو اعتبرنا القرن العشرين من الزمن القديم، فأظن أنني قرأت “مي زيادة، ونازك الملائكة وغادة السمان” بشكل جيد، و”غادة السمان ونازك الملائكة” استطاعتا التحليق خارج  القيود الشرقية المصنعة خصيصا للنساء، أما “مي زيادة” فاتخذ الغزل في شعرها الطابع العذري، لكنها بدت نفسها دون تصنع فيما تكتبه، لذا أحب كتابتها كثيرا”..

عن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “أرى أنني قرأت الكثير مما ينتج من كتابات في الوقت الحاضر، وسأذكر ثلاثة نماذج مختلفة، “أحلام مستغانمي” تميل إلى المبالغة في الغزل شكلا ومضمونا،  لكنها متمكنة من أدواتها وتستطيع صنع عالمها الإبداعي بإتقان، ونجاحها دفع الكثير من الكاتبات والكتاب لتقليدها، وتكاد تكون الكاتبة الوحيدة التي سعى الكثير من الرجال لتقليدها. أما “سلوى النعيمي” فتميزت كثيرا في الكتابة الإيروتيكية؛ هذا الفن الذي يصعب إتقانه،  و”إيمان مرسال” تغزلت في الشخوص والأماكن والذكريات، والأفكار بشكل رقيق وعميق في آن واحد، وهي من أقرب الكاتبات  في الوقت الحالي لنفسي”..

وعن اختلاف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال تقول: “أعتقد أن الكثير من الرجال يتجه الغزل في كتاباتهم إلى الشكل الخارجي للمرأة، أما النساء فأكثرهن يتغزلن في المضمون أكثر من الملامح وجغرافيا الجسد”..

وعن ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل تقول: “هي مساوية حقا، وإن لم ينصفها الواقع، وأنا بصرف النظر عن النوع، أحب الكتابة التي تتمرد على ما تم حشو عقولنا به منذ الصغر، وحفظناه دون وعي، وهذا التمرد يستحق الكثير من غزل النساء والرجال”..

 إثبات مشروعية إعلان مشاعرها..

وتقول الكاتبة “هناء راشد”: “الحب والغزل موجودان منذ بدء خليقة الذكر والأنثى. وعندما تتجرد الشاعرة من خوفها تعقد صفقة بينها وبين قصائدها، هناك من تكتب بوضوح دون قيد وهناك من تستتر خلف الاستعارات والكنيات اللفظية حتى لا تعلق في دوامة النقد والشك.

الحب العربي في حياتنا كعرب مازال مستترا حتى وإن كان بين الزوج وزوجته الأفضل أن يبقى تحت الأغطية. لأننا مجتمعات قبلية أو بدوية تربي ذكورها على القسوة والخشونة، يستقبل زوجته كربة بيت لا كشريكة في كل شيء، يتشاور معها ويفيض عليها بالحب الظاهر.

بالنسبة لي مازلت أرزح تحت بند الخوف في الكتابة العلنية عن الحب، أكتب أحيانا وأظهره مع الكثير من التحفظات والروية واختيار الكلمات بعناية وأحيانا أدسه بين الورق”.

وتواصل: “بالنسبة للجرأة هناك جرأة مستحبة أحب من تكتب مشاعرها وحبها بكل قوة وحب. وهناك غير مستحبة عندما تدس البعض منهن ألفاظ غير لائقة ما يثير حفيظتي كثيرا، وأترك لكل حرية اختياره أو تقبل النقد من الآخرين، لأن من يريد أن يلتفت له النظر بهذه الطريقة لن يصمد”.

وعن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم تقول: “نعم قرأت لهن، درسن لهن كذلك أيام المدرسة، رغم أنها أشياء عابرة لم نتعمق بها وكن قليلات جدا، رغم أنهن كثيرات وطمست الكثير من الأسماء في ذلك الحين مواقع البحث، فتحت لنا حرية البحث والقراءة لنعرف كيف حوربت النساء على مر العصور حتى في مجال الشعر، وما ما عانت منه “مي زيادة” بإدخالها مصح عقلي إلا دليل على ذلك رغم ثراء مسيرتها الأدبية.

أعجبني بيت شعري وأنا أتصفح للشاعرة “حفصة بنت الحاج” من شاعرات وأديبات غرناطة تقول لحبيبها:

أغار عليك من عيني ومني

ومنك ومن زمانك والمكان

ولو أني خبأتك في عيوني

إلى يوم القيامة ماكفاني، إنه شعر حب جميل وعذب.

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر تقول: “نعم أنا مطلعة على شاعرات وكاتبات أدبيات من جيلي، تقريبا من جميع الوطن العربي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ألاحظ نقلة نوعية فريدة في الكتابة والشجاعة والانطلاق نحو الأفضل، رغم كل ما تعاصره المنطقة العربية من حروب وقمع واستعمار ذكوري لكننا نجدها تفلت يدها نحو الأدب بشكل جميل وملفت.

ودورك أستاذة “سماح” مهم جدا في جمعنا والاستطفاف نحو الخروج من شرنقة الخوف ومظلة الدلال، نريد أن تكون لنا بصمة مشرقة في المستقبل بأذن الله”.

وعن الاختلاف بين الغزل في كتابات النساء والغزل الذي يكتبه الرجال تقول: “أكيد يختلف، المرأة تبقى محيطة بدائرة الخجل والأمان وهذا ما يميزها بطبيعة الحال.

تكتب وتنطلق مع حدود فارهة من الخيال والانسجام لعاداتها المقبولة، ومع ذلك يبقى خيط خانق لنا في حرية مانكتبه ونقوله ونطرحه في مواقع التواصل.

كم كتبت نصوصا عن الحب ورسائل حب كان أغلبها يوراى بين دفاتري ولم أخرجها خوفا من سوء الظن والتفكير اللامنطقي من البعض. الرجال لهم خطوط طويلة يستطيعون الكتابة بحريتهم دون الخوف من أي تصدي وأن وجد وضعوه خلف ظهورهم”.

وعن ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل تقول: “المرأة أقوى حبا وأكثر حساسية وأصدق في مشاعرها، وفي أمور العشق والحب، لكن كما قلت في السابق نحن أمة نحارب بالعلن ونبقي الحب في السر.. هو إثبات للذات وبمشروعية إعلان مشاعرها.

يبقى الحب أسمى العلاقات الإنسانية إذا استخدم بطريقة صادقة وصحية للقلب، ولا عيب في المساواة هي مشاعر وخلقها الله لنا ذكر وأنثى”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة