10 أبريل، 2024 8:26 م
Search
Close this search box.

“الغرافيتي” .. عندما تصرخ الجدران في بغداد والعالم العربي “ثورة” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – هانم التمساح :

أفرزت الثورات العربية؛ بما فيها تظاهرات “العراق”، فن “الغرافيت”.. حيث تمردت الجدران الصماء وهتفت ضد واقع مأساوي، حكت معاناة الفقر والقمع والفساد والتبعية، وسطرت صفحات عن دماء الشهداء الذين جادوا بدمائهم العطرة من أجل وطن ومستقبل.

بغداد.. الجدران تقص حكايات البؤس..

غزت اللوحات الجدارية الملونة، “غرافيت”، جدران العاصمة، “بغداد”.. يقوم عدد من الشابات والشبان برسمها على الإسمنت على بُعد أمتار قليلة من “ميدان التحرير”، وسط المدينة، من خلال الرسم على جدران “ساحة التحرير” في وسط “بغداد”، وفي المحافظات التي بها تظاهرات، حيث يقول المحتجون، عن الخطوط والألوان: “الهزل الذي نكتب به بُكاءنا، والضحكات التي رُسمت على جدران هذا النفق من دماء إخوتنا وأصدقائنا وأبنائنا، هي التي تُعبر عن سلميتنا”.

وفي الطريق الذي يقودنا من تمثال “السعدون” إلى “الباب الشرقي”، هُنالك نفق، يؤدي إلى منطقة بغدادية قديمة تُدعى “السنك”. لم يُعد هذا النفق معبرًا للسيارات إلى تلك المنطقة وحسب، بل هو كتابٌ حجريّ وثق أسماء وصور، كتب عليه أناس حكايات بؤسهم، ورثى عليه آخرون أنفسهم، ونادى عنده البعض ضمائر يأملونّ في أنها حيّة. على جانبي النفق الذي يتوسطه رصيف مُليء بالزهور، سيقرأ المارّة كل شيء، حتى تلك الحقائق التي تم طمسها، وعلى الرغم من غزارة الدماء، مأساوية الأحداث، إلا أن ربيعها تجسد بجمال الألوان التي استعملها الثوار.

يعتبرونه تخريبًا..

وفن “الغرافيتي”؛ هو أن تكتب على الجداران بطريقة غير مرغوب فيها، أو بدون إذن صاحب المكان.

واُعتُبر هذا الفن هو مجرد تخريب وتشويه الجدران لا غير، وزد على ذلك أن معظم دول العالم تعتبره جريمة يعاقب عليها القانون.

ومن الناحية الأخرى.. أعتقد كثيرون أن “الغرافيتي” هو فن، وليس مجرد تخريب وخربشة. بل فن متحضر يستحق العناية ويوجب التطوير.

ويعتقد الكثيرون أيضًا أن “الغرافيتي” هو فن حديث، ظهر مؤخرًا. غير أن ذلك أعتقاد خاطيء. فـ”الغرافيتي” فن قديم جداً؛ يرجع إلى الحضارات العتيقة، كقدماء المصريين، (الحضارة الفرعونية)، والحضارة الإغريقية والرومانية كذلك.

ومنذ تلك العصور اُعتُبِر هذا الفن تخريب، غير أنه حاليًا فن بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تطوّر هذا الفن وأصبح يسمّى بـ”الغرافيتي” الحديث.

نشأ “الغرافيتي” الحديث، في ستينيات القرن الماضي، في “نيويورك”. والجميل أنه نشأ بالإلهام من موسيقى “الهيب هوب”.

وأعتقد شخصيًا أن الجامع بين كلا الفنّين، (الهيب هوب والغرافيتي)، هو إيصال رسالة عبر التمرد.

وأشتهر “الغرافيتي” أكثر، في السنوات الماضية؛ لدى الغرب. وأمتاز فنّانوا “الغرافيتي” الحديث بإخفاء هويّاتهم وأسمائهم، وأستبدلوها بتوقيع أحرف وأرقام في نهاية الجدارية تدلّ عليهم. وحتى لو وصلت جداريّاتهم إلى المتاحف، أو حتّى بيعت فهم ملتزمون بالتّخفي والغموض.

