خاص: قراءة- سماح عادل
منذ فجر التاريخ كانت النساء تقوم بالأعمال التي من شأنها تحقيق حد أدنى من حياة مناسبة للجميع، وقد أكتشفت النساء الزراعة وكانت تقوم على رعاية الأطفال والمرضى والمسنين، كما تقوم بتجهيز الطعام والأعمال الخدمية الأخرى، ورغم تطور المجتمعات الإنسانية ودخولها في أطوار الطبقية المعروفة، إلا أن العمل المنزلي ظل من نصيب النساء، وظل عملاً محتقراً وأقل قيمة بالنسبة للرجال، وظلت جميع المجتمعات تعتبره أعمال دونية ليس لها قيمة اقتصادية، ونتيجة لضغط التيارات التقدمية والنسوية أصبح ينظر للعمل المنزلي كعمل له قيمة اقتصادية.
قيمة العمل المنزلي..
كتاب (تقدير قيمة العمل المنزلي غير المدفوع للنساء في مصر)، للباحثة “د. سلوى العنتري”، إصدار مؤسسة المرأة الجديدة، يتناول العمل المنزلي من وجهة اقتصادية ويعتمد على استخدام عينة من الرجال والنساء.. وتستهدف الدراسة تقدير قيمة المساهمة الفعلية للنساء في النشاط الاقتصادي في مصر، بقياس وتقدير قيمة ساعات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر التي يعملنها، موضحة أنه طبقاً لنظام الحسابات القومية، الذي تلتزم به جميع الدول الأعضاء في “منظمة الأمم المتحدة”، يتم إستبعاد العمل المنزلي غير مدفوع الأجر بإعتباره لا يمثل نشاطاً اقتصادياً موجهاً للسوق، وهو ما يعني أن جزءاً كبيراً من مساهمة النساء الفعلية في النشاط الاقتصادي، ورغم أهميته لرفاهة المجتمع ككل يظل غير معترف به ولا يتم إحتساب قيمته، كما يعني أن المساهمة الكلية للنساء في النشاط الاقتصادي مقومة بأقل من حقيقتها، وهو ما يؤدي بذاته إلى التأثر سلباً على المكانة الاجتماعية للنساء ومدى قدرتهن على المشاركة في صنع القرار.
ويشير الكتاب إلى أنه هناك ندرة في الدراسات التي تقيس العمل المنزلي داخل الأسرة، وتعد هذه الدراسة، التي يقدمها، أول محاولة لتقدير قيمة نقدية للعمل المنزلي للنساء في مصر ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي.
العمل المنزلي في الفكر الاقتصادي..
يوضح الكتاب أن مفهوم العمل المنزل غير المدفوع يضم كافة الخدمات، التي يتم إنتاجها وإستهلاكها داخل الأسرة، أي الخدمات التي يؤديها أفراد الأسرة لبعضهم البعض، سواء تعلق ذلك بأعمال العناية بالمنزل وبتجهيزاته أو إعداد الوجبات أو شراء المستلزمات المنزلية ونقل الأفراد من مكان إلى آخر، أو رعاية الأبناء ورعاية أفراد الأسرة المرضى والمسنين التي تقع على عاتق النساء.
العمل المنزلي في الفكر الماركسي..
يبين الكتاب أيضاً، أن موقف الفكر الاقتصادي الماركسي، التقليدي، من العمل المنزلي غير المدفوع هو أنه يجسد أول أشكال القهر في تاريخ البشرية، وهو عمل غير منتج بل هو عمل بائس ومنهك للأعصاب، وأن الطريق إلى تحرير المرأة هو إنخراطها في العمل بأجر في السوق، لأن هذا هو العمل المنتج، وأنه في النظام الإشتراكي سوف يتم تحرير النساء من تلك الأعمال التي تنتقل مسؤولية القيام بها إلى الدولة.
الفكر الاقتصادي النسوي..
كما أعتبر الفكر الاقتصادي النسوي العمل المنزلي مثله مثل العمل المدفوع، في النظام الرأسمالي، يسفر عن إنتاج قيمة مضافة، ولذا فإنه بجب أن يكون له أجر بالمقابل، والتفت الفكر النسوي الماركسي بشكل خاص إلى الدور الذي تقوم به نساء الطبقة الوسطى في المساهمة في تعليم الأبناء، فنظام المدرسة يفترض مسبقا أن هناك من يساعد الأبناء في استذكار دروسهم في المنزل، وتقوم الأمهات عادة بهذه المهمة التي يفيد منها مباشرة رجال الأعمال نظرا لما يترتب عليها من إعداد للقوى العاملة التي يقومون بعد ذلك باستخدامها.
وتشير أدبيات الاقتصاد الماركسي النسوي إلى أن هناك علاقة ديناميكية بين العمل المنزلي للنساء وبين الرأسمالية. فمن ناحية يؤدى العمل غير المدفوع للنساء إلى تخفيض قيمة قوة عمل الرجال طالما أن عمل النساء يوفر لهم منتجات مجانية أو بتكلفة منخفضة جدا، ويؤدى هذا بالتالي إلى زيادة أرباح الطبقة الرأسمالية، ويعطى لها مبررا للإبقاء على هذا العمل المنزلي المجاني.
عينة بحث..
اعتمد الكتاب على عينة من الرجال والنساء واستخلصت بعض النتائج منها: أن المجالان الرئيسيان الذي يبدو أن هناك تقبل من الرجال للمشاركة فيهما من بين أنواع العمل المنزلي هما الأول التسوق للمنزل، بما فيه شراء الطعام وملابس الأسرة ومستلزمات المنزل أو توصيل أحد أفراد الأسرة لأنشتطهم، والثاني الأنشطة الزراعية لغرض استهلاك الأسرة، وبناء على إجابات المبحوثين يتبين أن الواقع المعاش في المجتمع المصري يشير إلى ضعف نسبة الرجال الذين يساهمون في الأعمال المنزلية مقارنة بالنساء، وأن هناك فجوة كبيرة بين عدد ساعات العمل المنزلي لكل من النساء والرجال طبقا للعينة، حيث يبلغ متوسط عدد ساعات العمل المنزلي الأسبوعية للنساء في مصر حوالي 30 ساعة مقابل حوالي 4 ساعات للرجال.
وأيضا نتيجة أن أعمال الخدمة المنزلية تستأثر بالجزء الأكبر من وقت النساء المبذول في العمل المنزلي غير المدفوع، حيث تأخذ أنشطة الخدمة المنزلية 47 % من إجمالي ذلك الوقت بواقع 14 ساعة أسبوعيا مقابل حوالي صفر ساعة للرجال. وأيضا أن أعمال رعاية الأطفال وكبار السن والمرضى لازالت مسئولية النساء بالدرجة الأولى.
عزوف النساء عن العمل..
يشير الكتاب إلى أن فرضية عزوف النساء في مصر عن العمل بأجر تعتبر أكذوبة، حيث أن القهر الذكوري عبر مؤسسة الزواج هو السبب الرئيسي لعدم استمرار النساء في العمل بأجر، فضلا عن صعوبة العثور على عمل بأجر مناسب أو حتى أي عمل وهو الأمر الذي يعكس مشكلات الركود الاقتصادي وظروف العمل غير الملائمة خاصة في القطاع الخاص، بالإضافة إلى التمييز ضد المرأة في فرص العمل، مثل عدم الحصول على إجازة وضع مدفوعة الأجر، كما أن أكثر من 47% من النساء المشتغلات بالعينة يعملن بدون تأمينات اجتماعية وبدون تأمين صحي ونسبة 17 % منهن يعملن بدون عقود، كما أن مدة العقود تبلغ سنة فأقل في أكثر من 75% من الحالات، كما أن البيانات والتقارير الرسمية تؤكد أن أجور الرجال في القطاع الخاص تزيد عن أجور النساء بنسبة 22% ، ومعظم المنشآت في القطاع الخاص تشترط عند الإعلان لشغل وظائف أن يكون المتقدمون من الرجال.
وطبقا لبيانات المبحوثين تنفق النساء في كل من الريف والحضر ساعات عمل منزلي تماثل عدة إضعاف الوقت الذي ينفقه الرجال على تلك الأعمال، كما أن النساء في الريف يمضين في المتوسط عدد ساعات أطول قليلا من نساء الحضر في رعاية الأطفال والمرضى وكبار السن، وتشير البيانات إلى أن الزواج يؤدي إلى زيادة الأعباء المنزلية غير المدفوعة لكل من النساء والرجال إلا أنه كما هو متوقع تمثل هذه الزيادة بالنسبة للنساء نقلة نوعية ضخمة.
وردية عمل مزدوجة..
كما أنه لا يؤدي عمل النساء في السوق في مصر إلى تخفيض في أعباء العمل المنزلي، بل تستمر مسئوليتهن عن القيام بتلك الأعمال ووفقا لبيانات العينة تعاني النساء في مصر من الظاهرة المعروفة بوردية العمل المزدوج، والتي تتمثل في وردية عمل في السوق والثانية في المنزل، على الرغم أن ظاهرة وردية العمل المزدوجة للنساء يمكن أن تكون قد اختفت في الدول الصناعية المتقدمة، سواء في ظل القوانين والتنظيمات الاجتماعية التي تكفل مشاركة المسئولية الاجتماعية في رعاية الأطفال، وتحفز مشاركة الرجال في تولي مسئولية بعض تلك الأعمال، أو لما يكفله التقدم الاقتصادي من توافر للخدمات العامة الأساسية وعلى رأسها الصحة والتعليم، وما يكفله التقدم التكنولوجي من أدوات منزلية كهربائية لاختصار الوقت والمجهود.
تقدير العمل المنزلي..
يتطلب تقدير المساهمة الإجمالية في النشاط الاقتصادي مقاسا بإجمالي ساعات العمل، حساب ساعات العمل السنوية الكلية للنساء والرجال في مصر، في الشريحة العمرية التي تقع في تعريف سن العمل أي من 15 سنة إلى أقل من 65 سنة، وقد حسبت الدراسة عدد ساعات العمل الكلية للنساء خلال السنة المنتهية في يونيو 2012 وقد بلغت حوالي 50 مليار ساعة مقابل حوالي 58 مليار وبذلك مثلت نسبة النساء حوالي 46 % من إجمالي ساعات العمل، و جاء تقدير قيمة العمل المنزلي خلال يونيو 2012 حوالي 400 مليار جنيه بما يمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
نتائج الدراسة تؤكد على أن العمل بأجر على أهميته البالغة لا يمثل بذاته شرطا كافيا لتحرير المرأة وتعزيز مكانتها وقدرتها على المشاركة في صنع القرار، فلا يمكن الحديث عن ذلك التحرير إذا كان العمل بأجر يعني القيام بوردتي عمل إحداهما خارج المنزل والثانية في داخله، أو إذا كان العمل يتم في غياب أية حماية قانونية وأية تأمينات اجتماعية وحقوق نقابية.
توصيات الكتاب..
ويقدم الكتاب توصيات تتمثل في:
– ضرورة اعتراف الأجهزة الإحصائية الرسمية بأهمية العمل المنزلي غير المدفوع، والالتزام بتضمين إحصائيات النوع الاجتماعي بيانات الوقت المنفق على ذلك العمل، فضلا عن إعداد تقييم دوري شامل للأنشطة المنزلية وإدراجها في حسابات تكميلية لنظام الحسابات القومية وذلك على النحو الذي حددته الأمم المتحدة.
– قيام الحركة النسوية في إطار منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بالتوعية المجتمعية بدور العمل المنزلي غير المدفوع في رفاهية المجتمع والمساهمة الحقيقية للنساء في النشاط الاقتصادي، والضغط لاستصدار التعديلات التشريعية اللازمة في قانون العمل بما يضمن بيئة عمل صديقة للأسرة فيما يتعلق بإجازات الوضع ورعاية الأطفال وإمكانيات العمل نصف الوقت، والضغط لتعديل قانون العمل ليشمل خدمة المنازل والعمالة الزراعية كخطوة أساسية لتوفير الحماية القانونية والتأمينية للنساء العاملات في هذين المجالين، وتفعيل النصوص القانونية المتعلقة بإنشاء دور حضانة في المنشات التي يعمل بها حد أدنى محدد من النساء، وتوعية النساء العاملات بأهمية إنشاء والانضمام إلى النقابات المهنية والعمالية للدفاع عن حقوقهن وتوفير المعلومات والتدريب اللازمين لهن في هذا الشأن.