الغرافتيي” بطل الثورات العربية..

ولكن مؤخّرًا؛ وعلى الصّعيد العربي، أشتهر “الغرافيتي” بشكل ملحوظ. في بلداننا؛ وأثناء انتفاضات “الربيع العربي” خاصّةً؛ كان “الغرافيتي” هو مشروع إيصال رسالة عبر التمرد.

ومن بين من حاولوا إيصال رسالة باستخدام رسومات “الغرافيتي”؛ هم المصريون أثناء ثورة كانون ثان/يناير 2011.

وقد نشط فن “الغرافيتي” في الشرق الأوسط بعد ثورات “الربيع العربي”؛ وعلى سبيل المثال نجد كتاب (جدران الحرية، فن شوارع الثورة المصرية-Walls of Freedom: Street Art of the Egyptian Revolution)، للمؤلف والفنان الألماني، “دون كارل-Don Karl”، والمصرية، “بسمة حمدي-Basma Hamdy”، والذي يجمع صور قوية للسنوات الثلاث الأولى من الثورة المصرية، التي بدأت في 25 كانون ثان/يناير 2011.

ويروي قصة الثورة من خلال مئة جدارية من فن “الغرافيتي” حولت جدران “مصر” إلى شهادة مرئية عن الشجاعة والمقاومة. إن الكتاب الذي تم إنتاجه بالتعاون الوثيق مع فنانين “الغرافيتي” أنفسهم؛ يوثق كيفية تحويل الشوارع إلى صحيفة ديناميكية “من الناس إلى الناس” مما يوفر بديلًا عن وسائل الإعلام التي تغذيها الدعاية السياسية.

يتضمن هذا الكتاب مسح شامل لفنون الشوارع الشهيرة التي تمت فيها الثورة المصرية وترصد وقائع عن الوضع السياسي المتقلب يومًا بعد يوم.

(جدران الحرية) يتتبع الرحلة الثورية، من ذروة الأمل الاستثنائي والإلهام، إلى هبوطها إلى ما يشبه الكابوس العنيف. وقد أتاحت الصور الدرامية للأحداث الرئيسة التي ألتقطها المصورون والناشطون المواطنين العاديين؛ المسرح لهذه الدراما السياسية أن تثري جدران الحرية بهذه الفنون الرائعة.

ويحتوي الكتاب على 20 مقال لفنانين وخبراء في العديد من المجالات، ويغطي الكتابات الجدارية ذات الخلفية التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي شكلت هذا الفن المستوحى من الثورة.

(تم مصادرة الكتاب ومنعه من النشر والطباعة في “مصر” لعدة سنوات).

على سبيل المثال لوحة (المجد للمجهولين)؛ هذه اللوحة الجدارية من شارع “محمد محمود”، المتاخم لـ”ميدان التحرير”، وسط “القاهرة”، تصور الأطفال المشردين الذين فقدوا حياته في “ميدان التحرير”، خلال الثورة، اللوحة عمل الفنان، “عمار أبوبكر”، الذي يقول عنها: “جدراننا تُظهر الحقيقة، وكتاب (جدران الحرية) بمثابة أداة لمشاركة أحداث الثورة مع العالم”.

فلسطين وسوريا واليمن والسودان ولبنان..

كانت “نكبة فلسطين”؛ بداية إنطلاقة فن “الغرافيتي” في الشرق الأوسط، وعبرت عن ضياع الأرض والقضية الفلسطينية على الجدران، كذلك عبر “الغرافيتي” عن معاناة الشعب السوري، طوال سنوات خروجه ضد نظام “بشار الأسد”، وعبرت شوارع “دمشق” عن هذا، وكذلك الأمر في “اليمن”، وفي “السودان”، أشعل فن “الغرافيتي” الثورة السودانية، وكذلك الأمر في “لبنان” الذي لونت شوارعه بألوان مبهجة معبرة عن هموم الثورة وأوجاعها، وساعد على انتشارها وتوعية الجماهير بالثورة ومباديء الثوار، وفي كل مرة كانت الحكومات العربية والاحتلال الإسرائيلي يقومون بمحو الجداريات، فيعيد المتظاهرين بنقشها مرة أخرى.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب